أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد قليج - الثورات الشرق أوسطية وأفول التقيَّة السياسية















المزيد.....

الثورات الشرق أوسطية وأفول التقيَّة السياسية


أحمد قليج

الحوار المتمدن-العدد: 4039 - 2013 / 3 / 22 - 18:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"لا أقول إلا ما أعتقد أنه حق، لكني لا أصرح بكل ما أعتقد أنه حق" ديكارت.
إرتبط امتهان السياسة والفعل السياسي كصورة ذهنية لدى مجتمعاتنا، بالمقدرة بل وحتى الموهبة في الكذب، ولذلك مبرراته التاريخية والموضوعية المتمثلة بطبيعة أنظمة الحكم التي سادت، منذ نشوء الدولة في الشرق الأوسط، وأخرى منبعها ميل مجتمعاتنا للتنميط؛ كأيسر السبل لتعريف الآخر والأشياء؛ لكن لما نكذب؟ ربما لأننا خائفون! التعليل الأكثر وجاهةً لفعل الكذب، هو خوف من ضرر أو اجتنابٌ لعقاب أو طمعٌ بمكسب؛ ومثلما يكذب الفرد قد يتحول الكذب إلى فعل جمعي، تمارسه جماعة متجانسة في هويتها، عقيدةً أو انتماءً، نتيجة تجارب تاريخية مرت بها الجماعة (العقل الجمعي)، أو مسببه تخطيط من ساستها وقادة رأيها.
بُرِّر فعل الكذب في البدايات الأولى للإسلام في ظرف مفترض ، له شروطه المحددة وأصطلح بالتقية؛ والتقية تُعرَّف حسب العلامة المظفري بأنها "من الوقاية، فهي جنةٌ تدرأ بها المخاوف والأخطار؛ أي أن الغرض من التقية أن يحافظ المرء على عرضه وماله مخافة عدو؛ فيظهر غير ما يضمر، وتظاهرٌ بما ليس هو حقيقة"؛ وقد أجمع علماء الإسلام على جواز التقية مستندين على عدد من الآيات والأحاديث، أدلها حادثة كفر عمار بن ياسر تحت آلة تعذيب زعماء قريش والآية التي نصها: (من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً، فعليهم غضبٌ من الله ولهم عذابٌ عظيم)"سورة النحل/106".
وإن كانت تلك هي المحددات البكر لاستخدام التقية؛ غير أنها فيما بعد تحولت إلى نهج تسرب إلى العقل الشرقي، ومورس على المستويين الفردي والجماعي ، وترسخ كأسلوب ونهج ،ولذلك أسبابه لعل أكثرها طغياناً، أن أنظمة الحكم "الخلافة الأموية- العباسية"، وما تلاهما من الممالك وإمارات الشرق الأوسط، كانت لا تسمح بالنيل من عرش الحاكم "الخليفة- الأمير- الملك- السلطان- الوالي" بمعنى غياب أي متنفس للفرد للاقتراب من الذوات الحاكمة، فلجأت الرعية إلى إبطان مواقفها منهم خوفاً من العقاب، وفي الملأ كانوا يحمدون بأسماء ملوكهم وسلاطينهم تجنباً لسياط الحاكم؛ وأيضاً قُمعت التيارات الفكرية المختلفة فظهرت الفرق الباطنية التي مارست التقية خوفاً من أشكال التنكيل التي قد يتعرضون لها، وهنا انقلبت التقية إلى نهج سياسي وفكري، أي صارت التقية سياسية بشكلٍ أو آخر.
ولم يحد العقل الشرقي عن التقية السياسية مع ظهور الدولة الحديثة في المنطقة، فجلُّ أنظمة الحكم التي سادت دول المنطقة، كانت ذات توجه شمولي؛ قمعي أفرزت أعتى الديكتاتوريات التي بثت وأشاعت ثقافة الخوف والارتياب بين محكوميهم؛ مما دفعت الإنسان في دولنا للممارسة التقية السياسية بحدة، وعلى أكثر من مستوى، فمثلما كان أفراد المجتمع يمارسون التقية على الديكتاتور وزبانية نظامه بسبب الخوف، كانوا يمارسونها فيما بينهم حتى مع أقرب الناس عضوياً إليهم، مندفعين بشيوع الارتياب حتى بين أبناء القرية أو الحي الواحد؛ وما تعليق صور الأب الخالد- الأخ القائد في المحال التجارية؛ الهتاف بأعلى صوت في المسيرات المليونية؛ التزاحم بحماس على صناديق الإقتراع للتصويت بنعم... سوى صور تراجيدية لواقع عاشه كل فرد منا، أو تأملها من نافذة تمرده بألم؛ في رواية "عام 1984" لجورج أورويل، والتي يصور فيها مجتمعاً يحكمه نظام شمولي، قمعي، يستخدم عبارة "التفكير المزدوج" والتي مهامها شديدة التشابه بالتقية؛ يتحدث أورويل كيف أنَّ الفرد في أنظمة الخوف والرعب، يُدرب منذ إستنشاقه أولى ذرات الأوكسجين على تعلم و إتقان "التفكير المزدوج"؛ أي أن يتكلم بحب عن الأخ القائد ويتدرب ليحمل صوته كامل نبرات الصدق؛ وفي الداخل أن يلجم ويستحي من صوته المشكك بالنظام ورأسه الحاكم!.
وكما يمارس المجتمع المقموع التقية السياسية على حاكمه، يستخدم الديكتاتور أيضاً تكنيكات التقية، وإن اختلفت الأسباب والأهداف؛ ففي سوريا مثلاً قدم نظام الأسد نفسه على أنّه علمانيٌ؛ وطنيٌ؛ مقاومٌ؛ ممانعٌ... - وإن انطلت التقية هنا على جزءٍ كبير من الشعب أربعة عقود-، لكن فجأة استفاق مصدقو تقية الأسد، على الوجه الطائفي لنظامه؛ وعلى حقائق أخرى كثيرة.
إن كانت التقية السياسية التي عاشتها مجتمعاتنا في ظل الأنظمة القمعية، تشكل أقبح أشكال النفاق والبؤس؛ فإن المفهوم الواسع للثورة – أية ثورة كانت- لا بد أن تحمل قيم البراءة؛ وأولى شروط البراءة الصدق؛ فالثورة تعبيرٌ عن حالة جماهيرية عاطفية قبل كل شيء؛ والثورةُ لتكون ثورة لابد أن تأتي بنقيض المثار عليه.
إن من أهم مفرزات الثورة في سوريا هو تجاوز التقية السياسية، وتقديم كل المكونات الاجتماعية لتصوراتها عن سوريا المستقبل حتى أكثر التصورات تطرفاً في نظر هذه الجهة أو تلك؛ "فالمجتمع السوري" كان غارقاً في التقية السياسة وعلى كل المستويات، وتمارسها كل التكوينات المجتمعية السورية "طائفية-قومية"، وإن بدرجات متفاوتة؛ فالكُرد كانوا أقل التكوينات التي مارست التقية السياسية في وجه نظام البعث؛ لأنهم على أقل تقدير في برامج أحزابهم السياسية –المتوافقة مع جلِّ خطاب الفرد الكردي- كانوا يظهرون عدم رضاهم ومواقفهم المعارضة لنظام الحكم في شكله وأدواته وممارساته.
غير أن الكُرد كانوا متهمين بأنهم يمارسون تقيةً من شكل آخر؛ أذكر في حوار لي مع شاعر عربي عام 2008، حول هل الكُرد سوريون أم كُردستانيون، صاغ الصديق العربي اتهامه بالصيغة الآتية:"لقد ناقشت كل قيادت الأحزاب الكردية، كلهم يكذبون؛ كلهم يحلمون بكُردستان"؛ يمكن سوق عشرات الأمثلة على صيغ اتهامية للكُرد بأنهم يمارسون التقية بشأن سوريتهم؛ حتى في خضم الثورة تستمر المطالبات للكُرد بإثبات سوريتهم!.
مع بداية الثورة في سوريا ظهر توجهان في الشارع الكُردي؛ توجه مضى في محاولة جاهدة لإثبات سوريته، وأنه لا يمارس تقيةً بشأنها (يمكن العودة لصور أولى مظاهرات الشباب الثائر ضد نظام الأسد، لتجد ضخامة العلم السوري –علم النظام- وقلة الأعلام الكُردية ورفعها على إستيحاء)؛ وخط آخر مضى في طريقه لتجاوز التقية السياسية، بالتأكيد على الهوية الكُردية لأنها حقيقة الإنسان الكُردي؛ وجعلها منطلقاً لبناء أي موقف سياسي –رغم وقوع هذا الخط في بعض المطبات غير أنه من الباكر والمجحف للموضوعية الحكم المطلق على ما سيَنتُج عن هذا النهج-؛ فسوريَّةُ الكُردي مشروطة بتراكم تاريخي وبعقد اجتماعي جديد يعيد للكُردي الرغبة في الانتماء لسوريا بصدق.
إن من أهم مؤشرات تجاوز الكُرد للتقية السياسية، بروز مصطلح "غرب كُردستان" كحقيقة جغرافية وتاريخية، والذي على كافة التيارات السياسية الكُردية أن تتبناه بديلاً عن مصطلح "المناطق الكردية- المناطق ذات الغالبية الكُردية"إن رغبوا تجاوزاً صريحاً للتقية السياسية.
ولا يجب هنا أن يُفهم على أنَّ المطلوب من السياسي الكُردي أن يكون راديكالياً، لا واقعياً، إنما الإشكالية هي في خطر دفع المجتمع الكُردي كاملاً لممارسة التقية السياسية في هواجسه وهويته؛ فللسياسي الكُردي الحق كلُّ الحق في المناورة والواقعية، لكن لابد لكل شيء أن يبنى على حقيقة الهوية الكُردستانية للإنسان الكُردي، وعلى الآخر –الشريك- أن يتقبل العقل الجمعي الكُردي وأحلامه ومشروعه، مثلما يُرحب الكُردي بتجاوز كل تكوينات المجتمع السوري للتقية السياسية؛ وعلى الجميع أن يتقبل تصورات الجميع عن نظام الحكم والعقد الاجتماعي الجديدين، " دولة مدنية؛ دولة علمانية؛ لامركزية سياسية؛ فيدرالية؛ إدارة ذاتية؛..." فلا شيء مقدس ولا شيء يقيني بعد كلِّ هذه الدماء؛ إذ "ليس لنا البكاء؛ ولا الرثاء؛ ولا الكراهية؛ بل الفهم" على حدِّ تعبير سبينوزا.



#أحمد_قليج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات الشرق أوسطية وأفول التقيَّة السياسية


المزيد.....




- انتشر بسرعة عبر نظام التهوية.. لحظة إنقاذ كلاب من منتجع للحي ...
- بيان للجيش الإسرائيلي عن تقارير تنفيذه إعدامات ميدانية واكتش ...
- المغرب.. شخص يهدد بحرق جسده بعد تسلقه عمودا كهربائيا
- أبو عبيدة: إسرائيل تحاول إيهام العالم بأنها قضت على كل فصائل ...
- 16 قتيلا على الأقل و28 مفقودا إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة ...
- الأسد يصدر قانونا بشأن وزارة الإعلام السورية
- هل ترسم الصواريخ الإيرانية ومسيرات الرد الإسرائيلي قواعد اشت ...
- استقالة حاليفا.. كرة ثلج تتدحرج في الجيش الإسرائيلي
- تساؤلات بشأن عمل جهاز الخدمة السرية.. ماذا سيحدث لو تم سجن ت ...
- بعد تقارير عن نقله.. قطر تعلن موقفها من بقاء مكتب حماس في ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد قليج - الثورات الشرق أوسطية وأفول التقيَّة السياسية