أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - مئويات .. خرائط .. ومخططات















المزيد.....

مئويات .. خرائط .. ومخططات


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4047 - 2013 / 3 / 30 - 00:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد سنوات قليلة، سيبدأ العالم بالاحتفال تباعا بذكرى مرور مائة سنة على أحداث واتفاقيات غيّرت وجه القرن العشرين، والاحتفال بها لا يعني أنها مناسبات سعيدة بالضرورة، ورغم ذلك سيتم إحيائها نظرا لأهميتها. ربما تكون البداية بالذكرى المئوية على اندلاع الحرب العالمية الأولى، ثم بعد ذلك، مئوية سايكس بيكو، ثم وعد بلفور، معاهدة سان ريمو، ذكرى الثورة البلشفية وقيام الإتحاد السوفيتي، وغيرها من ذكريات (أكثرها أليمة) كان لها الأثر الأهم في تحديد ملامح وقسمات الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، وللعالم بأسره.

ربما كان في ذهن من رسم تلك الاتفاقيات، أو شن تلك الحروب أن ما يقوم به سيدوم أثره للأبد، ولكن من المؤكد أنه لم ينظر بأي عين إنسانية لتبعات ما يقوم به، ولم يأبه لعدد الضحايا وحجم الخراب الذي سيخلّفه، والعذاب والمعاناة التي سيكابدها الناس والتي ستمتد لأجيال عديدة .. حيث جعلت تلك الاتفاقيات والحروب من القرن العشرين قرنا دمويا بامتياز، فاق فيه عدد الضحايا مجموع ما خسرته البشرية طوال تاريخها الممتد، ومارس فيه البشر جنونهم وشرورهم وتخريبهم كما لم يخطر على بال الشيطان. ومع ذلك فإن الخارطة السياسية التي نتجت عن هذا الجنون تقف اليوم على أرضية هشة، تتهددها زلازل من نوع مختلف. قد تؤدي لافتتاح دورات عنف جديدة أشد وأخطر.

فكل تلك الاتفاقيات والحروب التي دشنت القرن العشرين، لم يصمد أثرها حتى منتصف القرن؛ فبسبب جشع رأس المال، ونزعة الشر والعدوان التي ما زالت متوطنة في قلوب البشر، قامت الحرب العالمية الثانية، والتي على إثرها قام نظام دولي جديد، لكنه قام على نفس مبادئ الظلم والاستغلال والإمبريالية، ونهب الشعوب، والتعامل معها كمجرد أرقام لا قيمة لها، ولا تصلح إلا وقودا لحروب القوى العظمى.

ومع نهاية القرن، واستقبال آخر، لم يتغير في المشهد سوى أسماء الدول والقادة، وبعض الشكليات، ومقتضيات التماشي مع العصر. فقد حلت أمريكا مكان بريطانيا وفرنسا، والحرب على "الإرهاب" بدلا من الاستعمار المباشر. إسرائيل ما زالت القوة الإقليمية الأولى، لكن الشعوب العربية التي كانت مقهورة ومغلوب على أمرها افتتحت عصر التغيير، وصارت تملك الخروج للشارع والتعبير عن صوتها. أما مسلسل التقسيم والتجزئة فمن الواضح أنه لم يبلغ حلقته الأخيرة بعد.

مع بدايات الموجة الأولى من الربيع العربي تنبه صنّاع القرار في العواصم الغربية إلى خطورة ما يحدث، وإمكانية التغيير (المنشود) التي قد تطال مصالحهم في المنطقة، وعلى الفور بدأت معاهد الأبحاث والدراسات تخرج من أرشيفها مخططات عفا عليها الزمن، وتعد خرائط جديدة للشرق الأوسط وللعالم أجمع، بما يضمن لها توجيه دفة الحراك الشعبي بالصيغة التي تؤمّن إدامة مصالحها، أو التقليل من خسائرها، أو حتى إعادة بناء نظام دولي جديد على أسس مختلفة، بحيث تطيل أمد تحكّمها بالشعوب وبالبلدان عقودا أخرى طويلة.

ما يجري حاليا هو محاولة لإعادة تدوير التاريخ أو نسخه، أي تقسمة المقسَّم، وتجزئة المجزأ .. وسواء كانت المعلومات عن مخططات جاهزة ومؤامرات تُحاك تحت جنح الظلام صحيحة أم مجرد شطحات خيالية؛ فإن مضمونها وجوهرها يقع في دائرة الاحتمالات الممكنة، وأحيانا لا يتطلب الأمر مؤامرات خارجية وتخطيط أجهزة متخصصة، فلدينا من يتطوع لتنفيذ رغبات الأعداء وتحقيق أمانيهم حتى دون مقابل، فالمقابل هو دوما رؤية أنانية ضيقة ..

ألم يكن تعنّت نظام "البشير"، وفشله في إيجاد صيغة وطنية جامعة تستوعب أهل الجنوب وغيرهم من الأقليات، إلى جانب حاجته الشخصية لتجنب المحكمة الدولية أسبابا كافية لتمرير الانفصال ؟؟ ألم يكن طموح "حماس" الحزبي لإقامة إمارة خاصة بها، سببا كافيا لسلخ جزء من الوطن واقتطاعه لتمارس عليه إيديولوجيتها، مسبّبة بذلك حالة من الانقسام والانفصال قصمت ظهر القضية الفلسطينية ؟؟
والخشية أن يكون تقسيم السودان، وانقسام حماس مجرد بداية لعالم جديد، بخرائط ودول وحدود جديدة .. قد تضيف إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة عشرات المقاعد .. فاليمن مثلا يحيط به ثلاثة أشباح تقسيمية: يساري طفولي في الجنوب، وطائفي في الشمال، وقبلي في الوسط. والفوضى الأمنية في ليبيا قد تفضي إلى قيام دولة طرابلس، ودولة بنغازي. على غرار ما حصل في الصومال، الذي قُسم بصورة غير معترف بها بين الصومال الجنوبي وجمهورية أرض الصومال. الأمازيغ بعد الهجوم الفرنسي على مالي بدؤوا يتحدثون عن حلمهم بالاستقلال بصوت مرتفع. وهذا سينعش آمال وتحركات البوليساريو في الصحراء المغربية.

الأكراد لم ولن تُتح لهم أفضل من هذه الفرصة لإقامة كردستان، وأفغانستان التي حملت سنوات طويلة بالحرب الأهلية قد تنجب البلوشستان والباشتوستان، كما تشظت من قبلها الهند الكبرى إلى خمس دول. أما إيران، فإذا ما انهار نظامها المركزي (إما نتيجة انتفاضة داخلية أو بعد ضربة عسكرية تضعف قدرات الجيش) ستخسر حدودها الشمالية لصالح أذربيجان، وجزء من حدودها الغربية لصالح الدولة الشيعية العربية، لكنها ستكسب أراضي جديدة من أفغانستان.

والاستقطاب الطائفي الذي لم تشهد المنطقة مثل حدته من قبل سيكون كافيا لإنشاء دول جديدة سنية وشيعية ودرزية وعلوية ومسيحية، تتداخل حدودها في ما يعرف بالهلال الخصيب. خاصة في ظل الثورة السورية التي أخذت منحى طائفي شديد العنف، وفي ظل ضعف الإدارة المركزية في العراق وفسادها. الخطاب الإخواني المشكك بوطنية النوبيين - حتى لو لم يكن قاصدا - فإنه يدعو لسلخ النوبة عن مصر، والفوضى الأمنية في سيناء قد ينجم عنها دولة، خاصة بعد تدهور لأوضاع الأمنية في مصر بشكل غير مسبوق.

مخططات التقسيم هذه، التي تخدم الهيمنة الإمبريالية وتضمن تفوق إسرائيل وبقائها، لن تحتاج إلى حرب عالمية ثالثة، ولا حتى مخططات معقدة ومكلفة .. تحتاج فقط لتصعيد حدة التجاذبات العرقية والطائفية وإشعال الحروب الأهلية، ووضع القبائل على الحدود السياسية التي خلفها سايكس وبيكو، والتي هي في حقيقتها قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، ثم قيام الأقليات بحركات احتجاجية تطالب بحق تقرير المصير، وتصويت في الأمم المتحدة، سيلاقي قبولا فوريا يمنحها حدودا وعاصمة وعملة ورئيس يجري استقباله على البساط الأحمر .. لأن في هذا إنقاذ لها من براثن الحرب الأهلية، وحمايتها من قمع الأقليات. وما يساعد ويخدم هذه المخططات تنظيم ضبابي عالمي اسمه "القاعدة" تراه حاضرا في كل بلد يتهيأ للانقسام، أو تسوده الفوضى، من غرب أفريقيا إلى قرنها، ومن أواسط آسيا حتى جنوبها ..

كل هذه المخططات والمؤامرات والاحتمالات قد تبقَ حبيسة في أروقة وملفات المخابرات الأمريكية وإسرائيل، بحيث لا ترى النور أبداً، أو تخرج وتفشل على الفور .. هذا إذا تنبهت شعوب المنطقة لمخاطر ما يحيط بها، وارتقت إلى مستوى المسؤولية التاريخية .. أما إذا بقيت على ضلالها وغيّها فستصبح أمرا واقعا ..

وحينها أخشى أن نكون مضطرين للقول: "ألله يرحمك يا سايكس، ويفشفش الطوبة اللي تحت راسك يا بيكو؛ فقد كنتما أكثر رحمة وكرما من أمراء الحرب في زمننا الحاضر".



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحولات الزمن
- هل المرأة ضحية للتحرش الجنسي ؟
- الثقافة الوطنية في مواجهة الحركات السلفية
- موقف حماس والحركات السلفية من الثقافة والجمال
- أمريكا اللاتينية .. نماذج فريدة من الزعامة
- اقتراح بشأن عيد الحب
- لماذا أخفقت الثورة الفلسطينية !؟ مراجعة شاملة مختصرة
- الحرب في مالي .. هل هي حرب على الإسلام ؟!
- باجس أبو عطوان .. فدائي من الزمن الجميل
- دار الحنان .. (اللي بالعطيفية)
- حروب غبية
- كيف يفكر العقل السياسي العربي ؟!
- وصف مختصر لمشهد مكثف
- في مفهوم توازن الرعب .. بين الفلسطينيين والإسرائيليين
- الحرب على غزة .. هزيمة أم نصر ؟
- الحرب على غزة .. قراءة من زوايا مختلفة .. الجزء 1
- كانَ وجْهُكِ ضَاحِكَ القَسَماتِ .. طَلْقُ .. ثم تغير المشهد ...
- كلمة للرئيس أبو مازن .. أرجوك إبق مصمما على موقفك
- الأطفال المجندون .. لا يعرفون العيد
- يكفي يا هنية - على هامش زيارة أمير قطر لغزة


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - مئويات .. خرائط .. ومخططات