أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الحروب - «الدولة الأمنية العميقة»: أمن بن علي في مطار تونس!















المزيد.....

«الدولة الأمنية العميقة»: أمن بن علي في مطار تونس!


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 4041 - 2013 / 3 / 24 - 08:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


اسمي على قائمة الممنوعين من دخول تونس. هكذا أفهمني الضابط في مطار قرطاج الدولي بعد أن حملق في الكومبيوتر أمامه – بكل أدب ولياقة. بعدها كان عليه، وعلي، الانتظار لمدة ساعتين حتى تأتي التعليمات من «الإدارة» بالسماح لي بالدخول. كنت قد قلت للضابط بأنني أعرف تماماً أن اسمي «كان» على قائمة غير المرغوب في دخولهم تونس خلال حكم زين العابدين بن علي، لأنني كتبت مقالات (في هذه الصحيفة وغيرها) منتقداً الأوضاع الحقوقية في تلك الحقبة، ولمشاركتي في عدة ندوات أكاديمية وغيرها انتقدت فيها الحكم الاستبدادي لبن علي. ابتسمت للضابط متحلياً بالهدوء والمعرفة الأكيدة بأنه لا يملك القرار وأن علينا، أنا وهو، أن ننتظر تعليمات «الإدارة». الضابط دمث الأخلاق شعر بحرج شديد لأنه لا يملك صلاحية السماح لي بالدخول مباشرة ومن دون العودة إلى «التعليمات»، وبالتالي هو مضطر لتأخيري. زاد حرجه خاصة بعد أن قلت له أن هذه هي المرة الثالثة التي يتم توقيفي فيها في مطار تونس «ما بعد الثورة» بسبب قوائم الممنوعين التي كانت معروفة في مرحلة «ما قبل الثورة»، وكثير من تلك الأسماء أدرج في القوائم لأن أصحابها وقفوا مع شعب تونس ضد طاغيتها السابق. في الواقع كنت قد بدأت أفقد أعصابي، إذ لا يُعقل أن تبقى «قوائم بن علي» هي التي تتحكم في حركة الداخلين إلى مطار تونس بعد عامين وأكثر على الثورة التي غيرت وجه العالم العربي برمته. كنت قد مازحت الضابط بأنني على معرفة وثيقة وشخصية بـ «بعض» التونسيين الذين كانوا في أوروبا في السنوات الماضية، وساندت بقدر ما استطعت نضالاتهم من أجل حرية تونس، وأنه بإمكاني الاتصال بأي منهم لفك طلاسم القوائم القديمة في المطار، وأن من بينهم اثنين ربما سمع باسميهما وهما المنصف المرزوقي وراشد الغنوشي! ارتبك الضابط لدى سماعه الاسمين وتحرك بشكل أسرع!

تشير الحادثة أعلاه، وبعيداً عن بعدها الشخصي، وهي التي تكررت في زيارات ثلاث لتونس بعد الثورة إلى تكرس «الدولة الأمنية العميقة» في أنظمة الاستبداد، وهو واحد من جوانب عدة تعكس صعوبة وتحديات حقبة ما بعد الثورة. فخلال عقود طويلة تجذر في تونس نظام بن علي إلى درجة قولبة الوطن بكليته في قالب الحزب الحاكم، وانتهينا إلى نموذج «دولة الحزب» عوض أن يكون الحزب الحاكم، أو المعارض، حزب الدولة. في دول الربيع العربي الأخرى، مصر وليبيا وسورية، هناك نفس النموذج حيث ابتلعت المباركية والقذافية والأسدية كل قطاعات الدولة والوطن، بدرجات متفاوتة، واستبدلتها بـ «الحزب» أو «العائلة»، وأصبحت العمود الفقري الذي من دونه تنهار الدولة وأجهزتها. عندما يحول الحزب الحاكم الوطن إلى «دولة الحزب» يتحول هذا الوطن إلى إقطاعية مملوكة من قبل العائلة الحاكمة وبطانتها، وهي ملكية تصير بنيتها مع الزمن هشة مستندة على الزبائنية وحدها. وفي حال تغير الوضع القائم وسقوط الزبائنية فإن الدولة نفسها تتهاوى أو تكاد، وهو ما نراه في المرحلة الحالية.

وهنا، أي في إضاعة عقود طويلة من الزمن من دون بناء دولة محايدة وفاعلة، تتجسد إحدى أكبر جرائم الاستبداد المديد الذي ضرب المنطقة العربية وعطل قواها. وإذا كانت الدولة التسلطية العالمثالثية في حقبة ما بعد نزع الاستعمار قد انتهت في مناطق أخرى من العالم مع جردة حساب يختلط فيها الإنجاز من الاستبداد، كما في النموذج الآسيوي مثلاً في سنغافورة وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وغيرها، فإن ما شهدته المنطقة العربية كان الاستبداد من دون الإنجاز – بدليل الانهيار شبه الشامل الذي لحق بالوطن والدولة وأجهزتها بعد سقوط النظام المعني.

كان أكثر الجوانب تماسكاً في دولة الاستبداد متمثلاً في المنظومة الأمنية، وهو الجانب الذي كان الأشد تماسكاً ونجاحاً أيضاً على مستوى «العمل العربي المشترك»! وما يُقال عن «الدولة العميقة» التي يصعب التخلص من طحالبها المتكلسة ربما يجب أن يُعاد تعريفه واختزاله إلى «الدولة الأمنية العميقة»، وهي ذات الدولة التي كانها الاتحاد السوفياتي وكانتها ألمانيا الشرقية وكثير من الدول حيث يكون الأمن والقبضة البوليسية الناظم الوحيد لمكوناتها، وهذا بخلاف مفهوم الأمن الشامل الذي يتجاوز التحكم المخابراتي ويمتد لتوفير الأمن الاجتماعي والوظيفي والثقافي والغذائي وسواه.

والواقع أن مفهوم «الدولة الأمنية العميقة» أكثر تعقيداً من أن يُنظر إليه باعتباره وضعاً مسطحاً تابعاً لمنظومة سيطرة ماضية، انتهت قيادتها العليا ورأسها في ما بقيت أجهزتها وجسدها المترامي، وهو يضع كل قوى ما بعد الثورة أمام خيارات في غاية الصعوبة. إذ تتوسع وتمتد «دولة الدائرة الأمنية» وبشكل مدهش إلى ما وراء حدود كتلتها الصلبة المغلقة لتشمل الطبقة الأولى من المقربين والمنتفعين والمنحدرين من كل الطبقات والخلفيات بمن فيهم رجال أعمال وسياسيون وإعلاميون وتكنوقراط ورجال دين. ثم يلي تلك الطبقة المقربة وربما السهلة التحديد والتعريف والفرز طبقة أخرى أكثر رمادية حيث يختلط فيها الانتفاع مع الوظيفة العامة أو الجهد الخدماتي والتكنوقراطي، وتتداخل النسب والحدود بين المصلحة الخاصة وتلك العامة. ثم تأتي طبقة ثالثة ربما تزيد من تعقيد الأمور، فتكون من ناحية أولى مرتبطة ولو عن بعد بمنظومة الحكم وإملاءاتها الأمنية وتسير في الفلك العام للسياسة السائدة، لكنها لا تعتبر بالضرورة خالصة الولاء لتلك المنظومة وبنيتها الصارمة والمستبدة.

هذا التعقيد الطبقاتي وازدحام المنطقة الرمادية الوسطى بأفراد وجماعات وهيئات ومؤسسات يرى البعض أنها من «فلول» أنظمة ما قبل الثورات، ويرى آخرون أن شرائح عدة ممن تُصنف بكونها تابعة لـ «الفلول» وتقف في تلك المنطقة المحيرة لا يمكن اعتبارها جزءاً عضوياً من الوضع السابق، وبالتالي يجب أن لا يتم استبعادها وإقصاؤها عن المشاركة السياسية في المرحلة الحالية. في تونس ومصر وليبيا واليمن تواجه سياسة ما بعد الثورة هذا الوضع المُعقد إزاء «الدولة الأمنية العميقة» وتفرعاتها وتمثلاتها، وتناقش البرلمانات والمجالس الوطنية تشريع قوانين «عزل سياسي» تقطع طريق عودة تلك «الفلول» إلى تصدر المشهد السياسي، وربما الفوز في الانتخابات.

وأحد جوانب المعضلة المركبة هنا وتعقيدها الحقيقي يكمن أولاً في دستورية سن قوانين فضفاضة وغامضة تعزل سياسياً «مجموعات» لا يتم تعريفها بشكل دقيق، في وضع يجب أن تُعالج فيه كل حالة بحسب معطياتها الفردية. بمعنى أنه من المثير للشكوك العميقة استصدار قانون يطلق ممارسة عامة على مجموعة من الناس، ولا ينظر إلى السجل الفردي لكل منهم على حدة. والأمر الثاني الذي يزيد من صعوبة وإشكالية «النظر إلى الفلول» ومحاولة عزلهم، أو عزل مجموعات منهم، شعبيتهم التي لا يمكن الاستهانة بها. ففي مصر مثلاً من كان يتوقع أن يحصل محمد شفيق على تلك النسبة العالية والمدهشة في الانتخابات الرئاسية؟ وفي تونس من كان يتوقع أن يتصدر القائد السبسي، رئيس حركة نداء تونس المُتهمة بأنها من «فلول النظام السابق»، هذه الأيام الاستفتاءات المتتالية إزاء توقعات الفوز بمنصب الرئيس في الانتخابات المقبلة، ويتجاوز في ذلك رموز حركة النهضة ورؤساء وزاراتها، وكذلك الرئيس الحالي المنصف المرزوقي. ليست هناك إجابات على هذه الأسئلة المعقدة، لكن الشاهد هنا هو أن أمن زين العابدين المتجذر في مطار قرطاج، وأمن مبارك المتجذر على فوهات أنفاق غزة ويردمها حيناً ويغرقها بالماء حيناً آخر، يؤكد على طول مسيرة تفكيك «الدولة الأمنية العميقة» وبناء دولة المواطن وتعميقها.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم الشرف بين الدين والقانون
- تديين الفضاء العام وتصنيع «المجتمع المحافظ»
- خمس كاميرات محطمة!
- الإسلاميون: الولاء للحزب... أم الوطن؟
- درويش بين الاحتكار والابتذال!
- «هندسة» الانتخابات الفلسطينية
- الأزمة السياسية في مصر
- العشائرية والطائفية... والأمية الانتخابية
- ازدواجية معايير المقاطعة الشعبية!
- كارثة تسييس الدين وتديين السياسة
- جائزة -البوكر- للرواية العربية: توسيع فضاءات الحرية
- ضمير الناس يهزم «الفتاوى المتأسلمة» ... ولكن!
- مسلمو الدنمارك وفن صناعة العنصرية
- عين إيران على الأردن، فأين الخليج؟
- عنف اللغة... ولغة العنف!
- متى سيهرب السفير الروسي من دمشق؟
- مشعل في غزة: تكريس المصالحة
- مآزق الأيديولوجيات الأممية
- حل «جماعة الإخوان المسلمين»: الضرورة التنظيمية (3)
- -دسْترة- الشريعة... ضرورة أم ذريعة؟!


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الحروب - «الدولة الأمنية العميقة»: أمن بن علي في مطار تونس!