أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - يوسف ابو شريف - أنا وكلب هايدي














المزيد.....

أنا وكلب هايدي


يوسف ابو شريف

الحوار المتمدن-العدد: 4049 - 2013 / 4 / 1 - 04:47
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


ارتج المقعد رجّات خفيفة من تحتي معلنا هبوطا هادئا على الأرض . لكن تفكيري بقي محلّقا يجترّ اللوحة التي التهمها قبل الهبوط ، لمدينة رسم قلم الحداثة أدقّ تفاصيلها على خلفيّة خضراء ، وكأنّها شيء من الفضاء ، أفسح لنفسه مكاناً وسط غابة واستقر فيها .وتأكدت بعد أن ابتسم موظف الجوازات الأشقر خاتماً جواز سفري بأني قد وصلت مبتغاي ،وأن قتالي طوال سنيني العجاف لأصل إلى جنتي المحلوم بها قد شارف على نهاية موفقة.ـ
لم أشأ لحظتها تعكير صفو فرحتي بتذكّر العناء الذي كابدته لأصل إلى أرض أحلامي ، أو الجيوب والقلوب التي اعتصرتها من حولي لأستمتع بتلك اللحظات التي أعرف تماما بأن ما من أحد ممن كانو مثلي إلا ويحسدني على أني أعيشها الآن .ثم توجهت وقتها الى الأمام، علّ الهروب إليه ينقذني من تذكر أحوال أهل الخلف الذين كنت قبل ساعات بينهم ـ
في صالة الانتظار كانت منتشلتي من مستنقعي تنتظرني ،تلك التي عرفتني نادلا في مطعم ثمن الوجبة فيه تكفي أهلي لياكلوا أسبوعاً. فشلت أناقتي آنذاك في إخفاء بؤس يفضحه شقاء النظرة ، وارتجاف النبرة ، وعجزت ابتسامتي للزبائن عن طرد علامات الحزن المتجذرة تحت صدريتي . تلك الابتسامة كانت اسوأ ماتركت خلفي من قمامة حياتي ، ولا يعلم إلاّ القلائل ما تعنيه ابتسامة يجبر باذلها على القائها، مع علم من يبذلها، و من يستقبلها، ومن يجبر الأول على بذلها، ويفتح يده للثاني لتلقي ثمنها أنها شيء من نخاسة.ـ
عبرت السائحة العجوز المحيط لتبحث عن شاب يريد مقايضة شيء من عنفوانه بلحسة عسل على كسرته اليابسة ، حين يئست من أن تجده بين شباب بلادها المرفه أهلها بالولادة ـ

تمت الصفقة في المطار ، ختم تمامها قبلة استقبال ، كان طعم أحمر الشفاه المترف يخفف عني سوء التفكير في قبح المظهر وبشاعة ما ينتظرني من معشرـ
صعدتُ عربتها الفارهة المكشوفة السقف، وكأنها تعمّدَت إحضارها لتريني أكبر قدر من معالم المدينة الفارهة. كانت تتلاعب بأزرار لوحة القيادة المتناهية الحداثة حتى وإن لم يكن لها حاجة لاستخدامها، متعمدة دغدغة أحلامي بلمس أزرارها ، وايقاظ وحش المقارنة في داخلي ، بين ماض بائس عشته في صحرائي قبلها ، ومستقبل دسم ينتظرني في الخضراء معها . ولم يكن بخاف عنها أنّ بدلة النادل قد أضعفتني ، و لم يبق البؤس في وجهي مكاناً لأخفي فيه لهفتي لحياة أفضل ـ

كنت قد سمعت قبل أن تطأ قدماي أرض هذه البلاد بأنّ فيها حقوقا ودلالا حتى للكلاب. فأقسمت وقتها إن أعانني الله على الوصول إلى أرض أحلامي ، وحصلت على شيء من حقوق ، لأزهدن في الدلال ولا أنازع الكلاب المحليّة فيه
وهكذا لم أسمح لقبح مستقبلتي التي كانت عند كل توقف أمام إشارة مرور تطالبني بقبلة ، لتذكٍّرني أن لا بوابة إلى عالم الأحلام هذا إلاّ ومفتاحه في قبلها. فإن أردت الدخول كان لزاما عليّ استلال المفتاح من بين أشواك شفتيها ، التي لم تزدها إبر الجراحين إلاّ قبحا فوق قبحها. لم أسمح لكل هذا أن يعكّر عليّ صفو فرحتي بصك عبوديتي الجديد ، الذي خدرتني صدمتي الحضاريّة عن التفكير في تبعاته على نفسي
كان أول مستقبليّ حين دخلت البيت كلبا ، نبحني ولم يمنعه من افتراسي سوى كلمات صرخت بها مرافقتي فهدّأت من روعه .انتابني شعور غريب خالط شعوري بالخوف من الكلب لم أستطع استلاله من بين أطان المشاعر والتغييرات التي عصفت بي في ذلك اليوم المتخم بالأحداث . وأوقفني عن تتبع ذلك الشعور وعد قطعته على نفسي ؛ بأن أجمّد مشاعري وكرامتي ، وكل ما تعلّمته في حياتي من مبادئ حتى اثبّت نفسي في أرض ميعادي الجديدة ، وأتاكد أن شبح النادل المثقل بالديون لن يدق بابي مرة أخرى. فإن فرغت من هذا عدت لأفتح دفتر مشاعري . وأحاول استرجاع كرامتي ومبادئي ، التي علّقتها على بوابة هذه البلاد كما علقت بدلة النادل . فأداوي ما يداوى من جراحي ، وأ ترك ما لا يداوى منها للزمان ليداويها ، أو يتركها تنزف إلى أن تذهب روحي إلى متدبّر أمرها ـ

تزوجت من عجوزي هايدي بعد ثلاثة أشهر على وصولي البلاد ، وعرّفتني بدورها على كل من تعرف من أصدقاء ، مصطحبة إياي إلى كل إستقبال أو مناسبة ، متباهيّة بالصيد الذي غنمته من آخر رحلة لها إلى بلاد الف ليلة وليلة . فأحسست بنفسي وهي تعرضني على أصدقائها ، وتحدّثهم عني بحديث لم أكن أفهم معظمه بأني رأس غزال ، أو فروة دبّ علّقها أحدهم على الجدار ، مفتخرا بالصيد الذي وفّق به بعد رحلة للأدغال ـ

في تلك الفترة بدأ روعي يهدأ ، وبدأت أستعيد شيئا من توازن في حياتي . وأول ما بدأت البحث عنه في داخلي هو الشعور الذي غمرني حين نبحني كلب هايدي في أول يوم جئت فيه .
صحيح أني كنت أخاف الكلاب ، وأنزعج من قبح نباحها ، لكن شعوري في ذلك اليوم لم يكن خوفا من عضة كلب ، أو انزعاجا من صوت نباح . بل هو شعور تغلغل الى أعمق أعماقي ، وجثا فيها ، وسيبقى فيما بعد يثقلها إلى الأبد ـ
هيئ لي حينها أن الكلب كان يطرد منافسا محتملا من جنته ، جاء لينافسه على عظامه ورغد عيشه . وخفت يومها أن يأخذني حلمي بعيدا ، فأنسى نفسي ، ولا أعود أستطيع مقارنتها بعد هذا إلاّ بالكلاب ـ

اليوم هو الذكرى الثلاثون لدخولي هذه الأرض. هايدي توفيت بسرطان الثدي بعد ثلاث سنوات على زواجنا ، وآل إلي من ثروتها ما لو قسّمته على أهل حيي البائسين لكفاهم أن يعيشو ترف أهل القمة في بلادي . وصرت رجل أعمال يأتمر بأمره ألف ونيف من العمال والموظفين. تغيّر كل أسلوب حياتي ، وحياة من حولي . ولكن كل محاولاتي للتخلّص من عقدة الكلب الذي نبحني في أول يوم لي في هذه البلاد باءت بالفشل.وما زلت لا أستطيع التوقف عن مقارنة نفسي بكلب هايدي ـ



#يوسف_ابو_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سنة أولى سياسة
- قصة لا دينية جدا جدا جدا
- ايام الرسائل الورقية 2 لطيفة ونادرة
- كيف تقضي على الإسلام في 5 أيام بدون أوهام
- عمى الوان
- حياة جديدة من رواية طين بلادي رواية لم تنشر بعد
- رائحة ابطي بين المشوي والمحشي
- أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - يوسف ابو شريف - أنا وكلب هايدي