أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - في ذكرى صدور -البيان الشيوعي-















المزيد.....


في ذكرى صدور -البيان الشيوعي-


وديع السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 4030 - 2013 / 3 / 13 - 08:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


1. توطئة تاريخية

لم تكن الأحداث الجارية، والمهام النضالية اليومية، لتنسينا ذكرى من أهم ما كان، ذكرى تهم هويتنا الفكرية والطبقية، ذكرى شهر شباط/فبراير، ذكرى صدور وثيقة "البيان الشيوعي"، بما تحمله هذه الذكرى في نفوس كافة الشيوعيين المغاربة وغيرهم، أنصار الخط البروليتاري والثورة الاشتراكية.
وحيث كان واجبا على جميع الشيوعيين، نبذ وازدراء كل إخفاء لهويتهم، ومبادئهم، وأفكارهم، وأهداف نشاطهم النضالي والطبقي، بما يلزمه من نشر للوعي بالثورة الاشتراكية ومبادئها، في صفوف العمال، وداخل الأوساط الشبيبية والنسائية، داخل الأحياء الشعبية وسط الكادحين والمهمشين وجميع المتضررين من حكم البرجوازية، ومن سيطرة نظامها الرأسمالي كنظام قائم على الاستغلال والاستبداد.. حيث يتلازم الوعي الفكري بالوعي التنظيمي والسياسي، وحيث يستوجب حث الجماهير العمالية على الانخراط أو التأسيس لتنظيماتها واتحاداتها المستقلة، الحزب والنقابة والجمعيات والتعاونيات والنوادي.. وحيث يحظى الحزب كأرقى مستوى في التنظيم، باستقلاليته الفكرية والسياسية والتنظيمية، عن باقي الكادحين والفئات والطبقات الاجتماعية المناهضة للرأسمالية.
في شهر يونيو 1847، وخلال أحد المؤتمرات الخاصة بالعمال الثوريين الألمان، ظهرت إلى الوجود أول منظمة شيوعية ـ رابطة الشيوعيين ـ كأول منظمة بروليتارية تستند للاشتراكية العلمية نقيضة الاشتراكية الطوباية الشائعة آنذاك، معلنة عن أهدافها بوضوح "الإطاحة بالبرجوازية، وسيطرة البروليتارية، وإلغاء المجتمع البرجوازي القديم القائم على أساس تطاحن الطبقات، وتأسيس مجتمع جديد بلا طبقات وبلا ملكية فردية".
لم يحضر ماركس هذا التأسيس، على عكس انجلز الذي كان من أبرز المؤسسين والقياديين للرابطة. حيث كلفه الأعضاء بصياغة مشروع برنامج للرابطة. ووفق هذه التكلفة حاول الرفيق، وبمنهجية تربوية بسيطة، عرض وإعلان مبادئ الرابطة من خلال وثيقته الشهيرة "مبادئ الشيوعية".
خلال المؤتمر الثاني للرابطة، وقبل أن ينهي انجلز مشروعه، أشرك المؤتمرون ماركس في هذه المهمة التي ولـّدت "البيان الشيوعي"، الذي اعتمد بشكل كبير على مسودة "مبادئ الشيوعية" محافظا على جوهر الأفكار التي أتت بها المسودة، مع التغيير في شكل الصياغة التبسيطي والتعليمي الذي اعتمده انجلز بداية.
على الرغم من هذا كله، حرص انجلز، مؤكدا في إحدى تصريحاته، على أن أفكار "البيان الشيوعي" الأساسية والموجّهة ـ صراع الطبقات كمحرك للتاريخ.. هذا الصراع الذي بلغ مرحلة لا يمكن للبروليتاريا فيها أن تتحرر إلاّ بتحرر المجتمع ـ يعود الفضل فيها لماركس وبشكل حصري.
وبالفعل، اكتمل البيان، وظهر للوجود في شكله وصيغته المعروفة والخالدة، في فبراير 1848 تحت الشعار الثابت والخالد "يا عمال العالم اتحدوا"، حيث لم تتوقف الملايين من ضحايا الرأسمالية وشرورها، منذ ذلك الحين وإلى الآن، من اعتباره بيانها وإعلان مبادئها، بأن تمت ترجمته إلى جميع اللغات واللهجات الواسعة الانتشار.
وباعتبار أن البيان جزء لا يتجزء من التراث الفكري الماركسي، بما هو فكر مادي ديالكتيكي نقدي، نقيض بالتالي لجميع أشكال الفكر المثالي والعقائدية الجامدة، حرص ماركس وانجلز، بعد الإصدار، على التذكير والتحذير من أن يصبح "البيان" إنجيلا أو كتابا مقدسا في أيدي مفكري ومنظري الحركة العمالية والاشتراكية.. وهي الملاحظات التي كانوا يدلون بها منفردين أو مجتمعين في مقدمات طبعات "البيان" وترجماتها، على نموذج ".. والبيان نفسه يعلن أن التطبيق العملي لهذه المبادئ خاضع دائما وفي كل مكان للشروط المعطاة تاريخيا".

2. راهنية "البيان"
فهل ما زالت للبيان راهنية في عصرنا الحالي؟ وبطريقة أخرى، هل عصرنا هو عصر البيان، أم أن البيان تكلم عن أمور أخرى انقرضت، ولم يعد لها وجود في زمننا وحياتنا اليوم؟
في مجرى الثورات العمالية الأوربية، برز البيان بقوة أفكاره وأطروحته الرهيبة كوثيقة ارتعدت لها فرائص البرجوازية وأبواقها، بسبب ما تنبأ به، منسجما بالتالي مع ما طرحه التطور التاريخي على جدول أعماله، أي مهمة تحطيم النظام الرأسمالي، وإسقاط حكم البرجوازية وتشييد الاشتراكية.. بعد أن أضحى النظام الرأسمالي نظاما عتيقا من الوجهة التاريخية.
فعلى يد ماركس وانجلز وجميع الرفاق في "الرابطة"، أنيرت الطريق في وجه المضطهدين، العمال الكادحين، الذين أصبحوا على علم جيد ودقيق بتفاصيل شروط حياتهم، وعن أصل بؤسهم وشقائهم، وعن طبيعة استغلالهم، وعن الجهة المستفيدة والمسؤولة عن استرقاقهم، وعن الجهات المكلفة بحماية مستغلِـّيهم، وعن القوانين المحصِّنة لجلاديهم..الخ حيث كانت جميع الأفكار المتنورة المناهضة للظلم والعبودية والتمييز، أساسا الأفكار الاشتراكية السابقة عن الاشتراكية العِلمية، اشتراكية ماركس وانجلز والرابطة، غير قادرة على التوصل لمخرج حقيقي لأزمة النظام الجديد، النظام الرأسمالي "الحر"، ولم يكن بوسعها التوصل لتفسير هذه العبودية المأجورة التي يعيشها العمال البروليتاريون في ظل الرّأسمالية.. فقط ماركس ورفاقه، من توصلوا لاكتشاف قوانين تطور الرأسمالية، التي هدتهم بالتالي "لإيجاد القوة الاجتماعية القادرة على أن تعدو خالقة المجتمع الجديد"، لأنهم ببساطة، توصلوا بمساعدة منهجيتهم الفكرية الجديدة والنوعية، التي طورت بشكل خلاق تراث الفكر البشري في مجالات الفلسفة والاقتصاد والنضال السياسي الميداني.. طوروا فكر الديالكتيك، ونظرية القيمة في الاقتصاد، ونظرية الصراع الطبقي داخل النضال الاشتراكي والعمالي.
هذه النظرية الفلسفية التي حسمت الأمر مع جميع أنواع المثالية الخرقاء، ولم يعد في عقيدتها "شيء نهائي، مطلق أو مقدس.. ترى في كل شيء بأن خاتمته المحتومة هي الهلاك، وليس ثمة شيء قادر على الصمود في وجهها غير الحركة التي لا تنقطع، حركة الصيرورة والفناء، حركة التصاعد أبدا دون توقف من الأدنى إلى الأعلى". إنها "فلسفة الديالكتيك، علم القوانين العامة لحركة العالم الخارجي والفكر البشري على السواء".

2. برنامج النضال الثوري ضد الرأسمالية.
غني عن البيان، أنه وبعد هذه المرحلة الطويلة من سيطرة الرأسمالية على مجمل المعمور وعموم ساكنة أوطانه.. وبعد فشل تجارب البناء الاشتراكي، التي سهّلت وكرّست هذه الهيمنة المطلقة، الشيء الذي نتج عنه تقهقر الحركة العمالية الثورية، وانتشار المزيد من البؤس واليأس وسط الجماهير الكادحة.
ومن جراء هذه السيطرة المطلقة والعولمة الرأسمالية، انطلقت العديد من المراجعات الفكرية والسياسية وسط المثقفين الاشتراكيين، أحدثت رجّات خطيرة داخل الأحزاب العمالية، التي تطلـّعت يوما ما للقضاء على الرأسمالية وتشييد الاشتراكية على أنقاضها.. مراجعات تمّت باسم النقد والواقعية، في محاولة لإصلاح حال الجماهير الشعبية البئيسة المتدينة، حيث تتفشى الأمية، والجهل، والجريمة، والأمراض، والقبول بالذل..الخ
إصلاحات لا تنادي بالثورة والتغيير الجذري، ولا تناهض الرأسمالية، التي أصبحت في نظرهم قدر البشرية إلى "يوم القيامة".. حينها ظهرت "ماركسيات ولينينيات" مجددات، تناهض الشيوعية، وتخفي الإعلان عن الاشتراكية والعداء للرأسمالية وللمِلكية الفردية والخاصة.. لاهثة بدون كوابح وراء البرامج المرحلية الإصلاحية والثورية، سيان، غارقة في التمرحل والمرحلية المقيتة، والجامدة، المرتهنة للنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي سيصبح يوما ما على يد الثوار وحلفائهم، "وطنيا، ديمقراطيا وشعبيا"..الخ

4. جدوى البيان والشيوعية، في النضال من أجل التغيير في المغرب
وفي المغرب بلدنا، حيث يسود نمط الإنتاج الرأسمالي، وحيث تقوم التبعية السياسية والاقتصادية للبلدان الإمبريالية المتقدمة ولمراكز القرار المالي الإمبريالي، بتوجيه سياسة الدولة، وبرعاية النظام القائم واستدامة عمره.. حيث يجثم التحالف بكل ثقله على الجماهير المسحوقة، المضطهدة والمغلوبة عن أمرها، حماية للمصالح المشتركة بين البرجوازية الكمبرادورية الوسطية والحاكمة بمعية حلفائها كبار الملاك العقاريين من جهة، ومصالح الجهات الإمبريالية كأنظمة وكمراكز مالية.. من الجهة الأخرى.
ووفق المعايير والمحددات الماركسية، يعتبر نمط الإنتاج السائد في بلدنا رأسماليا. وبغض النظر عن تاريخ وظروف استنبات الرأسمالية في المغرب، حيث لا يسع المجال هنا للتذكير والتدقيق في ذلك، فقد خلق نمط الإنتاج الرأسمالي في بلدنا كما في سائر البلدان، برجوازيين يحتكرون وسائل الإنتاج، من معامل ومصانع وشركات، وأموال وآليات العقار..الخ وخلق من الجهة الأخرى عمالا بروليتاريين لا يملكون أي شيء غير عضلاتهم وقوة عملهم المطروحة للبيع والمنافسة، في ظل نظام اقتصادي بضاعي يعتمد بشكل حصري على العمل المأجور.
ومنذ دخول الرأسمالية للمغرب، لم تعرف الصناعة سوى التطور والانتشار في سائر المدن والأرياف، ولم يقابلها في ذلك سوى ذلك البؤس الرهيب الذي قذف بفئات الحرفيين وصغار التجار والفلاحين والصيادين.. إلى جنبات المدن التي كبرت كالأخطبوط، وكبرت معها مناطقها الصناعية التي أصبحت الآن كسوق مناقصة تباع فيها قوة العمل بأبخس الأثمان، بتأطير من قوانين النخاسة، قوانين "المرونة"، وقوانين "التدريب بدون أجرة" وقوانين منع وتجريم العمل النقابي والانخراط في النقابة والإضراب، باسم حماية حرية العمل، وتشجيع الاستثمار، وتحفيز المستثمرين القادمين من كل حدب وصوب بسبب هذه المغريات وغيرها.
في بلدنا كذلك، وكما في جميع البلدان عامة، يوجد ماركسيون، أو هكذا يعلنون، "ماركسيون" دون أن يكونوا شيوعيين، ودون أن يرتبطوا بمبادئ "البيان الشيوعي" وبمهام البروليتاريا الاشتراكية.. ماركسيون يضيفون لألقابهم اللينينية، والتروتسكية، والستالينية، والماوية، والخوجية كآخر صيحات الموضة.. يناضلون جميعهم من أجل إسقاط النظام السياسي القائم دون الدعوة للمساس بمصالح البرجوازية وإسقاط الرأسمالية، لأن المرحلة في نظرهم ما زالت تتطلب وتفترض التحالفات بين الطبقة العاملة وسائر الطبقات "الوطنية" التي ما زالت تتعارض مصالحها، في نظرهم، مع مصالح الإمبريالية، طبقة البرجوازية الصغيرة، وطبقة الفلاحين، وطبقة البرجوازية "الوطنية"..الخ
غالبية هؤلاء الماركسيين تبنوا المرحلية في مسلسل الثورة، معتمدين جلهم على التاكتيك اللينيني الذي عمل بموجبه البلاشفة طيلة الإثني عشرة سنة الممتدة من 1905 إلى 1917، والذي نال حظه الوفير من الشرح في مؤلف لينين الشهير "خطتان..".. قبل أن "تعمقه" وتوسعه، إن لم نقل بأنها شوهته لأقصى حد، الستالينية والماوية.. منتزعة منه جوهره وطابعه التاكتيكي الثوري، ومحاولة إياه إلى عقبة إستراتيجية في مسار العديد من الأحزاب الثورية إلى أن أصبح عائقا معيقا لتفكيرهم، ومانعا لاجتهاداتهم، بالرغم من ادعاءات الجميع اعتبار "التحليل الملموس للواقع الملموس" منهجا لهم، متناسين أن البلاشفة لم ينخرطوا في تحالفاتهم مع القوى الثورية التقدمية، إلاّ على أساس برنامج ثوري بمهمة استكمال مسار الثورة البرجوازية، دون التخلي على مبدأ القيادة للطبقة العاملة المنظمة في حزبها الثوري الشيوعي، بشكل مستقل، سواء من حيث خطه السياسي أو من حيث مرجعيته الماركسية.
لم يتخلى البلاشفة قط، عن هويتهم الشيوعية وعن برنامجهم الإستراتيجي الثوري الاشتراكي، بما يلزمهم ذلك بعدم إخفاء تناقض المصالح بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية.. ويقيهم الضبابية والتغييم، التزاما بما حذّر منه انجلز في إحدى مقدماته للبيان، منبّها من ادعاءات من سمّاهم بـ"المشعوذين الاجتماعيين الذين يزعمون أنهم بمساعدة مختلف وصفاتهم السحرية وعلاجاتهم المرقعة، سيقضون على جميع أصناف البؤس الاجتماعي دون إلحاق أدنى ضرر بالربح والرأسمال".
فلا وجود، ولا اعتبار لماركسيين يضمرون اشتراكيتهم وشيوعيتهم، واللينينية التي تخفي العداء للرأسمالية والمِلكية الفردية والخاصة، ولا تنادي بإسقاط البرجوازية ونظامها الرأسمالي، ولا تدعو إلى إقامة الاشتراكية.. لن تكون سوى شعوذة هي الأخرى، ومآلها لن يكون سوى مزبلة التاريخ.
وحين يعمل البعض، على وباستماتة، على تحويل التاكتيكات إلى إستراتيجيات، باسم الماركسية واللينينية، تصبح القضية قضية صراع بين التصور البروليتاري والتصور الانتهازي اليميني البرجوازي الصغير.. مع العلم أن لينين نفسه، حذّر ولعشرات المرات من اعتبار التاكتيك البلشفي، خطة صالحة لجميع الظروف والأزمنة والبلدان..! إذ لم تكن الخطة سوى انعكاسا لمعطيات الوضع الروسي الملموس، خلال لحظة تاريخية معينة ومحددة.. كيف لا، وماركس نفسه أعلن من قبله "بأنه من غير الممكن لمجتمع ما أن يتجاوز مراحل تطوره الطبيعي بقفزة أو أن يلغيها بمراسيم، ولكنه لم يستطع اختصار آلام الولادة وتلطيفها" والحال أن الماركسيين اللينينيين المغاربة لا يطالبون، ولا يعملون سوى على تحقيق الانتقال الطبيعي والثوري من الرأسمالية إلى الاشتراكية.

من هم الشيوعيون؟
أصل الماركسيين شيوعيين، و"البيان" عرّف بهم على الطريقة التالية:
- لا يتميز الشيوعيون عن الأحزاب البروليتارية الأخرى إلا في نقطتين: فهم من جهة، في مختلف نضالات البروليتاريين القومية يضعون في المقدمة ويغلبون المصالح المستقلة عن القومية، والمشتركة لكل البروليتاريا، وهم، من جهة أخرى، يمثلون دوما، في مختلف المراحل التي يجتازها الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا، مصالح الحركة ككل.
- فالشيوعيون هم، إذ عمليا، أحد فصائل الأحزاب العمالية العالمية الأكثر حزما، إنهم الفصيل الذي يدفع دوما إلى الأمام جميع الفصائل الأخرى، وهم نظريا يتميزون عن باقي جمهور البروليتاريا بميزة الإدراك الواضح لشروط، ولمسيرة، وللأهداف العامة للحركة البروليتارية.
- هدف الشيوعيين الفوري هو نفس هدف جميع الأحزاب البروليتارية الأخرى: تشكل البروليتاريا في طبقة، الإطاحة بسيطرة البرجوازية واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية.
- بهذا الصدد يستطيع الشيوعيون تلخيص نظريتهم في صيغة واحدة: القضاء على الملكية الخاصة.

الرسالة التاريخية للطبقة العاملة
فعلى عهد "البيان" بدأت الرأسمالية تتخذ صفتها المعولمة عبر تعدّيها للحدود وتكسيرها للقومية وحواجزها الجمركية، ومن الأكيد جدا أن الظاهرة تطورت الآن، واتخذت أبعادا ومسالك أخرى متطورة ومعقدة، بالنظر للتطورات التقنية والمعلوماتية الخطيرة، وتطور السياسة والرأسمال نفسه، الذي لم يعد "حرا" ليبراليا، تنافسيا.. بل احتكاريا إمبرياليا، بعد أن سيطر شكله المالي والمضارباتي على الأشكال الأخرى من الرأسمال، دون المساس بالقاعدة الرأسمالية التي بقيت هي نفسها، ودون التخلي عن أهدافها التي بقيت هي نفسها كذلك: الجري المحموم نحو الأرباح والمزيد من الأرباح دون رأفة بالعمال والكادحين وعموم الصنف البشري أجمع.
"أعطت البرجوازية باستغلالها للسوق العالمية، طابعا عالميا لإنتاج جميع البلدان واستهلاكها. ورغم أسى الرجعيين العميق، انتزعت البرجوازية من الصناعة قاعدتها القومية. فالصناعات القومية دُمرت، ويلحق بها يوميا مزيدا من الدمار. وخُلق محلها صناعات جديدة أصبح تبنيها، من جميع الأمم المتحضرة مسألة حياة أو موت. ولم تعد هذه الصناعات تستخدم المواد الأولية المحلية، بل مواد أولية آتية من أكثر الأطراف بعدا، وتستهلك منتوجاتها لا داخل البلد وحسب بل في جميع أنحاء العالم".. تأكيدا على طابع نمط الإنتاج الرأسمالي، المنفلت من عُقاله، والذي لن يُكتب له العودة إلى الوراء، والتقوقع على الذات وارتداد ثوب "الوطنية".
"وعلى أنقاض الانعزال القومي والقطري القديم، القائم على الاكتفاء الذاتي، تنمو تجارة عالمية وتبعية متبادلة بين جميع الأمم، وما هو صحيح بصدد الإنتاج المادي، لا يقل صحة بخصوص الإنتاج الفكري"، ومن دعّم هذا الاتجاه باسم مناهضة الرأسمالية، حينها، وصفه الشيوعيون أنصار "البيان" بالرجعي، كما هو حال برودون منظر الفوضوية داخل صفوف الحركة العمالية والاشتراكية.
عولمة ظهرت ملامحها واتجاهاتها منذ ذلك الحين.. وحيث انتصبت عولمة من طراز جديد أواخر القرن العشرين وضمن مرحلة التعفن الرأسمالي، المرحلة الإمبريالية التي لم يعشها الرواد الشيوعيون الأوائل، فلا يعني أن جوهر التحليل الذي بشـّر به البيان قد تجاوزته المعطيات، بل إن المعطيات الجديدة الخاصة بهيمنة رأس المال المالي والمضارباتي، عمّقت هذا التحليل وأعطته مصداقيته العلمية.
وفي علاقة المدن بالأرياف، والصناعة بالزراعة، والرأسمالية ببقايا أنماط الإنتاج السابقة عن الرأسمالية، وعلاقة البرجوازي بالفلاحين.. فما لمّح له البيان خلال بداية ذلك التحول العظيم الذي عرفته البلدان الرأسمالية الرائدة، أكدّته المعطيات الواقعية والملموسة التي عاشتها شعوب الأرض طيلة القرن الماضي وإن بتفاوت ملحوظ من حيث السرعة ومن حيث اللحظة الزمنية.
بهذا باتت الأزمة دورية والبؤس ثابت، ولا بد من حل جذري لهذه الأزمة، كيفما كانت التصريحات. بهذه المنهجية استنتج "البيان" وفق الأطروحة الماركسية الثاقبة بضرورة تغيير الواقع، وليس الاكتفاء بتفسيره كما فعل الفلاسفة الماديون السابقون لماركس والمعاصرون له، سواء بسواء، هذا الواقع الذي كان لزاما على جميع الثوريون الشيوعيين دراسة تناقضاته بدقة، وتحديد مصالح مختلف مكوناته الاجتماعية المتصارعة.
"لقد أخضعت البرجوازية الريف لسيطرة المدينة، وأنشأت مدنا هائلة، وضخمت تضخيما مذهلة سكان المدن قياسيا على سكان الأرياف، وبذلك انتزعت جل السكان من بلاهة الحياة القروية". وهو نفس حالنا ووضعنا الآن في المغرب، حيث يتكدس حوالي الخمسة والخمسين في المائة من الساكنة في المدن، وحيث تعيش نسبة هائلة من سكان القرى تحت رحمة الصناعة الرأسمالية وملاكي الأراضي الكبار، التي اخترقت المجال عبر التصنيع، للزراعة وتربية المواشي، وعبر التأسيس لضيعات صناعية حديثة، واستنبات العديد من شركات التصدير، وشركات لتحويل المواد الزراعية للغذاء والاستهلاك..الخ
"لقد غدا النظام البرجوازي أضيق من أن يستوعب الثروات التي أنتجها. فكيف تتغلب البرجوازية على هذه الأزمات؟ من جهة تدمّر بالعنف كتلة من القوى المنتجة. وتستولي، من جهة أخرى، على أسواق جديدة وتكثف استغلالها للأسواق القديمة. وما هي عواقب ذلك؟ هي الإعداد لأزمات أكثر اتساعا وهولا والتقليص لوسائل توقيتها".
وبالتالي فالنظام الرأسمالي نظام فوضى وأزمات دورية ومتتالية، نظام قائم على النهب واستعباد الشعوب، وإنتاج البطالة كظاهرة ملازمة لنمط الإنتاج الرأسمالي. فالمنافسة تقتضي تخفيض كلفة الإنتاج، ولن يتحقق هذا التخفيض إلا بالنقص من ساعات العمل، أو النقص من الأجرة، أو الاستغناء عن جزء من العمال والعاملات.
وفق هذه المنهجية، وعلى أساس هذا التحليل، استنتج ماركس ورفاقه من أنصار "البيان"، ضرورة تغيير الواقع بصفة جذرية وليس مجرد الوقوف عند توصيفه وتفسيره، هذا الواقع الذي تمت دراسته بدقة وحددت تناقضاته ومصالح مختلف مكوناته الاجتماعية، حيث جرى البحث عن القوة والطبقة صاحبة الرسالة التاريخية رسالة التغيير والتحرر بما تحرير للمجتمع ككل.
"إن الطبقة التي تستطيع ويتوجب عليها أن تتولى مهمة تحرير الشعب قاطبة وتحويل النظام الاجتماعي، لا يمكن أن تكون غير البروليتاريا لماذا؟ لأنها الطبقة التي يتجسد في شروط حياتها كل شر المجتمع البرجوازي المعاصر".
ومن خلال البيان تم الكشف عن هذه الطبقة صاحبة الرسالة التاريخية، الطبقة العاملة منتوج الرأسمالية والطبقة البرجوازية" بيد أن البرجوازية لم تصنع أسلحة إعدامها وحسب، بل أنتجت أيضا الرجال الذين يستخدمون هذه الأسلحة: العمال العصريين أو البروليتاريين.
فبقدر ما تنمو البرجوازية، أي رأس المال، تنمو البروليتاريا أيضا، أي طبقة العمال العصريين الذين لا يعيشون إلاّ إذا وجدوا عملا، ولا يجدونه إلاّ إذا كان عملا ينمي رأس المال. وهؤلاء العمال المرغمون على بيع أنفسهم يوميا هم سلعة لا تختلف في شيء عن أي سلعة أخرى تباع وتشترى، ومعرضون بالتالي، كالسلع الأخرى، لجميع مصائب المزاحمة وتقلبات السوق".. وهو توضيح ما بعده وضوح لجميع أنصار فكرة حزب الكادحين أو العمال وعموم الكادحين أو العمال والفلاحين.
"فمن بين جميع الطبقات الخصيمة للبرجوازية حاليا، البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة الثورية حقا. فالطبقات الأخرى تنهار وتندثر أمام الصناعة الكبيرة، أما البروليتاريا فهي، بالعكس منتوجها الأصيل.
أما أعضاء الطبقات الوسطى، الصناعي الصغير، التاجر الصغير، الحرفي والفلاح فهم جميعا يحاربون البرجوازية إنقاذا لوجودهم كطبقات وسطى، من الزوال. فالطبقات الوسطى إذن ليست ثورية بل محافظة، لا بل رجعية، لأنها تسعى لجعل عجلة التاريخ تدور إلى الوراء" معطيات تبدو بسيطة لكنها صادمة بالنسبة للكثير من النماذج الماركسية في المغرب وخارجه.
كان السؤال، وما زال، هو كيفية تغيير هذا الواقع بما يخدم مصلحة الأغلبية الساحقة للشعب، وفي سياق البحث عن هذه القوة الطبقية المؤهلة لقيادة هذا التغيير المجتمعي الهائل، لم تسلم أي من الفئات والطبقات من تحليل "البيان"، وكما تكلم عن الطبقات الوسطى، خص بالتحليل، وبملاحظاته القيمة، جزءا من الطبقات الشعبية المحرومة، له من الأهمية مما كان، بالنظر للأدوار التي يلعبها الآن في قلب موازين قوى الثورة بشكل مفاجئ وخطيرة.. هذا الجزء الذي سمّاه "البيان" بالبروليتاريا الرثة، والذي قال فيه: "أما البروليتاريا الرثة، هذه العفونة المستسلمة لمصيرها، المنحدرة من أكثر طبقات المجتمع القديم وضاعة، فهي تنجرّ إلى الحركة وراء ثورة بروليتارية، إلا أن ظروف حياتها تجعلها أكثر استعداد لبيع نفسها خدمة للمناورات الرجعية".
وهي نصيحة وتوجيه مهم لكافة الشيوعيين المراهنين على دور الطبقة العاملة الحاسم، حيث يتعين علينا الاهتمام بهذه الفئات وضمّها للمشروع الثوري الاشتراكي التحرري، دون التخلي على مبدأ استقلالية الطبقة العاملة، التنظيمية والفكرية والسياسية، ودون المساومة على مبدأ رسالتها التاريخية في قيادة وتأمين نضالات عموم الكادحين من أجل التغيير الثوري الاشتراكي.

ملاحظة أخيرة
وهي تخص العديد من التيارات والمجموعات، التي تدّعي أو لنقل تشتغل ببعض المفاهيم والأطروحات الماركسية، رافعة يافطة الماركسية زورا، والحال أنها شطّبت أو أهملت الأساسي والجوهري من مواقف "البيان الشيوعي".. فكذلك الشأن، فعلت بالعديد من المواقف والمبادئ الأخرى، التي لم يتسع المقال للتطرق لها جميعها.. فالاعتبارات الثقافية، والدينية، والانتخابية داخل الإطارات الجماهيرية.. دفعت بالكثير من منظري هذه التيارات المتمركسة، لإعلان مواقف ملتبسة أحيانا، ومحتشمة أو ملتفة أحيانا أخرى، تحاول بشكل انتهازي ووصولي كسب تعاطف الجماهير الشعبية وهي في غالبيتها أميّة بالمعنى البيداغوجي والفكري والسياسي كالموقف من المِلكية الفردية والمرأة والأسرة والدين والوطن..الخ وهي مواقف لا ينفع معها التوفيق والمساومة، أو اللف والدوران، بل يلزمها الجهد النظري والقدرة على النقاش العميق والإقناع، داخل الأوساط الشبابية والنسائية الكادحة، لنشر الماركسية بجرأة، دون تردد، ودون خوف أو تمسّح للأعداء المعادين للحرية والتقدم والديمقراطية الحقيقية.



#وديع_السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعما للحركة ولجميع الحركات الاحتجاجية المناضلة
- من تداعيات النقاش حول حزب الطبقة العاملة المستقل
- بناء حزب الطبقة العاملة المستقل مهمة ماركسية لينينية
- تحت راية الاشتراكية.. ومن أجل جبهة يسارية جذرية
- في ذكرى الشهيدة -سعيدة المنبهي-
- دفاعا عن الخط النقابي الديمقراطي الوحدوي
- في ذكرى الشهيد زروال
- دفاعا عن الثورة الاشتراكية
- من أجل منظمة ماركسية لينينية مغربية
- -إلى الأمام-.. -النهج- أي رابط وأية علاقة؟
- في ذكرى التأسيس لمنظمة -إلى الأمام- الذكرى الثانية والأربعون
- في التضامن مع نضالات الشعب السوري
- جديد حركة 20 فبراير.. سنة جديدة بمحتضن جديد اسمه -السلفية ال ...
- حول ما صرح به أحد -فضلاء- المدينة العمالية الصامدة
- من أجل قيادة نوعية للحركات الاحتجاجية بالمغرب
- من أجل تقوية نضال الماركسيين اللينينيين المغاربة وتوحيد صفوف ...
- إعادة نشر لوثيقة: تجديد موقفنا من الانتخابات الماركسيون المغ ...
- تجديد موقفنا من الانتخابات الماركسيون المغاربة يدعون الجماهي ...
- عودة لمسألة التحالفات، وعلاقتها ب-اليسراوية-
- معطيات حول ما جرى بمجلس تنسيقية الحركة المناهضة للغلاء


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - وديع السرغيني - في ذكرى صدور -البيان الشيوعي-