أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وسام رفيدي - بين الدولة الدينية والدولة المدنية....اضحى الربيع خريفاً!















المزيد.....


بين الدولة الدينية والدولة المدنية....اضحى الربيع خريفاً!


وسام رفيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 23:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة
لم يحظَ مفهومان/ شعاران، منذ ما يزيد على العام، بالهيمنة والتسيد على الخطاب السياسي العربي المعلن قدر شعاري الدولة الدينية والدولة المدنية. وواضح من سياق طرح الشعارين انهما يوضعان في مواجهة بعضهما البعض، كتعبير عن التناقض السياسي/ الأيديولوجي بين التيارين الإسلامي على تنويعاته، والعلماني، وأيضا على تنويعاته، وأكثر من ذلك: تعبيرا عن القضية الجوهرية، كما تُصاغ وفق التناقض بين الشعارين، للحركة الشعبية العربية المنطلقة منذ نهاية 2010 في تونس، والمسماة تجاوزا بالربيع العربي!
والشعاران يحيلان على شكل النظام السياسي، وحصرا على التشريعات التي ينهض عليها هذا النظام، ومن خلفه الدولة، تشريع ديني ام تشريع مدني. وهنا بطبيعة الحال لا يدور النقاش كما يبدو بوضوح حول الطبيعة الطبقية للدولة بقدر ما يدور حول شكل النظام السياسي. ليس في هذا، نسارع للقول، اي تقليل من أهمية شكل النظام، فمرجعية التشريع تُلقي بظلالها على الحياة الاجتماعية والسياسية والدستور والنظام القانوني والحريات والتعددية....وبالتالي هي لا شك مسألة هامة وأساسية، ولكن ليست، كما نسعى للتبيان، المسألة الجوهرية، لا كما نتخيلها، بل كما طرحتها الجماهير المنتفضة في الميادين لحظة نزولها للشارع، وكما يتطلبه، حسب وجهة نظرنا، إحداث التغيير الجذري في حياة الناس المنتفضين.
تسعى هذه المقالة لتبيان الظروف السياسية المتعلقة بموازين القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة، الداخلية والخارجية، والتي حصرت النطاق المعلن للحركة الشعبية في هذا النطاق، نعني الشعارين. وتاليا، نسعى لإظهار ان حصر الخطاب هذا في نطاق هذين الشعارين إنما لم يكن دون توجه مسبق من التيارات الأساسية الفاعلة في الحركة، ليس فقط لحصر الخطاب في هذا النطاق، بقدر ما يتضمن ايضا إخراج ما ينبغي إخراجه من هذا النطاق، لاعتبارات طبقية اساساً. وأخيراً سيتمكن التحليل من الوقوف على مسئولية القوى الغائبة، كثقل وكقيادة، عن هذا الإنحراف عن المطالب/ الشعارات الأساسية للحركة منذ إنطلاقتها، وبالتالي عن تحول (الربيع العربي) إلى خريف للهيمنة الإسلامية المتحالفة مع حكام الخليج والإمبريالية والدور العثماني المعاصر.
في القوى والتيارات السياسية الفاعلة
غلب الطابع الشبابي على الحراك في أيامه الأولى مستخدما تلك التقنيات التواصلية المعولمة والتي أتاحت، بذكاء وفطنة الشباب المتعلم، والمتحدر من أوساط الفئات الوسطى، لممكنات حشد هذا الكم الهائل من المنتفضين في الساحات. هنا يمكن اعتبار الحالة المصرية نموذجية. فحسب محمد حسنين هيكل، وهو لا ينقصه الإطلاع، فقد تجمع ما ينوف عن 70 ألف شاب عبر الصفحات تلك عند التحضير لتظاهرة 25 يناير، ويمكن الاستدلال بتفاصيل كثيرة حول تلك الحقيقة من كتاب مجدي عنيم، احد أبرز نشطاء الشباب حينذاك.
لقد لعبت تلك الصفحات دورا أساسيا باعتبارها آليات للتواصل والتنظيم وإدارة تفاصيل متعلقة بحشد القوى واختبار سلوك الخصم....الأمر الذي مكّن، امام دهشة بل ورفض القوى السياسية التقليدية، من إطلاق شرارة حركة شعبية عامة وواسعة النطاق. والوقائع كثيرة التي تدعم رفض القوى للحراك في بداياته، وتحديدا يوم 25 يناير: فاليسار المصري الكلاسيكي الممثل بالتجمع التقدمي رد على الدعوة بأن 25 يناير عيد وطني للشرطة فلا يعقل أخلاقيا وسياسيا التظاهر ضد سلوك الشرطة في يومهم الوطني مذكرا، باعتبار الجيل الشباب صغير وغافل عن التاريخ!!!!، بان يوم 25 يناير هو ذكرى انتفاضة الشرطة ضد الاحتلال الإنجليزي! كان موقف اليسار السلطوي هذا تذكيرا آخر للمدايات التي يمكن أن يذهب لها يسار ارتهن في سلوكه لحدود شرعية النظام ذاته دون أن يجرأ على الخروج عنها.
أما الإخوان المسلمون، وكما عبر شبابهم مرات فكان موقفهم: لا نتبنى الدعوة رسميا ولا نشارك كجماعة ونترك لشباب الجماعة حرية المشاركة من عدمها. كان واضحا السلوك الإنتظاري/ الإنتهازي: إن نجحت الحركة فشبابنا هناك ونسارع للقفز كجماعة رسميا! وإن فشلت فبالنهاية نحن لم نتبناها رسمياً. مرة أخرى: مَنْ القائل ان الإسلاميين لا يتميزون ببراغماتية عالية تبز عتاة الليبراليين؟
لهذا السبب، ولما سبق تقديمه من طغيان الطابع الشبابي ابتعدت التحليلات السياسية سريعا في تقدير طابع الحركة وقواها فأكدت غياب القوى الاجتماعية ولاسياسية الأخرى تماما، بل تأكد عدم الحاجة لها أصلاً، وجرى النفخ في أهمية الفيس بوك وتويتر ليغدوان بديلا للحزب السياسي!!! إن تلك التحليلات المنفلتة من عقال الحصافة والموضوعية لم تنتبه، أو أهملت عامدة المعطيات التالية:
1-    ليسوا الشباب المحركين للحدث الأولي 35 يناير خارج إطار التنويعات السياسية والفكرية المصرية، فهم إما متحزبين او منحازين حزبيا، او ببساطة تشكل وعيهم السياسي في العلاقة مع تلك التنويعات. لقد اسهبت التقارير الصحفية التي تناولت أبرز النشطاء وخلفياتهم، الإسلامية والشيوعية واليسارية والقومية والليبرالية. إن انتشار لقب ( شباب كذا) يؤشر لذات المعطى: فهناك شباب الإخوان وهناك شباب التجمع  وشباب الوفد وشباب 6 إبريل...والعديد العديد من المجموعات اليسارية الصغيرة.
2-    لم تدم قيادة الشباب للحدث سوى بضعة ايام تدخلت بعدها القوى السياسية بثقل وخاصة الإخوان، خاصة بعد الدعوة الناجحة للنزول في ميادين المحافظات وعدم الاقتصار على ميدان التحرير في القاهرة. سلسلة من التحركات السياسية بدات حينذاك اوضحت أن الشباب المنتفض والمنظم بات في خلف الصورة وعلى الأقل يجري الالتفاف عليه. صحيح ان محاولات عديدة للالتفاف لم تنجح ولكنها كانت مؤشرا ان عهد قيادة الشباب للحركة بدأ يولى! فمن إجتماع ( قيادات القوى) مع عمر سلمان، إلى الموافقة الخجولة على حكومة شفيق الأولى، كان يتضح معطيين: تسعى القوى السياسية الكبيرة، وخاصة الإحوان، لإيجاد معادلة وسطية بين الحركة ونظام مبارك، تأكدت بعد ذلك في صفقة تشكيل لجنة الدستور، بممثل واحد من القوى السياسية هو ممثل الاخوان، وإعلان الإخوان عدم ترشيح مرشح عنهم للرئاسة، والمعطى الثاني عزل الحركة الشبابية وشعاراتها التي باتت تنظم العديد من المطالب الجزئية ( 54 مطلب) بعضها يتوشح بملامح طبقية: حد أدنى للأجور، تأميم القطاعات الاقتصادية الأساسية، ووقف بيع ما تبقى من القطاع العام.
3-    أما دور شبكات التواصل الإجتماعي فقد لعبت وبحق دورا تعبويا وإداريا/ تنظيميا هائلا ولكن ليس إلى المدى الذي يمكن الاستنتاج معه بأنها باتت بديلا لدور الحزب السياسي ووسائل التعبئة الأخرى. ينبغي التنويه هنا أنه وبعد ان امتدت المليونيات لتتجاوز حدود ميدان التحرير توقفت شبكات التواصل تلك عن لعب الدور الأساسي، فالملايين من العمال والفلاحين الذين تجمعوا في الميادين من اسوان وأسيوط حتى الإسكندرية لا تتمتع بترف التواصل التقني الذي تمتلكه الفئات الوسطى، وهنا يمكن النظر للدور الذي لعبته الفضائيات مثلا، والجزيرة تحديدا، في توحيد المواعيد والشعارات والهتافات عبرالبث المباشر الأمر الذي يفسر إجراءات نظام مبارك ضد شبكة الإنترنت ( القطع لأربع وعشرون ساعة) وإغلاق مكتب الجزيرة واتخاذ خطوات ضد مراسليها.
وعليه يمكن الاستنتاج أن الدور الريادي للشباب في إطلاق الحركة سرعان ما انتزعته القوى المختلفة، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين بعد شعورها بأن الأمور ليست فقط تظاهرات ضد سلوك الشرطة القمعي بل ضد النظام كنظام وبالتالي يمكن القول انها التقطت سريعا المتغير ونجحت باقتناصه لأجندات سنأتي على ذكرها.
فرض الشباب في الميدان الشعارين الأساسييين ( إسقاط النظام وشعار إرحل)، كشعارين أساسيين ناظمين للحركة وموجهين اساسا، كما بدى من مزاج المنتفضين، ضد شخص الرئيس المخلوع أكثر من تركيبة نظامه وجهازدولته. عند هذه النقطة بالذات يمكن الحديث عن محدودية الوعي السياسي الموجه للشباب من جهة وعن قدرة الإخوان، والنظام نفسه وخلفاؤه، من إيجاد الطريق الممهدة لحصر الثورة في نطاق محدد هو بالحقيقة نقطة إلتقاء أطراف عدة فاعلة: إسلاميين وليبراليين وأوروبيين وامريكان وقطريين وأتراك.
فإذا كان الشعار إسقاط النظام لا إسقاط دولة التبعية، وترحيل مبارك لا ترحيل كل البنية الاجتماعية/ الاقتصادية لنظام مبارك، فحينها نكون أمام تغيير في شكل النظام الرأسمالي التابع لا في جوهر النظام التابع المرتبط بالرأسمال العالمي، تغيير باتت تتطلبه ليس فقط ضرورات اجتثاث غضب الشارع من تاثيرات سياسة التبعية بل وايضا للحفاظ على جوهر علاقات التبعية، السبب الرئيس في تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر.
ليس لدى الإمبرياليين، كما اتضح من اليوم الأول، من مشكلة مع المنتفضين سوى قضيتين جوهريتين: الحفاظ على الإستثمارات الأجنبية من جهة، ولنقرأ بلغة الاقتصاد السياسي الحفاظ على علاقات التبعية للرأسمال العالمي، وعدم المس بالاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني من جهة أخرى. غير ذلك نوافل لا قيمة لها ويمكن استخدامها من باب التغطية وركوب الموجه من نوع الحديث عن الديموقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والمرأة، فرأس المال الأمريكي ومن خلفه العالمي، لا يعنيه ملابس النساء في الشارع ولا حقوق القئات المهمشة ولا الديموقراطية السياسية والتعددية بقدر ما تعنيه مصالحه السياسية والاقتصادية في المنطقة، ويمكن اعتبار التحالف الاستراتيجي بين الرأس مال العالمي وأنظمة الخليج، مثالا صارخا على تلك السياسة من موقع تبعية الثاني للاول بالتأكيد! وعليه فما تباكي الرئيس الخائن لبشرته، أوباما، على الديموقراطية، ولا داعية تحديد النسل في العالم الثالث، كلينتون حول حرية المرأة، سوى فذلكات ذكية إعلاميا، نجحت بلا شك في حشد قوى ليبرالية أساسية خلفها!
نقطة الإلتقاء بين الليبلااليين والإسلاميين
كل الضجيج الفكري حو الصراع بين العلمانية والدين، بين الدولة المدنية والدولة الدينية أخفى حقيقة التلاقي الطبقي بين شعاري الدولة المدنية والدولة الدينية، وطرح مسألة ( الربيع العربي) وكأنها منذ البداية تدور هنا بالذات، وفي ذلك مغالطة! نقول (الضجيج) ونعني به تحديدا تعمد تركيز الصراع هنا بالذات إن كان من جهة الإسلاميين او العلمانيين دون أن يعني هذا تقيليلا من أهمية الفارق قطعا بين العلمانية كنظام سياسي وبين الدولة الدينية أيضا كنظام سياسي.
لماذا انتفضت الجماهير العربية؟ على سذاجة هذا السؤال لكنه يعيد للبدايات وذلك مهما الآن بالذات. من الزاوية الرمزية فحسب، وتلك لها دلالاتها، فمحمد بو عزيزي عندما أحرق نفسه لم يكن محركه معاداة (العلمانية) المزعومة لبن علي، بل احتجاجا على وضعه الاقتصادي كخريج جامعي لم يجد سوى بسطة للبيع في الشارع ومع ذلك سحبتها البلدية منه مع مهانة الصفعة! أما محركو يوم 25 يناير فلم يكن في حساباتهم إسلامية او علمانية الدستور مثلا ولا مكانة الأزهر ودوره في التشريع القانوني للأحكام بل سلوك الشرطة وامن الدولة الهمجي ضد النشطاء السياسيين وحالات التعذيب وتزوير الانتخابات ولاحقا بلوروا شعاراتهم بشعار تكرر كثيرا ( حرية عدالة وكرامة وطنية)، قبل أن يتبلور في شعاري (اسقاط النظام ورحيل مبارك)، وبالتالي لم تكن حسابات العلمنة والدين مطروحة اللهم في زاوية واحدة هامة: الحريات السياسية وتلك قضية تحيل على العلمانية ولكنها لا تفسر كل ما يحمله شعار  (حرية/ عدالة وكرامة/ وطنية)، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أغفل الخطابين الإسلامي والليبرالي عنها بتصميم: عرفت مصر طوال العام 2010 أكثر من 450 إضراب واعتصام واحتجاج عمالي، وقبل ذلك نشأت حركة 6 إبريل أصلا على قاعدة دعم الإضراب العمالي. فالحركة الشعبية السابقة ل 25 يناير كانت تجمع اساسا بين مطالب طبقية للعمال ومطالب سياسية بالحريات والحقوق، اي بين المطالب الديموقراطية والمطالب الطبقية.
هنا تحديدا كانت الإلتقاء بين التيارين الليبرالي والإسلامي: في إسقاط المحتوى الطبقي للحركة وحشره في إطار علمانية أو دينية الدولة. وسواء كانت الدولة علمانية، ككل العالم الرأسمالي في المركز، أو دينية كالسعودية مثلا، فالنظام الإثتصادي ذاته: مركز رأسمالي متحكم في الأول ونظام راسمالي تابع في المحيط، السعودية هنا نموذجا. فمسألة مرجعية التشريع، المسألة الجوهرية في النظام العلماني، لا تطرح المسألة الطبقية أصلاً، فهي بالاستناد لميزان القوى الطبقية وللهيمنة الاقتصادية لرأس المال تضمن سلفا ان التشريعات، بعلمانيتها، لن تمس حق الملكية المقدس!
كل معطيات المواقف والتحركات بعد سقوط مبارك أكدت هذا. من أول إجتماع عقده الإخوان المسلمون في مصر مع المستثمرين الأجانب لطمأنتهم حول إستثماراتهم، إلى اول لقاء عقده الغنوشي في الخارج مع اللوبي الصهيوني في أمريكا ( منظممة الإيباك)، وإعلان الإخوان في مصر احترام الاتفاقات الموقعة مع الصهاينة، وصولا إلى استجلاب الاستثمارات القطرية والسعودية لمصر وتوقيع اتفاقية القرض مع البنك الدولي تحت شعار ( الضرورات تبيح المحظورات- ولنقرأ الدولارات تبيح المحظورات)...كل ذلك كان يصب في مجريين ليس لليبراليين مشلكة معهما، ومن الخلف ليس مع الامريكان والصهاينة ايضا مشكلة معهما: الحفاظ على النظام الرأسمالي التابع والحفاظ على اتفاقات كامب ديفيد! هنا بالذات التقى الليبراليون والإسلاميون في المنطقة، كما يلتقون اليوم في ما يسمى بالمعارضة المسلحة في سوريا: ليبراليو حلف الناتو مع السعودية وقطر وسلفيو القاعدة، فالعرعور ليس من مشكلة عنده بالتحالف مع برهان غليون! كما ليس من مشكلة لدى مرسي أن يأخذ معه للصين المئات من راسماليي النظام المباركي لتوقيع الاتفاقات التجارية، فالحديث يدور عن أكثر من 400 رأسمالي من الفلول من أصل 700 رافقوا مرسي للصين!
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الاندراج المعلن، على الأقل كما عبر عنه مرسي في السعودية بحديثه عن حماية الإسلام الوسطى السني!!!! وفي كيل المديح للخلفاء الراشدين في عقر دار الشيعة في إيران، نقول الإندراج المعلن في خطة أمريكية/ إسلامية سنية لمحاصرة الشيعة  (إيران/ وسوريا وحزب الله)، إذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار يمكن فهم ذلك التحالف الليبرالي الإسلامي المدعوم أمريكيا والمتجاوز لحدو بلد واحد ليطال المنطقة ككل!
الدولة الوطنية الديموقراطية
رغم انطراح مطالب طبقية من هنا وهناك إلا أنها لم ترتقِ لمستوى الموجه لحركة الشارع. مرة أخرى تتأكد المقولة اللينينية: دون حامل حزبي لا قيمة للبرنامج السياسي! ففي مصر وتونس تكرر، هنا وهناك دعوات لفتح الطريق أمام مسار اعمق وأكثر جذرية للثورة يتجاوز حدود النقاش/ الصراع الإسلامي الليبرالي حول (المدنية والدينية) باتجاه نظام ديموقراطي شعبي ديموقراطي معاد للإمبريالية والصهيونية ويبتبغي بناء اقتصاد وطني مستقل يفتح الطريق لتطبيقات إشتراكية، وهذا يتطلب ليس فقط تغييراً ديكورياً في رأس النظام ولا إسقاط النظام فحسب بل تغييرا في جهاز الدولة ذاته.
في تونس يبرز هنا دور حزب العمال الشيوعي باعتباره الفصيل الأبرز والأقوى بين فصائل اليسار والقوى القومية، ولكنه الأضعف على المستوى الوطني، لذلك فإن شعاراته حول لجان شعبية ثورية كبديل لجهاز الدولة البرجوازي لم تتحول لقوة مادية تؤثر في المسار العام للثورة. أما في مصر، فأمام الخيانة المعلنة لحزب التجمع التقدمي، الفصيل ( اليساري) الأبرز في المعارضة ( العلنية)، لم يتبق في واقع الحال سوة مجموعات حزبية محدودة التأثيرلها بعض النفوذ بين النقابيين والمثقفين من أمثال: الحزب الشيوعي، الحزب الاشتراكي، حزب التحالف الشعبي ( وقادته منسحبين من التجمع أصلاً) والاشتراكيين الثوريين ( منظمة تروتسكية صغيرة) وغيرها العديد. وبالتالي فإن بعض الشعارات الطبقية التي تكررت هنا وهناك ظلت محصورة في دائرة المهتمين ولم تتحول لقوة في الشارع.
لذلك، يمكن اعتبار هشاشة دور اليسار الجذري في المنطقة العربية إحدى أهم الأسباب التي سمحت بالتالي بسرقة الثورة بعيدا عن مصالح الجماهير الأساسية بالتغيير الجذري للبنية الاجتماعية، وسهلت الطريق بالتالي لقوى الظلام الإسلامية ولليبراليين المتأمركين لقيادة الشارع، ونجاحها بحرف الشعار الأساس المتوجب، دولة وطنية ديموقراطية إلى شعار الدولة المدنية والدولة الدينية! وبالتالي فدا ربيع الجماهير خريفا موحلاً!
إن ميزة شعار/ برنامج الدولة الوطنية الديموقراطية ثلاث اساسية:
1-    من جهة فهو يطرح مسألة الدولة على بساط البحث باعتبارها هي المسألة الإساسية في الثورة حسب التعبير اللينني الصحيح تاريخيا، فلا ثورة حقيقية تعيد تشكيل البنية الاجتماعية والاقتصادية دون تغيير جهاز الدولة من دولة رأسمالية لدولة تمتلك قرارها الاقتصادي والسياسي وتفتح الطريق للإشتراكية.
2-    ومن جهة ثانية فإن الشعار يتضمن أصلا علمانية الدولة لاعتبار وطنيتها، خارج نطاق التصنيف والتشريع الديني، ويضمن ديموقراطيتها وتعدديتها، وبالأخص ديموقراطية العمال والفلاحين لقيادة التحولات الإجتماعية والإقتصادية.
3-    انه شعار يطرح على طاولة البحث ضرورة اتخاذ موقف قطعي مع التبعية كعلاقة ناظمة بين راس المال المحلي والرأسمال العالمي تلك العلاقة المتسببة اساساً في تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وبؤس العمال والفلاحين، وهي ذاتها التي تفتح الطريق لعملية النهب المحلي للقيمة الزائدة، وبغض النظر: نهبا يستند لفتاوى التجارة الحلال أما نهبا يستند لآخر الصيحات في نظريات السوق الرأسمالية.
لذلك ترى تلك المقالة لدور اليسار هنا، في قادم المرحلة بالاعتماد أساسا على حل المسائل التالية: أولا توحده وتحوله من تشظيات للمثقفين والنشطاء لقوة جماهيرية شعبية، وثانيا في تبنيه للشعار الأساس: دولة وطنية ديموقراطية تفك إسار التبعية وتفتح الطريق لبناء اقتصادي نهضوي ذات ابعاد إشتراكية يعتمد اساساً على المنتجين.وثالثا في تمايزه عن النظام السائد وقواه الأساسية وبطرح نفسه كبديل ثوري، لا كمعارض وفق الصيغة الليبرالية، لكل النظام الاجتماعي والاقتصادي.
لذلك ايضا، يمكن اعتبار الخطوات الوحيدية في مصر وتونس لقوى اليسار، وفي تونس مع القوميين التقدميين، خطوة في الاتجاه الصحيح طال انتظارها. فتشكيل الجبهة الشعبية في تونس كتخالف يساري- قومي له اهمية استثنائية في قادم المرحلة، وربما أكثر من تشكيل الحركة الديموقراطية في مصر مثلا.
 



#وسام_رفيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب الفكري للمنظمات غير الحكومية (إيصال النساء لمواقع الق ...


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - وسام رفيدي - بين الدولة الدينية والدولة المدنية....اضحى الربيع خريفاً!