أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا ننادي بثقافة التغيير؟















المزيد.....

لماذا ننادي بثقافة التغيير؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1161 - 2005 / 4 / 8 - 12:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-
التغيير سُنّة الحياة.

ولو لم يكن هناك تغيير لما كانت هناك حياة أصلاً.

فلا يوم شبيهاً بالأخر في حياة الانسان.

وأنت لا تستطيع أن تشرب من نفس ماء النهر مرتين.

والتاريخ الانساني كله سياسياً واجتماعياُ واقتصادياً وثقافياً صفحات متغيرة. وحتى عندما يعيد التاريخ نفسه، فإنه لا يعيده كنسخة كربونية طبق الأصل، ولكنه يعيده بمنطق وموازين وشروط وقيم اللحظة التاريخية التي تمت فيها الإعادة، وهي شروط وقيم متغيرة دائمة بتغير الحياة وشروطها وقيمها.

يُطلق المؤرخون على بعض الحركات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بأنها حركات تاريخية، في حين أن الحركات الأخرى تمر مروراُ عابراً في تاريخ البشرية دون أن تترك أثراً يُذكر في حياة الشعوب التي شهدتها. ولعل السبب الرئيسي وراء اطلاق صفة "حركة تاريخية" على حركات معينة حدثت في التاريخ، هو ما جاءت به هذه الحركات من تغيير شامل ، أو جزئي للشعوب التي تلقتها، وتأثرت حياتها بها. فالحركة والحراك والتحرك يعني الانتقال من مكان لآخر، ومن زمان لآخر، والانتقال هو التغيير وتبديل المواضع والقيم.

فلا "حركة تاريخية" حقيقية دون تغيير.

والتغيير هو المستقبل وليس الحاضر فقط، بل هو الماضي أيضاً.

فالتغيير هو العملية التي من خلالها يقتحم المستقبل حياتنا. فلا مستقبل بلا تغيير. و"صدمة المستقبل" هي التغيير السريع في وقت قصير على حد تعبير ألفن توفلر.

والتغيير يمسُّ الحاضر كما يمسُّ المستقبل. فمن أجل الاستمرار في الحاضر لا بُدَّ من التغيير، وإلا فإننا سنصبح ضحايا التغيير ما لم نتغير. والمستقبل المنظور هو الذي يأتي بالتغيير. فقد قال سقراط: "هناك نوعان من الوجود: مرئي متغير، وغير مرئي غير متغير".

والتغيير يمسُّ الماضي أيضاً. فالتغيير هو الذي يعيد قراءة ثوابت الماضي قراءة جديدة، ويحوّل جزءاً منها إلى متغيرات على ضوء متغيرات الحاضر وتطلعات المستقبل.

الذين يخافون من التغيير هم الذين يخافون من الموت، في حين أن كل شيء يتغير، ولكن لا شيء يموت.

والخائفون من التغيير يعتقدون أن التغيير يعيق التقدم، في حين أن التغيير لا يتطلب تقدم في رأي البعض، ولكن لا تقدم بدون تغيير.

والخائفون من التغيير هم الخائفون من ازدياد أعدائهم. فقد قال الرئيس الأمريكي السابق ودرو ويلسون (1856-1924) في خطبة له في العام 1916: "اذا أردت أن يكون لك أعداء كثر فحاول تغيير شيء ما".



-2-



الرسالة الإسلامية من ضمن الرسائل الإنسانية التي نادت بالتغيير ودعت إليه. بل إن الرسالة الإسلامية هي بحد ذاتها رسالة تغيير ديني واجتماعي واقتصادي وثقافي وأخلاقي. ولعل مجموعة القيم الجديدة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي جاءت بها الرسالة الإسلامية، والتي بها غيّرت وجه التاريخ ووجه العالم منذ مطلع القرن السابع الميلادي وحتى الآن لبرهان كبير على أن الرسالة الإسلامية كانت حركة تغيير تاريخية شاملة نقلت العرب في مطلع القرن السابع الميلادي من طور القبيلة إلى طور الأمة، ومن طور القرية إلى طور الدولة، ومن طور الأعراف إلى طور القانون (الميزان والقسطاس)، ومن طور الكفر إلى طور الفكر، ومن طور الثبات الذي كان متجسداً بشكل كبير في عبادة أحجار الأصنام الثابتة غير المتحركة إلى طور التغيير.

والرسالة الإسلامية كباقي الرسالات السماوية كانت مختلفة في خطابها للتغيير عن الرسالات الأرضية.

فالرسالات السماوية ومن ضمنها الرسالة الإسلامية نادت بالتغيير السلمي؛ أي تغيير النفس دون قتل النفس، كأخذ العسل من الخلية دون قتل النحل، وكما تأخذ النحلة الرحيق من الزهرة دون قتل الزهرة. في حين أن كثيراً من الرسالات الأرضية التي جاءت على شكل ثورات سياسية ، أو اجتماعية كانت في معظم الأحيان تزيل النفس بدل أن تزيل ما بها، وتغير الأنفس بدل أن تغير ما في داخل الأنفس.



-3-



إن الإسلام كحركة تاريخية كبرى، غيّرت وجه التاريخ الانساني ليس على المستوى السياسي فقط ولكن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، لم يكن هدفه التغيير ولكن التغيير كان هو الإسلام.

فالإسلام منذ اليوم الأول لظهوره كان حركة تغييرية بدءاً من قول القرآن: (إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، أقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم) ففي سورة "العلق" وهي من أولى السور التي جاء بها القرآن نرى تلخيصاً كثيفاً ودسماً لمعنى خطاب التغيير الذي جاء به الإسلام.

فهذه السورة أقرّت مبدأ تغيير فكرة الخلق. وقالت بوجود خالق واحد خلق الانسان من علق. وهذه السورة أقرّت بأن علم الله وعلم البشر يجب أن يكون بالقلم (الفكر) وليس بالسيف. والعلم والتعلم هو تغيير بحد ذاته من الجهل إلى المعرفة، ومن الظلام إلى النور. وفي هذه السورة رسالة في غاية من الأهمية، وهي أن التعلم بالقلم هو قمة من قمم الحضارة البشرية. وأن الردة إلى الجاهلية عندما يحلُّ السيف محلَّ القلم في التعليم والتعليم ومخاطبة الآخر ومحاورته وحلِّ الخلافات معه. كما أن هذه السورة أقرّت بأن الدين الجديد دين تعليمي وليس دين قهري وقسري. وأن الطريق إلى التغيير لا يأتي إلا بالتعلم والتعليم وليس بسلاح العنف. فكانت سورة "العلق" سورة التغيير بالقلم وبالعلم.

كذلك جاءت سورة الانفال، تبشّر بالتغيير السلمي وبالثقافي، وذلك عن طريق إحقاق الحق (التغيير) بالكلمات، وهي أعلى أساليب التغيير رقياً ورفعةً (ويريد الله أن يحقَّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) (الآنفال، آية 7) ، و(ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون) (يونس، آية 82)، وكذلك ( ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته) (الشورى، آية 24).

وتبع هذه السورة سور وآيات كثيرة في القرآن تقول بالتغيير السلمي والحضاري الذي كانت شروطه وقوانينه تتلخص فيما يلي:



1- أن التغيير في أي مجتمع يجب أن يبدأ من الإيمان بالتغيير نفسه، وبدون هذا الإيمان لن يتم التغيير ( يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به) (الأحقاف ، أية 21) وداعي الله هنا هو دعوة التغيير الشاملة التي جاء بها الإسلام.

2- أن التغيير السلمي الحضاري المتمثل بالتفكير وإعمال العقل في النفس، هو منهاج الإسلام في التغيير. (أولم يتفكروا في أنفسهم) (الروم، آية 8).

3- أن التغيير في الحياة العامة من نظم وقوانين ونواميس لن يتم إلا إذا غيّر الانسان قناعاته وافكاره ومنهاج حياته ( أن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم) (الرعد، أية 11). وهي الآية التي لاقت صداها في الفكر الغربي، وأيّدها كثير من فلاسفة الغرب وحكمائه. فقال ألفن توفلر: "مسؤولية التغيير تقع علينا. وقال جيم ولز: "العالم لن يتغيّر ما لم نتغيّر نحن". وقال أوسكار وايلد: " أن الذي يغيّر العصر هو نحن وليست المبادئ". وقـال لودفيـج وتنجتشاين (1889-1951): "أن أهم ما في التغيير هو تغيير سلوكياتنا". وقال هنري ثورو (1817-1862) : "الأشياء حولنا لا تتغير، نحن الذين نتغيّر".

4- أن هناك تغييرين: التغيير الأصغر والتغيير الأكبر. التغيير الأصغر يبدأ حين تبدأ تزكية النفس البشرية؛ أي تطهيرها بالإيمان وهذا هو التغيير الأصغر. وعندما تتطهر النفس تصبح قابلة للتغيير الأكبر وهو تغيير المجتمع كله. يقول عزَّ وجل: (قد افلح من زكّاها) ( الشمس، آية 9). ويقول (قد أفلح من تزكّى) (الأعلى، أية 14) ، والفلاح هنا هو نجاح قيام التغيير الأكبر الذي يتبع التغيير الأصغر وهو التزكية. والله يوجه كلماته إلى فرعون الذي طغى ورفض دعوة التغيير ويخاطبه بقوله: (هل لك إلى أن تزكّى، وأهديك إلى ربك فتخشى) (النازعات، آية 18،19). وهذا يعني أن لا مجال لأن يُغيّر فرعون واقعه السيئ ويهتدي إلا إذا بدأ بنفسه فزكّاها، وهذا هو التغيير الأصغر لكي ينتقل إلى التغيير الأكبر وهو تغيير واقع مجتمعه السيئ.

5- أن التغيير على الأرض هو من صنع الانسان بالدرجة الأولى، وأن دور الله في صنع التاريخ يأتي بعد دور الانسان (ذلك بأن الله لم يكن مغيّراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الأنفال، آية 53).

6- أن التغيير هو طريق الرُّشد الذي نادى به الإسلام. والرُّشد خلاف الغي؛ أي الاستقامة على طريق الحق. وهو هداية تغيير اليقينات السابقة. والإسلام أراد أن يقيم الرشد بالرُّشد؛ أي أن يحدث التغيير السلمي العقلاني بالفكر والخطاب. لذا، فقد ركّز على كلمة الرُّشد وذكرها في القرآن في أربع سور: "الأنعام"، و"الشعراء"، و"مريم"، و"فاطر".



#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عودة الوعي السياسي الفلسطيني: -حماس- أنموذجاً
- البغدادي وتجديد الفكر الديني
- محنة العقل العربي: البغدادي أنموذجاً
- الإرهاب الحلال والإرهاب الحرام!
- هند وأحمد وبينهما لينا النابلسي - إن أردتم!
- ماذا بعد -الاستقلال اللبناني الثاني- ؟
- كيف يغسل الأردنيون عارهم بالعراق؟
- عار أعراس الدم الأردنية
- لماذا تحوّلنا إلى تيوس ننطحُ الصخرَ ؟
- بورقيبة ينهض من قبره
- أسطورة الحريري في الحياة والممات
- شمس العراق تسطع على لبنان ومصر
- الملك عبد الله والإعلام الظلامي
- الدرس المفيد من العراق الجديد
- من فلسطين بدأ الإرهاب ومنها ينتهي
- الحب في زمن الإرهاب
- لماذا لا ينضم العراق إلى الإتحاد الأوروبي؟!
- الإصبع العراقي: لله وللحرية
- أولويات العراق بعد الانتخابات
- العراقيون يؤدون الأحد صلاة العيد!


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاكر النابلسي - لماذا ننادي بثقافة التغيير؟