أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة















المزيد.....

من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4020 - 2013 / 3 / 3 - 17:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يعاني من ألف مشكلة، لكن مجتمع الثورة السوري يظهر حيوية متعددة المستويات أيضا. غير أشكال متنوعة من المقاومة في ظروف بالغة العسر طوال عامين، تلفت النظر جهود مجتمع الثورة على مستويين: التنظيم الذاتي، والتعبير متعدد الأدوات عن الرأي.
في غير مكان من البلد تتشكل مجالس محلية، منتخبة بقدر ما تسمح الظروف، تحاول تنظيم أوضاع السكان في مناطقهم، بما فيها الشؤون الأمنية. والمقصود بهذه بخاصة ضبط تجاوزات متنوعة وتعديات على الناس والأملاك في هذه المناطق. ومنها أيضا ضمان التموين وتوزيعه، والاهتمام بالشؤون الصحية وغير ذلك من القضايا الحياتية للناس.
ليست كل هذه التشكيلات منتخبة. بعضها بادر إليه مواطنون متطوعون لتسهيل شؤون الحياة في محيطهم. وبعضها يتبع تنظيمات أو منظمات، من أبرزها الإسلامية. يلفت الانتباه اهتمامها بالتعليم، الديني طبعا، بينما ليس هناك تعليم للأطفال منذ أكثر من عام في العديد من المناطق. هذا كارثي.
الوجه الثاني لحيوية مجتمع الثورة، أو بالأصح مجتمعاتها المتنوعة، هو أشكال تعبيرية المتنوعة، تتمثل بخاصة في عشرات الصحف والمجلات الجديدة، وانفتاح شهية السوريين على التعبير عن أنفسهم بصور شتى، لا تقتصر على الكتابة والكلام، وتشمل اللافتة والغرافيك والصورة والشريط المصور والأغنية وغيرها.
مستوى الصحف الجديدة من حيث الحيوية والتنوع لا يقارن بصحف النظام. ويعمل فيها، ويصدرها بكلفة محدودة، ويوزع نسخها الورقية، شباب وشابات أساسا. وهي تحمل حساسية جديدة، شابة، مغايرة كثيرا لحساسية الجيلين السابقين، على نحو يتجسد في أسماء كثير من هذه الصحف الجديدة: "طلعنا عالحرية" (لجان التنسيق المحلية)، "عنب بلدي" (داريّا)، "زيتون" (إدلب)، "حنطة" (السلمية)، "سنديان" (اللاذقية)... تتعثر بعضها وتتوقف وتعود إلى الحياة.
وأول دلالة لذلك هي أن سورية تنتج اليوم من الأسماء والكيانات والذاتيات الفردية والجمعية ما لم تنتج طوال خمسين عاما من الحكم البعثي. تنتج الحرية. وجها إعادة التشكل الاجتماعي والوطني هذان، التنظيم الذاتي والتعبير، هما ما يمنح فكرة الحرية في سورية مضمونا إيجابيا يتجاوز إسقاط النظام.
لا شيء من ذلك أو يشبهه من طرف مجتمع النظام المكافح من أجل العبودية، والأسير لغروره وانحطاطه الثقافي والأخلاقي.
لا شيء من ذلك أيضا لدى المعارضة المنظمة.
هذا ليس للقول إن أحوال مجتمع الثورة أو مجتمعاتها المحلية المتنوعة واعدة ومبشرة. الواقع أنه يمكن التكلم على مظاهر انحلال واسعة، عن تهتك شديد للروابط الاجتماعية حتى على المستويات المحلية، عن انتشار العنف وعن توسل العنف لتصفية حسابات متنوعة أو لجني مكاسب خاصة. لا تفي صيغ التنظيم الذاتي بالحاجة في معظم المناطق، ولا تزال عوامل الانحلال والتبعثر والأنانية أقوى حضورا وأثرا من عوامل الالتئام والتعاون والعمل المشترك.
ما يظهر اليوم في شروط الثورة هو أن نسبة السوريين الذين لا ضوابط ذاتية عالية. هذا التكوين البشري هو قاعدة الطغيان وسنده. وتقليص هذه النسبة من التحديات الكبيرة التي ستواجه السوريين الجدد في مستقبل قريب.
الحرية التي تكسب بالثورة سيتعين إعادة كسبها عبر تربية الضمير والانضباط الذاتي.
مع ذلك ليست مظاهر الانحلال هذه غير صعوبات عملية، كبيرة وكثيرة، لكنها واضحة، من شأن تخصيص جهد ووقت وموارد لمواجهتها أن يحقق تقدما سريعا في معالجتها وحلها.
هناك مشكلات أشد عسرا، تتصل بالمجموعات الإسلامية الجهادية التي لا تخفي تطلعها إلى مثال للتنظيم الاجتماعي والسياسي لا يتغاير كثيرا مع ما عرفته سورية منذ نشوء كيانها المعاصر، وإنما هو يفيض على الكيان السوري ذاته ويتجاوزه نحو ضرب من الأممية الإسلامية. وفي غياب ديناميات واقعية تسند هذا النموذج، لا يمكنه أن يتحقق بغير عنف مهول.
هذه المجموعات تحوز حاليا شرعية مزدوجة من مواجهتها لنظام قتل عام، ومما تعرض له الإسلاميون من استبعاد طوال نصف قرن، فضلا عن الشرعية الإسلامية العامة، لكنها تطرح مشكلة لا تختلف عن المشكلة التي تعاني منها سورية في ظل النظام البعثي والأسدي. وبخاصة من حيث إرادة الطرفين رد المجتمع السوري المتنوع، الفائض التنوع، إلى مجتمع قضية كبرى واحدة، يفترض أن تتمركز حولها حياة السوريين وثقافتهم وسياستهم. إنها "الإسلام" في حالة، و"القضية العربية" في حالة، وقد آلت الأخيرة إلى تخوين المجتمع على نحو يبيح قصفه بصواريخ سكود، وتدمير البلدات والأحياء مدن فوق رؤوس ساكنيها على ما نرى اليوم.
للتكفير والتخوين بنية واحدة، وكلاهما سياج للسلطة المطلقة، والأممية الإسلامية أكثر حتى من الأممية العربية من حيث كونها طوبى بلا سند واقعي، تؤسس لمصادرة حياة المحكومين من قبل أقلية، لا بد أن تحكم بالطغيان.
كثير على الثورة السورية أن تواجه نظاما احتلاليا مدعوما من دولتين قوميتين شديدتي القسوة، وتبطن سياسة أجهزة القتل فيه نزعة ثأر تاريخي ("كربلاء"... إلخ)؛ وتثقل كاهلها تشكيلات دينية مقاتلة شديدة التعصب، ترفع قضيتها فوق الناس، وتريد حكم الجميع غصبا عنهم؛ وفوق هاتين مشكلات ما لا يحصى من المشكلات الحياتية اليومية.
لكن هذا هو الحال ولا مهرب منه. وهو يطرح، فيما يتجاوز التخلص من الشبيح العام، مشكلات الإصلاح الاجتماعي والتربوي والأخلاقي، بما في ذلك حفز قيم التواضع في مواجهة الغرور، والتنظيم في مواجهة الاعتباط، والتسامح في مواجهة التعصب، واحترام المجتمع في مواجهة المزايدة السياسية والفكرية عليه، أي ضد التشبيح.
وليس غير مشاركة أكبر عدد من السوريين في شأنهم المشترك، والتوسع في صناعة الحرية عبر التنظيم الذاتي والتعاون، وعبر تملك الكلام والتعبير، والمقاومة طبعا، بما فيها المسلحة، ما يمكن سوريين من تملك التغيير والتحكم بمحصلاته.
الرهان هو التحكم بشرط الحياة والتحول نحو مجتمع المشكلات الصغيرة الكثيرة بعد أكثر يكاد يقارب 6 عقود من القضية الكبرى الطاحنة للبشر. مجتمع القضية الكبرى لم يحقق تقدما، لا على مستوى القضية الكبرى المزعومة، ولا على مستوى المشكلات الصغيرة التي لا تعد.
مجتمع المشكلات الكثيرة هو مجتمع الكثرة من الناس، مجتمع الناس الذين يحررون أنفسهم بينما يغيرون حياتهم، بقدر ما إن مجتمع القضية الكبيرة الواحدة هم مجتمع الطغيان والتماثل والموت.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -من بدل دينه فاقتلوه-!
- ثلاثة أشكال للنزعة السلمية في الثورة السورية
- استحضار كربلاء في -قلعة العلمانية-!
- عمر عزيز
- قطع رأس أبي العلاء
- عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية...
- ثورة أكثر، سياسة أكثر
- سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟
- تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية
- الأسد أو لا أحد/ الأسد أو نحرق البلد: نظام العدمية السياسية
- المراقب المثالي والصراع السوري
- المنسى السوري... المنساة السورية
- في شأن -جبهة النصرة- والسياسة الملائمة حيالها
- ليس لدى -السيد الرئيس- من يشاركه!
- قبول -الحل الإبراهيمي-، وليس رفضه، هو ما يؤدي إلى -الصوملة-؟


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة