أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - العرب يقتلون العرب .. لماذا ؟؟













المزيد.....

العرب يقتلون العرب .. لماذا ؟؟


سيار الجميل

الحوار المتمدن-العدد: 1157 - 2005 / 4 / 4 - 11:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ملاحظة مهمّة : هذا المقال المّطول لم تنشره صحيفة النهار البيروتية كاملا ، فنشرت الاثنين 28 شباط/ فبراير 2005 اجزاء منه في قضايا النهار ، وفي نفس اليوم الذي اجتمع فيه مجلس النواب اللبناني اجتماعه التاريخي وسقوط وزارة السيد عمر كرامي . والمقال بعنوان ( وقفة تأمل عربية في مصرع الحريري ) .. وها أنا اعيد نشره كيلا أفّوت على قرائي الاعزاء سلسلة الافكار التي كوّنتها الاحداث سواء عن رحيل الحريري ام ما حصل من تداعيات لما بعد الرحيل .

كلمات لابد منها
اسمحوا لي ان أعّبر عن جملة من الافكار التي سحبتني اليها النهاية المأساوية لرئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري - رحمه الله - قبل ايام حزينة عجاف مّرت على المنطقة . وبادىء ذي بدء ، اقدم خالص التعازي للشعب اللبناني الحبيب ولأسرة الفقيد الكبير بهذا الحدث الجلل الذي رحل فيه الرجل المصلح عن ارضه وسمائه ليسجل ذكرى تاريخية لا تنسى عند مطلع القرن الواحد والعشرين ، وقد كتب بدمه الزكي علامة فارقة حقيقية اخرى في سجل الخالدين الذين قتلهم تاريخ عربي مضمخ بالدماء القانية ، وهو تاريخ لا يعرف الا القتل لغة ومنهجا وسبيلا .. ليس في لبنان لوحده حسب ، بل في كل رقعة ارض عربية يعمل رجالها بامتياز وصدق بين ثنائية من التباينات لا يمكن التوافق بينهما أبدا ، وبين صراع ارادات الخير ازاء ارادة الشر ، وبين رجال بناة صلحاء يعملون بارادة قوية من اجل مصالح وطنية وعربية عليا للمستقبل ، وبين اشرار جناة يسعون في الارض فسادا وقتلا وارهابا بوسائل جنونية وبكل ادوات مصادرة الحياة البائسة من اجل مصالح فئوية وحزبية وقطرية ودينية وقبلية وطائفية وخوارجية بليدة ضيقة .
لا اغالي ان قلت بأن العرب قد نسوا عروبتهم الحقيقية التي نجدها ناصعة بقيمها الرائعة وسجاياها الكريمة التي هي قديمة أصيلة في الوجود ، اذ دمرتّهم شعارات طوباوية صنعتها اسطورة القومية العربية بكل قيمها الفاشية القاتلة ، فهم يتحدثون باسم " رسالة الامة الخالدة " ويعبدونها زيفا وبهتانا ، ولكنهم يقتلون عروبتهم الحقيقية بأيديهم ، فالعرب تكره العرب متى ما كانت مصالح هذا لا تتفق ومصالح ذاك ومتى ما اختلفت توجهات وافكار هذا عن ذاك ! العرب امم وشعوب وقبائل وعشائر وبطون وافخاذ واطراف لا تعرف الرحمة ولا التوافق ولا حسن المعاشرة ولا الامر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ولا حسن الجوار ولا احترام الخصوصيات ولا الحدود ولا مراعاة المشاعر ولا صلاح ( الامة ) ! العرب يتعبدون في اوكار تحزباتهم ، ويرددون سجع الكهان وهم يقتلون رجالات ( أمتهم ) شر قتلة بعد ان ينتهكوا شرف ( الامة العربية ) مرارا وتكرارا .. احزاب قومية وحركات فاشية وانظمة دموية ورواد للامة العربية عملوا على تشويه التاريخ والانسان والارض والوجود .. مصريون يقاتلون يمنيين في اليمن ، وسوريون اوصياء على لبنان واللبنانيين .. وعراقيون يمحون الكويت من الوجود .. اردنيون وفلسطينيون يتصارعون في ايلول الاسود ! عرب متنوعون يفخخون السيارات ضد عراقيين ، وعراقيون يخطفون ويذبحون عراقيين .. جزائريون يذبحون جزائريين بالسكاكين ويأسرون مغاربة ومفرنسين .. سودانيون عرب يقمعون سودانيين وسعوديون يفجّرون سعوديين .. وسلسلة موت جماعي لا يتوقف في امة يقولون انها خير امة اخرجت للناس ! وبعد كل هذا وذاك يأتينا من يتشدق من المثقفين الفاشيين البرابرة ليلقي المواعظ البليدة ويوزع الاحكام التافهة من دون قيد ولا شرط ، بل ليتفاخر بامجاد لم نجد لها مثيلا اليوم ابدا ، ومن دون ان يحك رأسه قليلا ويشعر بالخجل طويلا ليفكر بواقعه التعيس الذي صنعه الافاقون في وجودنا المعاصر . ويبدو واضحا ما ادوار تلك التعصبات القومية والتطرف الديني التي استلهمت كل مثالب التاريخ لصناعة هذه الانقسامات المخيفة ، وقد قادت حصيلتها الى كل هذه النتائج المؤلمة .

اين التوافق .. اين المشاركة ؟؟
دعوني أقدّم نقدا صريحا أزعم انني كنت فيه جريئا وصارخا وصادقا من اجل صحوة ضمائر عربية تكاد تكون اليوم ميتة ، وأتمنى ان لا يزايد علّي الاخرون بقيم العروبة ولو لمرة واحدة ، وهي ( العروبة ) النقية التي تشّربت بها منذ صغري ، ولكننا اليوم نعيش نتائج سياسات بالية وفاشية مارسها العرب على مضي خمسين سنة ، فاصبح العرب على طرفي نقيض بين قيم سمحاء وهمجية شعواء ويا للاسف الشديد .. العرب لا يعرفون لغة التوافق والاختلاف معا مهما اعلنوا من شعارات ومهما تبجحوا من اقانيم .. العرب منذ ان وجدوا على ارضهم لا يعجبهم الا قتل انفسهم بانفسهم منذ حرب داحس والغبراء امتدادا الى صراعات عرب الجنوب وعرب الشمال ومرورا بحروب القبائل وثاراتهم المستعرة وقطع الطرق على القوافل وصولا الى حروب الزعامات والدول العربية اليوم ! عرب اليوم لا يعرفون المحبة في ما بينهم ولا تسكن قلوبهم الرأفة ولا المروءة ولا روح التفاني ولا التسامح والتسامي ، وان وجدت فترونها مزّيفة وقد حصلت باثمان يقبضونها ، انهم يظهرون عكس ما يبطنون .. انهم يلثمونك على وجنتيك ، ثم يبصقون على اعقابك ! انهم يضحكون بوجهك وسكينهم تطعنك في خاصرتك .. انهم لا يدركون غير لغة التآمر والدسائس الخفية والعمل السري من اجل صناعة الموت !
انهم يقتلونك ويشيعونك الى مثواك الاخير وهم يتباكون عليك ! انهم لا يتخذون العبر من قراءات الموت بالوسائل التي استخدموها عبر مئات السنين .. وسواء قتلوك غيلة بحد السيف ام اغتالوك فجأة بالنار ، ام ما تفتق عندهم من مواهب بقرصنة الطائرات ، او تفجير البنايات أو تفخيخ السيارات او قطع الرؤوس وحز الرقاب وبقر بطون الحوامل .. كلها جنايات تسجل ضد مجهولين ، فالقتلة لا يعلنون عن أنفسهم ، اذ تجدهم اما مرتزقة ملثّمين او ضباط مخابرات سريين أم مجرمين عتاة متمرسين .. مشروع القتل عند العرب مشروع ناجح ومتطور تماما على عكس مشروعاتهم البائسة الاخرى .. مشكلتهم انهم لا يعترفون بخطاياهم الحقيقية.. مشكلتهم انهم لا يتنازلون عن ابراجهم العاجية .. مشكلتهم انهم لا يعترفون بهذه الخطايا التي لا ترحم . مشكلتهم انهم يعتقدون بصوابهم والعالم كله على خطأ ! مشكلتهم انهم يعانقون ويقبّلون بعضهم بعضا ولكنهم في الحقيقة يكرهون بعضهم بعضا .. مشكلتهم انهم اضاعوا انتماءاتهم بين مواطنة مزيفة ، وعروبة مضاعة ، وديانات وقوميات ومؤدلجات ومحليات وتحزّبات وعشائريات وقبائليات وخصوصيات .. لا أول لها ولا آخر ! مشكلتهم انهم يستخدمون الحرب خديعة ماكرة للملايين من اجل الوصول الى مآربهم البليدة والفاشلة ، ويشحنون الدنيا وما فيها .. وفي النهاية يخرجون صفر اليدين ! مشكلتهم انهم لا يتقبلون النقد ويعتبرون اي نقّاد عقلاء ومعارضين انداء تنفر من اعمالهم الدموية رتل خامس او مجموعة من شعوبيين وخونة او عملاء ورجعيين او كفرة فجرة مارقين !!

لماذا يقتلون بعضهم بعضا ؟
دعونا نتساءل قليلا بعد ان نفكّر طويلا : لماذا يقتل العرب بعضهم بعضا منذ ازمان بعيدة سحيقة وهم يمتلكون ميراثا قيميا رائعا حضاريا واخلاقيا في مدنهم وعواصمهم قلما حظيت به بقية الامم ، وبنفس الوقت لهم عاداتهم وطبائعهم المنفرة والغريبة اذ يعشقون تمزقاتهم ويتلذذون في قتل بعضهم بعضا ؟ لماذا هذا الميراث الصعب من تقاليد السياسة العربية التي لا تسعى لتكريس المصالح العربية العليا ؟ لماذا ينفض العرب دوما خطاياهم على الاخرين ؟ لقد وجدنا دولا عربية معروفة بثقلها في تاريخ القرن العشرين ترعى الارهاب ، والارهاب ليس بضاعة يروجها الاخرون فقط من دون ان يعترف العرب انفسهم بأنهم يرهبون بعضهم بعضا وقد سمعت أحد شيوخ الاسلام المغاربة على قناة الجزيرة يوما يعتبر " الارهاب " حلالا بدعوى ورود ذلك في القرآن الكريم لقوله تعالى : " ترهبون عدو الله وعدوكم .. " ، وكأن " الارهاب " قد اصبح ظاهرة قيّمة في حياة العرب وكأن العرب لا تعرف الارهاب ، فمن رعى ماركوس ؟ ومن رعى ابو نضال ؟ من اول من فجّر الطائرات المدنية في العالم ؟ من سحل الملوك والزعماء في الشوارع ؟ من استخدم اوسخ ادوات القتل ضد المعارضين السياسيين ؟ من اول من استخدم تفجير البنايات على رؤوس اصحابها ؟ من استخدم تقطيع الرؤوس عن اجسادها ، وطاف بالرؤوس على عواصم الخلافة ؟ ثمة " نصوص " يستند اليها اولئك الذين يذبحون ويقطعون الرقاب ويقطّعون الاطراف !
وأبقى أتساءل : من اول استخدم التنانير المسجورة لحرق العلماء والمفكرين المتحضرين والبرابرة يصفقون ويهللون ويهتفون ؟ من اول من سمل العيون بالاسياخ المحّمرة ؟ من اول من استخدم عمليات الخنق بالاكياس والمخاديد وتفّنن بها ؟ من اول من اباد اسرا حاكمة باكملها وقتل حتى اطفالها ؟ من اول من اضطهد الجماعات المناوئة والمعارضة اضطهادا لا يعرف المروءة ؟ من قتل المصلحين والمفكرين المبدعين المسلمين واضطهدهم اضطهادا مريرا في السجون او غيّبهم من الوجود ؟ من ارتكب جرائم فتاكة ضد الملل والنحل والاقليات ؟ .. الخ من خطايا واجرام منها ما هو رسمي مفضوح ، ومنها ما هو خفي مستور . ان تاريخنا سيسجل وقائع مضحكة ومرعبة لا يمكن تخيّلها من قبل هذا العالم المتمدن الذي لا تصل درجة الحماقة والقتل الى الدرجة التي وصلت عند العرب ، ومن جملة الحوادث المضحكة المبكية التي وقعت في احدى اجتماعات مؤتمرات القمة العربية التي انعقدت في الثمانينيات بالمغرب الاقصى ، اذ حدثت مشادة كلامية بين رئيسين عربيين بينهما عداوة وخصام شديدين ، فوصل الامر ان هدّد الرئيس العراقي صدام حسين زميله الاخر الرئيس السوري حافظ الاسد بالذبح وهو يرد عليه وكانا خصمين لدودين ، وكانت الحرب مستعرة بين العراق وايران ، وأمام مرأى ومسمع كل الملوك والرؤساء العرب ، وقبل ذلك كان رئيس القمة الملك الحسن الثاني قد صرف وقتا طويلا يقنع فيه صدام حسين ان يدخل قاعة الاجتماعات من دون مسدسه المتدلي من حزامه !! فلماذا أصّر الحسن الثاني على نزع صدام مسدسه ؟ وهل يمكننا تّصور ما الذي سيحدث لو استخدم صدام حسين مسدّسه اثناء مجادلته حافظ الاسد ؟

من قتل كل هؤلاء الزعماء ؟
انني أسأل كل العقلاء العرب مهما كانت اتجاهاتهم السياسية والفكرية : هل صنع كل هذا وذاك الاستعمار والصهيونية مع كل ما عاناه العرب من المستعمرين الطارئين ؟ ان للعرب سجل قتل مريع طال عددا كبيرا من الاسماء ، فمن يتصفحه لا يمكن ان ينكره ، وساثيره من دون أي تساؤلات ولا اريد البحث عن اجابات كلها عواطف وانشائيات واتهامات ، بل أريد فقط ان يتأمل المرء حب العرب لقتل العرب وخصوصا من زعماء ورؤساء وشيوخ وملوك وامراء وكتاب ومفكرين وصحفيين مناضلين. أتمنى ان تتأملوا معي ايها السادة الاعزاء وانا اتساءل : من قتل كل هؤلاء عبر القرن العشرين ؟ الملك عبد الله الاول وحسني الزعيم واديب الشيشكلي وبكر صدقي ورستم حيدر ويوسف سلمان ( فهد ) والملك فيصل الثاني والامير عبد الاله ونوري باشا السعيد وسعيد قزاز والزعيم عبد الكريم قاسم والرئيس عبد السلام عارف ومحمد خميستي والمشير عبد الحكيم عامر والدكتورعبد الرحمن البزاز وعبد العزيز العقيلي وعبد الرزاق النايف وحردان عبد الغفار والملك فيصل آل السعود والشيخ خالد القاسمي والسلطان سعيد بن تيمور والرئيس محمد انور السادات والرئيس رياض الصلح والرئيس سالم ربيع علي والرئيس احمد حسين الغشمي والرئيس ابراهيم الحمدي وعبد الفتاح اسماعيل وعبد الخالق محجوب والشيخ الرئيس بشير الجمّيل ومحمد بوضياف ووصفي التل وصلاح خلف ( ابو اياد ) وخليل الوزير ( ابو جهاد ) وابو علي مصطفى ومحمود الزعبي والامام حسن البنا وسيد قطب والسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد المجيد الخوئي والسيدة عقيلة الهاشمي وغيرهم من قائمة طويلة وقافلة عريضة من المسؤولين والقادة السياسيين العرب الراحلين ، اما محاولات القتل والاغتيال التي جرت ضد آخرين فلا تعد ولا تحصى ، وخصوصا ضد الرئيس جمال عبد الناصر والملك الحسين بن طلال والملك الحسن الثاني والرئيس ياسر عرفات والامير الشيخ جابر الاحمد آل الصباح والرئيس حسني مبارك وغيرهم

لبنان : سجل مّروع من تغييب الرجال
ونأتي الى لبنان حيث ارض الدعة والسلام والحرية والابداع الذي عرف روعته عبر التاريخ ، يبدو ان العرب لا يريدونه هكذا منذ عهد طويل .. ونبقى قريبا من سنواته الخمسين الاخيرة ، ولا نذهب بعيدا في تاريخه المضمخ بدماء صراعات طوائفه التي كان يثيرها هذا الطرف او ذاك منذ القرن السادس عشر حيث نزاعات الاطراف الاوليغارية عليه من كل حدب وصوب ! دعونا نتأمل سلسلة متواصلة من قتل ابنائه المعروفين في النصف الثاني من القرن العشرين ، ونتساءل : لماذا اعدموا انطون سعادة مؤسس الحزب القومي السوري يوم 8 يوليو / تموز 1949 ؟ من قتل الرئيس رياض الصلح يوم 16 يوليو / تموز 1951 ؟ من قتل كامل مروة رئيس تحرير جريدة الحياة ببيروت يوم 16 أيار/ مايو 1965 ؟ من قتل النائب معروف سعد في صيدا يوم 17 فبراير/ شباط 1975 ؟ من قتل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط في جبل الشوف يوم 16 مارس / آذار 1977 ؟ من قتل النائب طوني فرنجية مع زوجته وابنته في اهدن يوم 13 يونيو / حزيران 1978 ؟ من قتل الطفلة مايا ابنة الشيخ بشير الجميّل في الاشرفية ببيروت يوم 23 فبراير / شباط 1980 ؟ من قتل سليم اللوزي رئيس تحرير الحوادث قتلة شنيعة ومثّل بجسده يوم 4 مارس / آذار 1980 ؟ من قتل نقيب الصحافة الللبنانية رياض طه يوم 20 يوليو / تموز 1980 ؟ من قتل الرئيس الشيخ بشير الجمّيل في الاشرفية يوم 24 سبتمبر / ايلول 1982 ؟ من قتل الشيخ صبحي الصالح رئيس المجلس الاسلامي الاعلى ببيروت يوم 7 اكتوبر / تشرين الاول 1986 ؟ ولا ننسى اختفاء السيد موسى الصدر الذي لم يعثر له على أثر ! من قتل رئيس الحكومة رشيد كرامي بعبوة في مروحية كانت تقله من طرابلس الى بيروت يوم 1 يونيو/ حزيران 1987 ؟ من قتل مفتي لبنان الشيخ حسن خالد بتفجير موكبه في بيروت يوم 16 مايو / آيار 1989 في مجزرة ذهب ضحيتها العشرات من الابرياء ؟ من قتل الرئيس اللبناني رينيه معّوض ببيروت يوم عيد الاستقلال 22 نوفمبر / تشرين الثاني 1989 ؟ من قتل الزعيم الماروني رئيس حزب الوطنيين الاحرار داني شمعون في بعبدا يوم 21 اكتوبر / تشرين الاول 1990 ؟ من قتل الوزير والنائب السابق ايلى حبيقة في الحازمية شرق بيروت يوم 24 يناير / كانون الثاني 2002 ؟ وثمة محاولات عديدة اخرى فشلت كانت تريد رؤوس ميشيل عون عام 1990 ونائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع ميشيل المر في انطلياس عام 1990 ، ومحاولة قتل وزير الاقتصاد والنائب مروان حمادة عام 2004 .. واخيرا ، جاء مصرع الشيخ الرئيس رفيق الحريري في قلب بيروت يوم 14 فبراير / شباط 2005 .. اسئلة اطرحها على كل العرب في كل مكان من هذا الوجود ليفكروا قليلا في تاريخهم من دون القاء التهم ضد الاخرين فقط !

ماذا سيقول التاريخ بعيدا عن جنون السياسة أيها العرب ؟
نعم ، هل سيقف التاريخ ليسجل هذا الحدث التاريخي الجلل بعيدا عن سلسلة مروّعة من حوادث القتل المريعة التي طالت رؤوسا شامخة عالية في حياة لبنان ؟ والسؤال الاكثر اهمية : هل سيكون هذا الحدث الجلل آخر الجنايات بحق لبنان واللبنانيين ؟ هل سيلتفت العرب واللبنانيون في مقدمتهم ، ليفكّروا في الحدث كجزء من ظاهرة تاريخية بحاجة الى استئصال من الجذور ، لا كوقفة عابرة في سلسلة من جرائم سياسية يختلف عليها السياسيون والمفكرون وجملة متنوعة من المثقفين والكتاب العرب ! انني اقرن الحوادث بعضها بالاخر ، لأجد بأن مصرع رفيق الحريري في لبنان يوم 14 شباط / فبراير 2005 لا يختلف عن مصرع محمد باقر الحكيم في العراق كالذي جرى في 29 اغسطس / آب 2003 . ولكن اخشى ما اخشاه ان يسجّل العرب هذا الحادث الاخير ضد مجهول كما يسجلون ويقيّدون ذلك في سجلاتهم العتيقة الصفراء ، لينتظروا حدثا مرّوعا من نوع آخر ضد واحد آخر من زعمائهم وابنائهم ..
المشكلة الاخرى ان كل واقعة من هذه الوقائع المريرة يأخذها العرب منفصلة عن الاخرى وتتبع مجرى اهواءهم السياسية ( والمذهبية مؤخرا ) ، فلا يمكن لأي عربي عاقل يتمتع بنزر من الحكمة والاخلاق ان يتشّفى بما يحدث حتى وان اختلف سياسيا مع الراحلين ، ولكننا شهدنا من يتشفّى بذلك ! والمشكلة الثالثة التي لا يريد العرب التخّلص منها انهم سرعان ما ينزعون التهمة عنهم ليتهموا اسرائيل بها ، وأنني أقول بأن اسرائيل اذ تقتل تعلن على رؤوس الاشهاد بأنها فعلت ذلك سواء كان ذلك بنفسها ام من خلال حلفائها وعملائها .. فهي التي قالت بأنها فجّرت مفاعل اوزاريكس النووي في العراق ، في حين لم يعرف حتى اليوم من الذي فجّر السفارة العراقية في بيروت عام 1982 مثلا ؟ وهي التي قالت بأنها مسؤولة تاريخيا عن مصرع العديد من القادة الفلسطينيين . وعليه ، فان كل ما لم تعلن عنه اسرائيل مسؤوليتها ، فثمة قوى اخرى من عصابات ومجموعات وخلايا تتبع دوائر مخابرات عربية تقف وراء مشروعات القتل والفناء . كلها اسئلة لابد ان يفكّر بها العرب ويتأملوا طويلا فيها بدل التسّرع لتسجيل القضية ضد مجهول ! ايها العرب ، اننا العرب نقتل بعضنا بعضا ، والعرب يفتكون برجالاتهم ويزهقون ارواح بني جلدتهم ويرهبون بعضهم بعضا .. وقد اختلفت شعاراتهم واسبابهم الواهية والموت واحد !

وأخيرا وليس آخرا
وعليه ، لم يكن مصرع رفيق الحريري غريبا على تاريخ عربي لا يعرف الا القتل ! القتل لغة عرفها العرب منذ عصور خلت ، وقبل ان تخلق اسرائيل ومن يقف وراء اسرائيل . القتل لغة عربية قديمة وتبّدل جلودها وألوانها وعناصرها من زمن لآخر ، يمارسها اولئك الذين ينتظرون ربحا مؤقتا في ميزان الصراع او اولئك الذين يريدون كتم الاصوات فيخمدوا الانفاس . لقد مارسها المتعصبون من الفاشيين والمتطرفين والساسة المؤدلجين والمتخندقين باحزاب فاشستية او جماعات متطرفة مشعوذة او ابطال الامة الطغاة من واهمين ومتوهمين لا يعرفون غير عبادة انفسهم .. ونخب سياسية طوباوية وجماعات وعصابات واجهزة مخابرات لا تعرف الا القسوة ومشروعات الاغتيال وتفجير المباني وقتل الابرياء ووصل الامر الى قطع الاعناق بالسكاكين وتفخيخ السيارات وآخر منجزات العرب الكريهة : تلغيم القنوات والشوارع كما في حالة الحريري .. فما هذا الذي يبتدعه العرب من خلال اجهزتهم الامنية والمخابراتية والقمعية ؟
وأسأل : ما هذا الذي يتعلمونه ويجربونه من اجل ابقاء مصالحهم البائسة هنا او هناك ؟ ما هذا الذي يلقى مباركة من اناس متوحشين لا يقيمون وزنا للانسان ولا لروح الانسان ولا لقيم الارض والسماء ولا لحياة الشعوب والمجتمعات ؟؟ ما هذا الذي لا يرجع العقل الى مداركه العليا ليقول : تبّا للارهاب ويكون شجاعا لمرة واحدة ويعترف بأن العرب يمارسون الارهاب بأقسى صوره ، ويعترف بذلك من دون اي تحريفات ولا اي بلادة ولا اي تفسيرات وهمية ولا اي ابتعاد عن الحقيقة ؟؟ انه الارهاب الذي له معدن واحد لا غير ، فمن يقف ضدّه هنا لا بد ان يقف ضدّه هناك ، فهو عملة واحدة باوجه مختلفة .. على العرب ان لم يوقفوا مسلسل القتل والارهاب في ما بينهم فسوف تنتقل الافعى من بلد عربي الى آخر بدفع من هذا او دفع من ذاك .. وعندئذ لا ينفع الندم ايها العرب . وتذكروا كلامي ايها السادة الكرام . رحم الله الفقيد الحريري ، فهل سيكون رحيله آخر الاحزان العربية في لبنان او غيره ، انني اشك في ذلك !



#سيار_الجميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية القديمة والليبرالية الجديدة : المعاني والمبادئ وا ...
- أسئلة ما بعد الانتخابات العراقية
- نعم لقد انتخبنا أخيراً ! الدرس العراقي الرائع للعرب
- لمناسبة اربعينية الراحل التونسي محمود المسعدي :الموحيات الخل ...
- الاعلام العربي :دعوة تحّولات من بشاعة المؤامرات الى خصب الشف ...
- معايدة سياسية وفكرية لغسان تويني لمناسبة العام الجديد 2005
- أدونيس : الشاعر السوري الغامض : مشاركات في المرافضات والتحول ...
- دعوة صريحة من اجل غلاسنوست عراقي
- رسالة جديدة الى العراقيين : التفكير بالبعد الثالث بعيدا عن خ ...
- عاتكة الخزرجي : قيثارة العراق : شاعرة وقت الشفق .. حالمة عند ...
- عبد القادر القط :استاذ الادب العربي والنقد المقارن :مفهوم تأ ...
- نزار قباني : شاعر الرسم بالكلمات الرائعة : نسف البنى الاجتما ...
- المسيحيون العراقيون : وقفة تاريخية عند ادوارهم الوطنية والحض ...
- محمد شكري : الروائي المغربي المعروف صاحب الخبز الحافي :اعترا ...
- البنية الفوقية والبنية التحتية : المفاهيم المستترة والمعاني ...
- الى متى تبقى بلقيس في قفص الاتهام ؟ وهل من ركائز عراقية جديد ...
- حنا بطاطو : مؤرخ العراق المعاصر مؤرخ غريب الاطوار لن يكتب أح ...
- الدكتور سّيار الجميل لم يوّقع على اي بيان او رسالة اصدرهما ا ...
- الحريات الشخصية قبل غيرها: هل يفهم العرب معنى الصداقة والعلا ...
- نازك الملائكة : رائدة الشعر العربي الحر- هل تنبأت عاشقة ليل ...


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سيار الجميل - العرب يقتلون العرب .. لماذا ؟؟