أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى الصوفي - مع مكاريد الاخرس (بين الوردي و الاخرس ).















المزيد.....

مع مكاريد الاخرس (بين الوردي و الاخرس ).


مصطفى الصوفي

الحوار المتمدن-العدد: 4040 - 2013 / 3 / 23 - 18:05
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قد يكون الدكتور علي الوردي( عالم الاجتماع المعروف) هو اكثر من تناول موضوع هجرة الريف وتحكم قيمه واعرافه وتأثيره على المدينة وشخصية الفرد العراقي *١ ,ولا استبعد ابدا كونه منزعجا من (المكَاريد) ,و يراهم نوع من الطفيليات التي اجتاحت المدينة التي يعيش فيها ,وكيف لا يكُّن هذا, وهو ابن الكاظمية المدينه التي يتميز ابناؤها بنوع من النزعة العنصرية والتكبر تجاه غيرهم من سكان المدن والمناطق العراقية, كما هو معروف وسائد عنهم..
اغلب الظن ان دراسة الوردي في الولايات المتحدة, هي التي شذبت من حدة تلك الطباع (الكظماوية) و زادت من كمية الحيادية , و جعلته يتناول مشكلة المكاريد بصورة اكثر اكاديمية واقل عاطفية ,فهو يعد بنظر الكثيرين كأفضل عالم لخص نظرة ابن المدينة تجاه المكرود المهاجر الذي دخل بين حارات مدينته متأبطا معه طباعه الذميمة وسلوكه الغير حضاري متمثلا بانتماء عشائري وعدم الاهتمام بالنظافة *٢ و اللامبالاة للقوانين المدنية وجهله لبعض الأتيكيت المدني وتقديسه للأعراف العشائرية والعنف وعدم اعترافه بالكثير من المفاهيم المدنية.
لا ننكر أن الحضري(ابن المدينة) ليس بعيدا عن الانتماءات والاعراف والقيم الشرقية, لكنه بصورة عامة يمتلك انتماءاً مختلفاً , لأهل الحي وعنصرية للمدينة والعائلة مقابل انتماءه الريفي للعشيرة والعنصرية لها، وهنا تكمن المفارقة ان ابن المدينة المتكيف سلوكيا وفكريا للعيش في المدينة ومعتاد على وتيرة حياة سريعة تُقدس الامكانيات الفكرية وتهتم بالصناعة وقيم الحداثة لذلك نجده بارعا في التجارة والمهن التي يعتمد نجاحها على المجهود الذهني، بالمقابل ابن الريف يُقدس قيم الاباء والاجداد و يعتمد قواه البدنية في اكل عيشه (في الزراعة) ويتفاخر بعدد ضحاياه الذين يسقطهم عن طريق العنف ان اختلفوا معه في أمر ما*3.
ان هذا التغاير في السلوك بين الاثنين جعل ابن المدينة يرى ابن الريف شخصية كاريكاتورية و ساذجة تتميز بالتخلف والغباء ولا تحسن اداء اي عمل الا الاعمال التي تتطلب الى قوة بدنية.
بالمقابل فأن ابن الريف ينظر الى ابن المدينة على انه بلا قيم وبلا مباديء وبلا نسب ويحمل مكراً, وضعف بنية, وانعدام للأخلاق ,ويضيع وقته كثيرا في الاهتمام بأمور سطحية وكماليات..
نعود لكتاب الاخرس حينما يتحدث عن صريفة جده مع الصرائف الباقية التي انتشرت كالنار في الهشيم على اطراف بغداد, و سكانها ذوي السحنات السمراء والرايات العشائرية هاربين من سوط الاقطاع والفقر الحالمين بحياة افضل، الذين لم يخطر في بالهم حينما هاجروا انهم سيلاقون ما لاقوه, من ذل و نبذ واقصاء وسخرية من قبل ابناء المدينة الذين هم و لليوم يرون فيهم جرذان وحشرات ودمامل تشوه وجه العاصمة, لذلك هم وعلى مدى عقود كانوا كمواطنين من الدرجة الثانية يمتهنون احط المهن شأنا واصعبها واقلها ادرارا للمال ، لم يحصل سابقا أن دَوَنَ احد شيء عن المكاريد ولا عن قصصهم ٤* ، على كل حال حدث انقلاب في تلك الموازين على مدى العقود الماضيه بعد ان فعل بعض المكاريد المستحيل ولا ابالغ ان قلت انهم (جاهدوا) لانقاذ ابنائهم من السجن الاجتماعي الذي صنعته لهم الانظمة السابقة..
قد انتج مجتمع المكاريد بعد ذلك (الجهاد) , اشخاص امسكوا زمام الامور بعد انقلاب القوى بعد احتلال العراق وبعضهم يحتل مراكز مرموقه في مؤسسات ثقافية واجتماعية مهمة في العاصمة وصار لهم صوت ومنافذ اعلامية يعبرون من خلالها عن افكارهم وآرائهم ، ومنهم المثقفين على صعيد الأبداع ككتاب وشعراء وفنانين وأساتذه في الجامعات والموظفين ورجال السياسة وضباط الجيش ..

لكن السؤال المطروح هنا هل تمكن المكاريد من التمدن تماما؟.

قد تكون الاوضاع المعايشة قد تحسنت نوعا ما لدى بعضهم , لكن الغالبية , لايزالون يعانون من الفقر , والتخلف, نتيجة انخفاض التعليم , ولايزالون متمسكين بشدة بطباعهم وانتماءاتهم العشائرية ,ولا يعترفون بالقوانين المدنية، ذكر الاخرس تلك الحالة والطقوس الريفية التي جلبها المكاريد الى المدينة في(حكايات من شرق عدن) وقد وصفها بالدستور الصعب التفتيت بسبب تكون الاسلاف العشائرية في قرية حديثة تقع في قلب العاصمة (مدينة الصدر).
اضافة الى ما اورده الاخرس من تصوير للحياة في العاصمة فلدي الكثير من القصص واخرها نقلت لي عن طريق احد اقربائي في مدينة الكاظمية قبل فترة حيث نقلها لي وهو مشمئز وساخر من (المكاريد) قائلا:-
(هذول الشروكية همج و يبقون همج طول عمرهم) وتابع بأن احد المكاريد كان يتمشى ذاهبا الى مكان ما حينما مر من امام منزل احد الكظماويين ولسوء حظ المكرود او صاحب المنزل انه كان هناك عطب في عمود الكهرباء القريب من المنزل بسبب هطول الامطار مما تسبب في صعق المكرود المسكين وموته نتيجة ذلك ، أما ما تلى ذلك هو (هدة عشائرية) على بيت الكظماوي مطالبينه بدفع دية (الميت) ليدفع ابو البيت مجبورا عشرة ملايين دينار ليتجنب (شر العشيرة).

حقيقة ليس غير المتعلمين من المكاريد فقط يحملون تلك القيم, فالكثير من متعلمي المكاريد حاملين لنزعة التعصب الريفي والسلوك العشائري ، والمصيبة الاكبر هي ان بعضهم افسد ريفيته بمحاولاته في التمدن فأمسى ذو شخصية مزدوجة يخالف فعلها وقولها لـ (تضيع المشيتين) مثلما نقول ليكون كائن حامل لسلوك مشوه و مرفوض لدى الريفي ولدى المتمدن ..
نجح الاخرس بفصول كتابه بالرد على علي الوردي و ابناء المدن الذين انتقدوا المكاريد و لم ينصفوهم بتقديم المساعدة لهم وانقاذهم من براثن الازدواجية والمعاناة بتقديم الحلول ، وهو اقرب للواقعية الاجتماعية للمجتمع وابعد ما يكون عن المثالية والطوباوية التي درست المجتمع العراقي سابقا، تمكن من خلالها ابراز الجروح العميقة والمخفية بين مدونات المثقفين وتكلم بكل صراحة ووضوح عن الفوارق الاجتماعية والانتماءات الطائفية والعرقية في المجتمع العراقي..
يقول الاخرس :-
(تحدثت عن سطوة العمام في مدينة بغداد , وأود الان استكمال الموضوع خصوصا انني اعيش في منطقة ينتشر فيها"أعمامي" ويحيطونني بحزام من "الزلم" يجعل ظهري أشد من الحديد. كيف لا وهم مستعدون لنصرتي في الحق والباطل , والوقوف معي في السراء والضراء حتى انني استطيع بمكالمة هاتفية واحدة ملء بيتي بهم دون أن اضع في خاطري مشاغلهم وخصوصيات يومهم.
الحق ان سكن الاعمام والاخوة في منطقة واحدة , واحيانا في دربونة بعينها, يعيدك من فورك الى تلك الانتقالات والهجرات الكبرى التي غالبا ما تبدل خرائط المدن. اعمامي مثلا كانوا انتقلوا معا من العمارة الى بغداد والديوانية والعزيزية .
وفي بغداد تحديدا سكنو صرائف" الشاكرية" و "خان حجي محسن" قبل ثورة الرابع عشر من تموز , بعد ذلك توزع أغلبهم في قطاعات " الثورة" الصدر حاليا وحي "جميلة" ومدينة "الهادي" التي سميت بعد ذلك " الحرية"
وفي الثمانينات والتسعينات والالفيات بدأت بعض العوائل "تترقي" لتنتقل الى " حي اور" ثم الى مناطق أرخصك"الجمعيات" و"سبع البور" و"الشيشان" وهي مناطق متجاورة تسمح ب"لم" الاعمام بسرعة قياسية أذا ما حدث طارىء ,عركه, فاتحه , عرس... الخ
هذا الامر , في الواقع لا يتعلق بعشيرة دون أخرى بل انه يعم جميع العشائر التي نزحت. ولو اجرى باحث اجتماعي مسحا لحركة هذه العوائل اثناء انتقالاتها لأكتشف بيسر انها تتحرك بمنطق السلف وليس بمنطق المدينة. فالبيوت متقاربة لدرجة فقدان الخصوصية , والانتماء لهذة" اللمة" يسبق أي انتاء أخر ).
وكتب ايضا
( أسوء ما في منظومة العشائر التي لا يزال أغلبنا يعيشون في كنفها هو الاصرار على مقاومة الحداثة وعدم السماح لها بتحطيم الياتها العميقة ).
وتطرق الاخرس ايضا في هذا الفصل الى حالة صراع الهويات والمحاولات في تذويب الهويات الفرعية وماتسببة من مشاكل حيث قال :-
(ما دمت قد تطرقت لعشائرية المجتمع العراقي فلن أكون ماترا اذا قلت ان هذه المنظومة لا تختلف عن أي ايديولوجيا نحال تعريتها بألف لسان ولسان. هي لا تختلف عن الماركسية ولا عن القومية و لاحتى عن الايدلولوجيا الدينية المتطرفة فجميع هذه الأفكار الشمولية أنما يراد بها تذويب انتماءات "ثانوية" ما وتعلية مفهوم الامة .
قد تظهر الأمة بشكل حزب يضم في عباءتة الكادحين من كل الاعراق والالوان وقد تظهر بشكل دولة قومية تقوم على الغاء الافراد وسحقهم من بوتقتها لكن الامر لا يخرج عن المنطق نفسة , صهر الفردية في قدر هوية استعارية زائفة على قول الحداثيين .
انه صراع هويات رافق الانسان منذ الاف السنين و لايزال يتجسد بهذه الطبقة أو تلك. اقول هذا وانا اتذكر مئات النتف الايدلوجية التي تنطبق على العشائرية بالرغم من اننا لم نر في حياتنا منظر او مفكرا تحدث بأسم الاخيرة او وضع لها اطارا فكريا كما يجري مع فكرة القومية او النظرية الماركسية)..



---------------------------
١* كتاب شخصية الفرد العراقي ، كتاب دراسة في طبيعة المجتمع العراقي ، دراسة اجتماعية في تاريخ العراق.

٢* ان الريف بيئة مفتوحة وزراعية وقليلة السكان كبيرة المساحة غير مبلطة بالأسفلت قريبة على مصادر المياه التي تعتبر التربة وسيلة ممتازة للتخلص من النفايات البشرية التي تتكون من مواد عضوية سهلة التحلل في التربة على العكس من المدينة التي من اهم مشاكلها هي النفايات غير العضوية و العضوية ومياه الصرف الصحي لذلك نجد ان ابناء المدن يهتمون كثيرا بمسألة النفايات وطريقة التخلص منها وقد وضعوا لأنفسهم انظمة وطرق وسلوك للتخلص والحد من تجمعها ، لكن ابن الريف غير متعود على تلك الانظمة فهو يأكل ويرمي نفاياته في اي مكان بسبب تعوده على البيئة الريفية فهو في الريف لا يضع طعامه في اكياس بلاستيكية وان التربة المتوفرة في الريف تسهل كثيرا في طمر نفاياته السهلة التحلل وابن الريف متعود على استخدام الخلاء للتغوط والتبول لكنه عانى كثيرا حينما دخل المدينة و قد نراه يتبول على حائط في الشارع او يجلس في احدى الزوايا للتغوط دون اي خجل ، كل هذا بسبب عدم ادراك قوانين ابناء المدينة السلوكية واحتفاظه بطباع الريف..

٣* غالبا ما يكون الصراع مع ابن عشيرة نتيجة ثأر او سرقه او على مياه السقاية او ما شابه .

٤* اعتقد ان هذا يعود للطباع الريفية البعيدة عن التدوين والقريبة من التداول الشفهي للأفكار ولأنهم منبوذين على مدى عقود لذلك لن يستمع لهم ابناء المدينة و الكتاب هو افضل وسيلة لفتح قنوات الحوار والتفاهم وقد يكون اول وثيقه تبشر بالهدنة القادمة بين المكرود والحضري .



#مصطفى_الصوفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع مكاريد الاخرس (ذكرياتي عن المكاريد).
- مع مكاريد الاخرس( المكَاريد في تكريت).
- مع مكاريد الاخرس( هل ليلى مكَرودة؟.)
- السيد المسئول جاسب المجيد حفظة الله ورعاة
- حَدَوث و عُربان
- الحريق العربي
- لصوص الانسانيه
- المُستلحد العربي
- اسطورة بغدادية. قصة قصيرة
- كفخة بلجن تصحون يا ال طوريج وال العوجة
- تقبل الاخر يا صاحب الدين
- دع الاخره لما تؤمن به
- دجلة دمنا وفرات دموعنا..(وطن)
- فلكلور المتثيقف
- دجلة دمنا وفرات دموعنا
- الأمن الجامعي ....حلاقين
- بحيرة الفكر
- رجال أصل الشرور
- للناقد أم للبسيط ؟
- فلتر للترشيح


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - مصطفى الصوفي - مع مكاريد الاخرس (بين الوردي و الاخرس ).