أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مثنى حميد مجيد - ماركس والروهة وذكريات عن والدي















المزيد.....

ماركس والروهة وذكريات عن والدي


مثنى حميد مجيد

الحوار المتمدن-العدد: 4014 - 2013 / 2 / 25 - 21:26
المحور: سيرة ذاتية
    



كان والدي ملائكي الهيئة ، يشبه إلى حد كبير الملك حمواربي وهو يقدم لائحة قوانين مسلته الشهيرة لإله الشمس مردوخ كما يظهر في رُقيّم طيني ، كان ذو لحية كوساء وملامح مهيبة وعريقة وعميقة موغلة في القدم ، وكان حلالياً من الدرجة الأولى ولذلك كان مفضلا لدى الصابئة في الناصرية لأداء شعائر الذبح واللوفاني ودفن الموتى ، وكان ساخرا حاضر النكتة طيب النفس طاهرا من الضغائن والأحقاد ، وما زاد من محبة الناس له حفظه عن ظهر قلب ، مع كم كبير من الأشعار ، حكايات عنتر وعبلة والزناتي خليفة والأساطير المندائية التي كانوا يتشوقون لسماعها منه والإستمتاع بها في ليالي الشتاء وهم يتحلقون حول كانون الجمر ويرتشفون الشاي المهيّل حين لم يكن إقتناء التلفزيون أو حتى الراديو شائعا ومتيسرا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.لذلك كانوا يؤثرون تحببا كنايته بأبو عنتر وحتى أخي الأكبر المرحوم زهير إكتسب هذه التسمية فكنا نناديه في أغلب الأحيان بهذا الإسم الشعبي المكتسب بدلا من إسمه الحقيقي.

وكان والدي ،في آرائه السياسية ،منسجما مع طبيعته المسالمة الخيرة فيقول عن نفسه ببساطة: أنا عراقي وطني ، فهو كما يأسف ويتألم لمقتل الملك فيصل الثاني كان يحب الزعيم عبد الكريم قاسم إلى درجة أنه يوما وخلال فترة المد الشعبي المؤيد لثورة الرابع عشر من تموز وجد نفسه مشاركا في مظاهرة كبيرة حين خرج أهالي الناصرية عن بكرة أبيهم على إثر شيوع خبر لزيارة متوقعة للزعيم إلى مدينتهم ، ولم يستمتع والدي بمشاركته في تلك المظاهرة فقد أمسكت به على جسر الناصرية نوبات الربو الذي كان يعاني منه فشغلته عن الإنتباه لما يجري حوله وما تردده الجماهير الغفيرة من هتافات هادرة وحين عاد من المظاهرة إستغرب المقربون له من أصدقائه مشاركته في هذه الفعالية السياسية وسألوه على سبيل المزحة والدعابة : ماذا سمعت يا أبا عنتر من هتافات الناس ؟ فأجاب ساخرا : سمعتُ ويت ! كأنهم يقولون أكلنا عشا فلانة على عناد فلانة !

أما الشيوعية فكان موقفه منها نقديا تقويميا ففي قرارة نفسه ووفق وعيه المندائي الفطري والجمعي من حركة التاريخ كان يحسب الشيوعيين ضمن قوة النور والخير لكنه كان يسخر من خطأ جسيم طالما دأبوا في نظره على تكراره بقوله : يأتون لك ويقولون أنت تعال معنا ! ويذهبون لهذا وذاك ويقولون لهم أنتم تعالوا معنا ! وهكذا يرغبون ويقنعون الناس ويجمعونهم وحين يصبح العدد كبيرا يقولون لهم : حسنا الآن طش ! إذهبوا إلى السجون وطشوا !

وخلال الأيام السوداء الأولى التي أعقبت إنقلاب ٨ شباط الفاشي وكنت في العاشرة من العمر سمعته يهمس في أذن أخي الأكبر محذرا بحرص وحنان:

- بويه دير بالك من ولد الروهة إذا خرجت إلى الشارع ، روح بدربك وتعال بدربك!.

وعرفت على الفور أنه يقصد بأبناء الروهة جلاوزة الحرس القومي الذين أطاحوا بالزعيم عبد الكريم ومارسوا القتل والتنكيل بأبناء وبنات الشعب العراقي. ومنذ ذلك الوقت بدأت أدرك ثنائية العناصر المتناقضة المتحكمة بالوجود والتاريخ ، تعلمت من والدي ديالكتيك الغنوص الذي يستمد مقوماته من مجرى الحياة الواقعية وليس من تهويمات وترهات الميتافيزيقيا ، من فلسفة النور والظلام ، الخير والشر ، الروح والمادة وعرفت أن النقائض نسبية وتتداخل مع بعضها بل وتتبادل المواقع مما ينبغي الحذر دائما من تقييم الأشياء تقييما مطلقا فهذا قد يوقعنا في الخطأ من حيث لا ندري ، فحتى الروهة ملكة الظلام وروح الشر هي مخلوق مسكين أصلا يستحق التقييم والرثاء أحيانا ، وقد قامت بأمور مادية كبرى تستحق عليها التقدير فعلى سبيل المثال قام أبناؤها في أول الخلق بحفر نهري دجلة والفرات وبإشراف مباشر من ملائكة النور الذين كان عليهم تزويد النهرين الخالدين بروافد الماء .بعض الزملاء الأعزاء ومنهم الصديق الزميل شامل عبد العزيز يتصورون إني ضد الرأسمالية ، أبدا أيها الأعزاء ! لن أكون يوما ضد الروهة طالما هي تبني وتشيد فهي قوة تقدمية وما على الإنسان العاقل إلا الإنحياز للتقدم والتكنولوجيا لكني ضد مبدأ الربح ، ضد جشع الروهة الذي ، كما قال عنه ماركس ، لا يملؤه الفراغ ، فالمادة تمتلك القدرة على التوغل إلى ما لا نهاية في أعماق الظلام وتلتهم وتشفط الفراغ بشكل متواصل وأبدي وهذا قانون مادي وعلمي تعكسه الروهة في طبيعة تصرفاتها الأرضية فهي تحاول السيطرة على العالم من خلال قانون الربح الذي هو جوهرها وروحها ، ولكن أي معنى لكل هذه الإنجازات المادية البديعة إن لم يكن ثمة ضوء إنساني ينير المسرح ؟ إن لم يكن هناك ماركس يشعل شمعة ويكشف الحقيقة ؟ وما الفائدة والعبرة من ممثلين عميان يمثلون لمشاهدين عميان على منصة مسرح مظلم ؟! تلك هي المسألة وذلك هو السؤال .هذا ما كنت دائما أود تنبيه زملائي الأعزاء إليه : روح الإنسان وليس روح الروهة وليس الروهة نفسها فهي موجودة وقديمة ولكن ثمة ضوء يشعُّ دائما على المسرح الكوني ينبغي أن ننحاز إليه .

كيف أكون ضد الروهة ملكة الظلام وأختها هي زهرائيل الجميلة الزاهية والتي سلبت ملاك الضوء هيبل زيوا لبه فهام بها وتزوجها فكان من ثمرة ذلك الحب وتلك المغامرة ولادة الملاك بثاهيل الذي خلق الكواكب الإثني عشر وخلق آدم جدنا ؟

الروهة نفسها تقول شاكية: إلهي ، إلهي لم خلقتني ؟! هي تبحث أيضا عن خلاص وجودي لنفسها من شر طبيعتها الإمبريالية ، هي تهاب ماركس وتقلده بل وتعكف على دراسته وتدريسه في جامعاتها وتعشقه في أعماقها عشق زهرائيل أختها لملاك الضوء هيبل زيوا .نعم ، الروهة تعشق ماركس وتراوده عن نفسها في الخيال طالما كان هو غارقا في النوم بكرسيه وغليونه مطفأ ينتظر عود ثقاب لإشعاله من جديد.


...........................


ملاحظات عن مفردات وردت في المقالة:


الروهة أو الروها هي الروح أو ملكة الظلام وزوجها كرون ملك الظلام في الميثيولوجيا الصابئية.
اللوفاني هو طعام طقسي يؤكل من أجل نفس المتوفي وأقاربه من الأحياء والأموات والكلمة الآرامية ذات صلة بالفعل العربي آلفَ بمعنى وحّد وربط والبعض يترجم اللوفاني بطعام الإتحاد أي إتحاد النفس بالروح ، وإتحادهما معا بالنظير الأثيري لكل شخص بعد الموت.والنظير لا يقصر على البشر بل يمتد حتى للأنهار فأنهار دجلة والفرات والنيل لها نظائر في عالم النور ويُعتقد أن واحد من تسعة أعشار مياهها الأرضية هو ماء حي من عالم النور ، ويشارك الصابئة إعتقادهم هذا بقدسية الأنهار المسلمون كما يتجلى ذلك من أحاديث النبي محمد عليه السلام والآيات القرانية .



#مثنى_حميد_مجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصتي مع آية الكرسي
- الماركسية من وجهة نظر خروف
- الشاعرة السويدية آني لوند
- إلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني حفظه الله
- مالك خازن جهنم ، لماذا لا يتبسم ؟
- في سرداب أسود تحت البيت الأبيض
- اللوحة الأخيرة لفان كوخ
- بتاحْ
- صورة الشهيد هيثم ناصر الحيدر
- القذافي وحلف الناتو بعيني نوستراداموس
- جميلتي أحلى من صلاة التراويح
- أقوال ومواعظ في جنازة قصيدة ثملة
- ياصديقي ، في الخراب ... للشاعر السويدي ستَجنيليوس
- نداء الى أدونيس والمثقفين بخصوص الحداثة والباروريكل بويتري
- أحجار الكتابة
- رسالة إلى القاريء بيان عن جرثومة البعث
- تهنئة للدكتور كاظم حبيب بمناسبة تكريمه من قبل الشعب الكوردي
- لماذا حشر الجواهري في بيان صفوة المثقفين ؟
- مسعود البرزاني وأردوان ملكا والصابئة المندائية
- تراتيل للسلام في كنيسة القديسة كلارا


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مثنى حميد مجيد - ماركس والروهة وذكريات عن والدي