أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - اساف اديب - اتفاق الدوحة محطة في الطريق لنهاية العولمة















المزيد.....

اتفاق الدوحة محطة في الطريق لنهاية العولمة


اساف اديب

الحوار المتمدن-العدد: 1 - 2001 / 12 / 9 - 01:57
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



خوفا على تفاقم الازمة العالمية، توصل ممثلو 144 دولة في مؤتمر الدوحة لمنظمة التجارة العالمية الى صيغة توفيقية أجّلت الخلافات في القضايا المصيرية دون ان تحل ايا منها؛ مؤتمر المنظمة العالمية التي كانت رمزا للعولمة الرأسمالية، كشف التناقضات الخطيرة بين اوروبا وامريكا، وبين امريكا والعالم الفقير، اذ لم يعد بالامكان تجاهل الاغلبية الساحقة من البشرية التي تعيش الفقر والتخلف؛ وقائع المؤتمر الرابع لمنظمة التجارة العالمية تشير الى انه احدى المحطات الاخيرة لنظام العولمة.

اساف اديب

مؤتمر الدوحة الذي عقدته منظمة التجارة العالمية (WTO) بين 9 و14 تشرين ثان (نوفمبر) الاخير، كان امتحانا مصيريا لقدرة امريكا على ادارة وقيادة العالم. فعلى ضوء الازمة الاقتصادية العالمية التي تجتاح كافة البلدان الرأسمالية، وبسبب الهجمات الارهابية على امريكا والوضع العالمي الخطير الذي نشأ بعدها، رأى بعض المراقبين ان فشل المؤتمر كان سيشكل ضربة قاصمة للنظام الاقتصادي العالمي.
وفيما رفضت الادارة الامريكية في المؤتمر السابق التفهم لمطالب فرنسا واليابان واحتياجات الدول النامية واصرت على مصالحها الخاصة، اضطر بوش هذه المرة لاجراء بعض التنازلات للحيلولة دون فشل المؤتمر. وبعد مداولات مضنية استغرقت ستة ايام تقرر تمديدها ب24 ساعة اضافية، تمكنت الدول ال144 الاعضاء في المنظمة من التوصل الى صيغة متفق عليها.
ويذكر ان المؤتمر الثالث لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد عام 1999 انتهى بالفشل بسبب التناقضات التي برزت بين الدول الاعضاء، وسيما بين الدول الغنية والنامية، وتحت ضغط المظاهرات الشعبية في شوارع مدينة سياتل الامريكية.
قرار منظمة التجارة عقد مؤتمرها الرابع في الدوحة، هدف الى إبعاد المداولات عن المظاهرات والرأي العام، بحجة توفير جو هادئ يمكّن الرأسماليين من الوصول لصيغة اتفاق حول ادارة العالم وضمان رفاهية شعوبه.
ولكن الحقيقة ان سبب فشل المؤتمر السابق لم يكن المظاهرات، بل الوضع العالمي المتفجر والذي لم يعد بالامكان تجاهله. الصيغ الفضفاضة التي اعتُمدت في النهاية والقاضية بفتح جولة جديدة من المفاوضات حول تحرير التجارة من الجمارك والعراقيل وتأجيل العديد من القضايا الصعبة التي هددت بتفجير الاجتماع، دلت على عمق الصراع القائم بين امريكا واوروبا من جهة وبين امريكا وبلدان العالم الفقير من جهة اخرى.

نقاط الخلاف

تمحور النقاش في مؤتمر الدوحة حول ثلاث قضايا اساسية: الاولى، اسعار الادوية المرتفعة التي تمنع الدول الفقيرة من الحصول على الادوية اللازمة لمحاربة امراض خطيرة مثل الايدز والملاريا التي تفتك بشعوبها. وتطالب الهند والبرازيل ودول افريقية شركات الادوية الامريكية والسويسرية الكبيرة بالسماح لها بانتاج الادوية الحيوية باسعار ملائمة للامكانيات المادية لمواطنيها.
القضية الثانية متعلقة بالدعم الحكومي السخي الذي يتلقاه المزارعون في اوروبا الغربية واليابان، الامر الذي يسمح لهم بتخفيض اسعار منتجاتهم، ويعيق بالتالي امكانية الدول النامية تصدير منتجاتها الزراعية الى هذه البلدان باسعار منافسة. وتطالب هذه الدول بوقف الدعم الحكومي وفتح الاسواق امام التنقل الحر لمنتجاتها. ولكن الفلاحين في اليابان واوروبا الغربية منظمون في مجموعات تمارس ضغطا شديدا على حكوماتها، وترفض الاستيراد الحر للمنتجات من دول اخرى لاسواقها.
الامر الثالث خاص باصحاب الصناعات الامريكية الذين يصرون على حماية احتكاراتهم للسوق المحلية في مجال الفولاذ والالبسة، عن طريق فرض الجمارك المرتفعة. وتطالب اليابان ودول اخرى الادارة الامريكية بالغاء الجمارك عن الفولاذ، كما تمارس دول نامية ضغوطا لرفع الجمارك عن فرع النسيج.

مرونة امريكية نتيجة الازمة

واعتبر الاتفاق على البيان الختامي للمؤتمر مثابة انجاز كبير للممثل الامريكي، روبرت زوليك، الذي ابدى مرونة نسبية لانجاح المؤتمر. وعلقت نيويورك تايمز (14/11) بالقول: "ان المرونة الملحوظة التي اتسم بها موقف ادارة بوش تتناقض مع الموقف الحازم الذي اتخذته الادارة في مسائل البيئة وخطر ارتفاع درجة حرارة الكرة الارضية والمداولات حول معاهدة حظر السلاح البيولوجي واتفاقات اخرى. يبدو ان اهتمام ادارة بوش بالوضع الدولي بعد اعتداءات ايلول، اثر على موقفه في المجال الاقتصادي ايضا".
ولكن الحقيقة اخطر من ذلك، فهذه المرونة تشير للحالة الخطيرة التي وصل اليها الاقتصاد العالمي. فالدولتان الرأسماليتان الكبيرتان، الولايات المتحدة واليابان، تجدان نفسيهما في حالة ركود اقتصادي. ولم يحقق الاتحاد الاوروبي نموا اقتصاديا هذا العام الا بنسبة ضئيلة جدا. وقد علق الصحافي ديفيد سانغر (نيويورك تايمز، 31/10) قبل مؤتمر الدوحة بالقول انه: "في حالات سابقة كان بامكان الاقتصاد الامريكي ان ينقذ الاقتصاد العالمي من ثلاث هزات خطيرة على مدى سبعة اعوام: في المكسيك ثم في شرق آسيا وروسيا"... اما اليوم فتعجز امريكا عن لعب هذا الدور بسبب الركود الاقتصادي الذي اصابها.
النتيجة المحتملة لهذا الوضع، كما يحددها سانغر، هي دخول العالم الى "حالة ركود كونية لم نر بعد اصعب مراحلها. الضغط على الدول النامية وعلى الدول الفقيرة سيزداد، وسيبدأ العمال وحكوماتهم بالبحث عن كبش الفداء. وفي هذه الحالة سيوجه هؤلاء النيران حتما للولايات المتحدة".
ان حاجة امريكا لنجاح المؤتمر تعود للمخاطر الكبيرة التي تهدد النظام الرأسمالي العالمي، وعليها اقناع العالم بنجاعة نظامها، وانه يحمل حلولا حقيقية لشعوب العالم. حالة الحرب التي دخلها العالم نتيجة اعتداءات 11 ايلول زادت المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي ليس فقط في الدول الفقيرة والنامية، بل في قلب الدول الصناعية الكبيرة التي تشهد ارتفاعا ملحوظا في نسبة البطالة.

غلاء الادوية يفضح العولمة

كشف المؤتمر عن تناقض سافر بين شعار امريكا واوروبا القاضي بضرورة تحرير التجارة ورفع كافة القيود والجمارك عن التبادل التجاري، وبين ما يتم على ارض الواقع. ففي حين منعت شركات الادوية الامريكية دولا افريقية من استيراد ادوية ضد الايدز باسعار مخفضة من الهند، بحجة الاحتكار الامريكي لحق اختراع هذه الادوية مما عرض الافارقة لكارثة انسانية، فقد شهد العالم في تشرين اول (اكتوبر) الماضي كيف هددت امريكا الشركة الالمانية "بايير" التي تنتج دواء "سيبرو" لمعالجة الجمرة الخبيثة (انثراكس)، باعادة انتاج الدواء وتسويقه باسعار زهيدة للمواطنين الامريكيين اثناء ازمة الجمرة الخبيثة، اذا هي لم تخفض الاسعار.
وقد كان لهذه التجربة اثر مباشر على الموقف الحازم الذي اتخذته الهند والبرازيل ومجموعة الدول الافريقية في المؤتمر حول مسألة الادوية. وانتهى الامر بموافقة امريكا وسويسرا اللتين تحتكران اكبر مركز لانتاج الادوية، على صيغة جديدة تسمح للدول التي اصيبت بداء خطير بانتاج ادوية باسعار رخيصة دون مراعاة حقوق الاختراع للشركات الكبيرة.
بغض النظر عن الصيغة التي تم الاتفاق عليها يبدو ان مسألة حرمان افريقيا والبرازيل وقسم كبير من سكان المعمورة من الادوية الحيوية بسبب ثمنها الباهظ، اصبحت من النقاط التي تفضح النظام الرأسمالي العالمي وتكشف همجيته. ففي احد اطراف الدنيا يموت ملايين البشر يوميا، رغم ان الادوية لامراضهم متوفرة بكثرة في الجانب الآخر من المحيط، ولكنها لا تصل الا للذي يستطيع ان يدفع ويحقق لشركات الادوية الارباح الطائلة.

الفقر ودعم المزارعين

مجال التصدير الزراعي تحول الى موضوع الصراع الرئيسي ولم يحسم حتى اللحظة الاخيرة للمؤتمر، وانتهى بصيغة فضفاضة عديمة اي مغزى عيني. مراسل "واشنطن بوست" سباستيان مالابي انتقد بشدة الدول الغنية وسيما اوروبا في هذا المجال (5/11)، فقال:
"هناك 2.8 مليار نسمة في العالم يعيشون من اقل من دولارين في اليوم. نحن في العالم الغني نخاطب هؤلاء ونقول لهم انهم لو جدوا واجتهدوا لامكنهم الخروج من الفقر. ولكننا في نفس الوقت نفرض الجمارك والضرائب على منتجاتهم الزراعية والصناعية المختلفة والمعتمدة على تكنولوجية غير متطورة".
وقدم بعض المعلقين الارجنتين كنموذج للدولة النامية التي تملك قدرات هائلة على تصدير المنتجات الزراعية، ولكن الجمارك الامريكية والاوروبية تمنعها من الاستفادة من هذه القدرات وتدفع هذا البلد الغني والكبير الى شفا الانهيار الاقتصادي.
من المهم الاشارة الى السياق الذي يرد فيه مقال ملابي الذي يُظهر الوضع المأساوي في العالم الفقير، وهو سياق المعركة الخفية التي تزداد وتيرتها بين امريكا واوروبا. ان رفض اوروبا فتح اسواقها امام المنتجات الزراعية يأتي ضمن صراع اعمق تمانع فيه اوروبا من الخضوع للاملاءات الاقتصادية التي تخدم في النهاية مصالح الامريكان.
على هذه الخلفية يمكننا فهم اصرار الحكومة الفرنسية والسوق الاوروبية على مواصلة دعم المزارعين الاوروبيين. حسب سبستيان ملابي، تدعم الحكومات الاوروبية المزارعين بمبلغ يصل الى مليار دولار يوميا. النتيجة ان نصف مدخول هؤلاء يأتي من الدعم الحكومي، الامر الذي يسمح لهم ببيع بضائعهم باسعار رخيصة في الاسواق، ويضرب قدرة المزارعين من دول المغرب العربي على المنافسة.
الصيغة التي تم الاتفاق عليها في النهاية والتي منعت فشل المؤتمر، نصت على موافقة اوروبا على ادخال "الوقف التدريجي" للدعم الحكومي للزراعة. لكن هذه الموافقة جاءت مرافقة لجملة تنص على انه من السابق لاوانه تحديد نتائج المفاوضات حول الموضوع، الامر الذي يعني ان حجم التخفيض وتوقيته قد يفرغ الالتزام المبدئي من مضمونه طالما لم بتم تحديده بشكل عيني.

حماية الائتلاف ضد الارهاب

صحيفة "وول ستريت جورنال" لخصت وقائع المؤتمر (15/11) بالقول انه: "سعيا لابقاء الدول الفقيرة في اطار الائتلاف العالمي ضد الارهاب، وافقت امريكا واوروبا على الذهاب الى ابعد مما كان متوقعا لارضاء دول العالم الثالث...". تلخيص النشيطين والخبراء المناهضين للعولمة كان مختلفا. الاقتصادي الفيليبيني وادن بيلو كتب في مجلة "ذي نيشين" الامريكية (16/11) ان اعلان الدوحة هو "هزيمة للدول النامية... حتى الانجاز الجزئي في قضية الادوية بقي دون تغيير النص الرسمي للاتفاق السابق المتعلق باحتكار الاختراعات الفكرية. ويعطي هذا الدول الغنية امكانية استخدام الاتفاق القديم لمقاضاة الدول الفقيرة التي ستنتج الادوية باسعار مخفضة".
واضاف بيلو: "في مجال الزراعة استطاع الاتحاد الاوروبي تحييد مطالب الدول النامية بفتح اسواق اوروبا امام المنتجات الزراعية والغاء الدعم عن المزارعين المحليين. كما رفضت الولايات المتحدة طلب الدول النامية تسريع وتيرة شطب المخصصات لاستيراد النسيج والالبسة الى اراضيها، وغضت الطرف عن مطالب الدول الفقيرة في الموضوع".
بدل تتويج مسار العولمة في مؤتمر عالمي ضم لاول مرة الصين في اطار التعاون الرأسمالي العالمي، انتهى مؤتمر الدوحة بمحاولة يائسة لانقاذ نفسه من الانهيار. بدل ان تقود العالم للامام، تنشغل امريكا باخماد النيران التي اشعلتها في كل مكان فيه. صحيح، تم انقاذ مؤتمر الدوحة ولكنه اصبح محطة اضافية على الطريق لنهاية العولمة.




#اساف_اديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناهضة العولمة تمهد لبناء حركة عالمية ضد الحرب
- نقابيون بريطانيون يبادرون لبناء تيار نضالي جديد


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - اساف اديب - اتفاق الدوحة محطة في الطريق لنهاية العولمة