أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح عادل - موت الاب الاخير















المزيد.....

موت الاب الاخير


سماح عادل

الحوار المتمدن-العدد: 1156 - 2005 / 4 / 3 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
في صورة قديمة – احتفظت بها بين الكتب- تحتضنه, وتضع ذراعها حول رقبته, لاصقة جنبها الأيسر في جنبه. لا تعلم لماذا سرقتها. وخجلت عندما اكتشفت أمها ذلك. حاولت تذكر إحساسها به في تلك الفترة.
- ما تبوسيش ابوكي.
- ليه.
- علشان كده هاتتعودي على بوس الرجالة.
عندما تحس أن ( علي ) اهتم بها لا تهتم لوجود احد. تسرع في خلسة وتقبله من خده. تماما مثلما كانت تفعل (معه), وهي لم تتجاوز الخامسة. تحتوي بيديها وجهه, وتغدق قبلاتها على خده.
تمسك القلم, تحاول كتابة موت(قصة الأب الأخير) تتوجع من فكرة استرجاع إحساسها بابيها, وأكثر من فكرة قراءة القصة مرات, تفتح فيها جرحا غائرا لا يطيب. تقرر أن تركز على المشاهد الأقل ثقلا على قلبها..
في المدرسة النتيجة 84, 4% أدبي, نطت أمها القليلة الحجم, وفرح أخيها, لم تتوقع ذلك, أكثر ما أفرحها انه سوف يتأكد من تفوقها, رغم خصامه الذي زاد عن شهرين, الآن لا تتذكر لماذا خاصمها, تتذكر فقط دخوله إلى المنزل, ونظرته المباشرة لها, والسؤال عن النتيجة, ثم احتضانها لا إراديا, لكنه حضن نصف كامل, فقط ضمها بيد واحدة, وجعل رأسها تقترب من بطنه الكبير. لازال الحضن محفورا, فهو أول حضن يقرر إعطاؤه لها, منذ أن بدأت تعي الحياة..
تلبس الفستان الأخضر, به وردة صفراء على الصدر, كان يختار لها دوما اللون الأخضر, لذا هي تعي جيدا لماذا لم تعد ترتدي ذلك اللون, لمدة لا تقل عن سبع سنوات, يسيرا معا, تذكر احتواء كفه ليديها الصغيرة, كانت في الحادية عشرة, اصطحبها للمستشفى لتعالج من التهابات المثانة, اخذ إجازة من العمل لذلك, وظل يحادثها بحنان, ويربت على ظهرها, كانت تفرح لصحبته النادرة, على عكس أشقائها الذين يهربون من احتمالية مرافقته لأي مكان, كما كانت تسعد بدعوته المفاجئة للنوم بجواره, وتحس بسكينة افتقدتها, منذ أن قررت أمها أن تمتنع عن وضع يديها عليها, أثناء النوم, بعد أن تحكي حكاية مفزعة عن العفاريت, وتأخذ أختها إلى جوارها, وتبقى هي بعيدة عن مصدر الأمان, تلح على أمها أن تبقي يديها قليلا..
يطفو مشهد مضحك, يصر على أن تكتب اللام ألف متشابكة, وهي تصر على أن تكتبها كعلامة ( x), تشبك طرفيها السفليين, رغم الصفعات على خدها تصر على عنادها, وهو لا يمل من الضرب, ويدق قلبها كلما يدخل مساءا, وهي تندفع لتساعده في خلع حذائه والجورب, وقد يكون سعيدا, فيحلوا له أن يسألها في مسالة حسابية, لا تجيب وتتوقع صفعة قوية..
ملامحها نفس ملامحه, لم تكن تحتاج لرأي (علي) كي تعلم تلك الحقيقة, التي أرقتها طويلا, ماذا لو لم تكن تشبهه, أمها لها ملامح غير محببة, انف أفطس, وعيون ضيقة, وشفاه غليظة, هي تحب عينيها, وعظمتي وجنتيها البارزتين, واعوجاج أسنانها, في نفس مكان اعوجاج أسنانه, وطقطقة مفاصلها, وهذه ميزة حرص على أن يورثها لكل الأبناء..
في إحدى سطواته الليلية على أوراقها, وجدها تكتب قصة, قرأها, كانت تتحدث عن انتحار عبثي, لا ينتهي بالموت, رغم تعدد المحاولات, وتفتت جسد المنتحر.اخذ ينصحها بأشياء وعظية, جعلتها تحرص على إخفاء باقي القصص, وان كان اهتمامه أثارها. فأمها لا تأبه بثرثرتها المعتادة حول أنها تكتب قصة, وتريد هدوءا تاما ومطالبة أختها بخفض صوت التلفاز.
يجري ورائها, وسط الضجيج, تصعد سلم طويل, يكاد لا ينتهي, تلمح في يديه سكينا يلمع, تختبيء في أشخاص تعرفهم. ملامحهم مغلوطة. تصرخ وتنادي على من ينقذها, تصل إلى آخر السلم, أمامها حائط, يمسكها من الخلف, يقبض عليها, يستعد للذبح, وسط مشاهدة سلبية من الحضور, ينقذها في اللحظة الأخيرة عقلها الباطن, الذي يوقظها قبل الذبح.. يتكرر الكابوس بتنويعات مختلفة, لا تخلو منها ملامح المكان القديم الهائل, الذي تربت فيه طفلة, بجدرانه الباهتة, وسكونه الموحش. يتكرر هذا الحلم عند بدايات حالات الاكتئاب المزمن, أو عند التماس مع قهر ذكوري, قد يتجسد في تحرش لفظي, من عابر أثناء السير, أو في اقتراب مغرض من ذكر, لا يفهم كشفها القصوي للذات. تعلم سبب علو درجة الرعب في إحساسها, أثناء الحلم, فقد أوشك على قتلها فعلا, عندما أطبق بأصابعه على رقبتها, في إحدى المشاجرات بعد زواجها – رغما – أنقذتها أختها بعد أن فكت أصابعه في جرأة, وظلت أمها تلطم خديها, وهي لا تجرؤ على منعه..
عند الطلاق, كان الهاجس الأكبر لديها هو إعادة أحياءه من جديد. شبحا مخيفا لمقتول رغما, تراكمت الإحباطات لتواجه أية أحاسيس نقية به, وأزالت الدموع أية رغبة في تواصل ما.. هو أيضا اكتفى بإخافتها كشبح مهزوز, ولم يفهم انه إنهد كحائط, قبل عزوفها عن الاستناد بزمن. أصبحت حوائط مستهدفة في الخارج, بعيدا عن محيط الشبح المكاني والنفسي.. الانخداع في زيف قوة الحائط الجديد, أهون من العبور إلى الآلام الدفينة, المقلقة للذات, إليه...
يرن الهاتف, يتحول اهتمامه, المتمثل في النقد المستمر, وترديد فشلها في إنجاز أي شيء. يهمس (علي )بكلمات تجاهد ألا تصل لأذنها, تهرب من وقع الكلمات, تقاوم إحساس الفقد المتصاعد, وجفافه في معاملتها.
- عملت إيه في المدرسة النهاردة. أخواتك فين ؟.
يرتفع صوت الأغاني على جهاز الكمبيوتر, يخبو إحساسها بالانتماء, وتنكر تماما التشابه المزعوم..
عندما يؤلمه ظهر(ه), كانت تسير عليه جيئة وذهابا, تقف بأصابع قدميها على رقبت(ه), وتسير على أكتاف(ه), وهي تتسند على الحائط, و(هو ) يتأوه ألما..
لا يراها ( علي ) أثناء تواجد أطفاله, يمسك واحدا منهم, ويظل يقبل خده دقائق طويلة, تقاوم رغبة جنونية في أن تزيح الطفل, وتحل محله. تهتم ملامحها في زيف, عندما يغرقها بحكاياه عن نوادر الصغار, وكلماتهم المضحكة, وسرده لتفاصيل نزهاتهم المتكررة, في سينمات وسط البلد..
يرتفع صوتها بالشكوى المتكررة, لم ينتبه ( علي ), كما تتوقع, زاد لا اهتمامه. لم يعد يتلهف لسماع حكاياها, بعد إعلان مانشيتات مثيرة, يفضل الصمت. تحكي – رغما – عن بعض تفاصيل مشاجراتها مع أمها, قد يتذكر في المطبخ, أثناء إعداده للشاي, أن يقول لها.
- أنت اتخانقت مع أمك ليه.
- خلاص مش مهم.
- لا والله.
تتشاغل بفعل أي شيء, لتهرب من سماعه, غير المنتبه, وينسى سريعا.
تمتليء داخلها الغضبات, ترد على تعنيفه بجرأة, يثور ( على ) من وقاحتها. يذكرها انه ليس في مثل سنها. تستمر في الجرأة. وتفشل في التراجع. بعد أن يكون قد أبعدها عن خط الرجعة. تحمل حقيبتها. وتنظر لوجهه نظرة أخيرة. لا تلاحظ فيها تعاليتم,لموت. تحمل معها إحساس اليتم , وهي تدخل إلى أمها باكية. تنفجر بكلمات مظلومة. معلنة انه قهرها. وأنها تكرهه. ولن تعود أبدا لهذا العمل, الذي يستنفذ مجهودها..
يلملم باقي أشياء(ه). يداعب أمها بكلمات جوفاء. تنطلق أختها في المزاح , حول صورته المعلقة في الصالة. يقول اكتفوا بالنظر إلى الصورة, وكأنني معكم. تعلم انه لن يعود, لا من كلماته الصريحة, ولكن من تلهفه على فتح باب الشقة, وسرعة نطقه بكلمات الوداع.
- بابا.
- ايوه. عايزة حاجة يا مروه.
باب.اعطاؤ(ه) حضنا, لتهوي جثت(ه )على جسدها, تنطبع عظام صدر(ه)على كتفيها, وتتصاعد حشرجة ال....باب .
- إيه يا بنت الكلب. هو أنا ها روح مش هارجع
- يترك يده تطرق ظهرها مرات لتؤكد فرار(ه) الأخير...



#سماح_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خليل عبد الكريم مفكر ثوري
- الاخوان المسلمون البعد التاريخي
- سيد قطب مفكر الاخوان وملهم الجماعات
- بورتريه لالبير كامو
- الرحيل-قصة قصيرة
- قبض .... قصة قصيرة
- حول حرية الصحافة
- محمد جبريل ينتقد مكتبة الاسرة !!!
- مرورمائة عام على مولد يحي حقي
- مش عيب !! قصة قصيرة
- هل التجمع حزب ثوري؟؟؟
- سيدات في سجون عبد الناصر
- طفل قصة قصيرة
- العمال في عهد ستالين
- دور المرأة في الحركة اليسارية المصرية والعمل العام
- اشتراكية ناصر الزائفة إلى عصر الضياع ....رحلة البرجوازية الم ...


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح عادل - موت الاب الاخير