أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - أجساد النساء، أقدم الأراضي العربية المحتلة..!!














المزيد.....

أجساد النساء، أقدم الأراضي العربية المحتلة..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 01:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أجساد النساء هي أقدم الأراضي العربية المحتلة. لم تندلع أو تنشأ باسمها حروب أهلية، ولا حركات للتحرر الوطني، ولا جبهات للإنقاذ، ولا ثورات شعبية، ولا أنظمة مناضلة، أو حكومات في المنفى.
وقع الاحتلال منذ زمن مفرط في القِدم، وتجلى في سرديات ملتبسة، وتواريخ غامضة، وشواهد تراكم عليها غبار القرون. في الظلال الشاحبة للميثولوجيا اختبأت صور، وتحت جلود النساء تحصّنت ذاكرة تحالفت مع مكر الجينات، وانتظام دورة الطبيعة، وثورة الهرمونات، وخبرات قرون من حرب العصابات، والعمل وراء خطوط "العدو"، والمقاومة السلمية.
الثقافة ضد الطبيعة. بل هي طبيعة مضادة وظيفتها الرئيسة ضبط وتقنين الغرائز. وهذا يستدعي إمكانية انفصال الإنسان عن مملكة الحيوان رمزياً وفعلياً، ولا يتأتى دون بلورة آليات للرقابة والتشريع. جعل هذا الشيء أو ذاك ممكناً ـ وبقدر ما يتعلّق الأمر بفكرة الانفصال عن عالم الطبيعة، وهي جوهر الثقافات في أربعة أركان الكون ـ مصدر قلق دائم. لذا، الإمكانية مشروطة، دائماً وأبداً، بتوفير الآليات.
أنجع آليات الرقابة تلك التي تجتهد في التخفي. وإذا استخدمنا جسد الإنسان كوسيلة إيضاح، نعرف أنه مزوّد بجهاز للمناعة، ومنظومات متعددة الوظائف للحفاظ على وإعادة إنتاج النوع.
الغاية القصوى للثقافة الجمعية أن تعمل بالطريقة نفسها: خلق منظومات للحفاظ على خصوصية الجماعة وإعادة إنتاجها، وإنشاء وتشغيل جهاز للمناعة الذاتية. بهذا المعنى يمكن أن نعيد النظر في اللغة، والمفاهيم، والقيم، وشبكات القربى، والعادات، والتقاليد، والتنظيم الاجتماعي، والسلطة السياسية. كل هذه الأشياء مسكونة بآليات رقابية، بعضها صريح وفصيح، والبعض الآخر يختفي وراء ألف قناع.
لا توجد، بالطبع، ثقافات خالصة. فهي كالأهرامات المصرية طبقات، فيها غرف مظلمة، وسراديب، وألغاز تحرّض على المعرفة وحب الاستطلاع. ولكنها ليست كينونة تاريخية تجمّدت في الزمان والمكان. بل هي في حراك دائم. ومحرّك هذا الحراك، ومنطقة عمله في كل زمان ومكان: جهاز المناعة، ومنظومات الحفاظ على النوع وإعادة الإنتاج. وهذه تنشط، بشكل خاص، في كل احتكاك مع الخارج والوافد والمُجَدِد (وكل مُجدِدٍ مُهدِد).
يصبح كل كلام عن الثقافة ضحلاً ما لم نضع في الاعتبار ما تنطوي عليه من آليات للرقابة والتشريع، وديناميات للتخفي والخفاء في اللغة، والمفاهيم، والقيم، والتقاليد. الخ. وهذه، كلها، بلا معنى، تقريباً، ما لم تُقرأ باعتبارها في صميم فكرة السلطة، المُنتجة والمالكة لآليات الرقابة والتشريع، بداية من أصغر أشكال السلطة الأبوية وانتهاء بقمة الهرم السياسي. بكلام آخر، وطالما موضوعنا أجساد النساء: كل إنشاء للذكورة والأثونة (وكلاهما متغيّر ومُتخيّل ومُلفق ونفعي) مشروط بالسلطة، سواء تكلمنا عن القرن العشرين قبل الميلاد، أو عن القرن العشرين بعده.
كانت إمكانية الانفصال عن عالم الطبيعة، وما تزال، مصدر قلق في كل ثقافات الكون. هذا لا يفسّر ما عرفته البشرية من قيود وتقييدات وتشريعات ورقابات وسلطات. بل هذه كلها تفسر القلق. وهذا، بدوره، لم يتجمّد في الزمان والمكان، بل طرأت عليه في أماكن مختلفة من العالم تغيّرات كثيرة نجمت عن، وأسهمت في، تغيير مفهوم وبنية السلطة.
وإذا شئنا الكلام عن منطقة من العالم يثير فيها القلق ما لا يحصى من تجليات الذعر والهذيان والانفصام، فلن نجد وسيلة إيضاح أفضل من العالم العربي. هنا، قلق تجمّد في الزمان والمكان منذ قرون، وتجمّدت معه آليات الرقابة المرئية والخفية التي نجمت عنه، وسكنت اللغة، والتقاليد، والقيم، والذاكرة.
مصدر الذعر المغايرة، أي الاحتكاك القسري بالخارج والوافد، وإقصاء المُجدد (والمُهدد). ومع هذا كله، وفوق هذا كله، ما أصاب بنية السلطة المالكة لآليات الرقابة والتشريع من وهن، وأحياناً من إقصاء، نجما عن صعود الدولة القومية الحديثة.
أبلغ دليل على اطمئنان الثقافة لمناعتها الذاتية يتمثل في تخفي وإخفاء آليات الرقابة، وفي المرونة، والقدرة على التأقلم، وتأمل صورتها في مرآة الزمن. وأبلع دليل على وهنها، وكينونتها العُصابية، يتمثل في حاجتها الدائمة إلى إشهار آلياتها الرقابية، وحتى تسليحها بالميليشيات والانتحاريين، والعمل على استعادة مفهوم وبنية ما ألفت من سلطات، لتمكينها من فرض ما تجمد في زمان ومكان بعيدين بقوة الدولة. وهذا ما يحدث الآن مع وعلى هامش وفي ظل موجة الربيع العربي، التي زادت من مشاعر الذعر، لأن المذعورين أنفسهم أصبحوا في سباق مع الزمن.
وفي سياق ما يحدث، ونتيجة ما يحدث، وفي صميم ما يحدث، تأتي صبية تونسية اسمها أمينة، تكتب على نصفها الأعلى، الذي تضع صورته عارياً على الإنترنت: "جسدي ملكي وليس مصدر شرف أحد".
تختزل هذه العبارة، وتفسّر، كل ما تقدّم: العلاقة بين الشرف والجسد، مثلاً (وكل آلياتها الرقابية تسكن اللغة، والتاريخ، والتقليد، والقيم. الخ) والعلاقة بين الملكية الفردية والجمعية للجسد (وكل آلياتها الرقابية تسكن اللغة، والتاريخ، والتقليد، والقيم. الخ)، ومثلاً، ومثلاً، العلاقة بين الوظائف المختلفة للجسد: الإنجابية والإيروسية، والاجتماعية.
كل تساؤل حول تاريخية ووظيفة هذه العلاقات يفتح سردايب مظلمة في بنية ومفهوم السلطة في العالم العربي (والنظام السياسي، إذا شئت) ويُنذر بما يخطر وما لا يخطر على البال من ردود عصابية، وتجليات للذعر، ربما قادت البعض إلى حروب أهلية.
الموضوع، باختصار، عن أجساد النساء باعتبارها أقدم الأراضي العربية المحتلة



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب العربي يربح، بالتأكيد..!!
- بوتين لم يُزوِّج ابنته لسيف الإسلام..!!
- نُذر الانتفاضة..!!
- ابن عثيمين وصل..!!
- مولانا وجهة نظر خاصة..!!
- البرابرة هم الحل..!!
- غزوة عبد الرحيم الموريتاني..!!
- كلامٌ في كلام..!!
- الطين والتراب في مطلع العام الجديد..!!
- ارتفعت أسعار الملح..!!
- واللبيب بالإشارة يفهم..!!
- لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!
- وكأن على رؤوسهم الطير..!!
- جديد اسمه الصراع على هوية الدولة..!!
- الجنرال حريص على مؤخرته..!!
- الحقبة السعودية..!!
- عن عودة اللاجئين وشبهة الأبد..!!
- وهل يعفي حذر من قطر..!!
- أبو حمزة المصري
- ربيعٌ على شفا حفرة من النار..!!


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - أجساد النساء، أقدم الأراضي العربية المحتلة..!!