أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - ضد اليسراوية الرفضوية، وضد الانتهازية اليمينية وضد الرجعية الظلامية















المزيد.....



ضد اليسراوية الرفضوية، وضد الانتهازية اليمينية وضد الرجعية الظلامية


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 07:58
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


في سياق التخليد للذكرى الثانية لانتفاضة العشرين من فبراير، طفت للسطح من جديد، العديد من التقييمات لهذه الانتفاضة الشعبية العظيمة وما ارتبط بها من حركة سياسية ـ اجتماعية ربطت اسمها بتاريخ انطلاقة الانتفاضة، حركة العشرين من فبراير.
وحيث كانت جل التقاييم في العديد من الصحف والمجلات، الورقية والإلكترونية تتجه وتستهدف بشكل حقير، تأبين الحركة وفقط.. انطلقت، على العكس من هذا، العديد من التيارات التقدمية المناضلة، سواء تلك المنخرطة بقوة في هذه الحركة، أو تلك التي تشارك في أشكال احتجاجية أخرى ذات نفس المطالب الاقتصادية والاجتماعية.. مسرعة بتقديم رأيها، والدلو بدلوها في ما يخص مسار ومآل هذه الحركة.. بعضها جانب الموضوعية، محاولا وضع أصبعه على مكامن الداء، معترفا بوجود الداء أصلا.. والبعض الآخر ما زال غارقا في ذاتيته المفرطة والمقيتة وباحثا عن المشاجب، عبر التجني البئيس، لإلصاق تهم التسبب في الانهيار، والتراجع، وتقلص القاعدة الذي عرفته وتعرفه الحركة، لجهات أخرى رفضت المشاركة أصلا في الحركة، وفي أشكال نضالها.
جريدة "النهج الديمقراطي" لسان حال حزب "النهج الديمقراطي"، الذي يعتـّد نفسه مكمّلا ومتمّما لمسيرة منظمة "إلى الأمام" الثورية، التي تأسست بداية السبعينات تحت يافطة الماركسية اللينينية، بهدف الإسهام في بناء حزب الطبقة العاملة، والنضال من أجل تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، عبر إسقاط النظام الملكي القائم وتعويضه بنظام جمهوري قائم على سلطة المجالس الشعبية..الخ لم تتخلف، أي الجريدة، هي الأخرى، عن الانخراط في هذا النقاش المهم الذي يهم حركة مهمة، رفعت شعارات مهمة تستوجب النقاش والتقييم وإعطاء الرأي من طرف الجميع، المساندين، أو المعارضين، أو المتحفظين.
ما يهمّنا في هذا الرد، ليس موقف حزب "النهج الديمقراطي" الذي نحترم قرراته بالمشاركة والدعم لجميع الوقفات الاحتجاجية ذات الطابع الجماهيري وغير الجماهيري، أي بما فيها الوقفات الاحتجاجية ذات الطابع النخبوي كذلك.. وهو نفس الموقف الذي نتخذه من جميع الفعاليات الديمقراطية التي تشتغل بشكل مستقل، أو على هيأة تيارات ومجموعات، تتحمل مسؤوليتها النضالية والميدانية كلما كانت الحاجة لذلك، دون تأخر أو تماطل، وباستعداد كبير لتقديم جميع ألوان التضحية من أجل التغيير، وارتباطا بمصالح الجماهير الشعبية الكادحة، البسيطة، المحرومة والمهمشة..الخ ما يهمنا في هذه اللحظة بالذات، هو تقويم الحركة الاحتجاجية وتصليب عودها، عبر التقييم وعبر الوقوف عن الأخطاء والنواقص، والاعتراف بها في إطار نقد ذاتي لا يجامل أحدا.
ونحن نتصفح العدد الأخير من الجريدة، أي الخاص بشهر فبراير، صادفتنا بعض المواقف المتعلقة بأسباب فشل حركة العشرين وتراجعاتها الميدانية والبيّنة، ضمن التقاييم المعروضة في الجريدة، وهي تقاييم متباينة، سواء من حيث المنهجية أو من حيث الخلاصات والمواقف.. حيث بدت التعارضات جلية بين تقييم وآخر، سواء فيما يتعلق بالمعطيات التي ارتبطت بانطلاق الحركة وبمسار توهّجها.. أو بأسباب انطفائها والعودة لنقطة الصفر. والحال أن أنشطة الحركة لم تعد تقتصر سوى على بعض المدن الكبيرة، خمس أو ست مدن، وتراجعت مسيراتها الأسبوعية لتتحول لوقفات شهرية يحضرها في أقصى حد العشرات وليس إلا.. لتتحول الحركة من جديد إلى شبه تنسيقيات بين أحزاب وتيارات سياسية يسارية وديمقراطية، بهدف مناهضة الغلاء ومناهضة التهشيش، والدفاع عن الحريات الديمقراطية، والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين..الخ
كنـّا ننتظر أن تجمع الجريدة على رأي واحد، وتقدم تقييما واحدا، باعتبارها جريدة حزبية، وباعتبار الحزب طرفا سياسيا، واجبه ومسؤوليته تقييم التجربة، وتطوير النقاش المرتبط بالحراك من أجل التغيير.. على خلاف من هذا، اختارت أقلام "النهج" الأسلوب البسيط، والمنهجية التبسيطية بعنوانها العريض "المؤامرة والخيانة"، خيانة من طرف من انسحبوا من الحركة في أول الطريق، ثم خيانة من انسحبوا في منتصفها.. بما فرض على التقاييم كلها التركيز على موقفين، يمكن اعتبارهما مرتبطين أشد الارتباط، الموقف من جماعة "العدل والإحسان" الظلامية، والموقف من فصائل الحركة الماركسية اللينينية المغربية وبعض التيارات التروتسكية والماوية، الناشطة بقوة في ساحة الاحتجاج من داخل حركة العشرين وخارجها.
وبعيدا عن أية نزعة استئصالية خرقاء، برزت إشكالية حضور جماعة "العدل والإحسان" منذ بداية تشكل هياكل الحركة ومجالسها التنسيقية، ومن البلاهة أن يدّعي أحدهم أن الإشكال كان في ارتباطها من عدمه، بالميدان وبساحة الاحتجاج.. فالشأن ليس شأننا، والاختصاص ليس اختصاصنا كيسار وكمناضلين ديمقراطيين، لأن الأمر يعني "أصحاب الحال وزوار الليل" من مخابرات ومختلف أجهزة القمع، وكافة أجهزة الدولة المعنية والنظام ككل، ورأيه فيمن يعارضه أو يعترض على البعض من سياساته أو لا يتوافق مع خطابه وشكل تدبيره للشأن العام المحلي أو الوطني أو القومي أو الديني..الخ
فمنذ الإعلان عن هذه المبادرة، يعني مباشرة بعد المبادرات الشبابية، التي ملأت الصفحات الإلكترونية بالدعوة للنزول للشارع، بغية الانتفاض ضد الغلاء والبطالة والحكرة والاستبداد..الخ برز هذا الإشكال كعامل مشوش على انطلاق الحركة بشكل جيد، إذ ليست المرة الأولى التي يحاول فيها قوى اليسار الإصلاحي صنع جبهات وتنسيقيات هلامية، تخلط بين اليمين واليسار، وبين اللبراليين والاشتراكيين، وبين التقدميين والرجعيين.. لأهداف تهمها هي، ولا تهم القضايا التي تتأسس التنسيقيات باسمها وعلى أساسها.. وليست المرة الأولى التي تضع فيها هذه القوى نفسها في مواجهة اليسار الجذري، الذي يدافع باستماتة عن هويته وعن منظوره للقضايا، وعن وجهة نظره في التاكتيك الذي لا يناقض ولا يعارض إستراتيجيته.. حيث يرفض هذا اليسار باستمرار، أي تنسيق مع القوى الظلامية المعادية للديمقراطية والحداثة والتنوير، والمناهضة لأي مشروع حقيقي يهدف للقضاء على الاستبداد والاستغلال والطبقية.. من الجذور.
ولطالما شرح رواد هذا التيار الجذري العريض، موقفهم هذا الذي لا يعني الدعوة للاستئصال، بحكم أن هذه القوى تتمتع بقاعدة شعبية عريضة لا يستهان بها، في الوقت الذي يحتفظ التيار اليساري الجذري لنفسه بحق النقد، والحرية في فضح هذه القوى، وحق الصراع الفكري والسياسي ضد هذه المكونات، بما هو شكل من أشكال الصراع الطبقي، دون الإقدام على عقد أي اتفاق هدنة معها.. حيث كانت المحطات النضالية الداعمة لشعوب فلسطين والعراق ولبنان.. دائما وعلى طول العقدين الماضيين، مسرحا مستقطبا لهكذا خلافات وصراعات، طبّع خلالها اليسار الإصلاحي علاقته مع القوى الظلامية في محاولة انتهازية لتبييض تاريخها الإجرامي فيما اقترفت أيديها التي ما زالت ملطـّخة بدماء عمر بنجلون والمعطي بوملي، وأيت الجيد بنعيسى..الخ
وحيث كانت الحاجة ملحة لنقاش هادئ، جيد ومثمر، حول هذه الإشكالية، اتجهت هذه القوى، وأساسا "النهج الديمقراطي"، أكثر من مرة لأسلوب الكولسة وفرض الأمر الواقع، تفاديا للنقاش، واستهتارا بحجم الموضوع.. وكانت تقوم دائما بالاتصالات الخفية والمريبة مع هذه القوى، بما فيها ما أصبح يعرف الآن بالتيار السلفي الجهادي، رغم ما يكنه هذا التيار من عداء سافر لليسار ولقيم اليسار.
فالحقيقة التي لا يتجرء "النهج" وحلفاؤه في "تجمع اليسار الديمقراطي" بالبوح بها، هي أن الحزب فتح مقراته ومقرات الجمعيات التابعة أو الحليفة له، لمجالس الحركة محليا ووطنيا، قبل نزولها للشارع وهي نقطة تحسب له.. وخلال هذه المساهمة النضالية كان يستدعي في الخفاء ممثلين عن "الجماعة" لهذه المجالس التأسيسية، دون نقاش أو تشاور حول هذه الخطوة مع أي كان، أي بمن فيهم العديد من مناضلي "النهج" الذين تصلهم التعليمات في آخر اللحظات!
فبعد سنتين من النضال والاحتجاج والتضحيات الجسام، عرفت فيها الحركة الاحتجاجية تنوعا هائلا من الأشكال النضالية، من وقفات ومسيرات واعتصامات وعصيانات وإضرابات عن العمل والطعام وإحراق الذات..الخ اتخذت خلالها الحركة طابعها التصاعدي ثم التراجعي، الاتساع ثم التقلص.. حيث كان الحضور دائما ومواظبا عليه، استعمل فيه المنشور، والخطبة، واللقطة الفنية، المسرحية، الشعرية والغنائية، والشعارات، واللافتات..الخ
بعد هذا الزخم كله، ركـّزت غالبية التقاييم الصادرة عن الحزب، عن عاملين اثنين سببا في تراجع الحركة وتقلص قاعدتها 1. انسحاب "الجماعة" وخيانتها للعهد المتفق عليه 2. ثم استمرار بعض الحركات التي تقودها فصائل اليسار الجذري، في الاحتجاج بمعزل عن الأشكال التي تدعو لها الحركة الآن.. حيث يتسائل "النهج" مستغربا عن أسباب هذا الغياب بالرغم من انسحاب هذه "الجماعة"، ويدعوها باستبلاد، للرجوع للجادة وملأ الفراغ!
وفي الحقيقة، التي يعرفها جميع من له علاقة بالساحة النضالية الاحتجاجية، أن الموقف داخل اليسار الجذري وداخل الحملم، من المشاركة أو عدمها، لم يكن واحدا موحدا، حيث تختلف طبيعة قاعدة التيارات ومجالات نشاطها، فإلى جانب المرتكز الطلابي الذي تتقاسمه الأغلبية الساحقة، هناك من له ارتباط بحركة المعطلين، وهناك من خلق لنفسه جمعيات وظـّفها للنضال الاحتجاجي الاجتماعي، وهناك من يشترك بقوة في حركة التنسيقيات المناهضة للغلاء..الخ دون أدنى مظهر من مظاهر التخصص أو الاقتصار على قطاع من دونه.
وللتاريخ أيضا، وهو ما يهمنا في إطار المحاسبة النضالية والسياسية، هو مشاركة جميع التيارات الجذرية، في هذا الحراك الشعبي الواسع، بالرغم من عدم انتساب العديد من المجموعات الجذرية لحركة العشرين ومجالسها.. وبالتالي فكل ادعاء عن الانعزالية والرفضوية، فهو ادعاء باطل، وعاري من الصحة، وتجني صريح في حق هذه التيارات والفعاليات المناضلة، التي أبانت عن ميدانيتها وصمودها وثباتها على الموقف.. دون الحاجة لشهادة من "النهج" أو غيره.
فعلى عكس من جرفهم بالصدفة تيار الحراك الشعبي هذا، ليتحولوا بين ليلة وضحاها من صقور مناهضين للثورة والثوريين، إلى جرذان جرباء لم تتغنى بالثورة إلا نفاقا لحظة اشتعالها وانتشار لهيبها، إذ وبمجرد خفوتها التحقت الجرذان بجحورها، رافعة من جديد الراية الإصلاحية البيضاء، مبشرة بدولة "الحق والقانون"، ومستنهضة جميع قواها لنشر ثقافة حقوق الإنسان في صفوف أجهزة الدولة القمعية لتبييض جرائمها وفظائعها، التي ليست في نظرهم سوى شططا محدودا في ممارسة هذه الأجهزة، التي ما زالت متمادية في نشر الرعب والإرهاب في صفوف المحتجين، وما زالت تنزل بهم ما يكفي من القمع، عبر الضرب والإهانة والتنكيل، وعبر الاعتقال والحبس والاغتيال في واضحة النهار..الخ على عكس هذا استمر اليسار الجذري المناضل في تواجده الميداني، مؤطرا وقائدا للحركة الاحتجاجية بمبدئية، ودون أية حسابات سياسية أو انتخابية ضيقة وانتهازية.
أحد النماذج السيئة، من أبرز أبواق الثورة المضادة ومن هواة زرع السموم وسط فصائل اليسار، باسم اليسار الذي هو بريء منه ومن مواقفه الشاذة.. المسمى ع. العقاوي الذي يختلط عليه الأمر في جميع المناسبات، بين التحليل السياسي الطبقي بمرجعيته الماركسية، وبين الخطاب الحقوق إنساني التوافقي بمرجعيته الدولية المؤسساتية، ولا يميز بين المبدئية الصادقة والانتهازية الوصولية.. حيث يتجاسر في أكثر من مقال على مرجعية لا علاقة له بها، إلا من حيث الرغبة الجامحة من أجل تشويه بعض مفاهيمها النظرية والطبقية الصريحة.
وهو ما سجلناه مرة أخرى في استجواب له بالجريدة نفسها وبالعدد نفسه، أطلق فيه، كالمعتاد، العنان للسانه السليط الذي لا ينجو من سمومه وبذائته، أحد من المناضلين الثوريين المبدئيين.. عدا هذا، لم يتكلم مثلا عن عصابة التزوير التي ألقي القبض مؤخرا عليها متلبسة بجريمتها، وهي من قيادات حليفة ومن الحركة العشرينية بمدينة طنجة، وتتمتع بالعضوية والمسؤولية داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وداخل إطارات جمعوية وسياسية أخرى.. ولن يتكلم قطعا، لأن رفاقه تبنوا ملف العصابة، محولين الملف "لمؤامرة"، والاعتقال "لانتقام سياسي" من القادة الصناديد الذين فاحت رائحة سلوكاتهم قبل الكمين بكثير من الوقت.. تكلم القائد الرعديد، الذي هجر ساحة ظهر المهراز بخفي حنين، يوم كانت الحاجة ماسة لمن يدافع عن مكتسبات الجامعة، والحركة الطلابية، والخط التقدمي الكفاحي داخلها.. تكلم خلال هذا الاستجواب عمّا اعتبره أبو العريف مرضيات طفولية يسارية، كانت في نظره سببا في تعطيل محرك الحركة العشرينية وفي إحداث ثقب الأوزون..، وكله ثقة في نفسه المريضة والمعقدة، وكأنه بلشفي قويم لا يشق له غبار، ولا نقاش في ماركسيته أو لينينيته.. متناسيا أن من يستعمل هكذا توصيفات يجب عليه أن يكون يساريا حقيقيا، بالمفهوم العلمي والتاريخي والطبقي لمصطلح اليسار، الذي تشكل منذ ولادته بهدف مناهضة البرجوازية ونظامها الرأسمالي.. عليه كذلك أن يكون شيوعيا مبدئيا، ثوريا مناضلا من أجل الاشتراكية، وليس إصلاحيا شعبويا لا مرجعية له، ولا إستراتيجية له، ولا مشروع مجتمعي له.. من يتلفظ بهكذا مفاهيم وأطروحات ألـّفت حولها الكتب، وعقدت حولها المناظرات والمؤتمرات الشيوعية الأممية، يجب أن يكون في المستوى، عدّة وعتادا، للنقاش لهذه الأطروحات التي ارتبطت بالحركة العمالية والشيوعية، وبطرق اشتغالها في لحظة معيّنة خلال المد الثوري العمالي الأممي الذي عرفته أوربا أواخر عشرينيات القرن الماضي.. الشيء الذي لا علاقة لعقاوي وأمثاله به، لا من قريب ولا من بعيد. وللمزيد من التوضيح، المرجو الإطلاع على كتاب لينين في هذا الصدد "مرض اليسارية الطفولي" في الشيوعية ومؤتمرات الأممية الشيوعية..، ليتضح للجميع أن الصراع يهم الحركة الشيوعية، الشيء الذي لا علاقة له بحركة اجتماعية شعبية فضفاضة، ضمت اليساريين بما هو واجب عليهم، واللبراليين والظلاميين وجميع الأصناف الانتهازية والوصولية الانتخابية وحثالات الارتزاق السياسي والمادي ـ حالة العصابة التي أشرنا إليها ـ تحت شعار "مناهضة الاستبداد والفساد"..!
وكما أوضحنا سابقا، فجميع التيارات والمجموعات المناضلة التي يفضل "عقاوي" وأساتذته، تسميتها ونعتها باليسراوية والحلقية والانعزالية.. شاركت جميعها إلى جانب الجماهير في حراكها النضالي، قبل وخلال وبعد العشرين من فبراير، وإذا كان هناك من اشتراط، كما يدّعي ذلك، المنبطحون اللامبدئيون، الذين زوّجوا الجماعة بالحراك، بواسطة الفاتحة والتكبير.. فهو اشتراط مبدئي للعمل داخل إطارات وهيئات، لا يجب فيها التنسيق مع القوى الظلامية المعادية للديمقراطية والتحرر والتقدم والتنوير..الخ
فالشيء الذي أجمعت عليه قوى اليسار الماركسي اللينيني وقوى جذرية أخرى، وهو عدم وضع اليد في يد قوى لا تدخر جهدا، ولا تتأخر في أية مناسبة عن إعلان عدائها وعدوانيتها ضد قوى التقدم والتحرر والاشتراكية.. أجمعت قوى اليسار كذلك على عدم تزكيتها للأرضية التي أنشأتها وصاغتها أحزاب "تجمع اليسار الديمقراطي" وهي أحزاب إصلاحية انتخابية، تعاملت بشكل انتهازي نفعي وصريح، مع اللحظة الثورية التي ساهمت في إطلاق شرارتها الثورتين التونسية والمصرية.. هذه الأرضية التي حدّدت مسبقا سقف النضال، وسطّرت أكثر من خط أحمر لا يجوز تجاوزه، بأهداف إصلاحية محافظة، طالبت بإسقاط الحكومة وحل البرلمان وإعادة الانتخابات.. على أساس دستور جديد، ديمقراطي وجمعية تأسيسية منتخبة بشكل ديمقراطي، وملكية برلمانية يسود فيها الملك دون أن يحكم..الخ
فأن نرتبط نحن معشر الماركسيين اللينينيين بأرضية من هذا الشكل، وبهذا الحجم من التنازلات، لن يكون هذا بمثابة التاكتيك، بل هي انتهازية صريحة، يمينية الاتجاه، وبرجوازية المنشأ الطبقي. فالتنازل عن الدعاية والدعوة للجمهورية والثورة الاشتراكية والمناهضة للرأسمال، على حساب ولمصلحة ملكية برلمانية دون المساس أو المعاداة للرأسمالية، وخوفا من انصراف الجحافل الظلامية، التي تقدس الرأسمال، والعمل الحر، والاستغلال، ومراكمة الأرباح، والمِلكية الفردية..الخ وتمنع الحريات، وتكرس دونية المرأة، وتحتقر الأقليات العرقية والثقافية، لتحرمها من حقها في تقرير مصيرها، باسم وحدة الشعب ووحدة الأمة..الخ إنها الخيانة للمشروع، خيانة من طرف اللذين ناضلوا وكافحوا ذات يوم، من أجل مشروع مجتمعي، كجواب عن الأزمة خلال تلك اللحظة التاريخية من تطور مجتمعنا المغربي، أمّا من يفتقد للمشروع ويقبل بالموجود، وبالنضالات المدرّة للأرباح والأموال والسفريات، فلا يلزمنا زعيقه وصراخه في شيء.. من فتح عينيه وتفطـّم باللغة الحقوق إنسانية المافوق طبقية، المناصرة للإنسان كيفما كان منشأه الطبقي، وكيفما كانت حصته من الثروات، وكيفما كان وضعه داخل علاقات الإنتاج والاستغلال..الخ من تفتـّح على الكرم الأوربي السخي والمضياف، وألف مؤتمرات جنيف، والمخيمات، والجامعات الصيفية والشتوية، بتعويضاتها الدّسمة.. لن يقدّم التنازلات فحسب بل سيغيّر جلدته إن اقتضى الأمر، والحال أنه لم يعد في جرابه ما يتنازل عنه. فليس من الغريب إذن أن تتكفل وتتكلف بعض القيادات اليسارية القديمة التي باعت كل شيء يدخل في باب المبادئ، بمهمة نشر ثقافة حقوق الإنسان والإشراف على مجالسها.. فلا يمكن أن يفهم معنى المبدئية اللينينية التي لم تهادن قط الاتجاهات اليمينية المسرفة في تقديم التنازلات، بنفس القدر والدرجة التي حاربت بها الاتجاهات اليسارية التي رفضت التنازلات والتحالفات كيفما كان شكلها ووزنها.. كان التاكتيك اللينيني، هو الوحيد الذي نجح في آخر المطاف، بأن قدّر التنازلات، وقدّر اللحظة التاريخية التي يجوز أو يجب فيها على الماركسي تقديم بعض التنازلات للحلفاء أو الخصوم أو الأعداء حتى.. لم يكن ممكنا أن يدعو المرء الماركسيين لتقديم التنازلات في أي مجال كان، لأنهم من أشد الحريصين المبدئيين الذين لا يمكنهم أن يقدموا التنازلات في المجالين النظري والإستراتيجي، لكي لا تصبح تنازلاتهم انتهازية يمينية.
وبالرجوع للتاريخ، الذي يريد البعض تزييفه، ودفاعا منا عن المرجعية والنظرية الماركسية التي نالت حظها من التشويه على يد العديد من أقلام "النهج"، نذكر مرة أخرى بالحقائق التالية، أنه خلال لحظة من التاريخ الاشتراكي العمالي، قادت البلشفية اللينينية حملة لا هوادة فيها، ضد اليسراوية الصبيانية الشيوعية، والتي أثمرت نقاشاتها بصدور ذلك المؤلف اللينيني الذي ذكـّرنا به.. حملة شنتها الحركة بقيادة الرفيق لينين ضد الرفضويين، المقاطعين للعمل الشرعي والعلني، المناهضين للنضال المؤسساتي والبرلماني، وللعمل داخل النقابات والجمعيات والنوادي، العمالية الرجعية..الخ حيث نادى هذا الاتجاه الصبياني المتسرع والمغامر، بالمقاطعة، وبالانسحاب من البرلمان والنقابات، وبالانشقاق عن الأحزاب العمالية التي لم تتخذ مطلب الثورة الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا شعارا فوريا لها في جميع البلدان وكيفما كانت الظروف..الخ بالإضافة لرفض هذا الاتجاه للصلح بين ألمانيا وروسيا الثورية، المعروف بصلح بريست، حيث كان لزاما على قيادة الثورة تقديم بعض التنازلات لتحقيق السلم في المنطقة وتعميق مكتسبات الثورة الفتية آنذاك.
هذا بشكل مختصر ما قيل وأثير بصدد هذه الظاهرة الصبيانية التي اخترقت الحركة العمالية الاشتراكية والشيوعية، في لحظة من المد الثوري العارم، الذي عرفته العديد من البلدان الأوربية، والذي توّج بثورة أكتوبر، التي خلقت حماسا زائدا في الأوساط الثورية العمالية والشبابية.. وحيث نحن بصدد نقاش حركة اجتماعية من نوع آخر، نعتبر النقاش حول هذه الموضوعة نقاشا مقحما وخارج السياق، الغرض منه تشويه النظرية ومنجزاتها في الصراع ضد التحريفية، يشير علينا صاحبنا المسمى "عقاوي" ورفاقه في "النهج"، حتى لا نكون صبيانيين ويسراويين، بوضع اليد في اليد، مع جميع المصنـّفات المَلكية واللبرالية والظلامية، وحتى نسلم من نعوتاتهم الحقيرة، والتي لا أساس لها من الصحة.. كأن يشترط الرفاق داخل اليسار الجذري المناضل "اشتراطات للقيام بأي عمل مشترك مهما كانت بساطته".. إنهم يقدمون نصائحهم المبطـّنة لهذا اليسار لكي يتعقل! والحال أننا نناضل "ببساطة" ومن أجل هدف "بسيط" عنوانه الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية..الخ
فإذا اختار "النهج" وحلفاؤه داخل حركة اليسار الإصلاحي الانتخابي، ولهم الحق في ذلك الاختيار، التحالف أو التنسيق، أو الدعوة للجبهة أو للمشاورة حتى.. مع القوى الظلامية، فذلك شأنهم، لكن أن تـُّعتدّ هذه التنازلات وتـُصنف ضمن التاكتيكات، وتـُغلف بالبلشفية اللينينية حتى تأخذ مشروعيتها المرجعية.. فلن نقبل بهكذا هراء وشعوذة، وتزييف للنظرية والتاريخ، إنه بالنسبة لنا، ليس تنازلا تاكتيكيا، وإذا أقدم أحدهم عليه باسم اليسار المبدئي والمناضل، فسيكون تنازلا إستراتيجيا لأنه سيتحالف مع حركة وقوى سياسية معادية لليسار وللاشتراكية والتقدم والديمقراطية والحداثة و"حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا".. ويكفي الأمر فقط ديمقراطيا بالمعنى البرجوازي للكلمة، وليس البروليتاري، ودون أن يكون من "صقور" الثورة، حتى يتخذ هذا الموقف المبدئي الذي اتخذناه، بعدم التنسيق مع هذا النوع من القوى.. والحال أن الثورة لها مناضليها المبدئيين وفقط ولا تتسع للصقور والحمائم، هذه النعوتات والتصنيفات التي ارتبطت في الأصل بالكيان الصهيوني وبجنرالات الحروب العدوانية ضد الشعوب.. فإما أن تكون ثوريا أو إصلاحيا، في نضالك من أجل التغيير.
فلا يمكن أن يتكلم المرء بمرارة عن خيانة هذه القوى، إلا إذا عقد معها اتفاقا أو ميثاقا أخلـّت به وانسحبت.. وهي التي كانت وما زالت في نظر قادة "النهج" وبعض القدماء من منظمة "إلى الأمام"، قوة "للدعم والولاء والدفع".. في هذا السياق لم تكل هذه القيادات من دعوة ومناشدة "مناضلي الإسلام السياسي الحقيقيين.. باتخاذ توجه تنويري مرتبط بمصالح الجماهير الكادحة".. هكذا إذن، وحيث لم تكفيهم للاستفادة، التجارب والواقع المادي الملموس الذي تعيشه الجماهير الكادحة بكل من تونس ومصر غداة الثورة الشعبية، في ظل وتحت رحمة هذه التوجهات التنويرية داخل حركات "الإسلام السياسي".. لا زال بعض دهاقنة الحزب يغازلون هذه القوى بشتى الخطابات والممارسات، آخرها تنظيم ندوة مشتركة بمدينة العرائش بمناسبة الذكرى الثانية للعشرين من فبراير بين "النهج" و"الطليعة" و"العدل والإحسان".
العجيب في الأمر هو أن بعض مرتزقة "النضال الحقوقي" ما زالوا مستمرين في إنكارهم لهذه التحالفات والتنسيقات اللامبدئية والمشبوهة، في نفس الوقت يطالبون القوى التي ما زالت على يسارهم، بالمزيد من التنازلات المجانية، مع الرفض المطلق لأي شكل من النقد أو النقاش في إطار الصراع الفكري والسياسي، بدعوى الحلقية والجملة الثورية..الخ يبيّتون في الليل المواقف والقرارات، وفي الصباح يحاولون، بالأمر وعبر الكواليس والمراوغات، فرض تنازلاتهم على الجميع، ومن حاول النقاش أو التساؤل فهو حلقي في نظرهم.!
فقبل انبثاق هذا الحراك الأخير، منذ سنة 2005 تقريبا، تشكلت تجربة التنسيقيات المناهضة للغلاء والزيادات في الأسعار، وعرفت مشاركة مهمة من الجماهير الشعبية البسيطة والمحرومة، وانتشرت الحركة كالنار في الهشيم لتشمل حوالي ثمانين مدينة، وهيكلت الحركة نفسها في غالبية المدن بالارتكاز على نشطاء الحركة الميدانيين، جمعويين ونقابيين وحزبيين وشباب مستقل..الخ
وأمام هذا الزخم النضالي المتصاعد اتجه عباقرة "النهج" لهيكلة الحركة وطنيا، عبر تأسيس تنسيقية وطنية للتنسيقيات المحلية للجم الحركة وكبح جماحها، خاصة بعد انتفاضة صفرو المجيدة وما تلاها من استدعاء لقيادات "النهج" ومن معه، من طرف وزارة الداخلية وإبلاغها بمنع أي شكل من أشكال الاحتجاج تحت مسؤولية التنسيقيات التي اعتبرتها الوزارة، غير قانونية وغير شرعية.. وعلى عكس حسابات النهج وحلفاءه في "تجمع اليسار الديمقراطي" تحملت تيارات ومجموعات اليسار الجذري مسؤوليتها التنظيمية والميدانية، وشاركت بقوة في صياغة الأرضيات والبيانات والنداءات.. وعملت على إنجاح جميع الوقفات والمسيرات.. إلى أن تفطّن العباقرة من جديد، وخططوا بالليل فجلبوا الأحزاب الحكومية وأشركوها في القيادة الوطنية للتنسيقيات، دون أن تحظى هذه الأحزاب بثقة الجماهير في التنسيقيات المحلية، بل ودون أن تكون لها أية مشاركة في الاحتجاج ضد الغلاء !، باعتبار وعلى حد قولهم أن مشكل الغلاء يهم الجميع، مفجـّرين بذلك الملتقى الرابع الذي ساهم بشكل كبير في تراجع التجربة وخفوت لهيبها.
خلال هذه التجربة رفضوا الخوض في نقاش أسباب الغلاء، واعتبروا أي إشارة للقضاء على الغلاء من جذره، نزعة ثوروية صبيانية لا مجال لها داخل حركة مناهضة الغلاء.. وبالتالي فجميع الشعارات المناهضة للحكم وللنظام السياسي والاقتصادي القائم، كانت تجابه بالنبذ والمنع باعتبارها شعارات مخيفة ومرعبة، ستدفع بالجماهير للتخلي عن الحركة وعن حقها في الاحتجاج.! الآن وبعد أن انتشرت الدعوات الجذرية للتغيير، من كل حدب وصوب، انتقل أصحابنا بخطة هجومية جديدة ضد الشعارات الثورية التي لا تفهمها الجماهير بل وتخيفها، حسب هذا الخطاب الانتهازي الحقير، الذي يروّج له عالم النفس ودارس سيكلوجية الجماهير "ع. عقاوي".. فالجماهير حسب عالمنا الجليل تفهم فقط "دولة الحق والقانون"، وتدرك فقط "المجلس التأسيسي" وما سيترتب عنه من واجب صياغة للدستور، والتأسيس لنظام جديد تحت اسم الملكية البرلمانية..الخ تفهم وتعي هذا، لكن يستعصي عليها إدراك أن الوضع لا يطاق وأن النظام القائم نظام بوليسي دكتاتوري وجب تغييره وإسقاطه واستبداله بنظام يصون الحرية والكرامة، ويحسن من أحوال الناس الاجتماعية، بأن يضمن لهم الشغل والتعليم والصحة والسكن.. نظام ديمقراطي بالمعنى العميق للديمقراطية، الديمقراطية التي تحقق المساوات، وتلغي جميع أشكال الاستبداد والاستعباد، وتفضي بالتالي للتحكم الجماعي في الثروات ووسائل إنتاجها وطرق توزيعها..الخ
فالخونة هم اللذين لا يريدون أن يعترفوا بخطورة الاتفاقات المبرمة مع قوى الإجرام، التي ذبحت أكثر من مناضل شيوعي في المغرب وغيره.. الخونة هم اللذين يهرولون، في أوج الحركة الاحتجاجية، لعقد الهدنة مع السلطات، ورسم المسارات للمسيرات الشعبية بما يريح السلطات القمعية، وليس بما يرغب فيه المحتجون بتوجيه من طلائعهم، وليس من اليسراويين أو غيرهم.
فلا مجال لغطس الرؤوس في الرمال، وحجب الشمس بالغربال أو الغابة ببضعة أشجار.. أمام مهمة النقاش حول قضايا الصراع الطبقي، وأزمة اليسار، ومهام الثورة والتغيير.. لا سبيل إلا الفضح والتشهير بهكذا خطابات التي فرّخت الحمائم والخرفان الوديعة المستسلمة لنظام القمع والبطش، القائم.. لكنها أفاعي سامة، لا مهمة لها ولا حياة لها، بدون نشر سمومها في جسم اليسار المناضل، باسم العقلانية والرزانة والتاكتيك..الخ وليتذكر صاحبنا عملية الاختطاف والتعذيب الذي قامت بها الجماعة الاخوانجية، قبل سنتين في حق أحد المنشقين عنها، بفاس.. ليتذكر صاحبنا كيف هرول أقطاب اليسار الذي ينتمي إليه صاحبنا، والجمعية الحقوقية التي ربّت الحمائم، للدفاع والمؤازرة للمختطِفين، الجلادين لرفيق انشق عنهم، وفضح البعض من علاقاتهم الدولية وتمويلاتها المشبوهة..الخ
فمن لا يعتبر جماعة "العدل والإحسان" ضمن الأعداء الرئيسيين في المرحلة التاريخية هذه، فيجب عليه مراجعة يساريته قبل أي نقاش كان، يجب عليه الإفصاح عن موقفه من هذا المخلوق السياسي الرجعي، ومن الحركة الظلامية ككل، هل هو حليف تاكتيكي مثلا؟ أم قوة سياسية ومجتمعية وجب تحييدها وضمان ذلك، خلال المعركة التاريخية التي تخوضها قوى التقدم المجتمعي الآن ضد الرجعية والإمبريالية؟ فالواجب النضالي يفترض توضيح الأسس التي تم اعتمادها لاتخاذ هذه المواقف الملتبسة، باسم اليسار، إن لم نقل باسم الماركسية واللينينية.. والحال أنه، وكما اطلعنا في نفس الجريدة على ذلك، حضور الموقف ونقيضه، بشكل سافر وفج، يخلط الأوراق والحسابات، موقف آخر في نفس الجريدة اعتبر بجرأة ووضوح هذه القوى "بدون مشروع تقدمي أو تحرري.. وبأنها غير منفصلة عن المنظومة الطبقية الاستغلالية.. همها إعادة اقتسام الخيرات مع المستغلين مع الإبقاء على الهيمنة الإمبريالية والصهيونية على المنطقة".! فهل يحق للمناضلين الديمقراطيين الأحرار، ولا نقول الماركسيين اللينينيين الذين يجب ان يترفعوا عن الخوض في هكذا نقاشات ومع هكذا مشعوذين؟ هل يحق عقد أي شكل من أشكال التنسيق أو التحالف أو المشاورة حتى، مع قوى بهذا التوصيف؟ فعلى هكذا مواقف انبنت يسراويتنا وحلقيتنا التي ينبذها ويرفضها البعض من قادة "النهج"، إذ كان اليسار وما زال تقدميا مناهضا للرأسمالية والإمبريالية والاستغلال والاستبداد.. ولا يتحالف إلا مع رفاق طريق فعليين، وليس مع الرجعيين والمحافظين والظلاميين أنصار القومة والخلافة الإسلامية والرجوع للسلف..الخ
فبفعل هكذا تبريرات بئيسة، دفع عناد بعض القادة، الحقيقيين منهم والمزيفين، إلى التهجم على أجود الطاقات المناضلة واخلصها للقضية الطبقية، وتمادى البعض منهم في توجيه جميع أصناف التهم المجانية للرفاق الماركسيين، في محاولة يائسة لثنيهم عن النقد، والانتقاد لهذا العد التنازلي الفظيع، الذي انخرط فيه بعض القدماء من منظمة "إلى الأمام"، في كل ما هو مبدئي ومشرف لليسار، ولتاريخ اليسار، ولقيم اليسار..الخ وتحالف قوى اليسار الديمقراطي المتمثل في "تجمع اليسار الديمقراطي"، أحزاب ـ"النهج" و"الطليعة" و"المؤتمر الاتحادي" و"الاشتراكي الموحد"ـ.
لم يعد خافيا هذا التحالف على أحد، "النهج" فقط من يعمل جاهدا على إخفاءه والتستر عليه خوفا من غضبة قواعده والعديد من مناضليه المبدئيين.. تأكدت خيوط هذا التحالف النفعي، داخل وخارج حركة العشرين، إبّان وقبل انطلاقة الحركة، داخل نقابة أساتذة التعليم العالي وداخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وداخل اتحاد المهندسين، وداخل جمعيات الأحياء، وداخل تنسيقيات التضامن مع الشعبين الفلسطيني والعراقي..الخ وبالرغم من تنصل الجماعة من التزاماتها داخل الحركة، وهو ما دفع بالعقاوي لنعتها بالخيانة، فما زال عقد التحالفات قائما ولم ينفرط بعد.. حيث اللقاءات جارية على قدم وساق، من اجل تفعيل "جبهة النضال الشعبي" التي لن تكون لها قائمة بدون جماعة "العدل والإحسان".. فهل يمكن اعتبار صرخة العقاوي "انسحبت هذه القوى وخانت الحركة" زلة لسان أم نقطة تحول في الخطاب، بما هي تقييم لهذه الخطوة و"التاكتيك" السياسي؟ أم ماذا؟
فإذا كان لزاما على جميع المناضلين المبدئيين، وعلى جميع التيارات اليسارية المناضلة، أن يتشبثوا بمبدأ النقد الذاتي، الذي يجب أن يبقى ساري المفعول كيفما كانت أوضاع الحراك، صعود أو هبوط، لا يهم، بمنهجية النقد والانتقاد لسائر الممارسات التي يروا فيها أخطاء أو أسباب للتعثر أو بوادر أزمة.. ستعيق تطور المعركة من أجل التغيير الجذري.. دون البحث عن تبريرات مهزوزة، ودواعي مضحكة، فلن تثنيهم عن مسيرتهم حملة السباب والقدح والتشهير والتجني المقيت.. لن تثبط عزيمتهم هكذا تقييمات سطحية انبطاحية، تروج لخط التنازلات بدون كوابح مبدئية، تنازلات فرطت في الهوية والمشروع والهدف الاشتراكي الكبير..الخ
التجني الآخر الذي لزم جميع المقالات التي تناولت هذه الحركة منذ انطلاقاتها، والذي أكـّدت عليه مرة أخرى كلمة العدد، وهو تجني في حق فصائل اليسار المناضل على أنه يتميز بالحلقية واللفظية الثورية ورفض بناء تحالفات بدعوى تحريفية أو إصلاحية..الخ
بالنسبة للحلقية، التي أصبحت في قاموس "النهج" نعتا قدحيا في حق اليسار الثوري المناضل، والتي نعتبرها نحن كماركسيين، حالة تنظيمية معبرة بشكل موضوعي عن أوضاعنا البدائية في مجال التنظيم.. وعيب من عيوبنا الكثيرة التي نعترف بها كيسار ثوري ماركسي لينيني مغربي، والتي نعمل جاهدين على أمل تجاوزها دون أن يكون "النهج" نموذجا أو بديلا في تطلعاتنا التنظيمية.. ولا يمكن في هذا الحال أن تصبح الحلقية نقدا وتوصيفا موضوعيا من طرف "النهج"، إلا إذا كان "النهج" نفسه تجاوزها وشيّدت قياداته حزبا ثوريا، صلبا وحديديا، بكل مقوماته الماركسية واللينينية.. فلا يمكن لحزب مهلهل لا تختلف مؤتمراته عن مؤتمرات جمعية المعطلين أو جمعية الحقوقيين أو أية جمعية تنموية.. في شيء، أن ينعت المجموعات الثورية بالحلقية.
فهذا اليسار المناضل، يسارا فعلا ومناضلا حقا، رغم أنف الجميع، يدعو يوميا للجبهات والتحالفات والتنسيقيات، لقوى اليسار بجميع أصنافه ومكوناته الإصلاحية والثورية.. وإذا كان غرض الجريدة والحزب، فتح نقاش جديد حول جدوى العمل الوحدوي داخل وفي صفوف اليسار، فليس بهكذا مسارات ودروب ملتوية وضيقة.. لا بد من تجاوز العموميات والقطع مع التضبيب وخلط الأوراق. فلا أحد يمنع "النهج" وأقلام "النهج" من تحديد مكامن هذه المرضيات بدقة، وإن كنا نعترف بوجودها فهي محدودة جدا ومنحصرة في القطاع الطلابي في كلية أو كليتين من الجامعة المغربية ككل.. حيث لا تأثير يذكر لهذه المجموعة الطلابية التي تدافع عن هذا الرأي المعارض والرافض لأي شكل من أشكال العمل الوحدوي، مع الثوريين والإصلاحيين سيان، لا تأثير لها على مجرى النضال الجماهيري، وعلى قرارات حركة العشرين أو غيرها.. فإذا كان "النهج" يقصدها فليعلن ذلك صراحة، أما إذا كان المعني باليسار المناضل، تيارات اليسار الماركسي اللينيني وتيارات الحركة التروتسكية والحركة الماوية.. وهي جميعها تيارات لم تدخر جهدا للحضور الميداني في جميع المناسبات والهزّات الاجتماعية الكبرى، المحلية والوطنية، ولم تتقاعس أبدا عن المبادرة، وعن إبداء الرأي في كل ما يتعلق بهذا الحراك، وما سبقه من احتجاجات ونضالات ضد البطالة، وضد الغلاء، وضد الخوصصة، وضد الحرمان من مختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. و"النهج" يعلم جيدا أنه بدون هذا المكون اليساري المناضل، سيكون وضعه حرجا لا يحسد عليه، داخل تحالفه الهجين مع قوى "التجمع اليساري الديمقراطي" كقوى إصلاحية، متذبذبة، وغير مبدئية على طول الخط.. فكم من مبادرات ومعارك أطرها اليسار المناضل ونسبتها الصحف الصفراء لـ"النهج"، وكم من معتقل أخطأت في انتماءه الدعاية وتغاضى النهج عن الخطأ، آخرها الطالب المعتقل في جامعة فاس الذي نسبه العقاوي "الحقوقي"، بطرق ارتزاقية، لحزب "النهج" دون أن ينتمي له الطالب المعتقل قط.
فلا تخفى المعطيات والأرقام عن "النهج"، معطيات تخص حجم المشاركة المبدئية، وحجم المبادرات النضالية، وحجم النقاشات الفكرية والسياسية.. الذي يقدمها هذا اليسار "الحلقي والثوروي" لتطوير عمل اليسار وحضوره النضالي في ساحات المعارك الطبقية المدافعة عن الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. يعلم "النهج" حيدا التزام ومواظبة هذا اليسار بأهم المحطات النضالية، ويمكن في هذا الصدد، الرجوع إلى كرونولوجيا الحركة العشرينية، للاطلاع على بيانات هذه التيارات التي كانت سبّاقة للدعوة للانتفاض والعصيان والمشاركة عبر النزول للشوارع والساحات، بدون شروط مسبقة..
حيث لا بد من الاطلاع كذلك على حجم تضحيات مناضليها ونشطائها في وجه القمع، كجرحى ومعتقلين ومحكومين ومطرودين من العمل..الخ وإذا كان أحدهم اشترط البارحة، وما زال يشترط لحدود اليوم واللحظة، فهو "النهج" الذي يطالب اليسار المناضل دوما بتقديم التنازلات، وبالتحالف مع اليمين الرجعي والظلامي أي مع ما اعتبره "النهج" نفسه "قوى لا تحمل أي مشروع تقدمي أو تحرري".. يشترط علينا عدم معاداة هذه القوى الظلامية، وكأنها الرغبة الذاتية في معاداة غيرنا وفقط، حتى تنزع عنا صفة الحلقية والرفضوية والجملة الثورية..الخ هكذا إذن تكون النصائح لإرجاعنا لجادة الصواب، ولنصبح ثوريين حقيقيين من وجهة نظر "النهج"، ثوريون لا ينادون بالثورة، ولا يرفعون الشعارات الثورية، التي على ما يبدو تخيف الجماهير أو لا تفهمها الجماهير.. ثوريون لا يسلكون سوى المسارات المتفق عليها مع السلطات، مسارات لمسيرات لا تطالب طبعا بإسقاط النظام وبالدكتاتورية القائمة.
ختاما نقول لجميع رفاق الطريق، وعددهم كبير داخل "النهج" و"الطليعة" وعموم الحركة الديمقراطية التقدمية، أن المعركة الطبقية ما زالت مفتوحة على كافة الاتجاهات والاحتمالات، حيث الحاجة ليسار مناضل منظم وقوي، يسار قادر على المبادرة، وعلى تسطير البرنامج، وفرز الشعارات، وعلى الكفاح من أجل كسب ثقة الجماهير وتوجيهها بما يعجل معركة التغيير ونجاحها، وبما يخدم مصالح الجماهير وطموحاتها لغد أفضل يغير من أوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية.



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن قصة طرزان الذي رفض التحالف مع الإخوان
- في ذكرى 23 مارس
- في ذكرى صدور -البيان الشيوعي-
- دعما للحركة ولجميع الحركات الاحتجاجية المناضلة
- من تداعيات النقاش حول حزب الطبقة العاملة المستقل
- بناء حزب الطبقة العاملة المستقل مهمة ماركسية لينينية
- تحت راية الاشتراكية.. ومن أجل جبهة يسارية جذرية
- في ذكرى الشهيدة -سعيدة المنبهي-
- دفاعا عن الخط النقابي الديمقراطي الوحدوي
- في ذكرى الشهيد زروال
- دفاعا عن الثورة الاشتراكية
- من أجل منظمة ماركسية لينينية مغربية
- -إلى الأمام-.. -النهج- أي رابط وأية علاقة؟
- في ذكرى التأسيس لمنظمة -إلى الأمام- الذكرى الثانية والأربعون
- في التضامن مع نضالات الشعب السوري
- جديد حركة 20 فبراير.. سنة جديدة بمحتضن جديد اسمه -السلفية ال ...
- حول ما صرح به أحد -فضلاء- المدينة العمالية الصامدة
- من أجل قيادة نوعية للحركات الاحتجاجية بالمغرب
- من أجل تقوية نضال الماركسيين اللينينيين المغاربة وتوحيد صفوف ...
- إعادة نشر لوثيقة: تجديد موقفنا من الانتخابات الماركسيون المغ ...


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - ضد اليسراوية الرفضوية، وضد الانتهازية اليمينية وضد الرجعية الظلامية