أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - حكايتى مع الدين














المزيد.....

حكايتى مع الدين


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 4030 - 2013 / 3 / 13 - 13:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حكايتى مع الدين
داود روفائيل خشبة

موقفى المبدئى من الدين شرحته فى الكثير من كتبى ومقالاتى، لكن كثيرين من أصدقائى يرونه محيّرا، إذ أنهم درجوا على أن يكون موقف المرء من الدين إما القبول التام وإما الرفض التام. أما أنا فأرفض كل الديانات المؤسسية، وعلى الأخص ما يسمونه عندنا بالديانات السماوية الثلاث، إلا أنى أقرن بذلك أمرين يجد الكثيرون صعوبة فى إدراك انسجامهما مع موقفى الرافض للأديان المعروفة. أول هذين الأمرين أنى أرى أن ثمّة مفهوما للدين نحتاجه وأراه لازما لإنسانية الإنسان، لهذا قلت مرارا إننا نحتاج بديلا للدين وأوضحت مؤكدا أننى لا أطلب دينا بديلا بل بديلا عن الدين، فالدين البديل مهما بدأ ساميا نقيا يكتسب حتما مع مضى الوقت كل أدران وشرور الأديان المؤسسية المعروفة. الأمر الثانى أنى أرى أن الديانات القائمة، بكل ما فيها من مساوئ وسلبيات، وبما أضيف إليها على مدى تاريخها من مثالب ومن حسنات، هى جزء قيّم من التراث الثقافى الإنسانى، فإذا استطعنا أن نتخلـّص من البعد العقائدى فيها وأن ننظر إليها نظرة تاريخية موضوعية باعتبارها إبداعا بشريا، كان ذلك مكسبا للتراث الروحى الإنسانى. وهاكم مثالا جليّا على هذا: إن أحدا فى عالمنا اليوم لا يؤمن بآلهة الأولمپ الإغريقية التى تعجّ بها ملاحم هوميروس Homer وأعمال هيزيود Hesiod وتلعب دورا أساسيّا فى تراچيديات إيسخيلوس Aeschylus وسوفوكليس Sophocles ويوريپيديس Euripides. إن أحدا لا يؤمن بهذه الآلهة اليوم، لكنها دون ريب قد أضافت ثراء عظيما للتراث الفكرى والأدبى فى الغرب. هل يمكن لأحد أن يتصوّر شعر شيلـّر Schiller أو شعر شيلى Shelley وقد خلا من الآلهة والأرباب؟ — هذه الفقرة التى أردتها مجرّد مدخل لموضوعى اليوم طالت كثيرا، فأنا أريد أن أتناول الموضوع فى هذا المقال من زاوية جديدة، أريد أن أحكى حكايتى مع الدين.
وُلِدت لأبوين مسيحيين أورثوذوكسيين طيّبين. قرأ أبى – الذى علـّم نفسه بنفسه – الكتاب المقدّس كاملا بعهديه القديم والجديد. كان يصطحبنا إلى الكنيسة يوم الأحد فإذا عدنا إلى البيت قرأ علينا شيئا من أناجيل العهد الجديد. ونشأنا وقد تشبّعنا بموعظة الجبل (إنجيل متى الإصحاحات 5 – 7، إنجيل لوقا الآيات 20 – 49 من الإصحاح 6)، وبأمثال السامرى الصالح الذى يسعف اليهودى الذى يخالفه فى عقيدته، والزانية التى قال لها يسوع "ولا أنا أدينك". كان هذا هو الدين الذى غرسه أبى فى نفوسنا. وبقيتُ حتى باكورة الصبا أعتقد أن هذه هى المسيحية. لكنى ما لبثت أن أخذت أسائل بعض الركام الذى تلحقه الكنيسة بما كان قد استقرّ فى نفسى من تعاليم المسيح، وكانت تساؤلاتى فى البداية على أساس أخلاقى. استنكرت أوّلا انصياع إبراهيم لأمر ربّه بذبح ابنه (فى التوراة هو إسحق وليس إسماعيل كما فى القرآن)، ثم استهجنت بعد ذلك أن تقترن فى إنجيل متى تطويبات موعظة الجبل المثالية بالوعيد بأهوال الجحيم. كان هذا النفور الأخلاقى كافيا لأن أفقد إيمانى بقدسية تعاليم الكنيسة، حتى من قبل أن أكتشف فى أسفار العهد القديم ما هو أكثر هولا.
ما حدث بعد ذلك كان ذا أبعاد أكثر عمقا. لأسباب متعدّدة كانت دراستى المدرسية متقطعة مضطربة. لكنى أمضيت سنتين من الدراسة الثانوية فى مدرسة يديرها الرهبان الكاثوليك الفرنسيسكيون فى الخرطوم. (أجدنى مضطرا هنا أن أخرج من السياق لأوضح أن نشأتى كانت فى السودان حيث نزح والداى من موطنهما فى صعيد مصر.) كان الرهبان كلهم إيطاليين، لكن راهبة أيرلندية كانت تدرّس لنا الإنجليزية، لا أستطيع مهما قلت أن أكافئ ما أدين لها به. فى نهاية السنة الثانية الثانوية (الثانوية القديمة ذات الأربع سنوات) مُنِحت كجائزة تفوّق كتابا فى اللاهوت Apologetics باللغة الإنجليزية. كان القصد من الكتاب أن يثبت بالاستدلال المنطقى صحّة المعتقدات اللاهوتية المسيحية. وأخذت أقرأ لأكتشف تهافت وسخف كل الحجج المدّعاة لإثبات تلك المعتقدات. وملأت كل هوامش الكتاب وحتى المسافات بين السطور بملاحظات تنتقد وتفنـّد تلك الحجج. وما انتهيت من قراءة الكتاب حتى كنت قد تحرّرت تماما من اعتناق كل تلك الغيبيّات والاختلاقات، التى عرفت فيما بعد أن الكنيسة إن تكن قد ورثت بعضها، مثل حكاية الخلق، من التراث اليهودى، إلا أنها راكمت عليها الكثير على مدى العقود والأجيال فى القرون الأربعة أو الخمسة الأولى من بدء انتشار المسيحية.
لكن رفضى لكل تعاليم ومعتقدات الكنيسة لم ينتهِ بى أبدا إلى رفض كل مفهوم الدين. فإلى جانب تشرّبى التامّ بمثاليات موعظة الجبل، كنت شديد الاقتناع بحاجة الإنسان لحياة روحانية. وكنت فى باكورة الصبا قد أخذت أنشغل بالمسائل الفلسفية وقرأت فى نهم أمهات أعمال فلاسفة الغرب، وفى المكان الأول منها أعمال أفلاطون. وانتهيت إلى قناعة مؤدّاها أننا لا نستطيع أن نصل إلى تصوّر يرتاح له العقل لأسرار الكون والحياة إلا باعتبار أن الخير والعقل هما فى صميم الأصل الأول لكل الأشياء. لم يقبل عقلى أبدا أن تكون المادّة – بأى مفهوم للمادّة – هى الأصل الأول لما فى الطبيعة من تنوّع وما فى الإنسان من إدراك ومن مشاعر ومن توْق للكمال وللجمال. ولذلك فإنى مع رفضى الجازم لفكرة خالق منفصل عن الكون يخلق كونا منفصلا عنه، فإنى لا أرتاح لأن أصف نفسى بأنى ملحد، لأن المفهوم العام للإلحاد يرتبط بفلسفة مادية لا يستسيغها عقلى. ثم أنى أرى ضرورة الإلحاح على حاجة الإنسان لحياة روحانية. فأين نجد هذه الحياة الروحانية؟ نجدها فى الفن وفى الأدب، فى الموسيقى وفى الشعر وفى الفلسفة وفى أساطير الأديان العتيقة بعد أن ندرك إدراكا واعيا أنها لا شىء غير أساطير. وهذا ما أعنيه حين أطلب بديلا للدين لا يكون دينا بديلا.
هذه حكايتى مع الدين وهذه قناعتى التى طرحتها فى كل كتبى وكل كتاباتى حتى كتابى الأخير Quest of Reality الذى بعثت به إلى ناشرى الأمريكى منذ بضعة أيام.
داود روفائيل خشبة
القاهرة، 13 مارس 2013



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود احترام أحكام القضاء
- هل بقى أمل؟
- فى الدين (8) الإسلام
- فى الدين (7) المسيحية
- فى الدين (6) اليهودية
- فى الدين (5) البوذية
- فى الدين (4) الهندوكية
- فى الدين (3) زرادشت
- فى الدين (2) نشأة الدين
- فى الدين (1) كلمة تمهيدية
- الهزل والجد فى أمر تعريب التعليم والعلوم
- عبثية التفاهم مع الإسلام السياسى
- ما العمل؟
- حين نتنازل عن عقولنا
- خطر خلط المفاهيم
- السبيل لتحرير العقل العربى
- مواد الحريات فى الدستور المقترح
- مشكلة الدين
- نقد الدين ضرورة حضارية
- كيف نتحرر من أوهامنا؟


المزيد.....




- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - حكايتى مع الدين