أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد عبد الله سالم - شعراء العربية النصارى الجزء الثاني















المزيد.....


شعراء العربية النصارى الجزء الثاني


السيد عبد الله سالم

الحوار المتمدن-العدد: 4047 - 2013 / 3 / 30 - 19:33
المحور: الادب والفن
    


المسيحية في الجزيرة العربية في العهد النبوي:

ذكر ابن سعد في كتاب "الطبقات الكبرى” الجزء الأول صفحة 357 أن في آخر سنتين في حياة رسول الله عقد عدَّة معاهدات مع النصارى؛ منها معاهدة رسول الله مع نصارى نجران, وقد أرسلوا وفدًا إلى رسول الله, مُكَوَّنًا من أربعة عشر رجلاً, وكان أمير الوفد رجلاً يُدْعَى العاقب, وكان هناك رجل آخر يتولَّى إدارة الرحلة، كانوا يلقِّبونه بالسيد, بينما كان هناك رجل ثالث مسئول عن الأمور الدينية، وهو أسقف الرحلة وحبرها، واسمه أبو الحارث، فكان هؤلاء الثلاثة على رأس الوفد, وهم الذين يتولَّوْن التفاوض. كما ورد ذلك أيضا في كتاب "السيرة النبوية" لابن هشام , و"الروض الأنف" للسهيلي, كا ذكره ابن سيد الناس في كتابه "عيون الأثر".

ويكمل ابن هشام في "السيرة النبوية" في الجزء الثالث صفحة 114: (وقد جاء وفد نصارى نجران في هيئة منظَّمة، وفي صورة منمَّقة لدرجة المبالغة؛ حيث لبسوا الثياب الحريرية, وتحلَّوْا بالخواتم الذهبية, وكان من الواضح أن الوفد لم يكن في نيته أن يُسْلِمَ, وإنما أتى ليناظر رسول الله من ناحية, وليبهره والمسلمين من ناحية أخرى؛ فعرض رسول الله عليهم الإسلام؛ ولكنهم رفضوا، وقالوا: كنا مسلمين قبلكم!. فقال رسول الله لهم: "يَمْنَعُكُمْ مِنَ الإِسْلاَمِ ثَلاَثٌ: عِبَادَتُكُمُ الصَّلِيبَ، وَأَكْلِكُمْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ, وَزَعْمُكُمْ أَنَّ لِلِّهِ وَلَدًا").

فهذه أمور ثلاثة حرفتموها في الإنجيل، ولم تُسْلِموا فيها لله رب العالمين, ولا يستقيم أن تُطْلِقوا على أنفسكم: "مسلمين". قبل أن تتركوا هذا الاعتقاد الفاسد.

ويذكر الطبري في "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" الجزء الثالث صفحة 293 بعضا من جوانب الجدال الذي دار بين الرسول الكريم ووفد نجران فيقول: وكثر الجدال بينهم وبين رسول الله, وكثر إلقاء الشبهات والردّ عليها, وكان مما قالوه: ما لك تشتم صاحبنا -يقصدون عيسى - وتقول: إنه عبد الله؟! فقال رسول الله: "أَجَلْ، إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءَ الْبَتُولِ".

ولم يكن هذا انتقاصًا أبدًا من عيسى, بل العبودية لله تشريف، وهو رسول من أُولي العزم من الرسل, وهو كلمة الله ألقاها إلى مريم عليها السلام, والتي نُكَرِّمُهَا أيضًا ونُجِلُّهَا, وننفى عنها أي شبهة سوء, فنقول: إنها مريم العذراء البتول.

ويكمل ابن القيم في "زاد السعادة" الجزء الثالث صفحة 549 لكن وفد نجران لم يتنازلوا عن هذا الاعتقاد؛ فغضبوا من وصف عيسى بالبشرية والعبودية, وقالوا: هل رأيت إنسانًا قَطُّ من غير أب؟! فإن كنتَ صادقًا فأَرِنا مثله. فقال لهم رسول الله: "ما عندي شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم بما يُقال في عيسى".
فأصبح الغد، وقد أنزل الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 59-61].

ووصلت المحاورة إلى طريق مسدود؛ ومن ثَمَّ دعاهم رسول الله إلى المباهلة، ولكنهم رفضوا لعلمهم أنه نبي مرسل -كما أشرنا من قبل- فصالحَهم رسول الله على الجزية، بعدما تحمَّل كِبْرَهم وإعراضهم؛ رغم أنهم الذين جاءوا للصلح، وأنهم ليسوا أهل قوةٍ، ولو شاء الرسول أن يحاربهم لأرسل إليهم جيشًا كبيرًا؛ ولكن رسول الله يريد إرساء قواعد السلام بين المسلمين وسائر الأمم، القريب منها والبعيد.

فكتب رسول الله كتابًا لأهل نجران: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لِلأسْقُف أَبِي الْحَارِثِ، وَأَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ، وَكَهَنَتِهِمْ، وَرُهْبَانِهِمْ، وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ، لا يُغَيَّرُ أُسقفٌ مِنْ أسقفَتِهِ، وَلا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ، وَلا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلا سُلْطَانهُمْ، وَلا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَبَدًا مَا أَصْلَحُوا وَنَصَحُوا عَلَيْهِمْ غَيْر مُبْتَلَيْنَ بِظُلْمٍ وَلا ظَالِمِينَ"(ابن كثير: السيرة النبوية 4/106، والبداية والنهاية 5/55، وابن القيم: زاد المعاد 3/549).

وفي هذا العهد من التسامح والإنصاف ما فيه، كما طلب وفد نجران من رسول الله أن يبعث معهم رجلاً أمينًا ليأخذ منهم الجزية, فقال رسول الله: "لأبْعَثَنَّ معكم رجلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٌ". فاستشرف لهذه المكانة أصحاب الرسول, فقال رسول الله: "قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ". فلما قام, قال رسول الله: "هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ" وقد أورد هذا الحديث البخاري في كتاب المغازي , باب قصة أهل نجران. كما ذكره مسلم في كتاب فضائل الصحابة, باب فضائل سيدنا أبي عيبيدة بن الجراح. وفي ذلك دلالة على أن رسول الله قد وضع المعاهدة موضع التنفيذ، وأنه لا يكتب المعاهدات لينقضها على عكس الكثيرين من الأمم القوية غير المسلمة، ولقد ظلَّ ذلك العهد قائمًا، لم ينقضه أحد، وظلَّت العلاقات طيبة بين أهل نجران والمدينة المنورة حتى وفاة الرسول.

كما عاهد رسول الله نصارى نجران عاهد نصارى جرباء وأَذْرُح؛ فيقول ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/290 ) فقد جاء في كتاب رسول الله لهم: "هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لأَهْلِ أَذْرُح؛ أَنَّهُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ اللهِ وَمُحَمَّدٍ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مِائَةُ دِينَارٍ فِي كُلِّ رَجَبٍ وَافِيَةً طَيِّبَةً، وَاللهُ كَفِيلٌ عَلَيْهِمْ بِالنُّصْحِ وَالإِحْسَانِ لِلْمُسْلِمِينَ" كما أورد هذا العهد ابن كثير في السيرة النبوية (4/30).
ونلحظ في هذا العهد أن رسول الله يضمن أمن وسلامة هذه القبائل مقابل مبلغ زهيد من المال (الجزية) ويبدو أن الهدف الأساسي من هذه المعاهدات التي تؤمن النصارى إنما تنبعث من حرص الرسول الكريم على أهل الكتاب وحمايتهم إيمانا منه بحرية العبادة والدين لكل الناس , كما أن هذا تأمين أيضا لحياة المسلمين مع جيرانهم , وحفاظا على أموالهم ومعتقداتهم, كما أنه يضرب المثل لمن يأتي من بعده في معاملة أهل الكتاب.

أمَّا معاهدته مع نصارى أيْلة – أورد ذكرها البيهقي في "السنن الكبرى" (9/185) - فجاءت بعد عفو رسول الله ومعاملته الكريمة لنصارى دومة الجندل؛ حيث قدم (يُحَنَّة بن رؤبة) ملك أَيْلة (هي قرية أم الرشراش المصرية على ساحل البحر الأحمر، والتي يحتلها اليهود، وسمَّوها: إيلات) وما حولها -وكان نصرانيًّا- على رسول الله وهو في تبوك، وهو ما رواه جابر: رأيت يُحَنَّة بن رؤبة يوم أتى النبيَّ وعليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية، فلمَّا رأى النبيَّ كفَّر، وأومأ برأسه (أي: طأطأ رأسه خضوعًا ووضع يده على صدره)، فأومأ إليه النبي: "ارْفَعْ رَأْسَكَ". وصالحه يومئذٍ، وكساه بُردًا يمانيًّا.

ولعلَّ حسن استقبال النبي ليُحَنَّة ليؤكِّد على رغبته في إبرام الصلح بالشكل الذي يحفظ كرامة الآخر؛ فقد جاء الرجل مرتديًا صليبًا، فلم يعنفه رسول الله ، وليعلم -أيضًا- أن الصلح مع المسلمين الأقوياء المنتصرين على الروم ليس مذلَّةً، بل هو عهد صادق مع قوم أوفياء يحترمون الآخر.

وقد كان نصُّ الصلح كما ذكره ابن هشام في "السيرة النبوية" الجزء الثاني صفحة 526 : "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللهِ، ومُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ.. وَإِنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ.. وَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلاَ طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ...".

والملاحظ هنا أن رسول الله أعطى الأمان لسفنهم وسيارتهم في البر والبحر، والرسول والمسلمون هم خير من يوفي بعهده، والمعروف أن أيلة على ساحل البحر الأحمر، ولا بُدَّ أن أهلها أو جزءًا منهم على الأقل يعملون بالصيد، والمسلمون حتى هذا الوقت لم يستخدموا البحر إلاَّ في الهجرة إلى الحبشة؛ فالبحر لديهم مجهول، وهم ليسوا بارعين في الإبحار فيه، ومعنى هذا أن الرسول يُحَمِّل نفسه والمسلمين عبئًا خطيرًا ثقيلاً وهو حماية أهل أيلة في البحر، وهذا يقتضي استعداد الرسول لبناء أسطول بحري وتجهيزه متى حصل اعتداء على أهل أيلة، وفي ذلك من الجهد والإنفاق الضخم، والمخاطرة ما فيه. لقد تحمَّل رسول الله كل هذا العبء من أجل أن يعيش المسلمون مع من حولهم في أمان وسلام.

كما نلاحظ أن رسول الله تكفَّل بالسماح لهم بوُرُودِ كل ماءٍ تَعَوَّدُوا على وروده، وهذا يقتضي ليس فقط عدم منع المسلمين لهم بل محاربة أي عدو آخر يحاول منعهم عن مصادر المياه، وهذا جهد ضخم، وحِمْل جسيم يتحمَّله رسول الله والمسلمون من أجل إقرار السلام في هذه المنطقة مع قومٍ لا يؤمنون بالإسلام وبنبيه.

هكذا سادت روح المحبة والتقدير والتكريم من رسول الله للآخر، وهذه أبرز سمة اتَّسمت بها معاهداته مع النصارى.

و طبقاً لتعاليم الإسلام السمحة أعطى رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) عهد أمان للنصارى يؤمنهم فيه على أرواحهم وأموالهم وبيعهم وهو ما يعرف بالعهدة النبوية والمحفوظ صورة منه بمكتبة دير القديسة كاترين ، بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عند فتحه لمصر 1517م وحملها إلى الأستانة وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية وهذه مقتطفات من العهد:

(بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه محمد بن عبد الله إلى كافة الناس أجمعين بشيراً ونذيراً ومؤتمناً على وديعة الله فى خلقه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً كتبه لأهل ملته ولجميع من ينتحل دين النصرانية من مشارق الأرض ومغاربها قريبها وبعيدها فصيحها وعجميها معروفها ومجهولها كتاباً جعله لهم عهداً فمن نكث العهد الذى فيه وخالفه إلى غيره وتعدى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئاً وللّعنة مستوجباً سلطاناً كان أو غيره من المسلمين المؤمنين- لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته ولا سايح من سياحته ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شئ من بناء كنايسهم في بناء مسجد ولا في منازل المسلمين فمن فعل شئ من ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله ولا يحمل على الرهبان والأساقفة ولا من يتعبد جزيةً ولا غرامة وأنا أحفظ ذمتهم أين ما كانوا من بر أو بحر فى المشرق والمغرب والشمال والجنوب وهم فى ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه - ولا يجادلوا إلاّ بالتي هي أحسن ويحفظ ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حلوا - ويعاونوا على مرمّة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم وفعالهم بالعهد ).

وكتب على بن أبى طالب - كرم الله وجهه - هذا العهد بخطه في مسجد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وشهد بهذا العهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم ابو بكر بن أبى قحافه ، عمر بن الخطاب ، عثمان بن عفان ، على بن أبى طالب ، عبد الله بن مسعود ، العباس بن عبد المطلب ، الزبير بن العوام ، رضي الله عنهم جميعا ، جاء العهد حين أرسل النبي محمد (صلّى الله عليه وسلم) كتبه فى السنة السابعة للهجرة 628 – 629م إلى الملوك والأمراء مثل كسرى وقيصر والمقوقس نائب الرومان في مصر يدعوهم للإسلام ، ومعلوم أن الملك المقوقس أكرم رسول النبي وزوده بالهدايا إلى النبي وليس لرسول النبي طريق مختصر إلى مصر سوى طريق سيناء المار بالدير فمن المعقول جداً أن يكون الرسول الذي أرسله النبي قد مرّ بدير سيناء ذهاباً وإياباً وأن رهبان سيناء قد احتاطوا لأنفسهم وأرسلوا معه وفداً يطلع النبي على حال ديرهم ويطلب منه العهد تأميناً للطريق وصيانة لديرهم ومصالحهم هذا من جهة الرهبان وأما النبي محمد (صلّى الله عليه وسلم) فمن المؤكد أن يكون قد أعطاهم العهد وأمّنهم وأوصى بهم خيراً

المسيحية في الجزيرة العربية في عهد الخلفاء الراشدين:
بعد فتح مصر أعطى عمرو بن العاص المسيحيين أماناً جاء فيه:

(هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم لا يدخل عليه شئ ولا ينتقص ) وكان دائما يوصى في خطبه المسلمين بمراعاة الأقباط والمحافظة على حسن جوارهم قائلاً لهم (استوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرا)ً .

نعم المسيحيّون في العقود الستة الأولى للفتح الإسلامي بالسلام والطمأنينة. ولم تتبدّل أوضاعهم كثيراً، سوى أنّ الضرائب المترتّبة عليهم أصبحت تدفع إلى العرب بدلاً من البيزنطيّين، وكانت لا تزال محتملة ولم تتزايد وتتضاعف إلاّ منذ الخليفة عبد الملك. ولم تظهر القيود المذلّة للذميّين إلاّ في عهد لاحق لمّا نشأت المذاهب الشرعيّة المتشدّدة. وإنّ نصوص المعاهدات التي تحدّ بعض الشيء من الحرّيات الدينيّة ومن بناء كنائس جديدة ليست كلّها أصيلة وقد وضعت في عهد بدأت فيه المضايقة على الذمّيين. وهناك آثار كنائس جديدة بنيت في القرن السابع.

يقرر جوزيف نصر الله في كتابه "تاريخ الحركة الأدبية في الكنيسة الملكية" المجلد الثاني أن هناك في دير أيوب جنوب نوى ساكف كنيسة مؤرّخ عام 641 في عهد رئيس الدير ايلياس. في العفر في جبل العرب شيّد معبد للقديس جاورجيوس عام 652، عام 662-663 كرّست موزاييك للعذراء مريم في كنيسة مادبا في الأردن. ودشّنت كنيسة على اسم النبي ايليا في ارمان جبل العرب عام 668.. واستغلّ سرجون بن منصور والد يوحنّا الدمشقي، نفوذه في البلاط الأموي ليبني كنيسة جديدة خارج باب الفراديس بدلاً من الكنائس التي صودرت إبّان الفتح حسب ما ذكره منصور بن سرجون وإنّ معاوية أخذ ٍعلى عاتقه إعادة بناء كنيسة الرها التي دمّرتها الزلازل كما ورد في تاريخ ميخائيل السؤياني.

وحافظت المدن على طابعها المسيحي بكنائسها وأديرتها. وكان الفاتحون المسلمون لا يزالون يسكنون في المعسكرات الخاصة في عمواس والجابية ودابق وإنّ عدداً ضئيلاً قطن في المدن واحتلّ البيوت التي أخلاها من التحقوا بالروم.

وظلّت الدواوين على ما كانت عليه باللغة اليونانيّة، وكان رئيس الديوان لدى معاوية منصور بن سرجون الذي فاوض الجيوش العربية الإسلاميّة لتسليم دمشق، ثمّ ابنه سرجون والد يوحنّا الدمشقي، ويوحنّا نفسه. وكانت الدنانير البيزنطيّة لا تزال تتداول في بلاد الشام. وإنّ معاوية صكّ عملة جديدة عام 660 بدون الصليب فلم يقبلها الشعب واضطّر لسحبها.

وكان القائم على شؤون بلاد الشام معاوية بن أبي سفيان أولا بصفته والياً عليها ثمّ بصفته خليفة بعد موت علي بن أبي طالب وجعل من دمشق مركز الخلافة ومن بلاد الشام قلب الدولة العربيّة.

واشتهر معاوية بحلمه ودهائه وكان متسامحاً مع المسيحيّين ويقال إنه لمّا استلم الخلافة زار الأماكن المسيحيّة في القدس تيمّنا، كنيسة القيامة وقبر العذراء في جتسماني. وإنّ ميسون زوجة معاوية المفضّلة هي من قبيلة كلب المسيحيّة اليمنيّة المرابضة في بادية السماوة وقرب تدمر.

وكانت القبائل المسيحيّة العربيّة أمثال تغلب وتنوخ وكلب لا تزال قويّة وإنّ جيوشها كانت أكبر دعم للأمويّين ضدّ معارضيهم الكثر. وكان الأخطل شاعر بني تغلب النصراني يدافع بشعره عن الأمويّين ويعارض الأنصار. وكان يدخل البلاط والصليب على صدره وكلمته مسموعة. كما كان سرجون ابن منصور شبه وزير المالية يدير شؤون الدولة الأمويّة المترامية الأطراف. وإن يزيد بن معاوية ربي لدى أخواله المسيحيّين في البادية وكان من أهم ندمائه الأخطل ومنصور بن سرجون (يوحنّا الدمشقي).

تابع عبد الملك في أول عهده سياسة أسلافه، وهادن البيزنطيّين ليتسنى له التفرّغ لقمع ثورة عبد الله ابن الزبير في الحجاز، وكانت القبائل المسيحيّة العربيّة سند الدولة الأمويّة وساهمت في الانتصار الذي حقّقه الأمويّون في معركة مرج راهط عام 684. وكان والده مروان قد احتاط بشرطة خاصة لحمايته مؤلّفة من مائتي مسيحي عربي من منطقة ايلاة العقبة. وكان الأخطل شاعر عبد الملك وسرجون بن منصور رئيس ديوان الماليّة. وعيّن أثناسيوس بن جومايا الرهاوي مساعداً لحاكم مصر.

وغيّر عبد الملك موقفه لمّا نقض يوستينيانوس الثاني البيزنطي الهدنة وكان قد فرغ أمره من عبد الله بن الزبير. وتشدّد في أمور الضريبة المفروضة على الذميّين. وكان الجيل الجديد من المسلمين قد دخل المدن وبدأ يتثقّف، فما عاد يستنسب أن تبقى الدواوين باللغة اليونانيّة وفي أيدي المسيحيّين المحليّين، فبدأ حركة تعريب الدواوين التي أكملها ابنه الوليد وفرض على الموظّفين اعتناق الإسلام أو التخلّي عن وظيفتهم. إنّما لمّا حصل أخطاء في محاسبات الدواوين وإداراتها اضطروا في ما بعد إلى إرجاعهم. وبينما كان الفقهاء ينادون بعدم توظيف النصارى ظلّ الأمراء والحكّام يلجأون لخدمتهم نظراً لأمانتهم وجدارتهم وابتعادهم عن التدخّل في الشؤون السياسيّة.
وصكّ عبد الملك نقوداً جديدة بدون شعار الصليب.

كان عبد الملك متساهلاً مع الأخطل، ومع أنه كان دوماً يلحّ عليه ليشهر إسلامه إلاّ أنه لم يضغط عليه. روي عن عبد الملك أنّه سأل الأخطل: "لِمَ لا تسلم يا أخطل؟ فقال: إن أنت حلّلت عليَّ الخمر ووضعت عني صوم رمضان أسلمت". فقال عبد الملك: "إن أنت أسلمت ثمّ قصّرت في شيء من الإسلام ضربت الذي فيه عنقك" فأجابه الأخطل بشعر يقول فيه:

ولست بصائم رمضان يوماً ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بقائم كالعبد يدعــو قبيل الصبح حيّ الفـلاح
ولكنّي سأشـربها شمــولاً وأسجد عند منبلج الصباح

فجارى عبد الملك شاعره في مزاجه.

وهناك رواية عن هشام بن عبد الملك لمّا سمع الأخطل يقول:
"وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخراً يكون كصالح الأعمال"

فقال له هشام: "هنيئاً لك أبا مالك هذا الإسلام". فقال له الأخطل: "يا أمير المؤمنين ما زلت مسلماً في ديني".

وظلّ الأخطل يقاوم إغراءات عبد الملك. ولمّا دعاه مرّة: " ألا تسلم فنفرض لك في الفيء ونعطيك عشرة آلاف؟ فقال الأخطل: "وكيف بالخمر". وتعلّل الأخطل بالخمر ليس إلاّ وسيلة لحسن التخلّص وقد ذكر صاحب الأغاني الكثير من هذه الروايات مع الأخطل.

أمّا العمّال الذين عيّنهم عبد الملك لاسيّما أخاه محمد والحجّاج، فكانوا أكثر تشدّداً. وإنّ الوالي محمد قتل موعد، زعيم التغالبة لتمسّكه بدينه المسيحي وأحرق جماعة من الأرمن في كنيستهم وحظر ظهور الصلبان في الشوارع.

وخلف عبد الملك ابنه الوليد (705-715)، ويصفه المسعودي بأنّه متسلّط عنيف وظالم (مروج الذهب ج5 ص 361)، وعرفت الدولة الإسلاميّة في عهده أوج توسّعها. تابع إصلاحات والده الإداريّة وأظهر مزيداً من الحماس الديني. وانتزع كاتدرائيّة القديس يوحنّا في دمشق من يدّ المسيحيّين الملكيّين وأقام على أنقاضها الجامع الأموي حسب ما أورده ميخائيل السرياني في تاريخه.

فشل سليمان بن عبد الملك في حصاره لمدينة القسطنطينيّة وانعكس هذا على أوضاع المسيحيّين.

عمر بن عبد العزيز (717- 720):
كان متديّناً وسار على خطى الخلفاء الراشدين ويقول ميخائيل السرياني في صدده: " منذ توليه الحكم أخذ عمر يسيء إلى المسيحيّين لسببين: أولاً رغبة في تعظيم الشريعة الإسلاميّة، ثانياً لفشل المسلمين في احتلال القسطنطينيّة. وكان يشدّد الخناق على المسيحيّين ليكرههم على اعتناق الإسلام، فاصدر قراراً يقضي بإعفاء من الجزية كلّ مسيحي يعتنق الإسلام فأسلم الكثيرون، كما قرّر عدم قبول شهادة المسيحي على المسلم وعدم تولّية مسيحي في أي مجال، كما منع المسيحيّين من رفع أصواتهم في الصلاة ومن لبس الأخضر وركوب حصان مسرّج. وإذا قتل مسلم مسيحيّاً لا يحكم بالقتل بل بدفع ديّته خمسة آلاف درهم، ومنع تقدمة النذور للأديرة والرهبنات لا بل صادر قسماً من أملاك الكنائس والأديرة والفقراء".

هذه القرارات لم تطبّق دوماً كما يستدلّ من إعادة التذكير بها. إنّما ظلّت كسيف مسلّط على رقاب المسيحيّين. وبدأت المذاهب الفقهيّة تحدّد وضاع أهل الذمّة وتضيّق عليهم.
يزيد بن عبد الملك (720- 724) أصدر مرسوماً يحظّر تصوير الكائنات الحيّة وحطّم الصلبان والصور في الكنائس. وأخضع الرهبان والكنائس للضرائب التي كانت معاهدات الصلح أعفتهم منها. وشدّد الخناق على الذين لم يتمكّنوا من دفع الجزية.

ألغى هشام بن عبد الملك (724- 743) قرارات أخيه التعسّفية وكان مولعاً بالطقوس المسيحيّة ويستمتع بالأناشيد الدينيّة والصلوات التي كانت تتلى أيام الأعياد في الكنيسة الملاصقة لقصره.

وقد سمح للملكيّين بأن يقيموا لهم بطريركاً في أنطاكية على أن يكون من أهل البلاد.
وقام من بعده الوليد بن يزيد (743 -744) الذي قطع لسان البطريرك الملكي استفانس الثالث ولسان بطرس أسقف دمشق الملكي لأنّهما تعرّضا للإسلام. كما استشهد في الحقبة الأمويّة الثانية عدّة أشخاص مسيحيّين لاسيّما من أصل عربي لتراجعهم عن الإسلام أو التشهير به (بطرس كابيتولياس أو مايوما، عبد المسيح الذي استشهد في الرملة، ميخائيل السابائي، وفارس من إياد من بني حذافه كان هاجر إلى بلاد الروم وأسر لدى غزو القسطنطينيّة وظلّ متمسّكاً بدينه المسيحي فأمر هشام بقطع رأسه. وقد روى قصّته ياقوت الحموي في معجم البلدان.

ونقل مروان آخر الأمويّين مركز حكمه إلى حرّان فاستاء منه السوريّون. وزادت المعارضة في الخراسان والعراق فانتقل الحكم إلى بني عبّاس.

بمعزل عن الموقف الرسمي تجاه الذميّين كانت العلاقات بين المسلمين والمسيحيّين تتّسم بالاحترام والمودّة، وإذا استثنينا موقف جرير الذي كان يعيّر الأخطل لكونه ذمّياً. فلم يكن من إشكال في التعامل بين كافة الفئات، وتشير المصادر الإسلاميّة إلى تزويج المسلمين من مسيحيّات عربيّات على حكم أهلهنّ ومنهم الشاعر الفرزدق الذي تزوّج حدراء بنت زيق بن بسطام الشيباني على حكم أبيها الذي اشترط في مهرها مائة ناقة، وكان أهل حدراء من أشراف النصارى واللافت للنظر في هذا الحادث لوم بعض المسلمين زيق بن بسطام على تزويج ابنته من مسلم لا يليق بها. كما ورد في شعر جرير.

وتقول سلوى بالحاج صالح في كتابها "المسيحية العربية وتطورها" بلغت العلاقة بين المسلمين والمسيحيّين العرب درجة من المودّة في ظلّ الأمويّين تتيح للمسيحي العربي أن يكون حكماً للمسلمين. فلطالما قام الأخطل الشاعر النصراني مقام الحكم لقبيلة بكر بن وائل في المسجد وكان الأخطل يدخل المسجد في دمشق فيقف له المسلمون إجلالاً وكان يدخل حمام الكوفة مع المسلمين بكلّ حرّية .

إنّ المكانة الاجتماعيّة المرموقة التي احتفظت بها نخبة القبائل المسيحيّة العربيّة علاوة على نصرتها للأمويّين انعكست على سائر المسيحيّين في بلاد الشام. وإنّ نقمة العبّاسيّين على بني أميّة انعكس سلباً على المسيحيّين المحسوبين من أنصارهم.



#السيد_عبد_الله_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال - شعر
- شعراء العربية النصارى - الجزء الأول
- وعلمنا
- لامني
- وسوس
- قراءة في ديوان -شعر الأستاذ: عبد الحميد السنوسي-
- كل هذا الغيم - شعر
- شهوة الإبداع
- ملائكة البحيرة الزرقاء


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - السيد عبد الله سالم - شعراء العربية النصارى الجزء الثاني