أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 14 - إفتح يا سمسم















المزيد.....

خرائب الوعي .. 14 - إفتح يا سمسم


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4025 - 2013 / 3 / 8 - 13:53
المحور: الادب والفن
    


في الغرفة رقم 22 في أحدى ضواحي المدينة، يقضي أمسياته وحيدا، يحدق في الجدران العارية .. يحلم .. يقضي الساعات الطويلة مستلقيا على السرير، يتأمل السقف، ويتخيل النجوم والشموس والاقمار في رحلتها الأبدية عبر السقف الواطئ، من زاوية لزاوية‬، وفي بعض اللحظات يقف أمام النافذة يراقب الشارع الطويل الممتد تحت بصره. صورة غائبة. يتبعها العودة.
العقل حجاب، الصحو حجاب، العقل مسافة، الوهم وهم، المساحة فراغ، بين وبين علاقة، الأشياء حجاب، العقل قد ينعكس على نفسه، المسافة تتمدد، التمدد يزداد تمددا، مثل مسافة تتمدد إلى ما لا نهاية، عشرات ومئات الرؤوس تتحرك وتتموج في شكل غابة بشرية صاخبة. تزداد الأشياء التصاقا بالعدم، يزداد العدم إلتصاقا بالأشياء، نكتشف علاقات جديدة، وحالات ومواقف لا نعرفها، لانرى لأول وهلة سوى الأسئلة التي تبرز فجأة أمامنا، لأول وهلة لاندرك الاحجية الجديدة، ولا الحواجز التي تتكاثر يوما بعد يوم، الحجاب حجاب يحجب الحجاب. ننسى، ننسى، ونتذكر النسيان، الحقيقة أيضا حجاب. لا نؤمن بالعالم، ولا بالأشياء، الإيمان حجاب. حين يطحننا التناقض، حين نفقد القدرة على التنفس، ونختنق بين حدي المعادلة، ننسى، ننسى على الدوام المخرج الوحيد، ذلك اما ان نحاول اكتشاف انفسنا في داخل الأشياء، أو اكتشاف الأشياء في داخلنا. وننسى، ننسى بطريقة تبعث على البكاء العلاقة المشبوهة القائمة بيننا وبين الأشياء، بيننا وبين العالم. مئات السنين انقضت على وفاة المعلم كما يسمية المحترفون بالعلم والفلسفة، ومازلنا نمجد منطقه المتخشب، مازلنا نعبده، ونؤمن به، وبأن الباطل لايأتيه من بين يديه ولا من خلفه، مازلنا نصرخ معه في وجه الواقع، الأشيا إما ان توجد أو لا توجد، وننسى كما هي عادتنا بأن الأشياء يمكن أن توجد وأن لا توجد في نفس المكان والزمان رغم أنف ارسطو. أخرج المفتاح من جيبك بدل أن تحك راسك، وتجرع قهوتك المرة، وانظر هناك .. هناك هناك عند نهاية المنعطف، الشمس الكبيرة تتثاءب دون اكتراث، وفي الأفق الملون بدم الزهرة والعصفور والطفل الجائع، يزرع اللا شيء السحب المتحركة بآلية وصمت، حاول أن تدرك الباب. تمضغ قهوتك المرة، وتعانق دخان سيجارتك، وتظل تبحث عن رئة اصطناعية تعبر منها ساحة الموت نحو صمت مطلق، وتنسى الباب المغلق. ويصطدم حجر صغير بقدمك العمياء، وتواجه عين عمود الكهرباء الوحيدة، فيطلق حكمته الكئيبة في وجهك: أينما تولوا وجوهكم فليس ثمة شيء سوى الريح. الباب أين هو الباب؟ وتلوح بيدك، وتمضي متمتما، فليس ثمة شيء في العالم يستحق ان يحزن - يموت - المرء من أجله. كفردة حذاء قديمة أمام بيت مهجور، باب بيت مهجور، تجلس وتنظر إلى البحر الشاسع يمتد أمام عينيك إلى ما وراء حدود الحلم، لحظات الوعي تنقصنا.. تقول وتحلم، أم هي الذاكرة الملعونة تتثاءب. ياحزن العالم هبنا لحظة صحو أبدية، يقول الشاعر من وراء الجدران، وتقرأ اللافتة المعلقة عند مدخل المقهى " ممنوع دخول الشعر "، وتمضي حاملا احزانك في جريدة مدعوكة. تجتاز الشارع، وتتحسس برودة المفتاح في جيبك. الطفل والزهرة والدم المراق وعيون "المبهجة" وقطرات العرق، هل تزداد الظلمة سوادا بعد ان تمرعشرات السنين؟ وهل يمكن لشعاع الشمس ان يخترق جدران الزنازين؟ دموع الصحراء مرة أخرى، الغزلان تجري مذعورة تلاحقها السيارات الرباعية، والرصاص. يبدو ان الدموع كانت وما تزال على مر العصور الوسيلة المفضلة لغسل الشر الملتصق بوجه الدنيا، وننسى - كما هي العادة- في لحظات الفناء في عيون "المبهجة" أن الشمس الكبيرة ابتلعت المفتاح. انصهرالمفتاح كقطعة من الشمع، أو ذاب في فنجان القهوة، وتنسى، ان الدموع المقدسة التي نسحق بها الشرلايمكن خلقها إلا بالشر ذاته، فالشر حجاب. موت الأطفال والطيور والغزلان والكلاب والخرفان والرجال والنساء والأزهار والأيام وكل لأشياء، والشر يعتصر البشر كما الزمن الملعون يغتصب الحياة. لست احلم، ولكنه حجر صلب يصفع العينين وسط الشارع والمقهى والبيت والمكتب والمكتبة وأمام مركز الشرطة، في عيون الطغاة أراه، أراه وسط الشارع والمقى والبيت. وتمضغ قهوتك المرة، وتعانق دخان سيجارتك، وتظل تبحث دوما عن نفق سري تعبر منه ساحة الموت نحو المطلق، نحو عيون الحبيب والحبيبة الغارقة في الدم. ويواجهك الإنسان الطفل الجائع، كما كان منذ عصور، بلا لسان، وبلا عينين، مشنوقا في الفضاء تحت اشعة الشمس الكبيرة ، تطهرنا، تغسل دموع الاطفال، تجفف العرق القلق العالق في الجسد، والجسد ليس الحجاب ولكنه المحجوب. ونحلم بالاماسي البالغة الرقة، تملؤنا بالسلام والحب .. إلخ، ولكن في غمرة البحث في قعر الزجاجة عن العيون المتألقة، نكتشف أن الدموع لا تصنع بحرا، ان الدموع لا تصنع الطوفان المنتظر. ونستجدي لحظة صمت ابدية، ونغرق في الانتظار امام الطاولة الحديدية الخضراء، أمام كومة الكلمات، الشجرة والصمت والصخرة والله والتاريخ وكرسي فان غوخ وقطرة المطر وطعم قهوة الصباح. والطفل هنا يضحك، ربما يقهقه على كتف الشيطان، والوجود، الوجود كالوخزة في العين، كالطعنة في القلب، ونقرأ معا في منشور سري: 1- ان نغير جلودنا، أن نتقشر. 2- أن نمارس الفعل، الصخرة الصلبة لا تزيحها إلا يد صلبة. ‪ ‬3- ان نتحرك نحو المطلق، ان نخطو الخطوة الأولى، ان ننمو ونتكاثر ونتحيز في المكان والزمان، كالشجرة والكرسي والصخرة وعمود الكهرباء الراسخ في اسفلت الشارع. 4- أ - الفكرة.. تظل حلما ملونا، وانتظارا لطوفان النار المستحيل، حتى يعانقها اطفال العالم. ب - الفكرة تظل ورما، مرضا يؤرق كل الكادحين المهمشين حتى تتفجر داخل كل منا، واحدا واحدا، سيفا، قلما، لونا، كلمة. جـ - الفكرة تظل مجرد متشرد بلا وجه ولا ذاكرة، يزرع الملح عند الفجر، ويحرث البحر في الظهيرة، ويحلب النجوم عند الغسق، حتى تتفجر في داخل كل منا، طريقا مضائا بالشمس الكبيرة والقمر والنجوم والكلمات الطليقة. نتيجة: فلنعانق الفكرة الحية، لنحتضنها، ولنسرق لها الدم، لتصبح زهرة وشجرة وكرسيا وطفلا يضحك ورغيفا وسقفا، ولنهتف بحياة الفكرة الحبلى بالطوفان القادم. وتضحك في سرك من سذاجة الكلمات، تعرف أن "افتح يا سمسم" ليس مفتاحا لكل الأبواب.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرائب الوعي .. 13 - الرأس المقطوعة
- خرائب العقل .. 12 - تحرش بعد الغروب
- خرائب الوعي .. 11 - الشاعر والعطش
- خرائب الوعي .. 10 - المرأة التي أكلها النمل
- خرائب الوعي .. 9 - لا يحب الله والله لا يحبه
- خرائب الوعي .. 8 - الطابق الثاني
- خرائب الوعي .. 7 - قوارب الهجرة إلى الجحيم
- خرائب الوعي .. 6 - الصندوق
- خرائب العقل .. 5- الحاشية
- خرائب الوعي .. 4 - مقبرة الضباع
- خرائب الوعي .. 3 - العمياء وقصر الغول
- خرائب العقل .. 2- وطني حقيبة وأنا مسافر
- خرائب الوعي 1- البداية
- ليبيا .. الثورة القادمة
- محطة الكلمات المتصلة
- الفضيحة
- حوار مع الله .. الحلقة السابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة السادسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الخامسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الثالثة


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 14 - إفتح يا سمسم