أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - يوسف الأخضر - المدينة المتفاضلة














المزيد.....

المدينة المتفاضلة


يوسف الأخضر

الحوار المتمدن-العدد: 4053 - 2013 / 4 / 5 - 07:52
المحور: كتابات ساخرة
    


حلومة طفلة بريئة ، تجوب سيرا بين أزقة المدينة المتفاضلة، تترك أختها العجوز بقصرها الفسيح و تذهب، لم تكن تعلم يوما أن الداء سيغزو المدينة، ما كل هاته القمامة على الرصيف، و هذا النبات الشاحب القصير، تهاوى الشجر ولم يبقى منه إلا القليل، كيف لحلومة الصغيرة أن تقطف زهورا لأختها بعد الداء؟ كيف لها أن تستكين للحب بعدما أصبح الكره قاعدة ؟ بعدما تجمد آخر ماء سائل، أيعقل كل هذا ؟ ماذا لو أن حلومة الصغيرة عبست و احتقن دم الورد في شرايينها الضعيفة؟ إنها طفلة لا تحب الكره و لا تعرفه، جالت معي كل دروب المدينة المتفاضلة ولم أرى حينها غير ما أحببت رؤيته، لم أسمع إلا ما أطرب أذناي، لقد كانت الماء الذي ارتوت منه كل المدينة ، لم أكن وحدي أحب حلومة بل الكل؛ إن الضجيج يملأ المكان، و يجعل المدينة تهتز تحت أقدامنا، إنه غضب حلومة الصغيرة ، إنها لا تكره أحدا لكن انتقامها شديد، أين زهورها ؟ بساتينها؟ روائحها العطرة ؟ بل بأي منطق أمست مدينتها متفاضلة؟
بعدما يسدل الليل ستاره الداكن، و يتغلف المكان بظلمته السحرية، ترجع حلومة الصغيرة لقصرها، و تسائل أختها العجوز كيف كانت المدينة قبل الداء، و تتحسران معا لما آلت له ، لقد كان الرجل إنسانا و المرأة إنسانا و الأطفال غاية الإنسان، أما اليوم فمات كلهم بغمزة حاقد لعين، شُنِقوا في ساحة الحرية، و احتضر موتهم بين الأزقة الفرعية، حتى يمنحوا الحياة لقائدهم المقدس، وأحفاده المقدسين بزيهم العسكري، نالوا رضاه بعد موتهم، و أعلنوه متحدثا بصمتهم، و ظنوه فرحا لحزنهم و راشدا لطيشهم. تنام حلومة الصغيرة و الحزن يتربص تقاسيم وجهها، تستكين مرة أخرى للنوم علّه يقيها القلق الذي يعبث بمخيلتها كل ليلة، تركت جسمها الصغير للسكينة المؤقتة، و ضاعت في غابة من السواد.
الآن ، وحلومة البريئة نائمة، تبخر كل وجود و انعدم، تبعثرت كل الكلمات و اغتربت، تهافت المتهافتون حول المدينة و ارتوَوا بمائها الملوث، أوهموا حلومة بأن الماء رذيلة، و حرموا كل أنواع الأزهار و حاكموا الحب في ليلة قمرية هادئة. لو كنت مكانهم لما فعلت ما فعلوا، لا جنون في الحب، بل هو الجنون بثوب أثمن، و من يشتهيه و يرغبه، فهو إله في صورة إنسان، و جنون منقطع النظير. أليس من الحكمة أن نحب كل الأشياء من حولنا ؟ و نقدّرها إلى أقاصي الخيال؟ أهناك شرف في تحقير بعوضة، أو الدوس على نملة مسكينة ؟ لطالما ركبوا على الموج، و ظنوا أن البحر يغازلهم، توهموا أن المطر ينهمر ليروي زراعتهم، حتى إذ هو احتبس بين مدارك السماء، فروا إليها طلبا في الإرتواء و الخلاص.
أينع نور الصباح المبعثر، و غمر أرجاء المدينة المتفاضلة في لحظة عتق و انفراج خادع ، ليدركَ آخر ما تبقى من شعاع الشمس الأصيلة، مضجع حلومة الصغيرة، و ينذرها بقدوم يوم جديد. أيقظت أختها العجوز، و احتضنتها بشوق الهائمين، و وقفتا و نارُ فراقٍ قريب يحرق ما تبقى من حنين بهما. لقد تبخر الدمع في لحظة شجاعة نادرة، انطلقت حلومة البريئة، كعادتها، تجوب الشوارع، وتحتكر كل زقاق، متمردة على إنسانيتها، لم تعد تتذكر شيئا عن الكرامة سوى حروفها المنقوشة، باستفزاز، على أحد جذران الأزقة التي تجوبها كل يوم. لن تبقى حلومة الصغيرة صغيرة، لكن رجائي، المفعم بصدقِ مجنونٍ لا يصادق إلا نفسه وإن أصدق الناس من يذمّ نفسه و يعاتبها، أنك يا حلومة! حين تصبحين عجوز دعيني أرى فيك أبدا حلومة الصغيرة و البريئة.



#يوسف_الأخضر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيد المارد
- الغريق و المنقذ


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - يوسف الأخضر - المدينة المتفاضلة