أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - عيشية الرحيل..














المزيد.....

عيشية الرحيل..


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 15:29
المحور: الادب والفن
    


عشيّة الرحيل
لم تكد تدق أجراس الساعة معلنة نهاية اليوم الأول من السنة الجديدة، حتى توقفت، بلا سابق موعد، عقارب الزمن ليهمس زائر الموت، عند الواحدة من صباح يوم الثلاثاء 2 دجنبر 2013، بأُذن أمي الممددة وسط الغرفة بين أبنائها وأحفادها وبعض الأقرباء والجيران ، ويأمرها بأن تختم الرحلة الطويلة التي عاشتها لأزيد من ست وتسعين عاما، قضتها كلها في الكد والجد والتفاني في عبادة الرب الواحد الأحد.. اسعاد أبنائها، وإرضاء رغباتهم، وتلبية طلباتهم، ومتابعة مسيرهم، وتتبع مسارهم، راضية عن تمرّدنهم وشقاوتهم صبيانياتهم ، سعيدة بثورة طموحهم الشبابي، متسامحة إزاء جحودهم الرجالي، لا يخفت صوتها عن النصح، ولا تفتر عزيمتها عن التربية ، ولا تنحني قامتها عن التخليق ، ولا تستكين روحها عن الحب، ولا يضعف جسدها عن تقديم الخدمات ، لا تشعر وهي ماضية في سبيل ذلك، لا بتعب، ولا بكلل، وبملل، حتى لو كان ذلك على حساب سعادتها وتمتعها بالحياة.
وكما كل الأمهات الصالحات، كانت لا تملك عنوانا وظيفيا، ولا رصيدا بنكيا.. وأحيانا لا تملك حتى حياة خاصة بها، لم يكن لديها سوى اولادها الذين رأت فيهم كل ثروات الدنيا ، ووضعت فيهم كل ما تملك من حب وحنان وآمال، تدافعت عنهم بشراسة الأسود، وضراوة الفيلة ، لم يهدأ لها جفن، ولم يرتح لها بال، حتى تحقق ما من أجله عملت ، وكان لها كل ما أرادت، والذي بسببه تحملت كل ما أتعبها من الألم والحزن والعذاب والخوف ومحاربة الموت لسنين طويلة.. فطرة ربانية، لا ترتبط بفقر ولا بثراء ولا بتعليم أو جهل ، شعور متبادل, ومحبة عميقة متأصلة داخل وجدان الأمهاتهم والأبناء.
ما هذه المقدمة إلا توطئة، أو جزء بسيط من ذلك الإحساس العميق الذي ينتاب المحبين المفجوعين، و يسكبه المعزّون عشية رحيل الأمهات، واللواتي لن يفيهن حق عطائهن كل تعابير العشق والحزن، والرثاء والمديح التي استعملها الإنسان مند عرف الأحاسيس، إذ ليس هناك كلام - مهما كثرت - يمكن أن يعبر عن عطاء أمي ، التي كانت تتفجر حبا لكل الناس ، فلم تكن تلهيها الحياة، ولا تشغلها الهموم، عن صلة الأرحام وزيارة الاحباب، وما كانت المسافات، تمنعها عن زيارة كبيرهم ، ولا تقعدها الامراض عن مساعدة صغيرهم ..
تجرحني ذكرى صور كثيرة، ويحرق لظاها جنبات قلبي، وتبقى أكثرها تفجيرا لأنهر الأحزان التي تكتوي بها اكناف الروح، هي صورة أمي، وهي ممسدة في ذاك الابيض النقي كنقاء روحها، يوم الرحيل، الذي لا يقوى أي منا على التأخر عنه، والذي بدا الوقت فيه طويلا ، ودب خلاله برد جليدي في جنات الغرفة ، وتكاثف الآلام والأحزان في أجوائها، وسقطت الفرحة من تقويمات المحبين، وتوقف نبضهم ، وتسمرت انفاسهم ، وانغرز اليتم والغربة في وجدانهم، لحظة استشعروا، تدافع أنفاسها نحو التحليق فوق أزهار العمر، وتسارع روحها في توق شديد لتلبية دعوة ربها الرحيم، المليك المقتدر.. وعلت ترانيم وأدعية وداعٍ لم يتأهب له، حين اغمضت الأم أجفانها الكليلة، ولوّحت بأصبعي يديها المتعبتين، مرددة الشهادة بشفتيها المتيبستين. وحين أحسست بألم فراقها، وشعرت بحجم بعدها، ساعة توديع نعشها المحمول على الأكتاف نحو مقبرة "وسلان" لتسترخي في رحم أرضها إلى الأبد، تمزق نياط قلبي، وارتجفت يداي ، واصفر وجهي ، وتاه فكري ، وانطفأ النور من عيني، ولم أعد ألمح روحي ، وزاد إحساسي بالغربة ، وتفاقم ضعف قدرة تجرع روحي للأحزان والآلام، وتدفقت دموع عيني على خديّ ، وكل شيء في داخلي يصرخ باسم أمي من أعماق قلبي، سلامي عليك أمي وهنيئاً لك، فقد أفضيتِ اليوم إلى ما قدمتِ، وإلى ما سيعطيك الله خير مما في هذه الدنيا وعليه عملتِ، من النعيم المقيم، والعطاء الدائم، بمتعةٍ لا ألم فيها، وسعادةٍ لا شقاء بعدها، وصحةٍ لا مرض يؤذيها، وإنني سأشتاق إليك، ولطلتك، وضحكتك، وطيبتك، وعمقك، وحنوك، ودماثة خلقك.. وسأشتاق لكل شيء فيه.
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعتقدات الخرافية ومخلوقات الخفاء !؟
- الأمهات لا يتكررن..
- البيات أو عسس الليل.
- حراس العمارات
- إنسانية الطبيب، نصف العلاج ..
- انتحرت فتاة او اغتصبت، وماذا بعد؟؟؟؟؟
- المعتقدات الخرافية ومخلوقات الخفاء !؟
- تفريخ الأحزاب بمغرب اليوم أية آفاق!
- ما الذي يخيف الظلاميين في الحب وفي عيده؟؟
- رد على تعليق
- أحداث ملغومة وكاسدة ومزجاة.
- هل تحرض الفواجعة الحياتية والمآسي الإنسانية على البوح وممارس ...
- مأدونيات غريبة لا يعرفها عنها الكثيرون شيئا، لكنها تدر أموال ...
- لماذا يسرق التراب الأمهات؟؟
- موقف غريب جدااا بمطار القاهرة
- ماذا تريد حواء من بعلها؟؟؟
- قوامة نواب!!!
- قومةنواب الأمة!؟
- الكلاب لا تغتصب بعضها، مثل ما يفعل الإنسان
- الزعامة أو الرئاسة؟


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد طولست - عيشية الرحيل..