أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - من تاريخ التوحش المسيحي













المزيد.....

من تاريخ التوحش المسيحي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4041 - 2013 / 3 / 24 - 20:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



"لقد استمر [إله المسيحية = يسوع] يهودياً، وإله زوايا، إله كل القراني المعتمة والأماكن المظلمة والأحياء الوخيمة للعالم الكامل. مملكته العالمية بقيت معدودة، كما كانت سابقاً، مملكة للعالم السفلي (...) وبقي هو نفسه بالغ الشحوب، بالغ الضعف، حتى الأكثر شحوباً بين الشاحبين قد تسيّدوا عليه (...) في كل العهد الجديد تصادف شخصية واحدة جديرة بأن تُشرَّف [تُحتَرَم]. إنه بيلاطس [البنطي] الوالي الروماني".
الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه، كتاب: عدو المسيح، ترجمة جورج ميخائيل ديب (مع إعادة الترجمة من الإنجليزية لبعض المقاطع من جانب كاتب هذه المقالة)، دار الحوار، الطبعة الثانية، ص 56 و 134

"وسرعان ما دخل الفرنجة المدينة [أورشليم، القدس] بكل روعة في ظهر ذلك اليوم الجليل الذي فدى فيه يسوع المسيح العالم بأسره وخلصه على الصليب (...) اندفعوا وهم في ذروة الابتهاج فدخلوا إلى المدينة بأسرع ما أمكنهم، وانضموا إلى رفاقهم يطاردون الأعداء الأشرار ويذبحونهم بدون توقف (...) وقد قطعت رؤوس ما يقرب من عشرة آلاف شخص في هذا الهيكل، ولو كنت هناك لتلطخت قدماك حتى الكواحل بدماء القتلى، ثم ماذا أقول؟ أقول: لم يبقَ منهم أحد، لم يرحموا طفلاً ولا امرأة (...) كم كانت دهشتك عظيمة لو أنك شاهدت رجالنا من الرجّالة وحملة الدرق يبقرون بطون من ذبحوا من المسلمين (...) بسيوف مشهورة سعى رجالنا في المدينة، لا يبقون على أحد حتى الذين يستجدون الرحمة (...) ياله من يوم طالما تحرقنا شوقاً إليه، يا وقتنا هو أحرى الأوقات بالذكرى، ويا إنجازاً فوق كل إنجاز (...) حقاً أنه زمان جدير بالذكرى، وذلك لأنه بالفعل تُستعاد في هذا المكان ذكرى كل ما أَنجزَ أو علَّمَ على الأرض ربنا الإله يسوع المسيح".
فولتشر أوف تشارترز (كاهن فرنسي ومؤرخ كان برفقة الحملة الصليبية الأولى)، كتاب: تاريخ الحملة إلى القدس، الموسوعة الشامية، ترجمة الدكتور سهيل زكار، دار الفكر، المجلد 6، ص 364-366


قد يبدو للقارئ الكريم من الاقتباسين أعلاه، ومن عنوان المقالة، أن المقصد من السرد أدناه هو تاريخ التوحش المسيحي فيما يخص الحروب الصليبية وما فعله المسيحيون، باسم إلههم يسوع، في بلاد الشرق الأوسط وما عاثوه فساداً وقتلاً فيها. لا، ليس الأمر كذلك. بل هو أبعد ما يكون عن هذا. فالاقتباسين أعلاه مقصدهما مختلف. السرد أدناه يختص بجزئية محددة من تاريخ التوحش المسيحي، وهي مسؤولية المسيحية، كإله ودين ومعتقد، عن بروز (معاداة السامية) كممارسة راح ضحيتها ملايين الأبرياء في العالم القديم والحديث. إذ كل ممارسة تندرج تحت بند (معادة السامية) كان منشأها الحقيقي هي الديانة المسيحية بالتحديد وحصراً بسبب اعتقادهم أن اليهود قد "قتلوا" إلههم. إلا أن مقالة واحدة من المستحيل عليها أن تتتبع الأصول المؤسسة من أول (فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً، بل بالحري يحدث شغب، أخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع قائلاً: إني بريء من دم هذا البار [يقصد يسوع] أبصروا أنتم. فأجاب جميع الشعب [أي جميع اليهود، لاحظ الشمولية هنا] وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا) [إنجيل متّى 27: 24-25]، من أول ذلك النص المؤسس، ومروراً باسم (يهوذا) الاسخريوطي الذي اتخذه المسيحيون رمزاً للخيانة ومُذكراً إياهم بـ (اليهود) وما فعلوه، إلى النهاية التي تمثلت في الهولوكوست اليهودي على اختلاف الآراء في عدد الضحايا. إذ كل الدعاية المسيحية عن (الحب) و (السلام) و (المحبة) هي على حقيقتها نتاج تسويقي أُجْبرت عليه الكنيسة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكنتيجة مباشرة للثورة الفرنسية وعلمانيتها الشرسة التي أجبرت الدين المسيحي على أن يتراجع عن توحشه السياسي والعسكري ليُكبح ويُسجن في الفضاء الخاص داخل أسوار الكنيسة. هنا، وهنا فقط، بدأت الكنيسة في التسويق لمعتقدها بأنه مُعتقد محبة وتسامح. وقد آن لهذه الدعاية أن يُسلط عليها الضوء حتى نضعها في موقعها الصحيح، تاريخياً ونقدياً. ومن هنا كان الغرض من الاقتباسين أعلاه. فالأول يضع شخصيات العهد الجديد ضمن إطارها الإنساني الصحيح والعادل، والثاني يضع رجل الدين المسيحي ضمن إطاره التاريخي الصحيح والعادل أيضاً. وهما، أي الاقتباسين أعلاه، يهيئان المسرح للأفكار العنصرية المسيحية، كدين شأنه شأن باقي الأديان ولا فرق، لتتجلى بعيداً عن التبريرات الساذجة التي يسوقها (المؤمنون) مِنْ أن أفعال البشر المؤمنين بهذا الدين، في كلياتها العامة، لا تُمثل هذا الدين. فإذا كانت أفعال البشر المؤمنون بهذا الدين لمدة ألف وثمانمئة سنة لا تُمثل هذا الدين، فما فائدة هذا الدين (الإلهي) إذن حتى يُجبره رجال (الدنيا) على العدول عن توحشه وتقليم أظفاره؟!

هذه مقالة في التوحش المسيحي فيما يخص معاداة السامية في العصور الوسطى.

في يوم الأربعاء، 15 مايو 1252 مـ، أصدر البابا أنوسنت الرابع (Pope Innocent IV) أمراً بابوياً باسم (بدأت - ابتدأت) (Ad extirpanda) أباح فيه صراحةً استخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات من (الهراطقة) في محاكم التفتيش الأوروبية التي كانت قد ابتدأت قبله في عهد البابا غريغوري التاسع (Pope Gregory IX) سنة 1231 مـ [فكرة محاكم التفتيش نشأت ما بين سنوات 1198 – 1216 مـ مع البابا أنوسنت الثالث]. وقد تضمن هذا الأمر البابوي التبرير لهذا التوحش بأن كل من ليس على العقيدة المسيحية الصحيحة هم من: "قتلة الأرواح، وسرّاق تقدمة الرب والعقيدة المسيحية"، ولهذا السبب يجب أن "يُجبَروا، كما اللصوص وقُطّاع الطريق، للاعتراف بأخطائهم والوشاية على الآخرين الذين مثلهم". كما أباح هذا الأمر البابوي مصادرة ممتلكات (الهراطقة) وإعطائها للدولة التي بدورها سوف تستخدم هذا المال في إيقاع العقوبة عليهم. ثم يُختتم هذا الأمر البابوي بهذه التوجيهات: "عندما يُسلِم المطران، أو من ينوب عنه، أو محكمة التفتيش، المحكوم عليهم بتهمة (الهرطقة) إلى السلطات المدنية، فإن على حاكم المدينة أن يأخذهم في الحال، وفي مدة أقصاها خمسة أيام يُنفذ الحكم الصادر ضدهم". وعندما (ابتدأ) التعذيب، كان "المحظوظون" هم الذين تُربط أيديهم من الخلف ثم يُعَلَقوا في السقف من أرساغهم، ثم بعد ذلك تضاف أثقال على أرجلهم لينتج عنها خلع كل مفصل في أجسادهم. إلا أن ذلك كان للمحظوظين من (الهراطقة) فقط الذين قرروا أن "يعترفوا بأي شيء يريده المطران (التقي) أن يسمعه" بغضّ النظر تماماً عن صدقه من عدمه. وكانت العقوبة تتراوح بالنسبة لـ (جرائم الهرطقة البسيطة) من الطرد والنفي إلى بالسجن الإنفرادي لمدد طويلة والقتل والحرق بالنار (الهرطقة التي تخالف العقيدة الكاثوليكية وممارساتها). وكانت النتيجة أن المسجونون والمُعذبون والقتلى والمحروقون بالنار كانوا بعشرات الآلف الكثيرة جداً. إلا أنه يجب التنبيه أن عقوبة الحرق بالنار لكل من يخالف العقيدة الكنسية الرسمية كانت مُمارسة قبل تاريخ هذا الأمر البابوي بكثير. فهي عقوبة مطبقة من جانب الكنيسة لسنوات طويلة، ولا تجد حرجاً في استخدامها. ففي سنة 1229 مـ وحدها فقط تم شنق وإحراق المئات من المسيحيين الكاثريين (Cathar) في جنوب فرنسا بتهمة الهرطقة بعد أن أرسل إليهم البابا جيشاً لإبادة "هرطقتهم"، وقبلها بعشرين سنة (1209 مـ) تم قتل حوالي سبعة آلاف شخص من نفس هذه الطائفة المسيحية (بعض المصادر تضعهم حوالي عشرين ألف) (رجال ونساء وأطفال) في محيط وداخل كنيسة مادليَن (La Madeleine Church) في مدينة (Béziers) الفرنسية [انظر: Christian Social Witness: From pp 154, Biblical Times to the Late Nineteenth Century Rodger Charles,].

بعد سنة واحدة فقط من بداية محاكم التفتيش، أي في سنة 1232 مـ، ابتدأت محاكم التفتيش في استهداف اليهود بسبب كتب موسى بن ميمون (رامبام، كما تسميه الكتابات الدينية اليهودية). وفي سنة 1242 مـ أدانت الكنيسة التلمود اليهودي، وبسبب هذا أحرقت عشرات الآلاف من الكتب اليهودية في الساحات العامة. وفي سنة 1288 مـ تمت عملية قتل جماعي لليهود بواسطة إحراقهم بالنار، بمباركة الكنيسة، في فرنسا. ففي النهاية فإن فكرة (معاداة السامية) هي فكرة مسيحية بالدرجة الأولى، ومنها نشأت. وكل ما أتى على اليهود من ويلات، والملايين من القتلى، كان بسبب الفكرة الكنسية الأولى في مسؤولية (صلب وقتل الإله) و (رفض اليهود للمسيح). بل إن القديس يوحنا ذهبي الفم (John Chrysostom) كان يؤكد في القرن الثالث الميلادي على مسؤولية اليهود (الفريسيين) وحدهم فقط في صلب وقتل المسيح، ولا يد أو مسؤولية للرومان في ذلك. والأناجيل، وعلى الأخص إنجيل يوحنا، قد تم توظيفها في سبيل هذا الغرض منذ فترة مبكرة في التاريخ المسيحي [انظر على سبيل المثال وليس الحصر: إنجيل يوحنا 18: 28-40 و 19: 1-16. وانظر أيضاً ما يقوله كاتب إنجيل متّى عن جواب اليهود لبيلاطس البنطي ليقتل يسوع: (فأجاب جميع الشعب وقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا) (متى 27: 25)، ولاحظ كلمة (جميع الشعب)]. بل إن الأناجيل وسفر أعمال الرسل أُعتُبرت في الدراسات المعاصرة على أنها المصدر الأول والأساس في نشوء معاداة السامية. حتى الحركات الإصلاحية المسيحية كانت تعادي اليهود بصورة شرسة، فنحن نقرأ، مثلاً، لـ (مارتن لوثر) (1483-1546 مـ) في (اليهود وأكاذيبهم) عبارات صادمة تشي عن مدى دونية الرؤية المسيحية لليهود. فهو يكتب عن "العبئ الشيطاني لليهود"، وأن المسيح "لم يسميهم أبناء إبراهيم ولكن سماهم (أولاد الأفاعي) [متى 3: 7]، ويسميهم : "البؤساء العميان عديمي الإحساس"، ويخاطب المسيحيين بقوله لهم: "احذروا اليهود، لأنك تعرفون حيث يكون هناك معبد لليهود فلن يوجد إلا عش شيطاني"، ويقول للأمراء والحكام: "كل من كان تحت حكمه مجموعة من اليهود، ولم تلاقي نصيحتي قبولاً لديه، فليبحث عن نصيحة أخرى حتى تتخلصوا ونتخلص من هذا العبئ الشيطاني غير المحتمل لليهود". وقد كان نصحهم لوثر بالآتي: "أَنْصَح. أولاً، باحراق معابد اليهود ومدارسهم، ودفن كل ما لم نستطع إحراقه، حتى لا يرى إنسان بعد الآن حجراً أو جمرة لهم. نفعل هذا تشريفاً للرب وللمسيحية (...) ثانياً، أنصح بأن يتم جرف وهدم منازلهم، لأنهم يستخدمونها في نفس أغراض معابدهم. وبدلاً من منازلهم، ليسكنوا تحت المظلات أو في الإسطبلات مثل الغجر".

معاداة اليهود، وكل من يخالف المسيحية كمعتقد، إلى حد التصفية الجسدية متجذرة في التاريخ المسيحي من بدايات تسلقها إلى السلطة حتى الانقلاب العلماني على سلطات الكنيسة في نهايات القرن الثامن عشر. ونجد أن تلك الممارسات المتوحشة يتم التبرير لها بوسائل شتى إلى درجة استخدام الرؤى والأحلام من جانب رجال الدين المسيحي. ففي الحملة الصليبية الأولى على سوريا ولبنان وفلسطين ما بين سنوات (1096-1099 مـ) التى دعا إليها البابا أوربان الثاني (Urban II) [لاحظ المفارقة في أنه جاء في نص دعوته (المقدسة) تلك لغزو البلاد الإسلامية الآتي: "ليكن هؤلاء الذين كانوا حتى هذه اللحظة لصوصاً، الآن جنوداً"، وهكذا كان، وذلك بعد أن أعطاهم مقدماً صكوك الغفران: "جميع الذين يموتون سواء عن طريق البر أو عن طريق البحر أو في المعركة ضد الوثنيين (يقصد المسلمين)، تكون هناك مغفرة فورية من الآثام. أمنح لهم هذا من خلال قوة الله التي استثمرت فيّ أنا"]، ففي هذه الحملة الصليبية كان يتواجد ضمن صفوفها (ريمون دي جيل)، راهب نوتردام لى بوي، وهو رجل دين مسيحي شديد التعصب لمعتقده ولا يعرف أي معنىً للتسامح، وكتب مؤرخاً لحوادثها، ولهذا عُدّ كتابه (تاريخ الفرنجة الذين استولوا على القدس) على ركاكة أسلوبه عملاً وثائقياً هاماً لهذه المرحلة من تاريخ المنطقة. ينقل لنا ريمون دي جيل قصة رؤيا (حلم) رآه شخص اسمه بطرس بارثليمو في الخامس من إبريل (نيسان) 1099 مـ داخل إحدى الكنائس، رأى فيه المسيح ومعه الرسولين بطرس وأندروز وشخص آخر لم يعرفه. ودار حوار، في الحلم طبعاً، بينه وبين يسوع بحيث أكد له يسوع، في حال التقيد بأوامره التي سوف يعطيها له في الحلم، بأن القدس (أورشليم) ستسقط في أيدي الجيش الصليبي. وعندما سأل هذا الرجل يسوع عن كيفية التعامل مع المتشككين بما سيقوله لهم عن حلمه هذا، أجاب يسوع، في حلم هذا الرجل طبعاً، بالآتي: "فأجاب الرب: لا تظهروا لهم أدنى رحمة، اقتلوهم، إنهم من الذين خانوني، إنهم إخوة يهوذا الأسخريوطي، ووزعوا ممتلكاتهم الدنيوية على الصف الأول وفقاً لاحتياجاتهم". إلا أن يسوع، في الحلم، قد استساغ أن يسترسل في حواره مع هذا النائم الحالم ليتطرق من دون مناسبة لليهود، ويدور هذا الحوار في الحلم: "(يقول يسوع): وبهذه المناسبة، هل تعرف الجنس الذي أنظر إليه نظرة خاصة؟ وأجبته قائلاً: الجنس اليهودي. فقال الرب: إنني أحمل لهم عظيم الكراهية بصفتهم من الكفار، وأصنفهم مع أحط الأجناس" [انظر الترجمة الكاملة للكتاب في: الموسوعة الشامية، ترجمة سهيل زكار، المجلد 6، ص259-261]. وبعد أن يفيق الرجل من أحلامه، يُخبر بها الجيش الصليبي بأسره. بالطبع، هذا الحلم متأثر جداً بأجواء محاكم التفتيش بصفة عامة وموقفها من اليهود بصفة خاصة (قتل المتشككين - الهراطقة، مصادرة الممتلكات، كره اليهود، وصفهم بأحط الناس)، فلا كان يسوع على الحقيقة، ولا حوار ولا نبوءة، مجرد حلم لرجل مؤمن بات متفكر في ربه في نفس الوقت الذي تفيض نفسه بكراهية اليهود والهراطقة التي رسختها في نفسه الكنسية ورجال الدين المسيحيين، فصورت له اعتقاداته وخيالاته ما صورت في أحلامه، لا أكثر من هذا ولا أقل. لكنها الإطار العام للأجواء العقائدية السائدة، بكل فضائعها الدينية المسيحية، يلخصها هذا الرجل من خلال حواره الوهمي مع إلهه.

هذه الفكرة عن اليهود واليهودية أدت إلى عمليات قتل جماعية متعددة لليهود قبل وخلال الحملة الصليبية الأولى التي ابتدأت سنة 1096 مـ، ولينتهي الحال إلى عملية إبادة جماعية لليهود وحرقهم وهم أحياء في أغسطس سنة 1349 مـ في مدينة كولون الألمانية (Cologne) وذلك بعد أن دعا مجلس مدينة سترابورغ (Strabburg) إلى قتل اليهود أينما كانوا. وقد كان تعداد اليهود في المدينة قبل هذه الجريمة حوالي خمسة وعشرين ألف يهودي [انظر: In the Wake of the Plague, Norman F. Cantor]. هذا القتل الجماعي لليهود قد سبقه ابتداءً من سنة 1320 مـ حملة عداء واضحة وصريحة من جانب رجال الدين المسيحيين في كولون ضد اليهود. وقبل تلك الحادثة بثلاث سنوات، في مدينة كونغزوينتر (Konigswinter)، هاجمت مجموعات مسيحية مراكز التجمع اليهودي وقتلوهم. وهذه الحوادث هي نقطة في محيط قصص حوادث معاداة السامية ذات الأصول المسيحية في التاريخ.

يؤكد لنا البرفوسور فريدرك شواتزر (Frederick Schweitzer) أستاذ التاريخ في كلية منهاتن الأمريكية: "يتجاهل أغلب الدارسين الأساس المسيحي الذي يقف عليه صرح معاداة السامية المعاصرة، والتي أثارت معاداة السامية السياسية، ومعاداة السامية الاجتماعية، والتمييز العنصري والعرقي ضد السامية" [انظر: Michael, Robert (2005). A concise history of American anti-Semitism. Rowman & Littlefield. p. vii]. بل إن برنارد لزر (Bernard Lazare) يُقسم معاداة السامية إلى ثلاثة أنوع فقط: معاداة السامية المسيحية، معاداة السامية الاقتصادية، معاداة السامية العِرقية (الإثنية) [انظر: Lazare, Bernard (2006). Anti-Semitism: Its History and Causes. Cosimo, Inc.. p. 224]. ويبدو أن هذا (التجاهل) الذي أصاب الدارسين قد أصاب أيضاً الكثير ممن يحملون المعتقد المسيحي فيما يخص تاريخ التوحش لهذا الدين. إلا أننا اليوم بحاجة إلى أن نقف لنتأمل موضوعياً في تاريخ الأديان بصفة عامة، وبصفة خاصة من كل دين يدّعي ليلاً ونهاراً بأنه (دين محبة وسلام).



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الازدواجية في الذهنية الدينية ... الموقف من نوال السعداوي
- في الاستعباد كنزعة إنسانية متأصلة
- الأحاديث الموضوعة كأداة لتصحيح التاريخ
- مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا
- صراع
- معارك الله
- مقالة في طقس الإفخارستيا – أكل الله
- رقص الجريح
- المسيحية وحوادث أكل لحوم المسلمين
- في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي
- إشكالية العقل السلفي العربي
- في طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة
- عندما نفقد خارطة طريقنا
- مشكلة اليهودية والجغرافيا عند كتبة الإنجيل
- من إشكاليات قصة يسوع الإنجيلي
- التناقضات الأخلاقية عند يسوع الإنجيلي
- هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟
- في إشكالية الشعوب العربية
- سؤال غير بريئ لما يسمى ب -القوى الشبابية- في الكويت
- بصراحة … رأيي في أحداث مسيرة يوم الأحد


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - من تاريخ التوحش المسيحي