أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التناقض الكبير للثورات العربية















المزيد.....

التناقض الكبير للثورات العربية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4027 - 2013 / 3 / 10 - 17:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


آلت الثورات العربية إلى موجة صعود جديد للإسلاميين، وبخاصة في البلدان الأكثر حداثة، مصر وتونس، وسورية. لكن ليس هذا هو التناقض الأهم للثورات العربية. فالإسلاميون نتاج حداثة ما في بلداننا، ضامرة البعد الأخلاقي والثقافي، وليسوا استمرارا لشيء قديم على ما يفضل أن يتصور إيديولوجيون حداثيون.
التناقض الكبير للثورات العربية يقع بين اتساع قاعدتها الاجتماعية، وقيمها التحررية العامة والمعاصرة، وبين الإطار السياسي الضيق الذي يعمل الإسلاميون على فرضه في تونس ومصر، والإطار الفكري والقيمي الأضيق الذي يصدرون عنه. أو هو التناقض بين التكوين التعددي والمفتوح للثورات والتكوين الواحدي والمغلق للنخبة السياسي الجديدة. باختصار، بين تحررية الثورة وتسلطية الإسلاميين.
كيف نفسر هذا التناقض؟ كيف تؤول ثورات تحررية شارك فيها الملايين إلى حكم إسلاميين، يعرضون وفرة من ضيق الصدر والتفكير؟
هناك نظرية شائعة تقول إن منشأ الطغيان في بلداننا هو "الثقافة"، أي الدين، أي "الإسلام". وبما أن مجتمعاتنا إسلامية ماهويا، كما يقول الإسلاميون وأصحاب هذه النظرية معا، فليس غير الطغيان نصيبها من أنماط الحكم، إلى حين تتغير "الثقافة". هناك غير تنويعة في سورية لهذه النظرية المبررة للطغيان القائم، أصحابها نجوم مكرسون، ويبدو أن لها في تونس سوق رائجة ومريدون كثر.
مشكلة هذه النظرية أنها تعجز عن شرح التغير السياسي في مجتمعاتنا. فرغم أن "الثقافة" ما انفكت هي الثقافة نفسها، نحن لم نعش طوال الوقت تحت وطأة طغيان موصول متماثل مع ذاته. وهي بالخصوص تخفق في شرح التغير السياسي الذي مثلته في الثورات. وكي تستقيم النظرية يلزم ألا يكون هناك فرق بين نظام مبارك وبين الوضع الحالي المفتوح في مصر، بين عهد بن علي وتونس الحالية... ينبغي أن يكون المرء في المريخ حتى يمكنه قول ذلك.
لكن هناك شرح أرضي وأبسط للأمر.الإسلاميون هم القوة المنظمة شبه الوحيدة في مجتمعاتنا، وهم مؤهلون بيسر لأن يُرسملوا التدين العام، أو يجعلوا منه رصيدا سياسيا لهم. هذا التدين كان خط الفقر السياسي الذي لم يستطيع أي نظام طغيان في العالم العربي تجاوزه.
أهم من ذلك في السياق السوري أن التدين الإسلامي، وصيغه النزاعة للتشدد بخاصة، هو ما يوفر الأرضية الفكرية والنفسية الأكثر عمقا وصلابة للمقاومة المسلحة. وهي مقاومة صعدت مع تفاقم الطابع الاستعماري للحرب الأسدية ضد الثورة.
في المحصلة تتواطأ استعدادات قديمة مع تجارب جديدة ليشغل الإسلاميون موقعا أفضل من غيرهم للاستفادة من التغير السياسي في بلداننا، وللتأثير عليه في الاتجاه الذي يناسبهم.
لكن الإطار الإسلامي ضيق، اجتماعيا وسياسيا وقيميا وفكريا، على مجتمعاتنا المعاصرة، وهو منذ الآن هناك احتكاك متزايد بين صيغ انضباطه ونوازعه السلطوية وبين تطلعات التحرر والسيادة على النفس لدى جمهور متسع. هذا ظاهر في مصر وتونس، وهو يزداد ظهورا في سورية ذاتها، رغم الظروف القاسية التي لا تشجع على إظهار التمايزات الفكرية أو إثارة خصام بشأنها.
وعلى نحو ما إن الفتحة الكبيرة التي أحدثتها الثورات في جدار الطغيان تستفيد منها قوى متنوعة، وليس الإسلاميون وحدهم، فإن استمرار فاعلية الثورات مرهون بالمثابرة على توسيع هذه الفتحة.
هنا أيضا هناك سياستان ممكنتان في هذا الشأن.
هناك معادل سياسي للنظرية الثقافوية المشار إليها فوق، يأمل لو كان يمكن تضييق الفتحة كي لا يمر منها الإسلاميون، ويزكي العودة إلى حكم نخبوي جديد، صيغة من "الاستبداد المستنير" في أحسن الأحوال: الأنظمة ذاتها، والتشدد ذاته مع الإسلاميين، مع تشجيع "المتنورين" و"العلمانيين" ورعايتهم! لكن لا نعرف مثلا واحد استبعد فيه الإسلاميون دون أن يستبعد غيرهم. فللنظم النخبوية بنيتها الاحتكارية التي لا تبالي بأماني الإيديولوجيين. وكسر هذه البنية المتصلبة لا يمكن أن يكون انتقائيا، فإما يدخل الجميع، أو لا يدخل أحد.
وهناك سياسة أخرى ممكنة، تنطلق من أن المزيد من الثورة وتوسيع الفتحة في جدار الاستبداد هو الشيء الجيد لمجتمعاتنا، وأن ما هو جيد ضد الطغيان القائم هو الجيد ضد الطغيان الإسلامي المحتمل. نفترض أن مشكلتنا مع الطغيان أنه طغيان وليس أنه إسلامي، خلافا للإيديولوجيين الثقافويين. ومقاومة هذه النظم هي الأرضية الأخلاقية التي تؤهل لمقاومة نسخ إسلامية محتملة منها.
المبدأ في هذه السياسة الممكنة أنه كلما دخل الناس بأعداد أكبر في الحياة العامة وأسمعوا أصواتهم أكثر كان هذا جيدا ضد الهياكل لاجتماعية والاقتصادية والسياسية للطغيان: أي حكم النخبة وأصحاب الامتيازات، وكان في المحصلة أعصى على تعليب الناس في قوالب سياسية ضيقة، ولو كانت دينية.
أطلقت الثورات الإسلاميين، نعم، لكنها أطلقت ورفعت القيد عن الجميع. يستفيد الإسلاميون أكثر من غيرهم من الثورات، نعم، لكن لأنهم منظمون أكثر من غيرهم. وموافقة ما بعد الثورات لمحركاتها التحررية مرهون بتوسيع الفتحة في سور الطغيان ومقاومة أي جهد موجه نحو تضييقها من جديد.
إن كان من شيء يمكن أن يقوي مجتمعاتنا في مواجهة طغيان إسلامي محتمل فهو توسيع هذا الخرق التاريخي ودخول أكثرية السكان الساحة السياسية الجديدة، أي بالضبط عكس الميل السياسي الذي يعرضه الحس "العلماني" السليم اليوم.
ويبدو على كل حال أن العملية التاريخية التي أطلقت هذه المقاومات الاجتماعية وأحدثت هذا الخرق الكبير ليست مما يستطيع الإسلاميون وضعها في جبيهم. هذا الامتناع ظاهر منذ الآن في تونس ومصر، وهو أقل ظهورا في سورية بفعل الشروط المعلومة. لكن ليس هناك أي مبرر لتوقع أنه لن يظهر، أو أن موجة صعود إسلاميين متشددين لن تواجه بمقاومات متنوعة من قبل المجتمع السوري.
المسألة صراعية في كل حال.
في النهاية، يعكس التناقص الكبير للثورات العربية تناقضات شروطنا الاجتماعية والسياسية المعاصرة. يجري توسل الدين لامتلاك السياسة في مجتمعات جُرّدت من السياسة، أي من الاجتماع والاحتجاج، وحتى من الرأي. لكن ما يصلح لامتلاك السياسة يصلح، أو هو أصلح، لاحتكارها. نزعات الاحتكار ظاهرة في البلدان المعنية كلها.
مواجهة الاحتكار الديني محور أساسي في صراعاتنا المقبلة. وثورات اليوم رصيد أساسي يستند إليه في هذه الصراعات.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة في المملكة الأسدية
- ثلاثة أشكال للعنف في الثورة
- من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة
- -من بدل دينه فاقتلوه-!
- ثلاثة أشكال للنزعة السلمية في الثورة السورية
- استحضار كربلاء في -قلعة العلمانية-!
- عمر عزيز
- قطع رأس أبي العلاء
- عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية...
- ثورة أكثر، سياسة أكثر
- سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟
- تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية
- الأسد أو لا أحد/ الأسد أو نحرق البلد: نظام العدمية السياسية
- المراقب المثالي والصراع السوري
- المنسى السوري... المنساة السورية


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التناقض الكبير للثورات العربية