أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - واثق الجلبي - على حساب العراق















المزيد.....


على حساب العراق


واثق الجلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4029 - 2013 / 3 / 12 - 15:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



على حساب العراق
• الأحزاب والشعوب.. من هو الواهم ومن هو المتوهم؟
• دراسة بدئية لوهم الخلاص الذي تقوده الأحزاب بمشاركة غياب الوعي
• التشابه في عملية الجمع الاستحواذي للعقل ورقمنة الإنسان شكـّل منعطفا خطيرا في قتل الاختيار المنطقي
• أوربة الشرق سياسيا محاكاة العلمنة الجديدة قامت على أساس الاستشراق لتقرأ الوهم بعقلنة مزيفة.
واثق الجلبي

يقول الفيروز آبادي في معجم القاموس المحيط، الوهم من خطرات القلب ووهم في الحساب غلط واوهمه ادخل عليه التهمة، فمن هو الواهم والمتوهم في حساب الربح والخسارة بين الاحزاب والشعوب!
ليس الامر وتناوله بهذه البساطة والسهولة، ففكرة الاحزاب قديمة قدم الشعوب على هذه الارض فالجماعات القبلية حاولت ان تشكل لها سورا يحميها من الجماعات الاخرى لتكون قوة ضاربة تحمي مصالحها وتحاول ان تستقوي بالافراد الاقوياء والحكماء لتتوسع على حساب الجماعات الاخرى وتفرض عندها شروطها وتتحكم بالموارد الاقتصادية وتكون نتيجة هذا الامر القائد والمهيمن والمسيطر لكل المفاصل الحيوية ويكون القضاء بيدها وبهذا الامر تكون هذه الجماعة الكبيرة بحكم قوتها وكثرة عددها والمنضوين تحت جناحها من افراد هي الحاكمة المطلقة في مصائر وامور الاخرين.
هذه البداية البسيطة كانت النواة الحقيقية لظهور الاحزاب فصارت بعدها الامور تتشكل وفق التطور العقلي للانسان بما يمتلكه من وعي ليتعلم من الانسان الاول طبيعة السيطرة والتحكم والاستيلاء والقيادة.
ان طبيعة الاحزاب بشكل عام تدعو الى الخلاص والحرية والعدالة، اذ بهذه الشعارات لا تجد لها من يمثلها على ارض الواقع فالى أي شيء نعزو الخلل؟
المفاهيم العميقة التي اطلقها المنظرون وحاولوا تنفيذها على ارض الواقع بدأت بالتسرب من بين ايادي التطبيق ولم ينجح اي حزب سياسي او ديني بتحقيق كل رغبات الشعوب فكانت فجوة كبيرة جدا بين الحزب السياسي او الديني والناس الذين اختلفت مشاربهم وعقائدهم ولم يجدوا ضالتهم في كمية الاحزاب الكثيرة التي عجت بها الساحة. الحزب يعكس ما يفكر به السياسي وهذا السياسي فرد من مجموع ما قد يشابههُ البعض في هذه الافكار وليس بمجملها، ولو وافقه ببعض طروحاته، فانه يضيف الى هذه الافكار افكارا اخرى قد لا تتطابق مع وجهات نظر السياسي صاحب الفكرة السياسية.
ان الطموح المشروع يتحول الى غول سلطوي يتحكم بالشخص ليتلقف من حوله ومن ثم يصبح هذا الشخص مجموعة كاملة تحركها الافكار نحو الحكم وبالتالي تصبح الفكرة قائدا يقود الاشخاص ليكونوا تابعين لهذه الافكار المتضخمة التي تعبر عن انا الكل المختصرة بالفرد وبهذا الزحام الفوضوي يضيع الناس بين هذه الكتلة وذاك الحزب او التيار ليؤدي ذلك الى الانقسام المجتمعي وبالتالي ضياع الرأي الصائب وسط كم المعطيات المنثالة على الرؤوس غير المتوازنة.
في هذه الازدواجية قد نخلص الى نتيجة واحدة وهي اننا لا نخدع سوى انفسنا، فما استطاعت الاحزاب ان تخدم افكارها وذلك بظهور احزاب معاكسة لرؤاها وما استطاعت ان تخدم تابعيها من عموم القوى الشعبية نتيجة ذلك الصراع المحتدم حول القيادة.
لو اجرينا مقارنة بسيطة بين سائق الكيا والحزب من جهة، والجماهير من جهة اخرى، ومن يستطيع ان يُركب اكبر عدد ممكن من المنتظرين للخلاص والعودة الى احضان أسرهم وافري الغنائم والحظوظ، هنا قد يرتكب سائق الكيا مخالفة مرورية ليصعد فرد واحد او اثنين من اجل الاجرة، ولكن ما الذي قد يرتكبه السياسي ليقنع الافراد بالانضمام الى حزبه او ان ينتخبوه؟
هنا التشابه في عملية الجمع ورقمنة الانسان وقتل الجانب الاختياري في اغلب الاحيان.
ان تمزق الاحزاب السياسية والدينية الى عدة مقاطع تجعلنا نفكر بان القادم سيكون اشد حلكة من سابق الايام، فالصراع على اشده والناس متخبطون بين الرفض والقبول وان مساعي الدول المجاورة والبعيدة الجوار تزيد من ضبابية المشهد لتعمق الازمة وتزيد من استعار الجوانب الطائفية.
من هو المتوهم في هذه الانساق المتضاربة؟ الشعب في كل معترك شرقي هو الخاسر الاكبر.. فلم يستطع اي من الاحزاب ان يُرَكّب كل الشعب في "كيته" اطلاقا وكذلك الحال مع كل الاحزاب الليبرالية والعلمانية والدينية. الفرد المتدين ينظر للاحزاب العلمانية بانها وجه آخر للكفر الذي تحول في سيرورته التاريخية الى الالحاد ثم بشكله الحالي (اللا ديني)، بينما احتفظت الفكرة الايمانية بجدلية كبيرة بثابتها الديني وشهد التحول الفكري فيها هو الجانب السياسي، ولهذا لا يشعر المتدين باطمئنان الى الاحزاب العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة ضمنا وظاهرا تقول بفصل الدين عن السياسة لتقوم بطمأنة المتدينين، اما العلمانيون فهم يرفضون الاحزاب الدينية ظنا بانها هي اساس المشاكل الحاصلة اليوم، وفي هذين التقاطعين توجد تقاطعات اكبر واشد ضراوة. فالاحزاب الدينية تنقسم الى قسمين رئيسيين:-
- الأحزاب الدينية الشيعية.
- الأحزاب الدينية السنية.
ومن رحم الاحزاب الدينية الشيعية، هناك تفرعات عديدة تتضارب فيها القوى والمصالح والارادات وتكون فيها وتيرة الصراع اشد مما هي عليه في قسم الاحزاب الدينية السنية. فمن يستطيع ان يحل هذا التنازع والصراع الشديد؟. النخب الثقافية المنشطرة اصلا لا علاقة لها بهذا الصراع الفكري الديني لما ارتأت على نفسها من اللجوء الى عوالم تبتعد بنحو او بآخر عن طبيعة الصراع الديني كونها آمنت بخلاصها من قيود الكبت لتطلق افكارها التنظيرية في عوالم اخرى، هذا من جانب، ومن جانب اخر لا تستطيع النخب المثقفة ان تتأقلم مع الاحزاب الدينية الا لمصلحة او لخوف على عكس الاحزاب العلمانية التي تشهد رواجا بين المثقفين والاصل هو الصراع الديني واللا ديني في كل هذه الاختبارات الفكرية.
الديني لا يتوافق مع اللاديني بتاتا وكل الفريقين استطاعا ان يُحدثّا نفسيهما بصورة او بأخرى للخروج من مأزق الماضي ولكن الاحزاب اللا دينية استطاعت ان تجد مساحة اكبر في ولوج هذه المعركة لكثرة اتباعها من جهة، ولفشل معظم الاحزاب الدينية في الامساك بزمام المبادرة وظهور متشددين دمويين متمثلين بالوهابية وغيرها من التيارات الدموية القاتلة.
على هذا الاستقراء يكون الشعب في آخر الامر رقما مضافا في عملية الوهم الحاصل بين الاحزاب اصلا وعندها لا تكون فرصة النجاة المادية والروحية حقيقية.
اذن كانت "ذاتوية" الافكار محطا للتفرقة والتشرذم وهذا امر واقع لا يستطيع انكاره الا جاهل او متزمت فظلت عندها الاهواء متشابكة الرؤى وسط ضياع كامل لعملية الجمع التعبوي الرافض لاختلافات الاوهام المتبوعة اساسا من قبل الكثير. يقول المفكر جاك دريدا: ان هذا العالم الجديد هو عالم افتراضي ازاح عالما وهما ليقيم و هما بديلا او دوغمائية مضادة، وعلى هذا الاساس توجب على الانسان اعادة قراءة انسانيته وان ينظر بعقلانية الواقع لان مفهوم الاحزاب الغربية المتشكلة تريد (اوربا) الشرق بعد سياسة الاستشراق وعلمنة الافكار تأسيسا لتوحيد العالم تحت راية الهيمنة الجديدة، من خلال التعامل بالوهم الواقعي او واقعية الوهم حدثت شروخ عديدة وكانت المفاتيح الضائعة تجمع في هوية اللغة التي دخلت في حتمية الصراع فاللغة ليس كونها مفردات مترابطة بقدر ما تشكله من مفهوم وتاريخ للجماعات المتعايشة ولو ادخلنا اللغة العربية في سوق اللغات الاجنبية وجدناها سلاحا تتحدد حدوده بضرورات مقننة متفاوتة وفقا لمستخدميها وخوفهم فنحن لا نريد ان نخسر بتلاشي هويتنا في زحام هذه السوق الكبيرة ونعلم ان تغيّرات المشهد السياسي متواترة ومع هذا التغيير تتغير عدة اشياء يكون مؤداها النهائي هو الوهم الكبير الذي لا مجال للتخلص منه وستكون الاجيال القادمة تحت مخدّرٍ اشد قوة اذا لم نفسح لها مجالا واضحا للتطور اللغوي والفهمي للعبور من الوهم والواقع الموهوم الى الحقيقة.
هنا لا نريد ان يوهم العقل، بل ان نزيل التراكمات والترسبات التي بناها الاخرون لتجنيب المشاهد وفرزها حسب طبيعتها فسلطة العقل والنسق الادائي المتعالي في اطار الفلسفة التنويرية الغربية يحاولون ان يُربكوا كيميائية العقل البسيط المتمثل باغلب الشعوب لتحضير التركيبة وزجها في تأخير الوهم الغربي للحقائق فصار عندها عقل تعددي رقمي آلي الكتروني وسائطي الذي اشاع سلطة النهايات كما يقر بذلك المفكرون والفلاسفة وعندها يتراجع الانسان المؤنسن امام الانسان العددي بحسب نظام العولمة وظهور عصر الالات كما يشيع لها مفكروا الغرب بقيادة اميركا، تطبيق كل هذه الاوهام العقدية الغربية كانت تعكس نتائجها في عوالم الشرق الذي بدأ يفقد سحره المنطقي ليتحول الحزب والمواطن هنا الى ادوات تجرب فيها الفلسفة الغربية تفاصيل مبتدعاتها الفكرية ليحاول الانسان ايجاد حرب ولو داخلية مفترضة لخروج انسان اخر يتحصن بفكرة خلاصه وهو مستعملا ادوات ممكنة او غير ممكنة للخروج من شرنقة صنعها بيده وبالتالي يفقد الانسان الشرقي عقله ليحل محله وهم الفلسفة الغربية.
تريد الفلسفة الغربية في عملية خلق الوهم ابطالا شرقيين حيث عبرت عن نفسها للغربيين اولا لصناعة قارئ (سبراني) اثيري معبرا عن مرحلة ما بعد الانسان ليكون قارئا عالميا وقد اقترن وجوده بوجود النص الالكتروني ليعطيه صفة القارئ الواقعي الصانع للعوالم الافتراضية، واذا ما تحرر الانسان من العقل ولجأ الى الوهم فلا ضابط هناك ولا واقع ولا حدود وعندها يتحول هذا الكائن العاقل الى كائن اسطوري نزق لا يعرف للمنطق شكلا ولا معنى.
في هذه الاشكاليات لا نحتاج الى معرفة من الذي يقف وراءها فسلطة العقل اذا ما غُيبت فلا معنى بعدها للانسانية، لقد وقف ضد هذا الوهم العقلي الكثير من المفكرين والفلاسفة، كالفيلسوف (جيل دولوز) الذي تحسّر على ما حدث للفلسفة وكذلك عابد الجابري وبيار بورديو. فهل كان منظرو الاحزاب العراقية الدينية والعلمانية على دراية واقعية لهذه الاستقراءات الفلسفية؟. ترويج صورة البطل المنقذ كانت تأخذ حيزها الوجودي مع كل الاحزاب محاولة ربط الخلاص بها وهي بعيدة كل البعد عن الواقع الدراماتيكي الشعبي اليومي وهي بهذا عاشت الوهم ودعت اليه الشعب ببطاقات غير مؤهلة لحضور احداث مأدبة ضياع العقل واستبداله بالوهم وسط احتفالات لا تدع مجالا للشك بكذبها ومخادعتها للعقل.
الوهم كان علامة الاحزاب وبالتالي جاء دور الموهوم وهو الشعب وفي المحصلة النهائية كانت نسبة الضياع كبيرة جدا وادت نظريات الاحزاب لتشكيل هلام آخر يضاف الى الاوهام الكبيرة التي يعيشها الناس وضاعت نظرية الامام علي في الناس بقوله (اعرف الحق تعرف اهله)، كما ضاعت افكاره العظيمة في اتون الحرب ضد حقائق قدمها هذا الرجل العظيم للبشرية عموما. اذا كانت الاحزاب كاذبة ومخادعة والشعب صدّق بهذه الاكاذيب فمن هو المخلص في النهاية؟ في هذا السؤال بحث عميق ليس مجاله في هذا التنقيب السريع.
في خضم هذه المشكلة يتبين ان الشعارات التي يشترك بها كل الاحزاب تقريبا واحدة وان اختلف هذا الحزب بأدلجته عن ذاك، فالحزب الديني يسعى لتحرير الانسان وكذلك الحزب العلماني ولكن ما هي حرية الانسان وكيف نحرره، ومن اي شيء نحرره؟. تقاذفت الاسطر للمنظرين في مجموع الفرق والكتل وتم ايهام العقل بمقدرة الحزب على تحرير وخلاص الانسان واذا بعد كل هذه السنين المضاعة يجد ان هذا الحزب قد اخفق وذاك التيار قد ارتطم بالانسان نفسه، فضاعت مصداقية الاحزاب في التنظير المستمر وعدم مواكبته للواقع. لا يوجد هناك ما يسمى بحزب (الواقع) ولن يكون لان الاكاذيب هي السائدة في اغلب نظم الادلجة والتنظير، حتى ان البعض كما اسلفنا قد ادخل نفسه من حيث لا يعلم بواقعية الوهم، او وهم الواقعية فعاش وسط وهمه وحتما هو يظن بانه الواقع وبان افكاره مثالية وهي الوحيدة القادرة على خلق التوازن الفكري والمعرفي للبشر.
هذا من جهة مفكري الاحزاب الذين شابهوا الفلاسفة الساكنين بروج عاجية، اما الشعب فكانت تدفقاته (الانترنيتية) سريعة جدا فلا تكاد تتحصل على ذاكرة نقية تحيلك الى الحذر من الوقوع في المطبات الذهنية المتأتية من سرابية الوهم للمفروض ان نقول عنهم انهم قادة او مفكرين، ذاكرة الاسماك تجد لها واقعا لدى العراقيين بنسبة كبيرة جدا فما بالك لو القيت عليهم الحجج بخطأ ما يتصرفون؟ ماذا ستكون النتيجة؟
كل عمليات الوهم التي اصطنعها الساسة وقعوا بها هم انفسهم واسسوا لمجتمع طائفي مخطط له بعناية فائقة ولعل مثالا واحدا يكفي لضرب نماذج ربما تشهدها المنطقة خلال وقت قريب. اذا كان النظام علمانيا لا يستطيع ان يحكم شعبا متدينا واذا كان النظام دينيا فحتما انه لا يستطيع حكم شعب علماني، فاين المخرج من هذا المأزق؟ هل يتحول الحاكم و المحكوم الى طبقة مذهبية واحدة؟ ولكن بأي مذهب سيحكم؟ هل يفرض عليهم مذهبا ما؟ ام ان هذه الامور قد ولت الى غير رجعة؟. الكل ينظر الى التاريخ كونه مقدسا ولكن هل يعلم الناس ان ملوك ذاك الزمن كانوا يدّعون الالوهية؟ في التاريخ لا وجود لاسطورة شعب بل هناك الفرد الاسطورة، وهذا ما غفل عنه الكثير. من هو القائد اذن ومن هو الكرة واين يوجد مثل هذا الملعب الذي يضيع فيه ادراك الشعوب؟. الجواب هو هنا في هذه البقعة القديمة، ولذلك حاول الكثير من الفلاسفة ايجاد مدينة فاضلة ولكنهم بهذا الامر اوهموا انفسهم والناس بذلك. ولكن تجربة الامام علي هي الوحيدة التي اثبتت جدارتها ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
في جدلية الوهم والمتوهم ضاع الكثير من الوقت وحُرقت السنين ورحل الملايين دون معرفة الحقيقة.
وهنا تساؤل هام: هل كان العقل العربي نسخة مشوهة للعقل الغربي؟ وكيف تمت عملية الولادة في ظل هذه الظروف التي يمر بها العالم؟ ما حجم مؤامرة الصمت المحاكة ضد العراق؟
في عمليات الترجمة القديمة لكتب الطب والفلسفة ادخلت الى عقول الناس انذاك الكثير من الافكار الغريبة عليهم، فلم تستطع العقول العربية في زمن الجاهلية ان تتوجه بتفكيرها نحو الفلسفة والمنطق بقدر ما اتجهت نحو الشعر والغزوات وكانت الالهة عندهم متجسدة باستيرادها من الامبراطوريات المتاخمة وعند مجيء الاسلام بدأت الواقعية الفكرية تأخذ طريقها نحو العقل العربي محطمة الكثير من المعتقدات ولكن كان ذلك وقتيا وزادت عمليات الوهم من قبل السلاطين والخلفاء والامراء ولم يكن لهم (من) يستطيع ان يواجه المد القادم من تراجم كتب الفلسفة والرياضيات والمنطق اليوناني والاغريقي والفارسي والهندي ولهذا رموا بعض ادباء تلك الحقبة بالزندقة والالحاد. من ذلك نستطيع ان نقول ان عملية الوهم ولعقبتها بين الحاكم والمحكوم ليست وليدة اليوم. فوهم الخلفاء او وهم اغلب الناس وبالتالي تكون محصلة الواهم من الواقع والحقيقة لا تساوي شيئا ولهذا كان الحكماء بعيدين ومعزولين عن اوساط الناس من المتوهمين والواهمين، فكان لزاما على الحكماء ان يثقبوا جدار الوهم ليستطيع الانسان من معرفة حد الوهم وما اثاره السلاطين من غبار واصطناع مشاهد مضببة.
حالة الوهم والايهام لم تقتصر على العامة بل تعدت ذلك الى الفلاسفة الذين قرأوا للاغريق واليونان وحاولوا تجربتها واثبات هذه الفلسفة في مجتمعاتهم الاسلامية وفشلوا في ذلك شأنهم شأن الاحزاب السياسية المتواجدةعلى الساحة العراقية المليئة بالاضداد والمتناقضات الفكرية والعقدية وما الى ذلك من الهوس السلطوي والرغبة في اعادة امجاد الدم ولا ندري هل يكون القادم افضل ام لا، فهذا افراز سيكون فيه الوهم لاعبا اساسيا في بلورة الفهم، اما بالنسبة للاحزاب الدينية فلم تكن اوفر حظا من السياسية بل انها انشطرت وتفاقم وضعها لاسباب كثيرة جدا وعلى هذا الامر فقد سيطر الوهم على مجمل الحركات الدينية والعلمانية بحيث لم يعد من الممكن تحمل اختناقاتها وافرازاتها غير المدركة لمصير الشعب.
قيل قديما انه على رأس كل مئة عام يظهر في الدين مجدد ولم يكن ذلك القول بمنأى عن الاحزاب السياسية ولو لم تعلنه فقد حاولت الاحزاب تجديد دمائها بتغيير بعض افكارها فلم تكن النسخة الاولى على وفاق مع النسخة الحالية ما ادى الى انقسامات وفق المصالح وقد نسي او تناسى الاعم الاغلب المسافة الزمنية بين نشوء الفكرة وبين البناء الذي اتى بعد التأسيس بفترة طويلة. الثابت عند الاحزاب والتيارات الدينية هو الله تعالى وبعض القيم والمعطيات الدينية، اما بالنسبة للاحزاب السياسية فكان الاهتمام بالانسان وبالاصل فان كلاهما قد ضيع الكثير من المفاهيم الانسانية وليس في هذا القول من تجني على احد فواقع الاحزاب في العراق لا يشجع على اعطاء مثال واحد يؤكد حرصها على المجتمع بل كانت ولادات فردية جوبهت بتقاطعات سياسية تحاول خطف هذا المنجز او محاولة تخويف الرجال لمآرب كثيرة، كل هذه التوترات هي في مجال الوهم والتوهيم وبالتالي فان هذه اللعبة اكبر من عقول الكثير.
جرب الامريكان في العراق اشياء كثيرة فمن طور الاسلحة والقتل ومحاولة التقسيم وترك الحبل على الغارب للقتلة والوهابية ومثيري الفتن وتحريك بعض القوى الداخلية اعطت للدول فرصة العبث في هذه المنطقة فدخلت هنا دول الجوار جميعا وغيرها من اجل توسيع هذا المفهوم الوهمي، وبعمليات غير مسبوقة فكانت حصة العقل اقل بكثير للاجتياز السريع فشهد العراق المزيد من التوترات غير المنطقية وكانت حصيلة واقعية لحكم البعث الدموي.
هكذا قادت الاحزاب الدينية السياسية والتيارات والاحزاب العلمانية نفسها من غير انتباهة منها الى الوهم الممزوج بالدم والفرقة والتناحر وما كانت الائتلافات الحاصلة معبرة عن المواطنة والفهم الكامل للحقيقة بل كانت المصالح تقتضي مثل هذه الائتلافات الواهمة، هذه الانساق المتوالية تضطرب اضطراب الارشية في البئر ولم تكن الدراسات التي قام بها منظرو الاحزاب قادرة على دمج الفكر بالممارسة فسقطت اغلب هذه الاحزاب في مهاوي الرفض والاقصاء الجماهيري.
في هذه الدراسة البدئية نحاول ان نقول ان العقل مفتاح لكثير من الامور وهو الطارد الوحيد للضبابية الحاصلة وفي نفس الوقت الخالق الاكثر تأثيرا لعوالم الوهم الموجودة وستكون عملية الفرز بين الوهم والحقيقة صعبة جدا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ملابسات الفترة المعاشة.
ان ارتحال العقل في الازمنة دليل تجربة فريدة ولكن من المؤاخذ على الواهمين انهم تصوروا انهم اكثر ذكاء من الاخرين فصاغوا انظمة تختزل تجارب المليارات في رأي لا يحتمل عندهم ان يكون خاطئا وبذلك كانت قداسة افكارهم بمثابة خلق عوالم اسطورية مقولبة بواقعية الوهم المتحصل عندهم وبذلك حاربوا الاضطراب باضطراب آخر وكانت نظرية الفوضى غير المتعقلة من اهم ما تميز به العقل الغربي لخلق عوالم وهمية تبتعد وتأخذ الانسان من انسانيته وهكذا لم ينتبه الساسة الى معاني التأويل البرهاني للاحداث والافرازات التي ادت الى تراكم في الخيبات ما زاد في صعوبة الوصول الى طريق واضحة المعالم وبهذا الامر تشابه السياسي مع المواطن ولكن الاول بقي مصرا على انه يعلم ما يصنع والثاني بات شاكا غير مؤمن بما يفعله الاول.
ان ما يكون ملاصقا لفكرة الوهم وصناعتها هو الطابع الهروبي من الواقع ومحاولة التضليل من قبل الساسة باستخدام الوسائل كلها وامتطاء الاعلام بطرقه كافة اسهاما لتكريس الوهم حتى يصبح حقيقة فبتأكيد الخبر من قبل عدة جهات يُذعن الفرد حتى لو كانت لديه مصدات كثيرة فتتساقط حصونه الدفاعية شيئا فشيئا حتى يقر بالوهم واعتباره امرا واقعا خاصة اذا ما لجأ السياسي الى تدعيم فكرته بثيمة دينية.
ان لعبة الوهم تحقق بذاتها عالما مختلقا يعيش في اجوائه الجميع فيكون صانع الوهم بعد ذلك جزءا منه ويبتعد عنه الابتداع كون الدوائر التي رممها لفتّه فاضحى يتفرج على نفسه بعدما كان يشاهد الاخرين وهم في دوائر الوهم الذي انتجه فصار المجموع داخلا في اللعبة، كل هذه الدوائر تشكل خطرا عظيما على اللاعبين حيث لا تكون عملية الرؤية واضحة المعالم وتكون حرية الافكار الموهومة هي نفسها اداة لقتل العقل. هذا المسرح السياسي لن ينتهي عرضها الا بالحقيقة العظمى وهي الموت حيث لا مجال للعب، حضور الممثل في بداية الامر قد يكون واجبا ولكنه في النهاية يصبح بطل هذه المسرحية كومبارسا قد يُرمى في ختام المسرحية في المجهول. حوارية اللعب التي تتم في هذه الاوقات تتأقلم مع المتقبل الذي يريد من السياسي ان يوهمه وسيكون النص المكتوب هو ما يمليه الفرد وعندها تزداد عملية الوهم فتشتبك الخطوط وتكون عندها عملية الفرز صعبة للغاية، عملية التماهي في الوهم تكون مموسقة الى حد كبير بحيث لو تدخل العقل في حل اشكالية ما يجابه بالرفض بل وحتى الجنون. هنالك كم كبير من التراث الوهمي المقيم في اعماقنا يجب ازالته وبالتالي تكون النتيجة ابعاد المعرفة الوهمية وازالتها من المعرفة الانسانية الحقيقية لنتعرف على النتائج الواقعية للواقع والا نقع في اللبس المتحصل من المزج بين ما هو وهم وما هو حقيقة.



#واثق_الجلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهيد في زمن العماية
- فشل الاحزاب العراقية في احتواء الرؤى الشعبية
- إنثيال
- خزانة الذاكرة
- الخاتم
- خارطة اللسان
- الاقاليم الثلاثة
- بعيدون من الشواطئ
- وئيد الإختيار
- أنت لست لي
- تسبيحة عارية دراسة أدبية
- شهوة السفح
- المتنبي وشهادة الجنسية العراقية
- كذبة الربيع العربي
- الم واثق
- من ألهمك ؟
- انني لا اتكرر
- أحبار الدهور إلى ابراهيم الخياط
- الكابالا
- إلى الكبير محمد حسين آل ياسين


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - واثق الجلبي - على حساب العراق