أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري المقدسي - الجهل: هذه الآفة اللعينة















المزيد.....

الجهل: هذه الآفة اللعينة


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4047 - 2013 / 3 / 30 - 10:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجهل:
هذه الآفة اللعينة
قضيت فترة الدراسة في جامعة بركلي الامريكية في منطقة (سان فرنسيسكو- كاليفورنيا)، وسئلت مرة وبأدب شديد من قبل امراة امريكية، من أين انت، فلكنتك الانكليزية تختلف عن الآخرين؟ فقلت لها انا من العراق. وقالت كيف جئت الى هذا البلد؟! فقلت لها وما تقصدين كيف؟! فقالت اقصد driving or flying ومعناه سياقة أو طيرانا. فقلت لها سياقة. فقالت (واه) الله اعلم (God knows ) كم من المايلات قطعت في سياقتك؟ فقلت لها هل تصدقين حقا انه من الممكن لشخص ما ان يسوق من العراق الى الولايات المتحدة؟ فقالت why not) (، فضحكت مجبرا، فقالت ولماذا تضحك؟ فقلت لها why not) (.
اترك للقارىء تحليل جهل تلك المرأة الامريكية صاحبة الكافتيريا والتي كانت خريجة الجامعة، ومع ذلك لم تعلم بوجود المحيط الاطلسي الذي يفصل بين اميركا والشرق الاوسط واوروبا. وهناك أيضا برامج على الراديو والتلفزيون تؤكد على وجود هذا النوع من الجهل في الشارع الامريكي. فمثلا كنت استمع يوما على المذياع(الراديو)، فسال المذيع عن اسم الدولة التي تجاور الولايات المتحدة من الشمال، وبعد عشرة مكالمات تلفونية لم يعلم احد انها كندا، فمنهم من قال فلوريدا، واخر آلاسكا، وهي ولايات أمريكية. فإضطر المذيع ان يذكر الحرف الأول من اسم تلك الدولة لآخر متكلمة على التلفون، فنطقت كندا، والحمد لله على هذه الثقافة الجغرافية.
ينتشر الجهل في طبيعة الحال في كل الدول، وليست امريكا استثناء عن ذلك، إذ هناك نسبة من البشر في كل بلد لا يطلعون على ما يجري في العالم، ويعيشون في دائرتهم الضيقة وتكفيهم المعلومات المحلية البسيطة. فلا يزال هناك في العالم مثلا من يتصور أن الأرض مسطحة حتى في بلد مثل الولايات المتحدة الامريكية. وبأن العالم صغير جدا، كما يقال عن ذلك القروي الذي كان يتصور جبل قريته الحدود النهائية للعالم، الى أن طلب منه البعض مرافقتهم للصيد خلف الجبل، وكان جوابه بالنفي، لأن الجبل عنده هو الحدود النهائية للعالم. فألحوا عليه ليصعد الجبل معهم، وكانت صدمته الكبرى وجود أراض وعقارات وقرى كثيرة خلف الجبل، فصرخ قائلا: واه أن العالم لكبير جدا جدا.
فالمعرفة إذا ضرورية في توسيع المدارك وفي تعلم الامور الجديدة، وفتح الآفاق والدروب المسطعصية. إذ هي غذاء للعقل ودواء لكل الامراض الروحية والجسدية، كما يقولون. ويعرّف البعض المعرفة بكونها عملية يومية مستمرة من السعي والبحث عن الحكمة والثقافة والاخلاق الى آخر يوم في حياة الانسان، كل انسان. ولذلك فعلى المرء أن ينذر نفسه للتعلم المتواصل ولتوسيع معارفه بالأفكار الجديدة. إذ كل منا يمتلك من الطاقات والامكانيات الداخلية الكامنة فينا، وما علينا إلا أن نلتزم بالبحث عنها وتقديمها للعالم. ومن المعلوم أن المطلوب من الجميع، إزالة الجهل والاستزادة من العلم والمعرفة التي من معانيها الثمينة: سبر غور المجهول واكتشاف الجديد باستمرار. وإذا ظن المرء، بأن له منها أي من "المعرفة" ما يكفي، فهذا دليل أكيد على انه لا يملك منها شيئا. وينطبق عليه المثل الشائع: "أقل الناس قيمة أقلهم معرفة، فما أضعف المرء إذا لم يستطع أن يرفع من قيمة نفسه".
ولكن طريق المعرفة ليس هينا ولا سهلا. لأنها ليست مجرّد محفوظات، أو تخزين معلومات نظرية، بل هي تهذيب وتنقية للعقل من كل أنواع الجهل والتخلف والسفسطات الكلامية المتوارثة."ومن مزايا الإنسان ألا يرتقي تماما الى مستوى الانسانية، إلا عن طريق المعرفة التي تجذب اليها الانسان وتصقله وتبنيه وتسمو به" (اللاهوت المسيحي الكاثوليكي).
فمن المحزن حقا وجود الكثير من الذين يقبعون تحت نير الجهل حتى في عصرنا الحاضر الذي يعتبر بحق عصر النور والتنوير بالرغم من توفر الوسائل التكنولوجية الكثيرة والوسائل السهلة للتعلم والتثقيف الذاتي. ولكن مما نأسف له حقا هو أن الجهل لا يزال يتعشعش حتى في المراكز الحكومية الحساسة. إذ نجد الكثير من الرؤساء والسياسيين والمسؤولين الجهلة الذين يشبهون عميان يقودون عميانا، فحيثما يوجهون شعوبهم يتوجهون. فما يحدث اليوم في مصر، الدولة الحضارية الكبيرة، جوهرة الشرق الاوسط المتلئلئة، خير مثال على ذلك. إذ يحاول البعض من ذوي النفوس المريضة سحبها نحو ثقافة الكهوف وعزلها عن العالم، ومنعها من مواكبة العصر، ضاربين عرض الحائط بالواقع العالمي الجديد الذي يدعو الى التقارب والحوار والانفتاح والتفاعل مع الثقافات الأخرى.
وقد أصبح معروفا من خلال العبر التاريخية الكثيرة أن من يعيش بلا معرفة وثقافة تهديه إلى قيم حياتية بنّاءة وخلاقة، يكون بالنتيجة خاضعا ومستسلما للآخر، ولا يمكن توقع الكثير منه في المستقبل. وهذا ما حدث بالضبط في بلداننا الشرقية التي لا تزال تقبع تحت نير الأمّية التي تزداد نسبتها بإستمرار، بالاضافة الى مستوى التعليم الذي يهبط بصورة مذهلة حتى في المعاهد والجامعات. ومن هنا تصبح مسؤولية الحكومات والمدارس والمؤسسات الحكومية والغير الحكومية، بالعمل بجدية وإخلاص في تحسين مستويات التعليم، ومراكز البحث العلمي. وهي مهمة صعبة، ولكنها ضرورية جدا لبناء المستقبل الجيد للأجيال القادمة.
فالمشكلة إذا في مجتمعاتنا الشرقية تكمن في غياب المعرفة التي تدفع أصحابها من الجهلاء التكلم بإسم الدين وبإسم أوطانهم. وتكمن أيضا في قيادة المجتمعات من قبل الذين يصرّحون بإسم الثقافة والمعرفة في المجالات السياسية والادارية المختلفة بحجة انهم خريجو جامعات، ولهم الشهادات الأكاديمية العالية. ناسين أن من كان غارقا في جهله وعزلته، عازفا عن عناء البحث والتنقيب، واكتشاف الجديد، وغير مدرك ما يحدث حوله من التغييرات، يعتبر جاهلا وأسيرا لأختصاصه وشهادته، حتى وإن كان متعلما وخريجا من الجامعات.
مع ان الحياة المادية لا تحقق للإنسان الرضى والسكينة والاطمئنان النفسي في ذاتها، إلا أن العامل الاقتصادي له دوره الواضح والأكيد في تطور العلم والمعرفة. إذ كلما إغتنى الانسان كلما إزدادت امكانياته وفرص التعلم والتثقيف عنده. فالفقر، كما نرى من واقع الدول والشعوب والافراد، يعد من ألد أعداء المعرفة والثقافة والتعليم. فأينما حل الفقر تفشى الجهل، وحيثما زال الفقر انحسر الجهل (قول عربي قديم). فالإنسان الفقير عادة يجتهد معظم أيام حياته للخروج من ازمته المادية والمعيشية، ولذلك يأتي العلم عنده في الدرجة الثانية أو الثالثة، وهذا إذا كان لديه الإمكانيات والفرص المناسبة لذلك. ولا نعني بذلك عدم وجود البعض من الفقراء ومن الطبقات الدنيا من الذين كسروا حاجز الفقر بطموحهم الجاد، وبإصرارهم الكبير وبجهدهم وجهادهم المستمر، للوصول الى الدرجات العليا من التعلم والتثقيف والابداع وفي المجالات المختلفة. إذ كم من الذين وصلوا الى أعلى المراتب وحصلوا على أكبر الأوسمة والدرجات الشرفية مع انهم كانوا فقراء معدمين. ومن الجانب الآخر كم من أثرياء الناس وأباطرتهم من الذين فشلوا في الحصول على المعرفة الكافية التي تؤهلهم للوصول الى المراتب العليا في التحصيل العلمي والثقافي.
فالجهل إذا أعظمُ مصيبةٍ، وأعظمُ بلاء، وأوجعُ داء، ولا يملك سوى علاج واحد اسمه المعرفة التي لولاها لقضى الكثير من الناس من المرض والبرد والجوع والزلازل والبراكين. لذا ليس من السهل تغافل دور المعرفة الكبير، فهي جزء من حضارة الانسان، تنبع منه وترجع اليه، أو هي بالاحرى من صنعه، ومن بحثه الدؤوب.
وأخيرا وليس آخرا، المعرفة هي السلاح الوحيد والاوحد ضد الجهل والامراض الاجتماعية المختلفة، والغذاء الحقيقي لكل فرد وشعب وأمة. فمن دونها تكون الامم كسيحة لا حول لها ولا قوة. إذ ما من أمة انحدرت إلى الحضيض إلا نتيجة إصابتها بداء الجهل. وما من أمة تسامت وعلت إلى المجد، إلا ونهلت من منابع المعرفة المختلفة لتتفوق على غيرها من الأمم.
لذلك لابد من إعتلاء المثقفين وأصحاب الكفاءات سدة القيادة في أي مجال، ولا سيما فيما يتعلق بالشؤون المدنية والثقافية والسياسية. لأن رفع الجهل عن الإنسان والمجتمع يعد من أهم ثمرات المعرفة، فإن لم يكن هناك رفع عن هذه الآفة اللعينة، فإن المعرفة لم تحقق غايتها وهدفها المنشود.
صبري المقدسي



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري المقدسي - الجهل: هذه الآفة اللعينة