أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين الهنداوي - فلسفة الجدل والصراع تفقد رائداً متمرساً














المزيد.....

فلسفة الجدل والصراع تفقد رائداً متمرساً


حسين الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 4042 - 2013 / 3 / 25 - 00:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وضع العام 2012 المحتضر، نهاية لمغامرة الفيلسوف الفرنسي جاك دونت كواحد من أهم مفكري الجدل والصراع المعاصرين. بل انه كان بينهم، في رأينا، الأكثر جذرية وتمرسا في التمرد على يقائن الايديولوجيا وعاداتها واوهامها بكل تياراتها بما فيها الماركسية وخاصة هذه باعتبارها الاعظم نفوذا واعتدادا طوال القرن الاخير.

ففي العاشر من شباط من العام الماضي توفي جاك دونت عن 91 عاما في باريس المدينة التي شهدت لاسيما في الستينات الماضية، معارك طاحنة ومباركة من كل نوع وضد كل سلطة وخاصة اذا كانت مقدسة حيث "نزلت الفلسفة من السماء الى الارض" ثانية، ولم يكن جان بول سارتر وما سمي اعتباطا بـ"الفلاسفة الجدد" الا الجزء الاكثر تهريجا في تلك الانتفاضة الفلسفية التي كان ميشيل فوكو ولوي التوسر وجاك دونت اهم رموزها معرفيا. هذا الثلاثي الاخير المتتلمذ على جان هيبوليت، اشهر هيغلي في النصف الاول من القرن العشرين، وفي الانتماء المبكر الى الحزب الشيوعي الفرنسي، ثم في مغادرته اثر انتفاضة باريس في 1968 عندما تقاعس حزب الطبقة العاملة الفرنسية ذاك عن مواصلة الاخلاص لهويته الثورية شأنه شأن معظم الاحزاب الموسقوفية الاوربية والعربية التي افتضح ترهلها منذ تلك الفترة. لكن وبدلا من القطيعة مع الديالكتيك وحتى مع الفلسفة، كما فعل فوكو والتوسير وكذلك روجيه غارودي فيلسوف الحزب آنئذ، عاد جاك دونت الى الديالكتيك والفلسفة المحضة.

ودونت، عضو المقاومة الفرنسية ضد النازية، فيلسوف مأخوذ بدقة المفهوم. وهو امر نادر لا سيما في عصرنا الراهن حيث التعبير يترنح في كل الاتجاهات دون اكتراث، وحيث الدقة ظاهرية في التدليل على المحمولات بما فيها الاكثر جوهرية ورصانة بل خاصة هذه. وهذا الهم الذي رافقه منذ كتابات الشباب، خلق لديه نزعة تكاد تكون لا ارادية، في حب التدقيق واعادة التدقيق، هي في الاحوال العادية حكر على ندرة من الفلاسفة المتمرسين كان منهم باعتراف عالمي واسع وهو ما لاحظناه لاكثر من عقدي زمن من العمل معه، كان خلالهما رئيسا للجمعية الفلسفية الفرنسية ومؤسسا ورئيسا لمركز دراسات حول هيغل وماركس، ورئيسا لقسم الفلسفة في جامعة بواتيه التي عمل فيها رينيه ديكارت وروجيه غارودي وفلاسفة فرنسيين غيرهم من قبل.

فلقد غدا دونت ولحد الآن المرجع الغربي الاقرب الى الدواخل الحميمة للفلسفة الهيغلية. اذ نشر قبل عشر سنوات اول دراسة شاملة عن "سيرة هيغل" الحياتية والفلسفية لتصبح العنوان الجديد بين مؤلفاته عن ذلك الفيلسوف الالماني الذي سبق ان اصدر حوله العديد من الكتب الشهيرة في فرنسا والمانيا ابرزها "هيغل فيلسوف التاريخ الحي" و"اسرار هيغل" و"هيغل وعصره" و"من هيغل الى ماركس" و"ايديولوجيا القطيعة" و"هيغل فيلسوف الجدل والصراع"، مركزا على الكشف عن الحي وحده في الهيغلية والفلسفات الغربية المعاصرة وايضا عن تناقضاتها وحتى مهازلها من خلال نظرة نقدية مثقلة بالمعرفة العميقة والقسوة احيانا، فيما ترجمنا الى العربية في2005 أحد مؤلفاته اللامعة وعنوانه "هيغل والفلسفة الهيغلية"، بعد ان صدر بالفرنسية بست طبعات على الاقل سلفا خلال فترة وجيزة كما ترجم الى معظم لغات الدنيا الاوروبية منها وكذلك غيرها كالصينية واليابانية والتركية.

والفلسفة في نظر جاك دونت روح كل ثقافة حية. لكنها مسؤولية جسيمة. لان ليس فقط عليها الجواب على اي سؤال يعترضها، انما عليها ان تجيب بشكل دقيق. فهذه فائدتها الوحيدة. اما عن مهمتها الرئيسية، فمنذ عدة ألاف من السنين والاجابة معروفة: انها ببساطة "حب الحكمة". وهذا بحد ذاته معضلة. اذ كيف يمكن تحقيق توافق بين كل هذه الاجزاء المختلفة المتحركة في وجود ما من اجل خلق كل منسجم ونشيط وسعيد؟

لكن تلك المعضلة القديمة يمكننا الالتفاف عليها بالقول ان مهمة الفلسفة هي "فهم ما هو قائم"، أي ادراك بماذا يتقوّم التاريخ، وما يمثله فيه عملنا وما نسعى لأنجازه كمشروع انساني بالضرورة. بداهة، ان للفسلفة طموحات اخرى غير هذا الفهم، لكنه الاهم في التحصيل الاخير لان الانسان لا يكف عن الشعور بانه حيال عالم لا يفهمه دائما، بل يبدو معاديا في كثير من الاحيان.

فمفهومنا للفلسفة ينبغي ان يكون "تسامحياً"، اي مفتوحاً للكل. لكن "كل ما ولد ينبغي ان يموت". هذا القول الذي ردده غوته وبعده هيغل، يردده دونت معتبرا انه "ذو مضمون ديالكتيك محرف.. لأن فيه الاستنتاج: "ان الاشياء لا تظل ابداً على ما هي عليه. فقانون العالم هو الصيرورة. وعليه فالمبدأ الاول ليس الوجود كما انه بالمقابل ليس العدم. المبدأ الاول هو العبور من الوجود الى العدم ومن العدم الى الوجود. أي انه اذاً الولادة من العدم الى الوجود والموت من الوجود الى العدم. ان عبارة غوته تعبر عن هذا المعنى بشكل أكيد. اذ ان فكرة ان كل شيء سيموت هي لأن كل شيء قد ولد، لكن من كل موت ينبغي ان يولد شيء ما من جديد. انها فكرة مخيفة ربما الا انها الحياة"، ولا مفر من ذلك: "الكل يدخل التراب ليبدأ اللعبة".

لكنه دفاع من نوع خاص عن الفلسفة وعن التاريخ الحي بالتالي ما يمور به هذا التعريف "الحزين" لكن الذي يظل في الجوهر، ولهذا السبب ربما، اطراءً سامياً بهما معا وباتحادهما القدري. لأن جاك دونت بقدر ما هو مفكر مسؤول هو رجل موقف وكلمة ومن هنا وفاءه المدهش وغير الدوغمائي وغير المبسط لهيغل ولماركس معا برغم كل انزعاجه في احيان كثيرة من بعض استنتاجاتهما الواثقة جدا. فقد ظل كل عطاءه الفلسفي ينتصب بثقة هادئة ودون تهريج بوجه الفصل القاطع بين الفلسفة وتاريخها من جهة وبينهما معا والتاريخ الكوني الواقعي من جهة اخرى.

على العكس وجد دونت ان العلاقة بين الفلسفة والتاريخ هي علاقة ديالكتيكية عميقة. فكلاهما يفترض الآخر لوجوده، وكلاهما ينتصر بانتصاره. ومن هنا النزوع الى إعلاء فكرة الديالكتيك، لكن الهيغلية خاصة، اذ ان الديالكتيك الماركسي يبدو اقل خصبا واصالة بنظرنا.



#حسين_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا موسم البرتقال
- بعث
- أخاديد
- في المنطقة الخضراء..
- ننسون
- مقدمة لمجموعة صلاح نيازي الشعرية -ابن زريق وما شابه-
- ناوكليكان..* في ذكرى شهداء القيادة المركزية
- دمُ بابلَ نور..
- الى أحمد أمير
- أثر الحلاج في كتابات رامون لول
- العراق.. العراق
- في ذكرى فنان العراق الخالد مؤيد نعمة
- عبد الكريم قاسم في آخر مقابلة صحفية
- من اللاهوت الى الايديولوجيا : فلاسفة الأنوار والإسلام
- الثقافة الأمريكية في خدمة التجار
- كاظم السماوي.. شيخ المنافي وشاعر الأممية الصافية
- تهافت المشروع البعثي للتطور (1968-2003)
- هل عرف البابليون الفلسفة؟
- الهندية – طويريج : بيتنا وبستان بابل
- علي الوردي والمنطق الجدلي


المزيد.....




- حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر ...
- باريس تعلق على طرد بوركينا فاسو لـ3 دبلوماسيين فرنسيين
- أولمبياد باريس 2024: كيف غيرت مدينة الأضواء الأولمبياد بعد 1 ...
- لم يخلف خسائر بشرية.. زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جزيرة شيكوكو ...
- -اليونيفيل-: نقل عائلاتنا تدبير احترازي ولا انسحاب من مراكزن ...
- الأسباب الرئيسية لطنين الأذن
- السلطات الألمانية تفضح كذب نظام كييف حول الأطفال الذين زعم - ...
- بن غفير في تصريح غامض: الهجوم الإيراني دمر قاعدتين عسكريتين ...
- الجيش الروسي يعلن تقدمه على محاور رئيسية وتكبيده القوات الأو ...
- السلطة وركب غزة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين الهنداوي - فلسفة الجدل والصراع تفقد رائداً متمرساً