أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نعيم عبد مهلهل - (أور دمعة بمعطف جندي).















المزيد.....

(أور دمعة بمعطف جندي).


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4045 - 2013 / 3 / 28 - 23:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


(أور دمعة بمعطف جندي).

نعيم عبد مهلهل

يعرف الزمن جيدا أن أور هي مشكاة الحرف الذي يفكر بقلبه . مدينة تتسور بالرؤى الخضر فتعطي للمكان شيئا من رعشة ذاكرة التلقي من أن الصوت والنغم المتشكل في القيثارة السومرية
يوحي لنا بأن السامع والمسموع واقعان تحت تأثير ميتافيزيقيا التخيل وفي قلب مجرة أتت بأولئك الأقوام من بعيد لامنظور كي يسكنوا الجنوب العراقي ويصنعوا الحلم بحداثة اجمل ألف مرة مما تصنعه الأغاني المضغوطة بنقاوة لا تضاهى في قرص ليزري .
كانت أور معطفا لزمن سرمدي . مدينة تتشكل في بيئتها كل أشكال الحياة . الشعر الطاغوت العبادة الطينية قصائد الحب مراسيم دفن الأحياء وقراءة ضوء النجوم بأرقام العد العشري ولهذا فهي في منظور الحلم مدينة قائمة ودائمة أو هكذا يحسها ذهني وأنا أقيم كوخي على بعد فراسخ قليلة من تلالها الملتحية بالصمت وهدير الطائرات وكشوفات المقاولين وهم يتحدثون بسرية مبعثرة عن مكان لمدارج الطائرات وفنادق فارهة وشوارع تستقبل بأكثر من ممر ضيوف الحاضرة الفاتيكانية وحجاج قد يأتون من بروكسل ليزوروا بيت النبي إبراهيم ع اعتمادا على ما نطقته التوراة ببعثنه من اور الكلدان .
أفكر بوضع المدينة الأثرية فأجد نفسي كمن لاحول ولا قوة لديه إزاء الرغبة بالتعامل مع المكان .
لاتعني الثقافة في مكان محتل أنها سلطة لفرض هاجس ما بل تكاد تكون صوتا يزحف إلى مساحات التذكير والموعظة وتدوين اليوم على أساس إن التفاصيل ستبقى إلى ذلك الغد الذي قد نعرف فيه ما حدث بالضبط .
كان أندريه مالرو صاحب رواية الأمل يقول : كنت عندما أرى معطفا ألمانيا يرتدي برد باريس أتوقف عن الكتابة شهرا كاملاً..!
هاجس كهذا قد يختلف هنا بحكم ضرورات عهود الطواغيت التي ظلت أور تعاني من مشقة ضيق بدلات حروبهم حد الذي صنعت لشبابها ذاكرة منافي متعددة وقطارات سافروا بها وهم يبصقون الخجل قصائدَ وأمنية للعودة ثانية وارتداء معاطف الحلم المصنوعة بمهارة خياطي أزمنتها دانجو أدامو ، الملك الموسيقار شولكي ، رشيد مجيد ، عبد القادر الناصري ، قيس لفته مراد ، داخل حسن ، حضيري أبو عزيز ..فائق حسين ، صلاح نيازي ، كاظم جهاد ، عقيل علي ، فاطمة المحسن ، بلقيس نعمة العزيز ، جميل حيدر .. هم كثر لا تسعهم أكبر سلال الفاكهة ورغم هذا الأحياء والموات منهم يتطلعون حد هذه اللحظة لخلق مودة الرؤى الجديدة لمدينة تربوا بها وعاشوا على تربها وشربوا الشاي في حاناتها وصلوا في معابدها.
مدينة تقف عند ذاكرة الفعل الشعري لتصنع خيالها بتورية التأليف وحسن الخاطرة وجزالة الحكمة.
عاشت أور عهود الأزل بذاكرة عاطفية وبنت رؤى التفكير الأول بمشاعر تختلط فيها الكثير من حداثة تفكير اليوم الشعرية والعسكرة وسن القانون وشق ترع الري وبناء القصور والمعابد وتزيين أعناق الأميرات بالحلي المحفورة بدقة وجمال من أثمن الأحجار الكريمة فيما بقي هاجس الحرب وروح السلطة قمة الهرم في تفكير مدينة أرادت أن تصل بخيالها إلى كل الدنيا وتؤلف عهدا حداثويا للشعر والهندسة والموسيقى وما يخلفه الطين لحظة تآلف مع ذاكرة العاشق.
المدينة اليوم هي أطلال أمس ذهب بعيداً . لم تعد سوى تلال تتبعثر فيها خطوات أغنام الرعاة وجزمات جنود متعددي الجنسيات فيما أفرغت يد السراق ورجالات التنقيب الأثري أقبية المقبرة من كنوزها التي عدت يوم كشف عنها أول مرة مطلع عشرينات القرن الماضي من قبل ليوناردو وولي واحدة من أجمل الكنوز الإنسانية وأقدمها صناعة وإبداعا ومنها قيثارة أور وراياتها والخوذ الملكية وصناديق الموسيقى والرفات المنتظم لضحايا طقوس الموت السومري حيث كان الملك في رحلة الموت يجلب معه كل حاشيته لتؤنسه في ظلمة العالم الآخر وكان الجميع يجلبون معهم ما غلا ثمنه وخف وزنه وتلك الحاجات الخاصة العائدة لأجدادنا من سكنة المدينة هي اليوم ملكا لمتاحف الغرب فيما المكان الأثري لا يحوي سوى على طلل البيوت الغابرة وأسس المدينة القديمة وأقبية صارت ملاذا للهواء الرطب وجحورا لبنات آوى!
حال بائس لمدينة كانت في يوم ما تقطر شعرا وفنا وأساطيرَ
مدينة لم يبق منها سوى ذاكرة التراب وبيتٌ سوروه وبنوه دون دراية وعجالة وأفترض أن في واحد من غرفه ولد النبي إبراهيم الخليل ع حيث يعتقد بما شاء الله أنه ولد هنا وفي الوهاد الفسيحة للمدينة العظمية حيث كان والده النجار يسكن فيها بدأت تباشير النبوة تسقط أشواق التوحيد ومتهدجات الروح في رغبة فصل الكون عن دمى الطين وإرجاعه إلى ملك التوحيد الأزلي وروح العقل الإله الواحد . غير إن المكان لم يستغل جيدا في جعله آصرة سلام لنبي كان همه أن يشعل شمعة السلام عبر رحلة أخذت من أحلامه أن صنع بها رؤى التأسيس لوحدانية الملة والدين . الكثير أرادوا أن يحققوا شيئا من المكان .أن يجعلوا مكان المهد ورابية التصور الأولى التي انتبه فيها النبي إلى سر الخليقة مكانا للتسامح والحوار الحضاري ونبذ الإرهاب والعنف وحتى البابا الراحل في مطلع الألفية الثالثة أراد من هكذا مكان نقطة بدء رحلة إيمانية تبدا من اور وتنتهي بأورشليم القدس لتكون رسالة معبرة عن روح اللقاء الوحداني والحضاري بين شعوب وملل الأرض كلها ولكن في كل مرة السياسة تفسد أحلام القديسين وترمي الأمر في الزاوية الضيقة فلا يتحقق وبذلك فقدت اور بفضل التسييس وجرَ الأمر إلى ساحة الأعلام وتصفية الحسابات يوما مشهودا يعيد الانتباه إلى هذه المدينة كي تفكر المؤسسات الأممية ومنها اليونسكو بتحصين المكان وأعادة مشاريع التنقيب فيه وتحويله إلى معلم أثري يخضع للحماية الدولية كونه إرثا إنسانيا ومكاناً ولدت فيه ذاكرة اكثر من نبي نوح وإبراهيم وأيوب وحتى لوط القريب إلى إبراهيم كانت اور ساحة لبعض رؤاه الوحدانية.
أن هذا الأمر يتطلب جهدا خاصا وتأسيس منظمة مجتمع مدني تعنى بالمكان وذاكرته ، وأن يتم الاتصال بالمنظمة العالمية ( اليونسكو ) ، كي يُلفت انتباهها إلى أن أور التي كانت في يوم ما حاضرة الدنيا وصناعة شجنها المعطر بالشعر والموسيقى ، هي اليوم مربضٌ للطائرات والنسيان وأحلام المقاولين بتأسيس مشاريع وهم سريعة من نقود الدول المانحة ولم يكن بين كل هذه المشاريع مشروع يحمي الأثر ويفتش عن حياة مطورة بين تلال الرمل لم تصل أليها بعد يد المنقب والعابثين ، دعوة ترسم رغبة تكوين أثر طيب يسعد ذاكرة الأجيال السومرية التي لازالت تئن من وجع الماضي وتستظل أملاً بالجديد الذي لم يكشف عن عبق حدائقه بعد وقد يتحقق ذلك بدستور فيه فقرات تؤشر إلى رغبة صارمة وحقيقة بحفظ التراث والتنقيب عنه ومعاقبة العابثين وسراق التلول والاطلال من خلال تأسيس جهاز مؤسساتي صارم وعلمي يعنى بهكذا أمكنة ، لأن العبث قد يخلف ما ترك إلينا لنحافظ عليه يخلفه رماد يذري في رياح النسيان والانقراض وقديما قالوا : الشعوب التي لا تمتلك ذاكرة هي شعوب ميتة.
إنها أور التي ترتدي لغاية هذه اللحظة معاطف الجند الغرباء وتنتعل أحذية الرمل المنسي توجه صوتها إلى أهلها في الوطن والمنافي ليتذكروها وليقودوا لأجلها حملة عالمية وليكن عنوانها من اجل أن نعيد إلى أور سحرها السومري . دعوة لإنقاذ مدينة...
وليفكر إنسان غيور ونبيل من أولئك الذين يجدون في حلمه باستعادة ظل الشعر والموسيقى أن يتظافر معنا ويكتب عن تصوره لدعم فكرة مشروعنا الصغير الكبير والتي تكون مدينة الناصرية مكانا لثمرة البدء ، حيث تحتاج المدينة إلى حملة تضامن ومناشدة وتدخلات ومنظمات إنسانية داعمة لتطوير وإحياء تراث الشعوب كي نعيد للمكان رغبته بأن يبقى مصطبة لاستراحة الآلهة ومكاناً ساحراً لإنشاد الشعر واقامة مواسم الزواج والحصاد وعبادة الرب الواحد...



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر سيارات الفولكا
- مدائح جنة دلمون ...!
- سوريا كما تخيلها هيرقليطس
- الفنان سامي نسيم وهوغو شافيز
- ماالذي يجمع أحمد عدوية ببورخيس.........!
- غشاء البكارة ..وصبايا الأقليات...!
- كُنْ بصرةً ..ولا تكن قيصراً ..!
- جسد المرأة وبئر البترول..!
- فقهُ الذي حلمهُ الرغيف.......!
- ميزوبوتاميا .. الطين وشهوة الأقبية ...!
- الرجاء قراءة هذه القصة* ...!
- الصورة الأخيرة للطاغية ..!
- فوضى يعشقها الآري......!
- المفكر الاسلامي أحمد القبانجي في حوار مع الحوار المتمدن
- (لك في القطب الجنوبي فقمة )
- قرية بعاذرا الأيزيدية وحقول عباد الشمس .................!
- محمد عبد المحسن ..بتهوفن العيون الحلوة.......!
- كاولية مونت كارلو
- ذاكرة الورد ..ذاكرة الغزال .. ذاكرة العمر
- متحف لمؤسس الحزب الشيوعي العراقي..!


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - نعيم عبد مهلهل - (أور دمعة بمعطف جندي).