أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - زاهر نصرت - سلامه موسى في ميزان التقدير















المزيد.....

سلامه موسى في ميزان التقدير


زاهر نصرت

الحوار المتمدن-العدد: 4033 - 2013 / 3 / 16 - 07:54
المحور: سيرة ذاتية
    


لم يختلـف النـاس على كاتب كما اختلفوا على سلامه موسى ، فقد كان سلامه موسى ( ظاهرة اجتماعية ) غريبة في البيئة التي وجدت فيها . وقد ادرك ذلك سلامه موسى نفسه فقال (( اني احس الى حد كبير اني منعزل عن المجتمع الذي أعيش فيه ، لا انساق معه في عقائده وعواطفه ورؤياه )) (1) . ذلك لان سلامه موسى كان مفتوناً بكل جديد ، لا يكاد يقف على شيء منه حتى يجاهر بالدعوة اليه ، ويخالف التقاليد والأعراف ، ولكن دعوته كانت تصدر دائماً عن دراسة وعقيدة ولهذا كان يناضل في سبيل دعواه نضالاً عنيفاً لأنه يؤمن ان (( الآراء الجديدة تصدُ عنها النفس كما تصدُ عن الزي الجديد ، ثم تستحسنه بالمعاودة والالفة )) (2) .
كانت اول دعوة حمل سلامه موسى عبء الذود عنها هي دعوته الى نظرية دارون او مذهب النشوء والارتقاء ، وقد جلبت عليه هذه الدعوة كثيراً من النقد الجارح لأنها كانت دعوة جريئة في حينها ولم يكن العقل العلمي قد تكوَّن في البيئة المصرية بحيث يسمح حتى بمناقشتها والتسليم بها او تقبلها ، ولكن ظلَّ يحمل لواء هذه الدعوة حتى قرَّت عيناه وهو يجد نظرية دارون تدرس في الجامعات شأن غيرها من النظريات العلمية المحترمة .
دعا سلامه موسى الى التصنيع ، أي الى الاخذ بالصناعة بعد ان اثبتت الزراعة عجزها عن ان تقوم بتطوير الامة المصرية المتكاثرة النسل ودعا الى الاخذ بالتعليم الصناعي ورفع من شأن الحرفة اليدوية والعمل الحر بعد ان كان المجتمع المصري ينظر نظرة تحقير الى تلك الفئات حيث سلط سلامه موسى الأضواء في هذا المجال على الهند لأنها نجحت في الصناعة وعلى كل دولة بدأت ولو بمغزل بسيط كالمغزل الذي نشره غاندي في بلاده ، بل ان الخمائر الذهنية الأولى للتصنيع الريفي في مصر يعود الفضل في أصولها الى داعيتها المثابر اللحوح سلامه موسى الذي كان دائماً وراء رواد التصنيع الريفي بقلمه ووجدانه وآرائه .
وكان سلامه موسى داعية للمرأة وحريتها فأيد ( قاسم امين ) وسخر من معارضيه وكتب عن النساء المجاهدات المكافحات المناضلات ، فأثنى على ( هدى شعراوي ) وعلى ( ليليان تراشر ) وعلى كل امرأة خطت بالإنسانية خطوة سواء في مصر او في خارج مصر . ولم يعبأ سلامه موسى بوصف الإباحية التي الصقت به بسبب هذه الدعوة وقد اخذ عدد خصومه يتناقص حتى كاد ينعدم لان المجتمع تقبَّل دعوة تحرير المرأة خير قبول .
ودعا سلامه موسى الى ضبط النسل أي الانتقاء السلالي وذلك بتحريم زواج كل دميم او ناقص التكوين وطالب بالحد من النسل وقاية له من شرور الإهمال والتشرد وتمكيناً من تهيئة أسباب الثقافة والحياة الكريمة الهانئة لجميع السكان وقد اقترنت هذه الدعوة بشقيقة لها هي الدعوة الى مكافحة عيوب الجماعة جميعاً من انحلال في الاسرة وتفكك للروابط العائلية وتشرد للأطفال وفاقة بين السواد وكانت دعوته التي لا يمل من تكرارها هي ( رفع منسوب الحياة بين الناس جميعاً حتى يقارب المنسوب السائد في المجتمعات الأوروبية السعيدة ) .
اما دعوة سلامه موسى الى الحياة الممتلئة فهي دعوة صادرة من رجل كانت حياته ممتلئة طولاً وعرضاً ، رجل ظل في ميدان كفاح الرأي الى ان اوفى على ثلاثة ارباع قرن من العمر ولم يعرف راحة ولا سكينة فكان يدعو الى التمتع بالدنيا وأحسن مُتعها هي الشهوة الذهنية ، وكان يحرَّض الذين في عقدهم الخامس على ان يرتبوا حياتهم على نحو يُذهب عنهم ملل الشيخوخة وهم المرض وخشية الموت وداء بلادة الذهن وبشَّر الذين في الستين او السبعين بأن لهم في الحياة دوراً ينتظرهم وان النهاية لا تزال بعيدة .
اما بالنسبة الى الادب فسلامه موسى لا يفهمه الا اذا كان ادباً ( مرتبطاً ) على حد قوله ، أي مرتبطاً بالجماعـة ملتزمـاً مشاكلهـم وفـي الذود عـن هـذه الدعـوة الجديـدة كتـب سلامه موسى سفـره النفيـس ( الادب للشعب ) ليناوئ به من سمَّاهم ( دعاة الادب الملوكي ) ، وقد نعى على بعض الكتاب والشعراء تغريرهم بالشعب وتملقهم لذوي السلطان ولهذا لم يحفل كثيراً بالمتنبي ولا بأبن الرومي ولا بالشاعر احمد شوقي . ولكن دعوة سلامه موسى الى شعبية الادب كانت متميزة تميزاً قاطعاً عن الدعوة الى غوغائية الادب وفرَّق بين الشعبية والغوغائية . ومما قال في هذا الصدد :
(( ان الاديب الحق هو الذي يجمع بين العمق واليسر فيكتب للشعب ... دون ان يبتذل الادب فيحيله الى ادب غوغاء ورعاع )) (3) .
وقال كذلك : (( اننا نطلب من الاديب ان يكتب للشعب بلغة الشعب المستطاعة ... وان يكون له مقام المعلم المربي وليس مقام المسلي المهرج ، وان تكون له رسالة كما لو كان نبياً يرشد ويعين الأهداف ، ولا يكذب فينافق ويخدع ، وان تكون نظرته إنسانية شاملة وان يزيد حياة القارئ حيوية بالتوسع والتعمق والفهم للكون والدنيا والانسان ، وان يوجد حوله مناخاً تستطيع الحريات ان تحيا فيه وتنمو وتنتصر )) (4) .
ودعا سلامه موسى كذلك الى ما سماه ( بالأدب العلمي ) أي الادب ذي الجوهر والغاية ، لا الادب القائم على الانشاء والصياغة فحسب . وناشد الادباء الا يكتبوا على فراغ او رغبة في تسويد الصفحات ليس الا وطالب كلاً منهم بلهجة التحدي السافر ان يعيَّن هدفه ويحدَّد رسالته في الحياة ويبين قصده من حمل القلم .
ولسلامه موسى دعوات متلاحقة تتناول اللغة العربية في صميمها ، فمن ذلك دعوته الى الكتابة بالحروف اللاتينية وفي اعتقادي ان هذه الدعوة هي اضعف دعاوي سلامه موسى جميعاً وابعدها عن القبول والاقرار ، فالحروف اللاتينية الحالية عاجزة عن ان تؤدي النطق العربي الصحيح ، والاستعانة بها لتقويم وتسهيل القراءة يفسد اللغة ويباعد بينها وبين تراثها فتصبح لا عربية ولا لاتينية .
ودعـا الـى جعـل اللغـة العربيـة لغـة علم لا لغة وجدان ، أي ان تخاطب العقل لا القلب . ودعا الى هجر ( احافير اللغة ) لان اللغة التي تلابس المجتمع هي لغة السوق والمكتب والنادي والكتاب والجريدة ، لا لغة المعجمات التي تصان وتحفظ كما تصان وتحفظ لغة الكهنة في المعابد . كذلك دعا سلامه موسى الـى تهذيـب التعبيرات في اللغة بإبعاد الكلمات ذات الأثر النفسي الهابـط مثـل ( الثأر ) و ( العانس ) و ( الدم ) فلمثل هذه الكلمات ايحاءات وملابسات اجتماعية ضارة ولابد من استبعادها من التداول اليومي حتى لو رحبت بها المعاجم (5) .
ودعا الى ما سماه ( بالأسلوب التلغرافي ) أي قصر الالفاظ على أداء المعاني المحددة دون فضفضة في التعبيرات ودون ترك المعاني عائمة تائهة فهو يرى ان خير أساليب الكتابة هو الأسلوب المباشر المحدّد الذي ينقل رأي الكاتب الى القارئ دون تزييف فيه ودون تحايل او التفاف .
وإذ نلقى اليوم نظرة مشرفة على هذه الدعوات جميعاً سواء منها ما لقى من الجمهور ترحيباً او ما قوبل بالاستخفاف والزراية فالذي لا ريب فيه ان الصفة العامة التي تبرز في هذه الدعوات هي الحماسة في الدفاع وهي حماسة نابعة من عقيدة وايمان لهما عند سلامه موسى معنى دينيٌّ فلسفي عميق . فقد استطاع بشخصيته الفريدة الفذة وحياته المخطوطة في كتبه واسلوبه الذي لا يقوى احد على محاكاته ان ينشئ لنفسه مدرسة من المريدين والاتباع لا يحدها نطاق ولا يحصرها جدار إقليمي .


زاهر نصرت


الهوامش
( 1 ) : تربية سلامة موسى
( 2 ) : الادب والحياة
( 3 ) : الادب للشعب
( 4 ) : نفس المصدر السابق
( 5 ) : البلاغة العصرية واللغة العربية



#زاهر_نصرت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانية ... بين حقائق العلوم وقيم الحياة


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - زاهر نصرت - سلامه موسى في ميزان التقدير