أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - بازغ عبد الصمد - العقوبات الإقتصادية الدولية















المزيد.....


العقوبات الإقتصادية الدولية


بازغ عبد الصمد

الحوار المتمدن-العدد: 4049 - 2013 / 4 / 1 - 20:10
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مقدمة:

العقوبة في الأصل اللغوي، كلمة تنصرف إلى ثلاث معان هي: المعنى الأول هو الثواب، و المعنى الثاني هو الجزاء، أما المعنى الأخير فهو المقاضاة. أما في القانون فيعني العقاب الجزاء على مخالفة القاعدة القانونية، وقد عرف العقاب في الحضارات القديمة بمعنى المعاقبة على الخروج على قيم الجماعات، وقد اختلفت أنواع العقوبات بإختلاف ثقافات هذه الحضارات و قيم الجماعات فيها، و قد أثبتت الدراسات الأثرية، أن رمسيس الثاني ( ملك مصر الفرعونية) عندما إنتصر على ملك الحيثيين طلب من هذا الأخير إبرام معاهدة سلام بين الدولتين في عام 1978 ق م، و هذه المعاهدة ألقت الضوء على فكرة العقوبات الدولية لدى الفكر الفرعوني خاصة، و قررت ثلاث مبادئ في العلاقات الدولية بصفة عامة و هي:
أولا: مبدأ السلام الدائم و العادل بين الدولتين.
ثانيا: مبدأ المعاملة بالمثل في مجال الدفاع.
ثالثا: مبدأ تسليم المجرمين.
و في الهند يشهد التاريخ الهندي القديم أن الدويلات الهندية أقامت نظما قانونية دولية في السلم و الحرب، وقد وجدت في الهند القديمة مدونات للقانون تتعلق بالالتزامات نحو الدول الأخرى، مثل قانون مانو ( 200 ق م ). و في الصين القديمة، فقد عرفت نظم التحالفات بين الإمارات الصينية، كما عرفت حرب الجزاء التي تشن لإستخلاص حق عجزت الوسائل السلمية عن إستخلاصه، أو تشن على من يقوم بانتهاك التزاماته الدولية.
و في الحاضرة الإغريقية أمكن اللجوء إلى التحكيم مثلما جاء في معاهدة الصلح بين اسبرطة و أرجوس المبرمة سنة 470 ق م، وقد احتلت العقوبات الإلهية مركزا هاما في قلوب اليونانيين، وكانت تجتمع الدول اليونانية في حلف دلفي Delphi وهو مؤتمر دولي يعقد في صورة مؤتمر دولي يوقع عقوبات ذات طابع أدبي و ديني. و أهمها العدالة و الإنصاف و ردع المعتدي الذي اعتبرته التقاليد اليونانية و الكنسية في العصور الوسطى معتديا على الله و أصبحت جريمته ضد المجتمع هي جريمة في حق الله و محاربته جهاد مقدس سواء كان المعتدي فردا أو جماعة أو دولة.
وقد عرفت الحضارة الرومانية عقوبات أبرزها الحرب المقدسة ( حرب الجزاء) و الجزاءات الدينية الناجمة عن الخوف من الألهة، و بعض العقوبات المعنوية مثل اللوم.
و في مرحلة القانون التقليدي و الذي نشأ و تطور في اطار زمني يمتد من معاهدة ويستفاليا 1648 حتى الحرب العالمية الأولى، فمنذ نشأت الأسرة الأوروبية في وستفاليا شهد المجتمع الدولي عدة تطورات كان لها الأثر الأبلغ في تطور نظام العقوبات، و أبرز هذه التطورات الحروب المستمرة و إقامة نظام توازن القوى، و الثورة الفرنسية، و تطوير مفاهيم الديمقراطية، و الثورة التكنولوجية و الصناعية و ظهور النزاعات الدينية و القومية، و الإتجاه إلى ضبط الصراع الحر بين جهة الإنسانية و الكشوف الجغرافية.
أما في مرحلة التنظيم الدولي، فيعتبر قيام عصبة الأمم فاتحة عصر التنظيم الدولي الحديث، ثم مرحلة ما بعد نهاية الحرب العظمى الأولى و حتى نهاية حرب الخليج الثانية 1999، فتميزت هذه المرحلة بتعدد أشخاص القانون الدولي العام سواء على مستوى الدول أو على مستوى المنظمات الدولية، و بدأ الإتجاه إلى تحريم الحرب في العلاقات الدولية و اللجوء الى آليات أخرى غير التقليدية في إدارة الصراعات الدولية. و من خلال كل ما تقدم سنحاول الإجابة على عدد من الأسئلة الجوهرية في الموضوع:
- ماهي المرتكزات القانونية للعقوبات الدولية الإقتصادية؟
- ماهي الأبعاد السياسية للعقوبات الدولية الإقتصادية؟
- الأثار الناجمة عن العقوبات الدولية؟
- مستقبل العقوبات الإقتصادية الدولية؟
سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال أربعة محاور، نتطرق في الأول للمرتكزات القانونية للعقوبات الاقتصادية الدولية و في محور ثاني للأبعاد السياسية لهذه العقوبات، في ما نخصص الثالث للآثار المترتبة عنها، أما المحور الرابع سنحاول فيه مناقشة مستقبل هذه العقوبات، معتمدين في ذلك عدة مقاربات، قانونية و سياسية و اقتصادية و أخيرا مقاربة إستشرافية.
المحور الأول: الأساس القانوني للعقوبات الإقتصادية الدولية: قرار سياسي اقتصادي في ثوب ثانوني.
عقد مؤتمر بريتون وودز عام 1944 لتقوم الدول بوضع الإطار القانوني للعلاقات الدولية الإقتصادية بعد الحرب ع II، و قد اتفقت الدول في هذا المؤتمر على إنشاء منظمتين لكل منهما دورها في دعم الإستقرار الدولي الإقتصادي، و تجنيب الدول الأزمات الإقتصادية الكبرى، هاتان المؤسستان هما: البنك الدولي للإنشاء و التعمير، صندوق النقد الدولي. و قد عملت هاتان المؤسستان لأكثر من 50عاما ساعدتا خلالها كثيرا في تنمية و تطوير النظم الإقتصادية الدولية، و قد قامتا بهذا الدور بنجاح كبير إعتمادا على أحكامها القانونية الملزمة التي يترتب على إخلال أي دولة بها تعرضها للتدابير العقابية المؤثرة.
كما أن قواعد القانون الدولي مثلها مثل باقي القوانين الأخرى تتسم بالصبغة الجزائية، و المخالف لأحكامها يلقى الجزاء الرادع سواء كان شخصا طبيعيا فردا، أو إعتباريا دولة، و إن كان مازال البعض يشكك في فعالية الجزاء الدولي لكونه ينظم علاقات بين دول متساوية في السيادة... و الجزاءات الإقتصادية بالتحديد ، التي أصبحت تعرف بالعقوبات الإقتصادية هي نوع من أنواع الجزاء، أصبحت لها أهمية قصوى في العلاقات الدولية الحديثة.
إلا أن هذه العقوبات الإقتصادية تحتوي في الغالب على جوانب قانونية و سياسية أيضا، حتى أن الفقيه كالفوريسكي و هو كاتب قانوني و سياسي في المملكة المتحدة يرى أن توقيع العقوبات الاقتصادية يتم طبقا لقرار سياسي اقتصادي في إطار قانوني، و تثار بسبب ذلك إشكالية في غاية الأهمية، تتمثل في اختلاط هذه المضامين خاصة الاقتصادية و اليسياسية و القانونية، وطغيان الأولى و الثانية على الثالثة في بعض السوابق الدولية، مما يجعل من الضرورة، توضيح متى تكون إجراءات الخطر الإقتصادي الدولي، عقوبات اقصادية دولية وفقا لأحكام القانون الدولي، و مبادئ الميثاق؟.. و متى تكون ظغوط أو إكراهات إقتصادية دولية، تصل إلى درجة العدوان الاقتصادي الذي لا يقل أثره في العلاقات الدولية المعاصرة عن العدوان المسلح؟
و تجدر الإشارة إلى أن العقبة الأولى التي يصطدم بها الباحث عند تحديد العقوبات الإقتصادية الدولية، هي تعدد المصطلحات التي تطلق عليها، فهناك من الباحثين و السياسيين، و الكتاب....من يطلق عليها المقاطعة الإقتصادية و هناك من يسميها الحظر الإقتصادي و خامس يطلق عليها العقوبات الإقتصادية، كل ذلك بسبب تداخل المضامين السياسية و الإقتصادية و القانونية فيها، و لدرء هذا الإختلاف سنعتمد مصطلح ( العقوبات الإقتصادية) لأنه يدل على المشروعية و يحمل معنى العقاب القانوني، و هي مبدئيا تعرف بأنها: ( النتيجة القانونية الشرعية، التي تقررها و تنفذها الدول بشكل إنفرادي، أو إطار المنظمات الدولية العالمية أو الإقليمية، تترتب على اعتداء او مخالفة دولة أو مجموعة دول لمبادئ القانون الدولي أو لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، و تتخد إجراءات حظر إقتصادي.
ومن جهة أخرى يمكن لمجلس الأمن أن يدعو إلى فرض عقوبات إقتصادية جماعية بمقتضى المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، إذا كان قد قرر أولا بمقتضى المادة 39 أن هناك تهديدا للسلام، أو خرقا للسلام أو عملا من أعمال العدوان، و إذا كان الهدف من فرض العقوبات هو الحفاظ على السلام و الأمن الدوليين أو إعادتهما.
على أنه قبل إستعراض الاعتبارات القانونية التي تحت مجلس الأمن على فرض عقوبات إقتصادية، يصبح من المهم وضع سلطة المجلس في فرض العقوبات في إطارها القانوني و السياسي، فالأهداف التي أنشأت من أجلها الأمم المتحدة واردة في المادة الأولى من الميثاق. و لا شك أن الهدف الرئيسي هو الحفاظ على السلام و الأمن الدوليين، الذي تنص الفقرة الأولى على تحقيقه من خلال التدابير الواردة في الباب السادس من أجل التسوية السلمية للمنازعات أو الإجراءات أو الإجراءات القسرية المنصوص عليها في الباب السابع.
و إذا ما قرر مجلس الأمن وجود تهديد للسلام أو إنتهاك له أو عمل من أعمال العدوان، فسوف يصدر توصيات أو يقرر اتخاد التدابير للحفاظ على السلام و الأمن الدوليين أو إعادتهما. وقد تكون هذه التدابير هي المنصوص عليها في المادة 41 " التي لا تتضمن استخدام القوة المسلحة"، مثل العقوبات الاقتصادية، أو التدابير الواردة في المادة 42 و التي تتضمن " الأعمال العسكرية التي تمليها الضرورة للحفاظ على السلام و الأمن الدوليين أو إعادتهما".
و هناك من يقول أن مجلس الأمن ليس ملزما بتنفيذ قانون حقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني عندما يفرض عقوبات اقتصادية بمقتضى المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة. و تستند هذه الحجة على نص هذه المادة، التي يبدو أنها تعطي مجلس الأمن سلطة غير مقيدة فيما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية جماعية ( بشرط توفر ظرف تهديد السلام أو خرقه أو حدوث عمل من أعمال العدوان و بشرط أن يكون الهدف من فرض العقوبات هو الحفاظ على السلام و الأمن الدوليين أو إعادتهما). كما تستند إلى المواد 1 و 25 و 103 من الميثاق. و يستخلص من هذا التفسير أن التدابير القسرية الجماعية التي يتخدها مجلس الأمن يمكن أن تتجنب الالتزامات التعاقدية للدول الأعضاء المنصوص عليها في قانوني حقوق الانسان و القانون الدولي الإنساني. و ليس هذا فقط بل يستخلص أيضا أن مجلس الأمن ليس مقيدا بمبادئ العدالة و القانون الدولي في تطبيقه للعقوبات الاقتصادية الجماعية بمقتضى المادة 41.
المحور الثاني: الأبعاد السياسية للعقوبات الإقتصادية الدولية سلاح للضغط و الهيمنة بديل عن الحرب.
الحقيقة أن أثر الأبعاد السياسية على أثر الإجراءات القانونية في إقرار العقوبات الاقتصادية، في إطار المنظمات الدولية أو خارجها، واضحة في العلاقات الدولية المعاصرة، ويرى بعض فقهاء القانون الدولي مثل الأستاذ (فيرالي) أن هذا الأمر غير مؤثر على الطبيعة القانونية للعقوبات الإقتصادية الدولية، و حسب بعضهم الآخر، الأستاذ ( نشأت عثمان الهيلالي) فهذه الميزة تصبغ العقوبات المذكورة بالصبغة الفضفاضة ينجر عنها تعدد المصطلحات التي يطلق عليها و تجعل الدول خاصة الكبرى تعملها كسلاح للظغط الاقتصادي على الدول المستضعفة، و تحمل هذه الظغوطات الطابع السياسي.
كما أنه لا يمكننا الفصل بين العقوبات الإقتصادية و السلطة التي تنبع منها، لأن العقوبات لم تظهر من العدم من دون مسوغات و أهداف، بل هي ترجمة لسلطة أو نفوذ ما. هذه السلطة و كما يعتبرها هانس مورجنتاو، هي في " رقابة رجل على رجل"، و السلطة السياسية هي الرقابة المتبادلة بين رجال السلطة العامة...و الشعب بصورة عامة. أما سيرج سير يعرف النفوذ كل قدرة على "فعل" و "جعل الآخر يفعل" و "منع فعل" و "رفض فعل"، و هو ما يعبر عنه دافيد بالدوين حين عرف القدرة بالمواقف التي يقوم فيها "أ" بجعل "ب" يقوم بشيئ لا يمكن أن يقوم به في حالة أخرى بصرف النظر عن كيفية قيام هذه المواقف.
و هذا ينطبق على سلوك الدول فيما بينها، فتشكل العقوبات إحدى الوسائل الموضوعة بتصرف الدول لتعبر عن سلطتها على الساحة الدولية، أحاديا أم جماعيا. كما تعبر عن التطور الحاصل المضامين على المسرح الدولي، إذ اعتمد الطرح الكلاسيكي في دراسة العلاقات الدولية على الرد على إشكالية الحرب و السلم انطلاقا من الأخد بموقع الدول ذات السيادة، ليبقى اللجوء إلى الحرب الميزة الرئيسة لعلاقات هذه الدول فيما بينها و لكن الواقع الدولي اختلف؛ فأصبح يعتمد على مظاهر جديدة في العلاقات الدولية وخاصة فيما يتعلق بالهيمنة و فرض الإمتيازت اللذين لم يعودا يتحققان بالضرورة من خلال الركون إلى الحرب أو النزاع المسلح، إنما عبر عوامل أخرى تتجلى في قدرة الدولة على بسط نفوذها من خلال الأدوات الإقتصادية في سياق الآليات المعمول بها على الساحة الدولية، و بالتالي فإن الأداة الإقتصادية باتت تستخدم غالبا مكان الأداة العسكرية في لعبة القوة الدولية و قد تحقق نجاحات مطلقة أو نسبية بحسب الظروف و الموقع.
المحور الثالث: أنواع العقوبات الإقتصادية الدولية من المقاطعة.. إلى الحصار
تنصب العقوبات الإقتصادية الدولية في بعدها الإقتصادي، على إجراءات الحظر التجارية، و المالية، و المواصلاتية، و السياحية،...أي على الجوانب الإقتصادية، دون غيرها من الجوانب العسكرية أو الدبلوماسية و إن كانت في بعض أشكالها تطبق عمليات مسلحة، إلا أن ذلك لا يعني أنها أعمال حرب، أو عقوبات عسكرية بل تبقى محافظة على صفتها السلمية، و تتراوح بين الحظر البسيط لاستيراد سلعة معينة أو تصديرها، و الوقف الكامل و الشامل للعلاقات الاقتصادية و التجارية مع الدولة التي يراد معاقبتها، و رعاياها، وبين الشمولية و الجزئية تتخد العقوبات الاقتصادية عدة أساليب سلبية و إيجابية.
أولا: الإجراءات السلبية
تطبق مباشرة على الطرف المعتدي، المراد معاقبته، وتحرمه من إقامة علاقات اقتصادية طبيعية مع باقي البلدان و بالتالي إضعافه ماديا، و الحد من طاقته العسكرية، و قدراته الحربية، خاصة إذا كان العقاب نتيجة عدوان عسكري و لا يخفى ما لهذه التدابير من تأثيرات إذ تضغط على الدولة المعتدية و تجعلها تحجم عن عملها غير الشرعي، و قد تؤدي في بعض الأحيان إلى حد إسقاط الحكومة القائمة فيها، وقيام حكومة أخرى بديلة، تتراجع عما قامت به الحكومة الأولى، و تتجسد هذه التدابير في الوسائل التي سنتناولها في النقاط الأربعة الأتية:
1 المقاطعة الإقتصادية:
يرادف لفظ المقاطعة في اللغة العربية لفظ، (BOYCOTTAGE) في اللغة الفرنسية المقتبس من لفظ (BOYCOTT) في اللغة العربية، و تعرف المقاطعة الإقتصادية بأنها: ( الإجراءات الرسمية التي تؤدي إلى قطع العلاقات الإقتصادية بين دولة و أخرى معتدية، عندما لا تكون هناك حالة حرب معلنة بينهما)، و عرفت مثل هذه المقاطعة، العلاقات الدولية منذ قرون، كما كانت إجراءات المقاطعة ذات طابع سلمي. وتشمل إجراءات المقاطع الإقتصادية، وقف كل العلاقات الإقتصادية، التجارية، و المالية، والإستثمارية، و الإجتماعية التي تتم على مستوى الأشخاص كالسياحة و الهجرة و السفر...الخ ولذلك فإنها استعملت كتدابير عقابية دولية، تعد أهم عقوبة اقتصادية توقعها دولة أو مجموعة دول ضد الدولة التي يراد الظغط عليها بالإضافة إلى كونها تمثل النموذج الأمثل للعقوبات الإقتصادية، و كمثال على هذه المقاطعة عمدت الصين إلى إستخدام هذا السلاح تسع مرات في الفترة ما بين 1908 و 1931، و كانت الحكومة الصينية منظمة لهذه المقاطعة بشكل صريح و علني.
2 الحصار الإقتصادي:
يعد الحصار البحري أهم إجراءات العقوبات الإقتصادية التي توقع على الدولة المخالفة للمشروعية الدولية، يأتي هذا الإجراء لزعزعة اقتصادها و تنفذه قوة بحرية و جوية كافية، و الأصل في الحصار البحري أنه عمل حربي، إلا أن تطور الآراء و النظريات في قانون العلاقات الدولية الحديثة أدى إلى ظهور حصار سلمي سمي: (الحصار الإقتصادي)، و جعل الفقهاء الدوليين يميزون بينه و بين الحصار الحربي، أنه إجراء سلمي يتم في وقت السلم، كما أنه يطبق على سفن الدولة المحاصرة فقط.
و الرأي الغالب عند الفقهاء أن الحصار الإقتصادي من الناحية القانونية إجراء مشروع، وقد نصت عليه المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة كما نرى أن لا يقتصر الحصار الإقتصادي على الإجراءات البحرية بل لابد أن يدعم بالحصار الجوي، و هو ما أقره مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة ضد ليبيا ضمن القرار رقم: 848 المصادق عليه في 31 مارس 1992، و إن كان بإيعاز من الدول الغربية.
3 الإجراءات الجمركية:
لقد نتجت الإجراءات الجمركية عن تطورات العلاقات الإقتصادية الدولية و تطور وسائل مراقبة التصدير و الإستيراد خصوصا، ولذلك فهي تمثل أسلوبا من أهم الأساليب التي تتم عن طريقها العقوبات الإقتصادية، نذكر أهم أنواعها: أولا عدم السماح بالمساعدات الجمركية، وحرمان الدولة المعتدية المعاقبة من إمتيازات جمركية، كانت تحصل عليها من قبل، ثانيا استعمال نظام الرسوم الجمركية الحامية، و غالبا ما يأخد هذا الإجراء شكل الزيادة المستمرة.
4 وقف العلاقات الإقتصادية:
يتم وقف العلاقات الشخصية عن طريق منع رعايا الدولة المعاقبة و شركاتها من إقامة أية علاقات مع شركات و رعايا الدول الواقع عليها سواء أكان ذلك بمنع السياحة، أو الهجرة، أو حتى السفر، ويتبع في مثل هذه التدابير نظام صارم في إصدار جوازات السفر، و كذلك منع الدولة الواقع عليها العقاب من إقامة إستثمارات أو الحصول على إمتيازات معينة، و لهذا النوع من الإجراءات آثار نفسية على الدولة ورعاياها إضافة إلى الآثار الإقتصادية إذ من الصعب أن تعيش دولة في وقتنا الحاضر منعزلة عن باقي الدول في العالم.
ثانيا: الإجراءت الإيجابية:
تعد التدابير الإيجابية، متممة للإجراءات (السلبية)، و يهدف من وراءها الى القضاء على محاولات إختراق العقوبات المفروضة على الدولة التي ارتكبت الفعل غير المشروع و ضمان عدم التعامل المباشر معها، بما فيها مراقبة الشركات المتعددة الجنسيات و منعها من تصدير منتجاتها أو إقامة فروع لها، أو حتى شراء بضائعها، مهما كلف السعر حتى لا تصل إليه، أو إتخاد الإجراءات اللازمة لعدم تدفق رؤوس الأموال و الخبرات الفنية، و سنتطرق لكل هذه المحاور بالتفصيل في المطالب الأربعة التالية: مع ملاحظة وجوب توقيعها وفقا للقانون و المشروعية الدولية حتى تجسد العقوبات الاقتصادية و الا عدت مجرد ضغوط.
1 نظام القوائم السوداء:
و يعني إدراج أسماء الأشخاص أو الشركات الذين لهم علاقات مع الدولة المعتدية في قوائم خاصة تعرف بالقوائم السوداء، و يترتب عن ذلك إعتبار هؤلاء الأشخاص أو الشركات في حكم الدولة المعتدية، و بالتالي تطبيق كل إجراءات المقاطعة عليهم.
ويستهدف هذا النظام التأثير على الدول المحايدة بالضغط عليها اقتصاديا، و حتى لا تقيم علاقات اقتصادية مع الدولة أو الدول المعتدية، و عليه فهو إجراء متمم لتدابير الحصار الاقتصادي و باقي التدابير الأخرى و يمتد أثره إلى المواطنين الذي يتعاملون مع الأفراد أو المؤسسات المحظور عليها، وذلك بقصد تشديد عزل الطرف المعتدي، و الحيلولة دون حصوله، على المواد الخام و السلع الاستراتيجية.
2 المشتريات التحويلية:
يقصد بالمشتريات التحويلية، شراء المواد الإستراتيجية من الدول المحايدة، و اختزالها لمنع وصولها إلى الدول أو الدولة المعتدية، و يركز هذا الإجراء على حرمان الدولة المعاقبة من الحصول على الموارد الإقتصادية أكثر من تركيزه على الشروط التجارية و لكي يكون ذا فعالية يجب، أولا كفاءة الإدارة المشرفة على تنفيذه و سرعة إجراءاتها، و مدى إستعداد الدول المنفذة له للتضحية بمصالحها الإقتصادية من أجل نجاح تطبيقه.
المحور الرابع: مستقبل العقوبات الإقتصادية: بين نسبية الفعالية و الرسوخ في العلاقات الدولية.
يستدل من تجارب الماضي و الحاضر، أن العقوبات الإقتصادية لن تثبت نجاعتها إلا إذا طبقت بشكل كامل من جانب جميع دول العالم ( حالة العراق مثلا)، أو على الأقل من قبل الدول التي ترتبط إقتصاديا مع الدول المعرضة لتلك العقوبات.
و من ثمة يشكك المراقبون في مدى نجاعة العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ عدة سنوات على ايران بهدف إرغامها على وقف مشروعها النووي. فالنظام الايراني لا يولي أهمية لأحوال سكانه الاقتصادية، فضلا عن أن العقوبات الدولية لا تفر ض الا بشكل جزئي فقط على ايران. و المعروف أن روسيا و الصين تعارضان فرض عقوبات دولية صارمة و معوقة على ايران، فيما تردد دول أخرى تعتمد اقتصادياتها على النفط الإيراني، في تجميد روابطها الإقتصادية مع ايران.
و يرى بعض الخبراء أن سلاح العقوبات الاقتصادية هو سلاح محدود الفعالية، و لا يكمن اعتباره بديلا للوسائل الدبلوماسية و العسكرية. و عليه يجب استعماله بشكل حذر و مدروس، و يجب ان تمارس الى جانبه وسائل أخرى، بغية تحقيق الاهداف المرجوة منه. و لذلك بعض المراقبين يرو أن مستقبل العقوبات سيكون ضعيف مقارنة مع الماضي و الحاضر، و يعللون موقفهم هذا بالمصاعب الرئيسية في فرض العقوبات الاقتصادية الدولية، و يطرحون المثال الايراني كأفضل مثال في هذا الصدد، فالاقتصاد الإيراني يعد خاضعا لسيطرة الحكومة أكثر من كونه سوق حرة. و يقدر البعض أن الحكومة تسيطر على حوالي 80% من الاقتصاد الكلي للبلد. و يرى الخبراء أن غياب قطاع حيوي خاص يخلق نقص في طبقة رجال الأعمال التي من الممكن أن تضغط على الحكومة لدفعها للإذعان لمطالب مجلس الأمن من أجل رفع العقوبات. و المصالح و المعاملات التجارية الأجنبية الإيرانية تزيد من شدة تعقيد العقوبات، و كما هو معروف ايران احتفظت بعلاقات تجارية قوية مع الكثير من دول الإتحاد الأوروبي، و مع أسيا و الشرق الأوسط.
رغم ذلك يبقى أسلوب العقوبات الاقتصادية يشهد تزايدا واضح في العلاقات الدولية، فخلال الفترة من 1990 إلى 2000 كانت هناك 116 حالة عقوبات اقتصادية أغلبها وجهت نحو العالم الاسلامي، وقد شاركت الولايات المتحدة في 66% منها .

خاتمة:
إن العقوبات الإقتصادية التي تفرض على الدول، تعتبر سلاحا من أسلحة الحرب و العدوان، وفي هذا السياق يندرج ما نشرت وسائل الإعلام المختلفة حول التأثير المرعب للعقوبات الاقتصادية على العراق، فقد تسببت هذه العقوبات في ارتفاع نسبة وفيات الأطفال دون سن 15 من العمر بمعدل ستة أضعاف، و بعثت مجموعة من الأمركيين الأعضاء في جمعية ناشطة هي (اصوات في البرية) رسالة (ساخرة) الى الرئيس بوش بعد أن زارت أقسام الأطفال في المستشفيات بمختلف انحاء العراق قالت فيها: ( لقد إكتشفنا بالفعل أن أسلحة الدمار الشامل موجودة...فقد قضى مئات آلاف الأطفال كنتيجة مباشرة للعقوبات الاقتصادية التي ابقتها الولايات المتحدة...)، و بالتالي يظهر أنه في بعض الأحيان تكون العقوبات الاقتصادية أشد فتكا بالشعوب من الحرب العسكرية.

قائمة المراجع
لسان العرب ابن منظور.
د فاتنة عبد العال، العقوبات الدولية الإقتصادية ، دار النهضة العربية، طبعة 2000.
خلف أبو بكر، العقوبات الإقتصادية في القانون الدولي المعاصر ، ديوان المطبوعات الجامعية.
آنا سيغال، العقوبات الإقتصادية القيود القانونية و السياسية ، المجلة الدولية للصليب الأحمر، العدد 836، الموقع الإلكتروني اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
جزء من دراسة لأنطوني كوردسمان، نشرها معهد الدراسات السياسية و الاستراتيجية الأمريكي، من موقع، http://www.islammemo.cc، يوليوز 2006.



#بازغ_عبد_الصمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بنية الفاعلين في التحول بعد الحرب الباردة
- معاهدة إنشاء إتحاد المغرب العربي- مناقصها و نواقصها-
- ورقة تعريفية بمنظمة العفو الدولية
- النزاعات المسلحة غير الدولية - ماستر العلاقات الدولية و القا ...


المزيد.....




- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - بازغ عبد الصمد - العقوبات الإقتصادية الدولية