أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الروايةُ والثورةُ (5 - 6)















المزيد.....

بلزاك: الروايةُ والثورةُ (5 - 6)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4019 - 2013 / 3 / 2 - 10:37
المحور: الادب والفن
    



نتناولُ في هذا الجزء من التحليل رواية (الكولونيل شابير) هذه الرواية الآخاذة النموذجية من العمارة الكبيرة الإبداعية لبلزاك.
ليس ثمة رواية لبلزاك يبلغُ فيها التضادُ بين مرحلتي الثورة الفرنسية وما بعد الثورة، أي في زمن العودة إلى المَلكية، كما في هذه الرواية، إنه تضادٌ مكثف حادٌ عنيف مجسمٌ بحرقة.
الممهداتُ والعتبات الروائية التي طالما اتبعها الروائي للمضي نحو البؤرة الروائية هي هنا جسدُ المحاماةِ الأمامي الوضيع.
هنا المكتبُ الرثُ في أشيائهِ وموظفيه الستة، في وساختهِ وثرثرته السخيفة ونكاته الفجة، وبمنظرِ بقايا الأكل فيه، والملفات الظاهرة القبيحة، وفي الصِبية الذين يعملون في هذا المكتب والمستخدَمين لتوصيل الرسائل والتبليغات، هؤلاء الصبية الذين يضحكون على الزبون الفقير الرث الثياب.
هنا الآلية الحِرفية ما قبل التحول النوعي للمهنة، كجزءٍ من تضاريس رأسماليةٍ حِرفية وأجسام اجتماعية ما قبل رأسمالية تحيطُ بالعاصمة الفرنسية، كما سيظهرُ من تنامي السرد.
مثلما أن السردَ غير متبلور مركزياً، وله زوائد كهذه العتبة.
هذه الكتيبةُ من الموظفين وكلامُهم ونكاتهم لا دخلَ عميقاً لها في بؤرةِ الرواية، لكنها تقدمُ الشخصيةَ المحورية لتتوغل وتسودَ في العرض الروائي.
هذه الشخصيةُ الرثةُ الفقيرة الداخلة في هذا المكتب، هي بؤرةُ الروايةِ القصيرة هذه، وهنا تبدو الرواية على مفترق طريقين فإما أن تمضي مع شخوص المقدمة ويتحولون إلى بؤرة مركزية، وإما أن يتحول هذا المجهول إلى البؤرة، وقلقُ البؤرة هذا هو قلقٌ بنيوي لمرحلة بلزاك الروائية.
بعد هذه المشهدية التمهيدية التي يعرضها بلزاك نظراً إلى كونها جزء من ذكريات عمله كشاب في مكتب المحاماة، يأخذ الرجلُ الفقيرُ الشبح المسرحَ بكليته: (ذلك المشهد يمثل واحدة من آلاف المتع التي تجعل المرء يقول وهو يتذكرُ شبابَه الماضي ما كان أحلى ذلك العهد)، الكولونيل شابير، ص 17، وزارة الثقافة السورية، .1990
يطلب الرجلُ الرثُ مقابلةَ المحامي ويُعطى من قبل الموظف موعدا في منتصف الليل حتى لا يجيء، لكنه يحضر ويتأكد أن الموعد هو من تصميم المحامي نفسه الذي رتبه لكي يدرس قضايا الزبائن في هدأة الليل وليس لكي يقابل المدعين.
تتبدل اللوحةُ فجأةً ويغدو دخول المحامي صاحب الخلفية الثقافية عوناً سردياً للسارد الأولي وهو المؤلف، حيث تقترب قامتا الساردين.
يصبح هذا الرجل الكولونيل السابق هو الراوي حين يطلب منه المحامي سرد قصته، وتحول الساردين وتتابعهم هو كذلك جزء من طبيعة الروي البلزاكي.
شارك الكولونيل في معركة يقودها نابليون ضد الروس في ألمانيا، فيذكر اللحظات الأخيرة في سقوطه ونتائج هذا السقوط:
(وسقط الحصانُ وفارسُهُ إذن واحدٌ فوق الآخر. وكان أن غُطيت بجثةِ جوادي التي حالتْ دون أن تدوسني الخيول أو أن تصيبني القذائف)، ص.23
أصابت ضربةٌ نارية رأسه وحفرته بعمق، وحالت الجثث المختلفة دون موته، وصعد من خلالها بعد فترة، فاقداً الذاكرة لبعض الوقت وفاقداً أوراقه وعالمه العسكري السياسي كله.
تحول القائد العسكري إلى قتيل في الأوراق الرسمية، وظل يهيملا كمتشردٍ وساعده زوجان على تحديد حالته وتنظيم محضر بحالته، ولكن حالت الحربُ والظروف دون عودته إلى بلده ووضعه، في حين توجهت زوجته للزواج من رجل نبيل وأنجبت من الزوج الجديد ولدين، فغدت عودته إلى وضعه السابق مستحيلة.
دخل النموذج في حالة ترميز فالضابط الكبير الذي سار مع جيش نابليون عبر العالم، لم يجد هذا الجيش الغازي، بل وجد أعداءه في باريس، والثورة التي طردتْ الإقطاعيين ورجال الدين هُزمتْ، وعاد هؤلاء إلى مركزِ السلطة، فغدا بمثابةِ شبحٍ لها، فهو جزءٌ مهزومٌ مشوه عاد إلى فرديته المسحوقة وسقطت إشاراتها ومركزها، فالزوجة التي مثلت رمزاً مضاداً صعدت للنبالة وغدا زوجها الجديد النبيل يحذر من ماضيها، وأي هزة تأتي من صوب الماضي كفيلة بهدم الزواج.
الترميز يغدو فردياً، وحالة الكولونيل شابير تغدو مقطوعة الروابط مع حالةِ البرجوازية الثورية السابقة حيث إن وجوده العسكري في خدمة نابليون الذي عسّكر الثورة ثم حطمَ مثُلَها بغزوه للبلدان الأخرى، تعبير عن انهيار المُثُل الثورية الديمقراطية وتحولها إلى غزو وصناعة استبداد في الدول المغزوة.
ولهذا فإن شابير لا يستعيد تلك المُثُل أو يحدث مقارنات على مستويات عدة بين الحالة الجمهورية والحالة المَلكية العائدة، فهو فردي نمطي، لهذا فهو لا يقيم أية علاقات مع النماذج المتضررة من عودة المَلكية، وهو لا يصطدم بجوانب موضوعية من الزمن الجديد تكشف جوانب من شخصية ذات عمق كذلك.
فمطلبه الرئيسي هو العودة إلى مركز العسكري ووضعه العائلي، وحين لا يجدهما يتحلل، ويصير قمامةً من العهد النابليوني البائد.
لهذا فإن شخصية المحامي المتعاطف والمهني المستفيد تلعب دور كشف الحالة في حقيقة حيثياتها، ومدى انطباق أقواله على شخصه.
وهو أمرٌ يوسعُ دائرةَ البؤرة، ينقلُها إلى مكانِ عيشِ الكولونيل في الضواحي الرثة ذات الظروف الحِرفية العتيقة، وإلى ظروف الزوجة المرفهة التي غدت ارستقراطية، وهما مظهران يعكسان تنامي التناقضات الطبقية في المجتمع الرأسمالي الوليد المتسع.
تدخل الرواية دائرة الحِيل والمناورات القانونية، وتنتقل إلى مكان عيش الزوجة وعلاقاتها الجديدة، وتذبذبها بين الماضي والحاضر الزوجيين، مدركة أين تكمن مصالحها واتجاهها، محيلةً مناورات المحامي التي تحصرُها في زاويةٍ ضيقة مهددةً وضعَها الطبقي الجديد بالانهيار، إلى مناوراتٍ وخدع للزوج الأول السابق، بحيث تجعله يخسر قضيته الرابحة بنفسه.
تحلل الشخصية العسكرية وتدهورها نحو الجنون يبقى شأناً ضيقاً فردياً، بحيث ان الوضع المختل القائم ذاتياً وموضوعياً، لم يتغير بل يعود الوضع إلى الوراء.
لهذا تغدو الرواية قصيرة، ذات روابط قليلة، فزخم الشخصية المحورية كانت لحظة خروجه من تحت الجثث ومن تحت الأنقاض الاجتماعية، وإعادة شخصه، ولكنه حين يهمل هذا التطور تذبل الروابط الفنية والاجتماعية.
فلا نجد فرقاً كبيراً بين دفنه بين الجثث الميتة وبين وجوده في مركز الطب النفسي، والتشوه النفسي السياسي بدأ منذ ارتباطه بالجيش، لكنه لم يحاكم هذا الوضع، بل ظل له مفخرة، ولهذا فإن مرئيات الزمن العسكري وتحدياته البطولية تظل معدومة.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحريقُ الطائفي ينتشر
- طفوليةُ الكلمةِ الحارقة
- اليمن والخليج بين المبادرةِ والمغامرةِ
- بين ضفتي الخليج
- الديمقراطيةُ البرجوازيةُ العماليةُ
- الحزبُ الديني ورأسُ المالِ الوطني
- التجربتان العراقية والإيرانية: تبادلُ أدوارٍ
- المَلكيةُ والجمهوريةُ وتناقضاتُ الوضعِ العربي
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (4 -4)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (3 - 4)
- الفاشيةُ الإيرانيةُ وذيولُها
- هل يمكنُ إصلاحُ رأسمالية الدولة؟!
- شكري بلعيد.. اغتيالٌ يكشفُ أزمة (2-2)
- شكري بلعيد اغتيالٌ يكشفُ أزمة (1-2)
- تركي الحمد والقراءةُ التقليديةُ
- مرحلةٌ جديدةٌ من التغيير
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (2- 2)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (1-2)
- التوصيفُ الطبيعي للربيع العربي
- تسريحُ العمالِ ومسئوليةُ الانتهازيين السياسيين


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الروايةُ والثورةُ (5 - 6)