أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - البيات أو عسس الليل.














المزيد.....

البيات أو عسس الليل.


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4037 - 2013 / 3 / 20 - 12:47
المحور: المجتمع المدني
    


البيـــــــــات
كما وعدت في ختام مقالتي السابقة "حارس العمارة "الكونسيارج" ها أنا ذا أفي بوعدي وأحاول إعطاء نظرة، ولو تقريبية عن نوعية أخرى من العسس أو الحراس، التي تجوب الطرقات ليلا، سهرا على تأمين الناس و ممتلكاتهم و الحفاظ على النظام من انتشار صولات المجرمين واللصوص التي باتت تزعزع الأمن وتقض مضاجع المواطنين جميعا.
وهو "البيات"، بتشديد الياء، والذي لا أعني به هنا، البَيات الشتوي: تلك الحالة التي تعين بعض النباتات أو الحيوانات على تمضية فصول البرد القارسة، في سكون أو نوم، كما لا أقصد به، ذلك المقام الموسيقي الأكثر استخداماً في الموسيقى الشرقية، والذي يصدح بمختلف مواويله وطوارقه الشعرية، الكثير من قدماء العرب على ظهور إبلهم في أسفارهم وترحالهم، والمسمى بـ "مقام البيات"، كما أني لا أقصد به Bilal Biat "بلال بيات"، لاعب كرة القدم المغربي، الذي يلعب في موقع المهاجم في صفوف النادي القنطري.
وإنما أقصد ب"البيات" أو "رجل العسة" الحلقة الأساسية في نظام العسس الذي كان معمولا به قبل سنوات، إلى أن تم الغاؤه لتحل مكانه ما يعرف بـ"الدوريات" المخزانية والشرطة.. ذلك الرجل المهيب بهيئته ورخامة صوته، الذي يصحو عندما ينام الحي ويظل مستيقظاً، يجوب الشوارع طوال الليل الساكت ،يحرس المنازل والممتلكات ، ويستطلع الأسواق التجارية في العتمة المظلمة، ويتابع حركة الناس، متفحصا وجوه الغرباء في الأجواء الباردة، حاملا في يده اليمنى عصاه الغليظة، وفي الأُخرى مصباحه الكشّاف..
ف"البيات"، تلك الشخصية الممتهنة لمهنة "البياتة" التي عايشها جيلي بكل دلالاتها المترامية عبر فضاءات مدن المغرب عامة، وعرفتها أنا عن قرب في حيي "فاس الجديد" خاصة، والتي لم يهتم -مع الأسف الشديد-الكثير من المؤرخين والكتاب بالتأريخ لها كمهنة شبه منقرضة، ولم يتطرقوا في كتاباتهم لتفاصيل حياة من امتهن حرفة "البياته"،لا من قريب ولا من بعيد، من حياة هؤلاء البسطاء والمهمشين، التي اختلطت فيها الواقعية بالخيال، رغم رتل المعلومات المثيرة التي تلقي الأضواء الكاشفة على منعطفات نشاطاتهم المحورية في محيطهم، التي جعلت منهم -في زمن ما-أبطالا حقيقيين، بما وفروه من السكينة، ومنحوه من الطمأنينة لسكان الأحياء الشعبية، التي ألف أهلها، أزيز صفارت "البياتة" الذي لا ينقطع طوال الليل معلنةً عن وجودهم المستمر، واستيقاظهم الدائم.. وتركوا مهمة التأريخ لسرد أهالي الأحياء وما يرون عن "البيات" من معلومات موجزة، مشفوعة بمصادر شهود العيان، ومعززة بدعائم من الحكايات والقصص المسموعة، ومن والقائع و الأحداث والقرائن و مقتضيات أحوال التي جرى استدعاؤها كليا من الذاكرة، دون استناد إلى مدونات مكتوبة ،أو وثائق مدونة، كتلك القصص التي تتداول صفحات الذاكرة الشعبية، عن شخصية قائد "البياتة" كبير العسس، الماثلة للعيان، الفاعلة فى محيطها الحاضرة في حياة الناس المتلاطم، يُغالب موجاتها وتغالبه، تدافعه بسنن التغيير الغاشية و يُدافعها بحنكة الشيوخ العاتية. أو تلك الروايات التي تحكي عن عمل "البياتة" ورجال العسة، الذي يبدأ، في الغالب الأعم، مباشرة بعد انقضاء صلاة المغرب، لكن عملهم الحقيقي يبدأ رسمياً مع توقف حركة الشوارع والدروب، حين "تُقطع الرجل" كما يقال بالدارجة المغربية، أي عند "انكفاف القدم" بالعربية الفصحى، حيث كان "البياتة" ساعتها ينخرطون في شوارع و"دهاليز" الحي الغارق في الظلام الدامس، ويشرعون في الكشف عن الجرائم والمجرمين، وإيقاف أي متجول وسؤاله عن سبب خروجه في هذه الساعة المتأخرة، معتمدين في ذلك، على مخزون الفطنة والخبرة والفراسة لديهم، دون حاجة، في الغالب، إلى حمل أي سلاح، عدا قواهم الجسمانية، وعصيهم الغليظة، وصفاراتهم الرنانة، ومصابيحهم الكشافة، إلى جانب معرفتهم الدقيقة بمسالك ودروب الحي، وسرعتهم في الجري عند ملاحقة أي هارب -الذي يساق، عند الامساك به، إلى مركز المخازنية او الشرطة- إلى جانب ما ترسخ في مجتمعنا من قوة الرابطة العصبية، وما ترسب فيه من حب التعايش السلمي وفطرة نبذ الجريمة والرذيلة.
وقد عرفت الدولة الإسلاميّة، نظام "البياتة" أو العسس، حراس الليل، كنظام أمني من مهمّته تتبع اللصوص، وأهل الفساد، والذين كان يطلق عليهم في بعض بلاد الشرق اسم بـ"النَواطير" ومفرده "ناطور" وهم حراسُ الزَّرع والعنب، الذين قال فيهم المثل الشعبي الكويتي: "إذا نام الناطور عاث الثعلبُ في العنب". ويقال أن أول من استخدم نظام العسس هو الخليفة أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، حيث أمر بطواف العسس في الليل للحراسة، وأن أول من أسندت اليه هذه المهمة هو سيدنا عبد الله بن مسعود، فهو أول عسّاس في الإسلام، ويعتقد أن أوّل من استن نظام العسس الخليفة "عمر بن الخطاب" - رضي عنه - الذي كان يعس بالمدينة يحرس الناس، وينفض الليل عن أهل الريبة ويكشفهم، ويروي "ابن سعيد المغربي" أنّه كان بالأندلس دروباً تغلق ليلاً، وتحرس بواسطة رجال الشرطة المسمون ب "الدرّابين"، وأنّ كلّ واحد كان معه سلاح وكلب وسراج.
لقد أثبت نظام "البياتة" نجاحه في الكشف والقضاء على العديد من جرائم السطو والسرقة وغيرها من الجرائم الأخرى، التي واكبت اتساع حجم المدن والقرى، بعد أن تم تطويره، وتحويله في أمريكا وأوروبا، وفق آليات متطورة استفادت من وسائل الاتصال الحديثة، إلى برنامج عالمي معروف بنظام "مراقبة الحي السكني -Program Watch Neighborhood- الذي هو برنامج يقوم به نخبة من متطوعي وأصحاب الخبرات من العقلاء ومن المتقاعدين من أهل الحي نفسه، لمساعد جهاز الأمن في مراقبة المنازل داخل الأحياء، وذلك دون مقابل عدى بعض المكافآت التي تقدمها عادةً وزارة الداخلية لأي متعاون من المواطنين، في حال الكشف عن بعض الجرائم، وكان يشترط في التطوع لهذا البرنامج عدم استغلاله في التجسس على خصوصيات السكان.
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حراس العمارات
- إنسانية الطبيب، نصف العلاج ..
- انتحرت فتاة او اغتصبت، وماذا بعد؟؟؟؟؟
- المعتقدات الخرافية ومخلوقات الخفاء !؟
- تفريخ الأحزاب بمغرب اليوم أية آفاق!
- ما الذي يخيف الظلاميين في الحب وفي عيده؟؟
- رد على تعليق
- أحداث ملغومة وكاسدة ومزجاة.
- هل تحرض الفواجعة الحياتية والمآسي الإنسانية على البوح وممارس ...
- مأدونيات غريبة لا يعرفها عنها الكثيرون شيئا، لكنها تدر أموال ...
- لماذا يسرق التراب الأمهات؟؟
- موقف غريب جدااا بمطار القاهرة
- ماذا تريد حواء من بعلها؟؟؟
- قوامة نواب!!!
- قومةنواب الأمة!؟
- الكلاب لا تغتصب بعضها، مثل ما يفعل الإنسان
- الزعامة أو الرئاسة؟
- حكومة تقسيم وتشتيت بامتياز!؟
- القاهرة مدينة مجنونة 2
- حق المدينة وبرج شباط!!!؟


المزيد.....




- بالصور..اعتقال عشرات الطلاب في تكساس بسبب مشاركتهم في مظاهرا ...
- تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني
- شبح المجاعة لا يغيب.. غزيون يشتكون شح السلع وغلاءها
- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - البيات أو عسس الليل.