أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - ( الرجيع العربي)














المزيد.....

( الرجيع العربي)


سعيدي المولودي

الحوار المتمدن-العدد: 4051 - 2013 / 4 / 3 - 22:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(الرجيع العربي)
بخطوات تمشي بدون هدف كالنار في غصة الهشيم، استقر في ذاكرة كل أعجمي قبل أي عربي أن العرب، السواد الأعظم، القادم باسم الحق في الإيناع وإسقاط أبراج الفصول، أخيرا وضعوا أقدامهم في مجمر التاريخ،ووقفوا على سر الملكوت العريق، وذهب دويهم المستعار في ريش الأرجاء، وخلقوا زمانهم الأعلى من تضاريس الدماء المستباحة في متاهات الأرضين، وسموه ربيعا، وارتموا على أعشابه يتملون ملاءات الضياء في سيلانه المترامي، ربيعا لهجت بفتنته الأبواق ولصوص قطارات آخر الليل، وتناثر عبقه السائح في دفق الأسواق، وخرجت فيه العرب العاربة المستعربة والعابرة المتعربة من رجفة النسيان، ليلقوا أوجههم النفطية في شلالات الوجود. العرب سليلو المفازات والفيافي والقفار، رعاة الإبل الحفاة التائهون في عزلة التاريخ، بناة الرمال الجريحة المتعطشة لأرداف الماء، غزاة الليل والنهار،الراسخون في حضارة النهب ولغات الأحقاد، حماة السراب، الأغربون، يضربون التاريخ في العمق، ويخلعون على موته ربيعا من الدماء، تظلله أشجار الناتو الوارفة، وأكفان عبدة النفط الوثنيين، فرسان هذه الأزمنة القذرة.
والتهليل المشبوب لهذا الربيع اللقيط، له ما يسوغه على أكثر من واجهة، إذ العرب عبر تاريخهم الغريق ظلوا يتماهون مع ضراوة الصحراء ويقظتها الموحشة، والسراب المورق في أفخاذها، ويرقصون على إيقاعات القحط الموغلة في صمت البراري، يفتحون أخيرا باب الحضرة السرية وعشاء العشب الأخير، ويكتبون سيرة الأزمنة المكللة بالحماسات البائدة ولغو الانتصارات البائتة، ليكون الربيع لحظة ميلاد لهم في ثنايا التفاصيل الموغلة في الوجع الكبير، ويبدأون رحلتهم الخالدة في مواقد الحياة الرقراقة. فهل تغسل ألواح ربيعهم سراب الصحراء وسحابها القائظ؟ وكيف سيلقي العرب أثوابهم القديمة الموشومة بالصبابات والبكاء على الحطام، وما يعنيه الغبار وخيبات الماء في خرصة الخلاء؟ وهل بالإمكان أن تلد كآبة الصحراء الأرض الجرداء العارية ربيعا يرخي كبرياءه على الأرجاء.لو كان الأمر هكذا، فإن الزمن والمكان بالتأكيد يخون أحدهما الآخر، ويتلمسان الطريق معا نحو الخراب.
تاريخيا، وجغرافيا، وثقافيا، لا يعرف العرب زمنا اسمه الربيع، كان الزمن لديهم يدور وفق حركتين هما حركة الشتاء والصيف، والسنة تبعا لذلك يتوزعها فصلان اثنان هما الشتاء والصيف، وهما موسمان ثابتان في زمنهما لا يدوران، وبينهما كانت حياة العرب ورحلة وجودهم الحضاري والجغرافي، واكتسبوا هويتهم ضمن هذه الثنائية، حيث كان ربيعهم ينحل في دورة الشتاء، ولا صلات له بالربيع كما كان معروفا لدى شعوب وأمم أخرى تختلف جغرافيتهم عن جغرافية العرب في جزيرتهم الموصدة، وكان ربيعهم يرشح بمعان لا يحدها زمن معين من أزمنة السنة، بل إن الخريف كان بالنسبة إليهم هو الربيع (وكلهم مجمعون على أن الخريف هو الربيع). وما يحدث الآن لا يحيل إلى مفاهيم ثقافية وحضارية أصيلة في التاريخ العربي،والربيع الذي تتفتح أظافره اليوم، ويراد له أن يختزل الوجود العربي، إنما هو بقعة ضوء خادعة تؤسس لأفق هوية عربية مسكوكة طبقا لاستراتيجية، أمريكية أو غير أمريكية، واضحة المعالم تستهدف في النهاية تعزيز آليات التحكم وشهوة الاحتواء العاتية.
وقراءة سريعة لما آلت إليه الأوضاع في الأقطار التي ساد الزعم أنها رعت تباشير هذا الربيع وحضنت أزهاره ووروده، وعانقت نسائمه الندية، تؤكد أن هذا الربيع هو مجرد وهم طائف، خاصة وأن هذه الأقطار انخرطت في سفح من الارتدادات الممنهجة والعودات المحسوبة إلى غرة الوراء واستعادة نبض أزمنة الاستبداد القاتمة، القائمة على استباحة الدماء وتشريع قسوة القتل للجميع. ويبدو أن الجهات التي راهنت على إيحاءات الربيع وبعض دلالاته المجازية لتبرير الممارسات الهمجية التي قام بها المرتزقة الأوغاد فرسان الناتو المسخرون، كانت في الواقع تتربص بهذه الأقطار لتضع قدميها في الهوة وتقود سوادها للغمة الهائلة.
وما شاع من أن الربيع هو ميلاد جديد للعرب واندفاع ضار إلى بناء أعشاش الديموقراطيات المتطاولة، لم يكن إلا بذرة حبائل توسلت هياج الأحلام لتفتح النار على براري الأمان، وكان الربيع رجيعا، عتمة نفق وطريق لا تؤدي، حملت ريح الوديان نتانته الغزيرة ويقطر الرعب من أجراسه ( نتن الأصل ورداءة الفرع).
لقد كان الربيع الموهوم مدججا بشعارات راديكالية ساحرة باهرة وآسرة، من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام"، ولكن الوقائع والأحداث المتتالية أكدت، بالملموس، أن هذا الشعب لا يدرك على الإطلاق معنى النظام ولا معنى إسقاطه، وأنه بالقوة والفعل، لا يعي ما يريد، ولدرجة ما كان يريد ما لايريد، وقد أسقط النظام وبايع الفوضى العتيدة لتفتح أبواب الفتنة الوحشية على المصاريع وخسر رعشة الرهان.
فيا لغباوة هذه الشعوب التي تسقط "النظام" لتتوج "الفوضى" سلطانا عليها، وتطلق أبابيل الدمار لاغتيال روعة الألوان وبهجة الأوطان.
سعيدي المولودي



#سعيدي_المولودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا وعقدة -الشين-
- ضد هدر - الكرامة الأصيلة- لسكان جبال الأطلس
- وزارة التعليم العالي و- الأسواق المدرجات-
- -أصدقاء السوء-
- - تجديد النخالات-
- -أمريكا تجني ثمار ما زرعت-
- - النفط قائدا ومناضلا-
- وزارة التعليم العالي: التلويح بمحاربة الفساد باليمنى، و-التش ...
- وزارة التعليم العالي تخلف وعد -مراسيمها-
- صناعة -السيبة- في كلية الآداب بمكناس
- - العملاء ورثة الأنبياء-
- في مديح - الفيتو-
- -دعاء الاستوزار-
- الحملة والشعارات الانتخابية
- - تنزيل الدستور وما يليه-
- - إن ينصركم الناتو فلا غالب لكم-
- في نقد حصيلة الحوار الاجتماعي: الأساتذة الباحثون والقبض على ...
- -الرافد العبري-
- انتخابات برج القوس
- الانتماء المغاربي لسعدي يوسف ( قراءة في نصوص الشمال الإفريقي ...


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيدي المولودي - ( الرجيع العربي)