أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عليان عليان - في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة : دروس الوحدة واستخلاصاتها















المزيد.....



في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة : دروس الوحدة واستخلاصاتها


عليان عليان

الحوار المتمدن-العدد: 4013 - 2013 / 2 / 24 - 23:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الذكرى الخامسة والخمسين لقيام الجمهورية العربية المتحدة ، ذكرى أول وحدة عربية في التاريخ الحديث ، بين مصر وسوريا ، نستذكر صفحة مشرقة من التاريخ العربي ، حين التقت القوى القومية ، في سوريا مع ثورة (23 ) يوليو في مصر ، بقيادة خالد الذكر ، الرئيس جمال عبد الناصر لتصنع تجربة الوحدة ، بين قطرين عربيين شقيقين ، بمضامين اجتماعية تقدمية ، كنواة للوحدة العربية الشاملة .
في هذه الذكرى ، نستذكر نكران الذات ، حين تنازل الرئيس السوري شكري القوتلي ، عن موقع رئاسة جمهورية سوريا ، لصالح رئيس الجمهورية العربية المتحدة ، جمال عبد الناصر ، ولينال جائزة المواطن الأول في دولة الوحدة .
في هذه الذكرى ، نستذكر الحملات ، والمؤامرات المسعورة ، التي شنتها الإمبرياليتان الأميركية والبريطانية ، وأدواتهما من الرجعية العربية ضد الوحدة المصرية السورية ، التي رأت في قيامها ، انقلابا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط ، يهدد مصالحها تهديدا مباشرا ، كونها تفتح الباب أمام الوحدة العربية الشاملة ، التي تنهي حالة التخلف ، والتبعية ، والتجزئة ،وتشكل خطراً مستقبلياً ، على الكيان الصهيوني .
في ذكرى الوحدة نلقي الضوء ، على تجربة الوحدة ، إنجازاتها ، وثغراتها والعوامل التي أدت إلى انتهائها ، في إطار دراسة ، تحت عنوان :" تجربة الوحدة المصرية السورية – دروس واستخلاصات " .

تجربة الوحدة : دروس واستخلاصات

لعبت ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر دوراً ريادياً فاعلاً في المجالين العربي والدولي. وشكلت فكرة الوحدة العربية العنوان الرئيسي لتوجهاتها، وكان من الطبيعي أن تلتقي القوى القومية الفاعلة في سوريا ، مع ثورة 23 يوليو ، بقيادة خالد الذكر ورائد القومية العربية الرئيس جمال عبد الناصر ، وذلك في ضوء التوجهات الواحدة المشتركة ، لحسم التناقض الداخلي ، في مواجهة الرجعية الداخلية ولحسم التناقض الخارجي الرئيسي ، في مواجهة الاستعمار ، وأعوانه ، والكيان الصهيوني ، خاصة عندما بدأت الولايات المتحدة ، في إقامة الأحلاف وعندما طرح الرئيس الأمريكي أيزنهاور ، "مبدأ ملء الفراغ " في أعقاب فشل العدوان الثلاثي على مصر.

مواقف القوى السياسية والطبقية من الوحدة

لقد التقت ثورة 23 يوليو ، مع القوى السورية الوطنية والقومية المتعطشة للوحدة، وبلغ الحماس الشعبي للوحدة أوجه ، ووقف معها العمال والفلاحون ، وتضامنت معها البرجوازية الصغيرة أيضاً ، التي كانت ترى في الوحدة ما يضمن حقوقها ومصالحها، في حين اضطرت أحزاب اليمين في سوريا ، مسايرة فكرة الوحدة ، لعدم قدرتها على مواجهة التيار الشعبي الوحدوي الجارف.

من جانبها الرأسمالية الوطنية في سوريا ، سارت مع التيار ، على أمل الاستفادة ، من السوق الكبير ، الذي ستحققه الوحدة ، حيث اعتقد الكثيرون منهم أن اشتراكية عبد الناصر ، ستقف عند حدود الإصلاح الزراعي والتنمية الاقتصادية ، ومحاربة رأس المال الأجنبي فقط ، وفي ذلك تمكين لهم ، لكن الأمور سارت في غير ما يشتهون.

أما كبار الإقطاعيين السوريين ، فخشوا على إقطاعياتهم ، من الوحدة وحاولوا تعطيلها ، تحت ذريعة محاربة التبعية ، لكنهم أمام التيار الجارف للوحدة تظاهروا بتأييدهم للوحدة ، على أمل ، عدم تطبيق الإصلاح الزراعي في سوريا ، حيث راحوا يتحدثون عن ظروف سوريا الخاصة وعدم الحاجة للإصلاح الزراعي ، بسبب اتساع الأراضي ، وقلة الفلاحين –حسب زعمهم - .

وعلى صعيد القوى السياسية ، فقد قاد حزب البعث في سوريا الحراك السياسي والشعبي ، باتجاه الوحدة مع مصر – منذ سقوط أديب الشيشكلي – داخل مجلس النواب ، وخارجه ، وفي إطار المجلس الثوري لكبار الضباط السوريين ، ومن خلال تعبئة قواعده الحزبية ، ومن خلال مؤتمر الحزب في تموز 1957 ، الذي عقد لبحث موضوع الوحدة من زوايا الضرورة ، والنوع ، وأسلوب التحقيق.
لقد عالج حزب البعث قضية الوحدة ، على أساس قطري ، في أدبياته عام 1956 ، رغم وجود ممثلي الأردن وهم : عبد الله الريماوي ، وعبد الله نعواس ، لكنه عمل ، على تعويض ، المعالجة القطرية للوحدة في مؤتمره في يوليو – تموز 1957 ، بحضور القيادة القومية ، وقيادة القطر السوري ، ووزراء الحزب ونوابه ، وإن كان هذا المؤتمر ، قد غيب قيادات الفروع في القطر السوري .
كما أن أدبيات الحزب ، أجابت بكفاءة ، وتوسع ، على سؤال : لماذا الوحدة وضرورتها ؟... لكنها لم تجب على السؤال ، المتعلق بكيفية الوحدة وشكلها ، رغم موافقة الحزب بطريقة ما ، في النهاية ، على الوحدة الشاملة وليس على الاتحاد الفيدرالي .
أما الحزب الشيوعي السوري ، فرغم تأييده الشكلي لها ، إلا أنه عملياً لم يبد الحماس المطلوب لها ، وفي الذاكرة ، تغيب الأمين للحزب خالد بكداش ، عن جلسة مجلس النواب في 5/2/58 ، التي صادقت على إعلان الوحدة ، وحيث لم يصدر الحزب الشيوعي ، في حينه بياناً يؤيد فيه هذا الإعلان.
لقد تأخر الحزب الشيوعي السوري ، في تحديد موقفه ، من قضية الوحدة على امتداد الفترة قبل عام 1958 ، ولم يشارك في الحراك السياسي والشعبي بشأنها عامي 1956 ، 1957 .
لكنه في عام 1958، رفع شعار الاتحاد الفدرالي ، ومن ثم عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ، في سوريا ، ولبنان اجتماعين في 11/1/1958 و 13/1 /1958 ، وصدر على أثرهما ، بيان حددت فيه مواقف الحزب ، بمشروع طالب بجمهوريتين ، وجاء فيه " ان الاتحاد بين مصر وسوريا ، سيكون من شأنه ، أن يرفع مكانة كل من الجمهوريتين في العالم ، ويوطد كيانهما ويزيد من وزنهما في السياسة الدولية لمصلحة القضايا العربية وقضايا السلام العالمي" .... وطالبت صحيفتهم "النور" في 15/1/1958، بتأليف لجنة مشتركة ، لدراسة الاتحاد من جميع النواحي والزوايا ، بحيث يقوم على أسس متينة ، يأخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية ، في كل بلد ، وقد اعتبر الحزب ، أن ما طرحه يصب في خانة الاتحاد الفيدرالي ، في حين رأت القوى القومية أن مضمون بيان اللجنة المركزية ، لم يأت على ذكر الفيدرالية ، ولم يصب في خانتها ، من خلال نصه ، على بقاء الجمهوريتين .

هاجس الوحدة

لقد اعتقدت بعض القوى آنذاك ، أن الظروف الموضوعية غير مناسبة للوحدة ، وأنه يجب تهيئة الفرص ، الأكثر ملائمة على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، إلا أن هذه القوى ، لم تستطع مواجهة التيار الشعبي الهادر ، المنادي بالوحدة ، والملتف حول فكرتها، خاصة وأن الوحدة بين القطرين ، على طريق الوحدة العربية الشاملة ، لم تكن قضية إستراتيجية ، في سياق المشروع النهضوي العربي فحسب ، بل هي مسألة ملحة ، في ضوء سعي الإمبريالية الأمريكية ، لوقف فعالية تأثير المد القومي الوحدوي ، لثورة 23 يوليو ، ومحاصرة المنطقة بالأحلاف الاستعمارية كحلف بغداد وغيره.

لقد كانت فكرة الوحدة ، هاجس القوى القومية ، في سوريا وهاجس الجماهير الشعبية العربية ، في ظل التطورات المتلاحقة ، لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية ، ومحاولة الولايات المتحدة تطويقها من الخارج ، ودفع الدول المحيطة بها ، لضربها عسكرياً ، الأمر الذي دفع سوريا ، إلى توقيع اتفاقية عسكرية ، مع مصر ، قبل أكثر من سنة من إعلان الوحدة عام 1958.

ومما زاد ، من إحساس سوريا ، وقواها القومية ، بالحاجة إلى الوحدة الفورية مع مصر – آنذاك – ذلك الموقف المصري القومي المصري الشجاع ، الذي انتقل مباشرةً ، إلى خندق الدفاع عن سوريا ، في مواجهة التحضير لشن عدوان عليها ، من قبل مجموعة دول حلف بغداد الاستعماري ، ودول عربية أخرى محيطة بها ، تنفيذاً لمخططات الولايات المتحدة.

وفي سياق الموقف الوحدوي لمصر ، بقيادة عبد الناصر ، وتخندقها في خندق سوريا ، في مواجهة العدوان المحتمل عليها ، بادرت مصر إلى إرسال قواتها إلى سوريا ، في صيف 1957 ، لدعم صمودها في مواجهة التهديدات التركية ، حيث كانت تركيا ، حلقة أساسية في حلف بغداد ، الذي رفضته وقاومته كل من مصر وسوريا ، وكان لهذا الدعم العسكري المصري صداه ، في تدعيم المطالب الوحدوية ، للقوى القومية في سوريا.

مقدمات الوحدة

لم يسلق ، موضوع الوحدة السورية المصرية سلقاً ، كما حاول البعض أن يصور الأمور ، بعد الانفصال كتفسير لفشلها ، بل طبخت على نار هادئة عبر سلسلة خطوات ، واتصالات ، في إطار الحكومة السورية ، ومجلس النواب السوري ، ودور البعثيين في الحكومة ، والمجلس ، الدافع باتجاه الوحدة ، وعبر دور الضباط القوميين ، واليساريين ، والمستقلين في إطار تشكيلهم المجلس الثوري ، لمتابعة قضية الوحدة ، وزياراتهم للقاهرة واللقاءات المتبادلة ، بين وفود ، من مجلسي النواب ، في كل من مصر وسوريا .
وعقد حزب البعث ، مؤتمراً خاصاً ، لبحث قضية الوحدة ، وتم لقاء بين كبار الضباط السوريين والمصريين ، لبحث قضية الوحدة ، ولبحث عدم اشتغال الجيش بالسياسة، وصولاً لاجتماع لجنتي الشؤون الخارجية في البرلمانيين المصري والسوري ، في دمشق ، وإعداد قرار بشأن الاتحاد الفيدرالي ، الذي حظي بموافقة البرلمانين ، وبتأييد من الرئيس جمال عبد الناصر ، عبر بيان بهذا الشأن ، وانتهاء بزيارة الضباط السوريين لمصر ولقائهم بالرئيس عبد الناصر ، ومطالبتهم إياه بالإسراع في الوحدة .
وجرى تتويج ، هذه التحركات التاريخية ، من أجل الوحدة ، بالزيارة التاريخية ، لأركان الحكم في سوريا للقاهرة ، حيث ضم الوفد السوري كلاً من رئيس الجمهورية شكري القوتلي ، ورئيس الوزراء صبري العسلي ، ورئيس مجلس النواب ، الأستاذ أكرم الحوراني ، وصلاح البيطار ، وبعض الوزراء.
وعقد الوفد السوري ، عدة اجتماعات ، مع الجانب المصري ممثلاً بالرئيس جمال عبد الناصر ، وأعضاء مجلس قيادة الثورة ، وهم عبد الحكيم عامر ، وعبد اللطيف البغدادي ، وزكريا محيي الدين ، حيث انتهى الوفدان ، إلى بيان إعلان الوحدة. ثم صادق على ذلك البيان مجلس الأمة المصري ، ومجلس النواب السوري ، بإجماع الأصوات ..
ومن ثم استفتي الشعب ، في إقليمي الجمهورية العربية المتحدة ، فأيد الوحدة 99.99 في المائة ، من المشتركين في التصويت بمصر ، ونسبتهم 98.83 في المائة من الناخبين ، كما أيدها 99.98 في المائة من المقترعين في سوريا ، ونسبتهم 91.75 في المائة من الناخبين.


ضوابط الوحدة

لقد آثر الرئيس عبد الناصر ، المسكون بقضية الوحدة ، عدم الاستعجال وطالب بإخضاع المسألة ، لدراسة مستفيضة ، خاصة وأنه كان متردداً بشأنها ، ارتباطاً بمجموعة مسائل أبرزها:
1-عدم وجود حدود مشتركة.
2- اختلاف التجارب السياسية والاقتصادية.
3- طبيعة الجيش السوري ورسوخ ظاهرة الانقلاب فيه.

لكن عبد الناصر ، وافق في النهاية ، على البدء باتخاذ التدابير الوحدوية ، التي انتهت ، ببيان إعلان الوحدة ، بعد موافقة السوريين على ضوابط وشروط محددة وهي:
1-إجراء استفتاء شعبي ، في كل من سوريا ومصر ، حول قيام الوحدة.
2-تخلي الجيش السوري ، عن النشاط السياسي ، بما في ذلك تحول العسكريين ، الذين مارسوا السياسة ، إلى المجال المدني.
3-حل التنظيمات والأحزاب السياسية.

وقد قبلت هذه الشروط من قبل الجانب السوري ، وتم تشريع إعلان الوحدة ، في مجلسي النواب المصري والسوري ، وكذلك تم الاستفتاء.
وكان الأمين العام لحزب البعث ، الأستاذ ميشيل عفلق ، ومعه بعض أعضاء القيادة القومية ، قد وافقوا على حل الحزب ، في حين توجه الحزب الشيوعي ، للعمل في الإطار السري.

إعلان الوحدة

وهكذا تم الإعلان ، عن قيام الجمهورية العربية المتحدة ، ورئيسها جمال عبد الناصر، فيما تم تكريم الرئيس شكري القوتلي ، من قبل جمال عبد الناصر ، الذي منحه وسام المواطن الأول ، في الجمهورية العربية المتحدة.
وهكذا تحققت ، أول وحدة عربية ، في التاريخ المعاصر، وظهرت للوجود الجمهورية العربية المتحدة ، وبظهورها أصبح التناقض واضحاً وكبيراً ، سواء في الإطار الخارجي ، في مواجهة الإمبريالية ومشاريعها وأدواتها ، أو في الإطار المجتمعي الداخلي ، وكان الرئيس عبد الناصر يعتقد ، بأنه لا يمكن تأجيل الثورة الاجتماعية ، وبذلك احتدم الصراع بين الطبقة العاملة والفلاحين من جهة ، وبين البرجوازية وكبار الملاك من جهة أخرى.

لقد كان خالد الذكر جمال عبد الناصر ، يعلم أن المعركة مع أعداء الوحدة العربية ، في الداخل ، والخارج ، قد بدأت ، وبدأت الأنظمة العربية ، المعارضة للمشروع النهضوي العربي ، في الانهيار ، فسقط الحكم الشمعوني في لبنان ، وسقط نظام الحكم الملكي في بغداد.

وبدا أن هناك اتجاهاً قوياً ، داخل الضباط العراقيين ، الذين قاموا بالثورة يضغط ، باتجاه الالتحاق السريع ، بدولة الوحدة الناشئة ، والتي كان من ردود الفعل المباشرة عليها ، نزول القوات الأمريكية في لبنان ، والقوات البريطانية في الأردن ، بعد أن اجتاحت عمان وبيروت ، مظاهرات عارمة ، يلهبها حلم الوحدة ، الذي فجره عبد الناصر ، والقوى القومية في سوريا.. مظاهرات يجمعها هتاف شعبي " بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد الناصر ".

وقدرت وكالات الأنباء في حينه " رويتر ، والأسوشيتد برس " أن عدد اللبنانيين ، الذين توجهوا إلى دمشق ، التي كان يزروها عبد الناصر قد وصل إلى نصف مليون ، أي أن نصف لبنان ، قد شارك واقعياً في مواكب الرحلة إلى دمشق ، خلال فترة لا تزيد عن أسبوعين.
وفي ذات الوقت ، تأججت الثورة في الجزائر ، بدعم من قائد ثورة 23 يوليو ، وبدت الأمور آنذاك ، وكأنها تسير نحو النصر النهائي للمشروع القومي العربي ، وبدت أحلام الوحدة ، تداعب الخيال الشعبي العربي.

إنجازات وثغرات :

لقد حققت الوحدة ، إنجازات كبيرة لسوريا ، عبر السير على طريق الاشتراكية ، ورفض منطق الاقتصاد الحر ، وتبني سياسة التوجيه الاقتصادي ، وتحرير النشاط المالي ، من السيطرة الأجنبية ، والرأسمالية وإنهاء احتكار القلة المالكة ، بقوانين الإصلاح الزراعي والعلاقات الزراعية ، ثم بقرارات يوليو/ تموز الاشتراكية عام 1961، وزيادة قدرة القطاع العام ، بتمليكه المصارف ، التي أقامتها الدولة ، والمصارف والشركات ، التي أممت ، وحصص الدولة في بعض الشركات ، وبإلغاء قانون العشائر ، وتشجيع الجمعيات التعاونية ، وبتدعيم الإنفاق على التنمية الأمر الذي ضاعف ، من عدد ، وطاقة الطبقة العاملة ، بشكل ملحوظ.

لقد بدل عهد الوحدة ، من واقع البلاد ، ووضعها على أبواب التحول الاشتراكي ، فكان الحل الوحيد ، الذي بدل من طبيعة علاقات الإنتاج التي كانت سائدة ، على مدى قرون ، وحققت في زمن قصير ، أشياء وإنجازات كبيرة ، على صعيد المشاريع الزراعية ، والخدمية ، وفي قطاع الصناعة ، والتعدين ، والبترول ، والكهرباء وغيرها.

وفي المقابل ، كانت هنالك ثغرات ، وإخفاقات ، تمثلت في عدم وجود التنظيم الشعبي في القطرين ، وبعدم وحدة الفكر والدولة ، فكان هناك في الدولة جيشان ، وعملتان ، وميزانيتان ، وبالتالي أصبحت الجمهورية العربية المتحدة ، تواجه تحديات معادية ، تصدر عن قوى موحدة الاستراتيجية والتكتيك.

لقد كشفت الوحدة بين سوريا ومصر ، وقيام الجمهورية العربية المتحدة بشكل فجائي وصاعق ، عن جوهر المشروع النهضوي العربي الساعي لتحقيق الوحدة العربية ، وكشفت في ذات الوقت عن أعداء هذا المشروع الخارجيين والمحليين.

فخلال السنة الثانية مباشرة من الوحدة ، بدت الفرصة أكبر أمام البرجوازية وملاك الأراضي ، في الانقضاض على الوحدة ، ومشروعها في التأميم والإصلاح الزراعي.
لقد وصف عبد الناصر هذا الصراع قائلاً: " إن نمو البرجوازية القومية المصرية ، في عهد الوحدة مع سوريا ، قد ارتفع ، وكانت حصة أصحاب رؤوس الأموال ، من الدخل الوطني ، قبل بدء التصنيع والتطور الاقتصادي ، تبلغ 68 في المائة من الدخل القومي ، فأصبحت خلال عملية التصنيع 72 في المائة ، في حين هبطت حصة العمال من 32 إلى 28 في المائة " . (كان هذا في خطابه بجامعة الإسكندرية) .

ونشرت جريدة الأهرام بتاريخ 29/7/1961 ، في احتفالات عيد ثورة 23 يوليو ، أسماء كثير من الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى في القطرين ، وتقررت حصة العمال (25 في المائة) من أرباح الشركات ورفعت ضريبة الدخل ، وعدل قانون الإصلاح الزراعي.

الاسباب الداخلية لفشل الوحدة

ويبقى السؤال الأهم .. لماذا فشلت تجربة الوحدة السورية المصرية ؟
لا يختلف اثنان ، في القوى القومية واليسارية ، على دور الامبريالية والقوى الرجعية ، في إفشال تجربة الوحدة ، لكن ما كان لهذا الدور الامبريالي الرجعي ، أن يفعل فعله ، لو توفرت عوامل النجاح الداخلية لهذه التجربة .
لقد تفاوتت الاراء حول الأسباب الداخلية لفشل تجربة الوحدة ، لكن كان هنالك شبه إجماع على الأسباب التالية :-
1-رغم أن إعلان الوحدة ، نص على الاندماج ، إلا أن هذا الاندماج لم يتم على ارض الواقع ، في مختلف المفاصل الأساسية .
2-غياب الإطار النظري ، ووحدة الفكر ، الذي يحمي الوحدة من الارتجال والانحراف، والذي يشكل مرجعية فكرية ، لتحديد المواقف والسياسات .
3-عدم انجاز التنظيم الشعبي الموحد ، الذي يضمن وحدة القيادة ووحدة أدوات النضال ، ويضمن تحقيق التفاعل ، بين القيادة والجماهير ، ويضبط التباينات ، ويحول دون تحولها ، إلى صراعات بين قيادات الدولة .
4-عدم مشاركة الجماهير ، في صناعة القرارات ، وإبقاء الأمور في إطار فوقي بيروقراطي.
5-اختلاف التجربة ، بين القطرين ، قبل الوحدة ، رغم أن الضباط في القطرين ، هم الذين قادوا الدولة في مصر ، اثر ثورة 23 يوليو 1952 وفي سوريا ، بعد طرد أديب الشيشكلي عام 1954 .
فقد كانت مصر ، تعمل وفق مبدأ التوجيه الاقتصادي ، للحد من سيطرة رأس المال ، في حين كانت سوريا ، تعمل وفق مبدأ الحرية الاقتصادية وكانت مصر تركز على الديمقراطية الاجتماعية ، في حين كانت سوريا تركز على الديمقراطية الليبرالية .
6-قرار واشتراط الرئيس جمال عبد الناصر ، بحل الأحزاب لقيام الوحدة إذ انه برغم موافقة قيادات أساسية من حزب البعث ، على هذا الشرط إلا انه لم يلق موافقة كاملة ، في صفوف الحزب ، كما أن هذا الموقف لاقى اعتراضاً من الحزب الشيوعي السوري .
وكان بالإمكان سن قانون للأحزاب في دولة الوحدة ، يكون مضبوطا بإعلان الوحدة ، وبالثوابت القومية والاشتراكية ، إذ أن قيادات في حزب البعث ، اعترضت على حل الحزب ، في الوقت الذي لم يجر فيه حل حزب الاتحاد الاشتراكي في مصر
7-الخلل في دور أجهزة الإعلام في دولة الوحدة ، فرغم ان هذه الأجهزة لعبت دورا هاما وتعبويا ، إلا أنها أغفلت الجانب التثقيفي ، ولم تلق الضوء على ثغرات الوحدة ، وإشكالاتها ، من اجل معالجتها .
8-عدم إخضاع عمليات التأميم ، لشروط وضوابط محددة ، مما أدى إلى استعداء فئات عديدة ، من البرجوازية الوطنية في سوريا .
9-عمليات التسريح للضباط السوريين ، سواء المحسوبين على قوى اليمين او على الشيوعيين ، أو على البعثيين ، مما أدى إلى حدوث حالة احتقان في صفوف قيادات الجيش ، ضد الأجهزة ، وبالمحصلة ضد الوحدة .
5--دور المكتب الثاني ، بقيادة عبد الحميد السراج ، والقسوة التي مورست على قوى المعارضة الوطنية .

مؤامرة الانفصال

وهكذا ازدادت مقاومة البرجوازية السورية ، وكذلك قوى الإقطاع ، من خلال رجالها في القوات المسلحة للوحدة.
وفي ذات الوقت ، جن جنون قوى الرجعية والامبريالية ، اللتان سعتا لإجهاض التجربة ، ومنع انتشارها ، وحتى لا تنضم أقطار عربية أخرى لهذه الوحدة، بحكم إدراك هذه القوى للمعنى التاريخي العميق للوحدة العربية ، وإمكاناتها ، وتأثيراتها ، على توازنات القوى العالمية ، وعلى مصالح الامبريالية ، في مجال النفط ، والدور الذي يمكن أن تلعبه لتحرير فلسطين.
وبالتالي جرت مؤامرة الانفصال ، عبر ذلك الانقلاب المشؤوم عام 1961 ، على أرضية استغلال الثغرات ، التي شابت تجربة الوحدة والذي قاده مأمون الكزبري ، ليشكل ضربة في الصميم ، للمشروع النهضوي العربي – وذلك حسب تقدير العديد من المفكرين العرب- الذين رأوا في الهزائم العسكرية أمام العدو الصهيوني ، مجرد تجليات لهزيمة المشروع الوحدوي.
لقد نقل الكاتب والمفكر الكبير ، محمد حسنين هيكل ، عن عبد الناصر وصفه لشعوره ، إثر الانفصال قوله : " كان وضعي كوضع قبطان ، وجد سفينته ، وقد انشطرت نصفين ، وهي في وسط البحر " .. مشيراً إلى أن عبد الناصر ، قضى أياماً طويلة ، يراجع نفسه ، ويستذكر تفاصيل تجربة الوحدة وآمالها ومشاكلها ، ومشيراً إلى أن التجربة ، جاءت قبل الأوان ولم يكن لها، أساس موضوعي صلب لتحقيقها ، لكن الوحدة قامت وكان الحرص عليها واجباً.
لقد أوضحت الوثائق البريطانية ، التي جرى الكشف عنها مؤخراً ، الدور الذي لعبته بريطانيا ، في التآمر على الوحدة المصرية- السورية ، وأنها كانت المحرك الرئيسي ، لإثارة مخاوف ، كل من العراق ، ولبنان والأردن ، من احتمال تعرضها ، لهجوم عسكري ، من جانب الجمهورية العربية المتحدة .
وتوضح الوثائق البريطانية ، تفاصيل الدور الذي قامت به بريطانيا لمنع انضمام الأردن ، إلى الجمهورية العربية المتحدة ، من خلال نقلها معلومات مضللة ، إلى الملك حسين ، عن تقديم جمال عبد الناصر الدعم إلى مجموعة من القوات المسلحة الأردنية ، للقيام بانقلاب عسكري ضده في‏17‏ أغسطس‏1958.‏
كما تبين هذه الوثائق ، أن الحكومة البريطانية ، طلبت من سفيرها في الأردن ، ضرورة مقابلة الملك حسين ، بصورة عاجلة‏ ، وتقديم النصح له بطلب المساعدة العسكرية ، من بريطانيا ، لحماية الأردن من أي انقلاب عسكري ضده ، تقوم الجمهورية العربية المتحدة بتدبيره‏ ، وإقناعه ـ في نفس الوقت ـ بأن الوجود العسكري البريطاني ، في الأردن ، يسهم في استقرار المنطقة‏.‏
وقد أكد ذلك سلوين لويد ـ وزير الخارجية البريطانية آنذاك ـ للسفير الفرنسي ، في لندن في ‏23‏ يوليو ‏1958‏ بقوله‏:‏ " إن انضمام الأردن إلى الجمهورية العربية المتحدة ، يلحق ضررا شديدا بالمصالح الإنجليزية والغربية في المنطقة‏ ، كما أنه يضع الجيش المصري ، علي حدود (إسرائيل) ، من ثلاث جبهات‏ ، وهذا قد يدفع (إسرائيل ) إلى القيام بعمل عسكري ضد الأردن ، أو الاستيلاء على الضفة الغربية على الأقل‏.‏
وتفضح الوثائق البريطانية أيضا ، الضغوط الضخمة على لبنان من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ، وبريطانيا ، لكي يقبل الوجود العسكري الأمريكي على أراضيه‏ ،‏ تحت زعم حمايته ، من هجوم مسلح تقوم به قوات الجمهورية العربية المتحدة‏ ، وقد تزامن ذلك ، مع حملة دعائية منظمة ، ضد دولة الوحدة ، في أوساط المسيحيين اللبنانيين ، كي لا يوافقوا على اقتراح بعض الطوائف السنية ، بالانضمام إلى الوحدة‏.
وفي نفس الوقت ، لعبت بريطانيا ، دورا كبيراً ، في إثارة مخاوف العراق من دولة الوحدة‏ ،‏ بدعوى احتمال ، قيامها بغزوها عسكريا‏.‏
وتكشف الوثائق البريطانية ، عن مقابلة بين نوري السعيد ـ رئيس وزراء العراق آنذاك ـ وسلوين لويد في لندن في أغسطس‏1958 ، أيد فيها الأخير مقترحات نوري السعيد ، بضرورة إجهاض الوحدة ، بين مصر وسوريا‏‏ على أن يكون الانفصال ، ناجما عن تحرك سوري منفرد ، يحظى بدعم دول الجوار‏.‏
وأضاف نوري السعيد : " أنه ينبغي ، إقامة اتحاد فيدرالي بديل ، بين كل من العراق ، وسوريا ، والأردن ، ولبنان ،‏ لعزل مصر داخل حدودها فقط‏ ، وتوجيه ضربة قاضية ، لدور مصر العربي‏ ".‏
وفي واقع الأمر ، لقد اعتبرت الدول الكبرى ، قيام الوحدة المصرية السورية ، انقلابا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط ، يهدد مصالحها تهديدا مباشرا‏ ، مما حفز هارولد ماكميلان ـ رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ـ إلى دعوة ، كل من الولايات المتحدة الأمريكية ، والاتحاد السوفيتي ، وفرنسا ، لاجتماع قمة رباعي ، يتم خارج نطاق الأمم المتحدة لمناقشة أزمة الشرق الأوسط‏ كما كان يطلق عليها في ملفات وزارة الخارجية البريطانية‏.
وقد انتقد الاتحاد السوفيتي ، القيود التي فرضها جمال عبد الناصر على الشيوعيين ، الذين قاموا بأنشطة معادية للوحدة منذ بدايتها ،‏ وقد كان ذلك هو السبب الرئيسي ، في الخلاف الشديد ، الذي حدث بين الجمهورية العربية المتحدة والاتحاد السوفيتي ،‏ والذي بلغ ذروته في عام 1959.
وبالطبع فقد حظي ، انفصال سوريا عن مصر ، وانتهاء تجربة الوحدة الأولى ، في التاريخ الحديث ، في‏28‏ سبتمبر‏1961‏ ، بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية ، فقد أوردت رصدا دقيقا ، لكل جوانب الوضع الداخلي والخارجي ، في كل من مصر وسوريا‏ ،‏ يتضح منه تبني بريطانيا مطالب بعض الفئات السورية ، التي أضيرت ، من القوانين الاشتراكية التي صدرت في يوليو 1961‏.
وتكشف هذه الوثائق أيضاً ، عن أن غالبية الدول الغربية ـ وبعض دول المنطقة ـ قابلت الانفصال ، بارتياح شديد‏ ، بل إن الملك حسين قرر التدخل عسكريا ، إلى جانب حركة الانفصال ، في سوريا ، إذا اتخذ جمال عبد الناصر ، قراراً باستخدام القوة العسكرية ، للحفاظ على دولة الوحدة.
أما (إسرائيل) فقد حذرها ، السفير الأمريكي في تل أبيب ، بضرورة مراعاة أقصى درجات ضبط النفس ، تجاه الأحداث في سوريا‏ ، وتشير إحدى الوثائق ، إلى مقابلة بين السفير البريطاني في تل أبيب ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية‏ ، أكد فيها الجانبان ، أن انفصال سوريا عن مصر ، يمثل ضربة شديدة ، للفكر الثوري ، في منطقة الشرق الأوسط‏‏ مما يوفر فرصة ملائمة تماما ، لكلا الدولتين ، للتعاون معاً لمحاصرة مصر ، ومنعها من مد نفوذها ، على هذا النحو مرة أخرى.
ولم يكشف النقاب بعد ، عن الدور البريطاني ، في إتمام عملية الانفصال‏‏ نظرا لأن هناك ‏50‏ ملفا كاملة ، ستبقى مغلقة لمدة‏ 50‏ عاما ، استثناءً من قاعدة فتح الوثائق البريطانية ، بعد ثلاثين عاما‏ ، بالإضافة إلى وجود ‏(4)‏ ملفات مغلقة ، إلى عام ‏2055 ،‏ وهي تتعلق بالسياسة البريطانية تجاه الجمهورية العربية المتحدة‏.‏
انتقادات وطعنات

بعد مؤامرة الانفصال ، وجهت السهام ، إلى جمال عبد الناصر طعنات من قبل الأعداء ، والنقد المرير من قبل الأصدقاء ، والحسرة والحيرة من الأنصار ، والخشية والتردد ، من قبل الأعوان ، فماذا بقي لجمال عبد الناصر؟
فالوحدويون قالوا ، أنه كان على عبد الناصر ، أن يستخدم القوة لإفشال الانفصال ، والحفاظ على الوحدة ، التي تحققت.
وأنصار الوحدة ، قالوا أن عبد الناصر ، أخطأ في ترك الأمور لعبد الحكيم عامر ، والمكتب الثاني ، برئاسة عبد الحميد السراج.
والبعض الآخر ، قال أن الوحدة كانت مرتجلة ، وأن الشعبين لم يكونا على استعداد لها ، وما طبق في مصر ، ما كان يجب ، أن يطبق في سوريا ، وأن التأميم ، وقانون الإصلاح الزراعي ، كان خطأ ارتكب في سوريا.

ناصر يتجاوز نكسة الانفصال

لكن جمال عبد الناصر ، لم يأخذ بهذا أو ذاك ، ولم يستخدم القوة لأن الوحدة لا تقام على جماجم الناس ، ولم يكفر بالنهج الاقتصادي الذي اتبعه ولا تحول عن الإيمان بالطبقة العاملة ، ولا عن الدفاع عن المستغَلين لكنه بدأ يراجع خطوات تطبيق الوحدة ، وتنفيذ الإجراءات ، والقوانين التي اتخذت خدمة للوحدة ، في عهد الوحدة.
وتأكد لعبد الناصر ، أن ما حصل ، لن يؤثر طويلاً ، في تطور الأمة المستمر إلى الأمام.

لقد أريد لعبد الناصر ، أن يحجم بعد الانفصال ، وأن ينتهي إلى الأبد بعد هزيمة 1967، لكن عبد الناصر ، رد على الانفصال ، بمساندة ثورة اليمن ، التي قامت عام 1962 ، ودخل في صراع ، ومواجهة مع الرجعية العربية ، التي تساند الرجعية اليمنية ، ومع بريطانيا ، التي تستعمر الجزء الجنوبي من اليمن.
وقد انتصرت ثورة اليمن ، في الشمال والجنوب رغم كل الصعاب ، ثم رد على الانفصال أيضاً ، بتعميق الإجراءات الاشتراكية ، والتحولات الاجتماعية ، فأمم التجارة الخارجية كلياً ، و(85) في المئة من الصناعة وقلص نفوذ ملاك الأراضي نهائياً.

ضرورة الوحدة

ما أحوج أمتنا هذه الأيام للوحدة والخطاب الوحدوي بعد أن تعمقت التبعية والتجزئة، وبعد أن بدأت العواصف والأنواء والحصارات الظالمة تعصف بهذا القطر أو ذاك، وبعد أن وضعت قضية فلسطين على مذبح التصفية عبر المشاريع الامبريالية، وبعد أن جرى احتلال العراق والتآمر الذي يتم على وحدته وهويته العربية... وحيث بدأ المرتدون يروجون للخطاب الإقليمي ويتحدثون عن عبثية الوحدة وعدم توفر مقوماتها، وبعد أن بدأت القوى الطبقية المحاربة للوحدة تضع 99 في المائة من أوراق الحل للصراع العربي – الصهيوني في السلة الأمريكية.
ما أحوجنا للوحدة للتصدي للعربدة الأمريكية ولدعم المقاومة العراقية من أجل إفشال المشروع التفتيتي التقسيمي الأمريكي والذي يستهدف خدمة الكيان الصهيوني والسيطرة على النفط.

دروس واستخلاصات

وحتى لا تظل الأمور ، محصورة في إطار التمني ، والبكاء على الماضي لا بد من استخلاص الدروس ، من تجربة الوحدة السورية المصرية لتجنب الثغرات ، والأخطاء ، التي وقعت ، وأبرز هذه الدروس :
1-ضرورة اختيار الظرف الموضوعي الملائم للوحدة.
2-عدم إغفال وحدة الفكر ، والإطار النظري للوحدة ، وعدم إغفال وحدة التنظيم الشعبي.
3-عدم حرق المراحل ، في الإجراءات الاشتراكية.
4-إشراك الجماهير الشعبية ، في الشؤون العامة ، في إطار مؤسسي.
5-عدم الاستهانة بالرجعية العربية والمحلية.
6-ضرورة رفع الوعي القومي للجماهير ، حتى لا تقع فريسة لمخططات الرجعية والامبريالية.

وأخيراً وحتى لا تظل الأمور ، محصورة في إطار التمني ، والبكاء على الماضي ، وحتى لا تقع الجماهير ، فريسة للطروحات القطرية ، لا بد من التأكيد ، على أن الوحدة العربية ، مسألة نضالية ، قابلة للتحقيق في ظل التطور الاقتصادي ، والاجتماعي ، المتكافئ في البلدان العربية ، وفي ظل تجانس ، في التطور الفكري والثقافي ، في كافة هذه البلدان ، لكن مع الأخذ بعين الاعتبار ، الظروف المتغيرة ، والآليات التنظيمية والجماهيرية اللازمة لإنجازها .
فالخطاب الوحدوي الآن ، يختلف بالضرورة عن خطاب الخمسينات والستينات ، حيث كنا أمام نظام إقليمي عربي توأمه الفكري الإيمان بالوحدة العربية ، وتوأمه السياسي ، مواجهة الاستعمار وسياسة الأحلاف وتوأمه الاجتماعي ، التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية ، وتوأمه الطبقي الفئات الكادحة والمسحوقة ، من الجماهير العربية ، وتوأمه الثوري تحرير فلسطين ، من القبضة الصهيونية.
لا بد من إجراء مراجعة نظرية ، ونقدية ، لتجربة الوحدة من حيث إنجازاتها ، وثغراتها ، من قبل القوى القومية واليسارية العربية ، ولا بد لهذه القوى ، ان تجري هي الأخرى ، مراجعة نقدية جريئة لمواقفها من قضية الوحدة وغيرها من القضايا ، من أجل خلق الأساس النظري المتماسك ، لأي عمل وحدوي أو جبهوي قومي ، وتجاوز الثغرات السابقة ، من اجل مواجهة التحديات الامبريالية والصهيونية ، التي تعمل على تفتيت المفتت وتجزيء المجزأ ، عبر مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير .
ويجب أن لا تنطلي على الأمة ، وطلائعها القومية ، مقولة أن الوحدة لا تتم في ظل العولمة ، التي تعمل ، على إضعاف ، دور الدول في العالم الثالث ، فدور الدولة ، في دول المركز الامبريالي ، لم يتراجع ، كما أن الوحدة في دول ذلك المركز ، تتعزز في ظل العولمة، فالاتحاد الأوروبي جرى تعزيزه في ظل العولمة، وألمانيا توحدت في ظل العولمة.
ويجب أن تدرك ، جماهير الأمة وطلائعها ، أن لا حل لمشاكل التخلف والتبعية ، والتجزئة ، ولا حل للأزمات الاقتصادية ، والاجتماعية إلا بالوحدة والتكامل.
المراجـع

1- عوني فرسخ ،الوحدة في التجربة ، دار المسيرة ، 1958 .
2- محاضر مباحثات الوحدة : الجزء الأول – دار المسيرة .
3- عليان عليان ، مقال : الوحدة في مواجهة الامبريالية وأدواتها ، صحيفة البديل الأسبوعية ، عدد 23 ، 1/3/2003 .
4- عليان عليان ، مقال : قراءة في تجربة الوحدة ، صحيفة الوحدة الاسبوعية ، 15/3/2005.
5- مراجعة للوثائق البريطانية – د. هدى عبد الناصر http://www.arabgate.com 27/2/2007



#عليان_عليان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو هبة جماهيرية لإنقاذ الأسرى
- شعار الاستقلال الفلسطيني مناقض للمرحلية وللهدف الاستراتيجي
- كفى رهاناً على الانتخابات واليسار الاسرائيلي
- نحو أوسع حملة تضامن مع المناضل الأسير سامر العيساوي
- الرئيس مرسي يعيد إنتاج تجربة مبارك
- باب الشمس : إبداع نضالي فلسطيني جديد
- على هامش مهرجان فتح في قطاع غزة
- مجزرة الاستيطان تجهض حلم الدولة الفلسطينية
- مبادرة عربية جديدة للسلام ... أية مهزلة هذه ؟
- حول التحديات والمهام الفلسطينية الراهنة
- فلسطين - دولة غير عضو - إنجاز كبير ..ولكن ؟
- اتفاق القاهرة لوقف إطلاق النار في الميزان
- صواريخ المقاومة تصنع ملحمة النصر وتاريخاً جديداً للشعب الفلس ...
- الجبهة الشعبية تعيد الاعتبار للفعل المقاوم ضد الاحتلال
- ذكرى بلفور مناسبة لاستخلاص الدروس وليس لممارسة طقوس كربلائية
- مرسي يصدم مصر والأمة العربية برسالته الحميمية إلى بيريز
- المحرقة في مدارس الأونروا مجدداً !
- رسائل طائرة حزب الله للعدو الصهيوني ولكل من يهمه الأمر
- فوز شافيز : هزيمة للنيوليبرالية وانتصار للشعوب ضد جلاديها
- قراءة أولية في التصعيد الإسرائيلي ضد إيران واحتمالات الحرب


المزيد.....




- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار شمال غرب أصفهان
- صافرات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل وأنباء عن هجوم بالمسيرات ...
- انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول أمر ...
- وسائل إعلام: الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لهجوم صاروخي وا ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع هجوم ...
- فرنسي يروي تجربة 3 سنوات في السجون الإيرانية
- اقتراب بدء أول محاكمة جنائية في التاريخ لرئيس أميركي سابق
- أنباء عن غارات إسرائيلية في إيران وسوريا والعراق
- ??مباشر: سماع دوي انفجارات في إيران وتعليق الرحلات الجوية فو ...
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية الرسمية نقلا عن تقارير: إسرائيل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عليان عليان - في ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة : دروس الوحدة واستخلاصاتها