أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 6 - الصندوق














المزيد.....

خرائب الوعي .. 6 - الصندوق


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4012 - 2013 / 2 / 23 - 14:41
المحور: الادب والفن
    


كف عن الحفر،عندما لمست الفأس جسما صلبا في القاع، وقفز خارجا من الحفرة العميقة مع بروز أول خيوط الفجر، قذف بفأسه على كومة التراب التي تحيط بحواف الحفرة وعاد وأتكأ على جذع الشجرة وسط قطعة ألأرض المحروقة والمثبتة باربعة مساميرعلى جدار ابيض، ووضع الصندوق الحديدي الملطخ بالطين والتراب على ركبتيه، وبقي هكذا زمنا يسترجع أنفاسه. صورة أخرى، يتبعها إحساس بالراحة.
الليل يتسكع على أرصفة كؤوس العرق، هنا على سطح الطاولة الخشبية الخضراء، يضع يديه وراء رأسه ويسترخي بجوار المنفضة المليئة بأعقاب السجائر. ويحس بالذل في عروقه .. أأنا كائن بشري ؟؟ ويهمس صوت منتشئ في أذنه " الإنسان يمكن أن يتحطم، ولكنه لا يهزم"، وتتعالى ضحكات رواد المقهى وصخبهم، ويربت أحدهم على كتفي ويقول شيئا ما وهو يتأرجح، متشبتا بالكرسي حتى لا يقع. كنت واقفا وراء النافدة الزجاجية أرقب حركة المراكب على سطح النهر، واقفا بكل صلابة، إنسانا مهزوما حتى العظام. " كيف يمكن للبشر أن يخطئوا تقديرالأمور إلى هذا الحد ؟.. إن ذلك ممكن إلى أبعد الحدود، بل إنه القانون العام للبشرية بأسرها، وبالذات حين يعتمدون على الشعراء لفلسفة حياتهم .. ويخلطون بين الفكرة والصورة لتفسير ألأحداث ". في أعماقي يشع الضوء، القمر، اللون الفضي الغامق يستولي علي، يحتل خلايا جسدي، يحرقني، يلاشيني، فأشعر كأني نجمة ضائعة في الفضاء، فتنمو في داخلي حيرة، تورق أشواكا وحزنا وظلالا. ويتوارى الظل في الظل، وينغلق غطاء الصندوق الحديدي القديم على أصابعي، فأصرخ، أصرخ من اليأس، ويمر بجانبي شعاع كوني هارب، تتراءى فيه مساحات زمنية متداخلة، تضيق، تضيق، تدفعني، تحاصرني في مكعب رطب، مظلم كلسي، طيني، رمادي اللون، وفي اللون ظلال. عند التقاء الظل بالظل تحترق حدود الألوان، تتوارى الصورة، تختفي الخطوط وتحترق الأشكال، وينشق جدار الزمان.. تنساب الظلمة ويمتلئ الصندوق الحديدي. نهر يغمرني في لحظة البوح بالاسرار، أدخل .. أدخل ..وأواصل ألدخول، أتوغل، أقطع صحارى مقفرة، وأجتاز الوديان والسهول والمغاور والكهوف والجبال، تواجهني، تصرخ في من أنت ؟ من أنت ؟. تصرخ والصوت يعلو ويكبر، ويتمدد. والظلمة كما الصدى تنمو، كما الحيرة في الأعماق .الاصوات تعلو، تنمو، تتممدد، تتداخل. أصوات كل التواريخ، كل الازمان،اصوات كل البشر، كل المخلوقات. تتداخل أصوات ما قبل الطوفان، ما بعد الطوفان، أصوات خطوات جلجامش تزلزل غابات الجبال البعيدة، صوت دموعه الساخنة وهي تتساقط على سطح البحيرة الهادئة لحظة رأى النبتة البرية تتراقص في أعماق المياه الزرقاء للحظة قبل أن تلتقطها الحية وتسحبها إلى اعماق حفرة مظلمة. أصوات خطوات أخرى، على السلم الخشبي المفضي للحجرة الضيقة على السطح، أصوات أخرى لآلات جهنمية تطرق الحديد، تحفر الاسفلت وتهدم البيوت وتنشر عاصفة من الغبار الأحمر يغطي سقف المدينة. أصوات البشر منذ الأزل وهم يحفرون هذه الأرض كالجرذان التي حكم عليها إلى الأبد أن تلتصق بقشرة الأرض، أصوا ت البشر والحيوانات. أصوات وأصوات تنمو كما النار في الأعماق، تورق أشواكا وحزنا وظلالا، ودخانا ينبعث من بين أصابعه على الطاولة بجانب فنجان القهوة وكراسته المفتوحة، يسجل كل الأصوات والكلمات والوجوه، حتى لا ينسى أنه كائن، كان وسيكون. يقفز الخوف وسط عيني، يأسرني، يعذبني، فأخاف الخوف، أخاف، أخاف الظلمة. وحدي مع الأصوات الكونية مغمض العينين لا أرى شيئا، وألوان العالم السفلي تستحوذ علي، تستولي علي، تغمرني، تنسيني نسيان اسمي من الخوف، ومن الخوف افتح عيني. يواجهني الصخب في انفجار كوني مروع، لحظة ميلاد الصمت واستقرار الاشياء في ذواتها. ويبدو الانفصال أبديا، كاتحاد كلي مطلق، والسكون المفاجئ، وعيون الأشياء تقاومني، تبعدني، تهجرني، فلا أعود اتعرف على بريقها المتوهج، وأحس بالفراق اللانهائي يسكنني، ويتغلغل العدم في باطن الكون. اللهفة والشوق والاغفاءة واغماضة العينين تصيرني إثنين، واحد يرى الأشياء، والآخر لايراها. طفل لم يتعلم كيف يتسلق شجرة، كيف يحب كرنافة، يسافر نحو قلب الاحجار المرمية في أقبية العالم السفلي. ينتظر حتى يكبر الطفل في صدره، ليفك رموز ما أراه ولا أراه. تمنيت في لحظة شوق لو تعلمت لغتي، لو تعلمت لغة الأطفال، لحظة برز وجه أعمى في الافق، وجه أعمى يغني. إذا رأيت تعلمت كل الاسماء، وكل الأشياء وربما كل الأسباب. لاتعرف لأنك لم تر، وعندما ترى ستعرف من هو الأعمى، وستعرف كيف رأيت. وتمنيت لو كنت أعمى لأرى، تمنيت لو أنسى لغتي، لو أنسى كل اللغات. اغمضت عيني لحظة أحسست بالبحر يغمرني، رأيت الحجر الساكن في الأعماق يومئ إلي، يجذبني إليه، يناديني، عرفته، أحببته، عشقته لحظة وعيي له، تحدثت إليه عن أحلامي ورؤاي وأحزاني الرمادية، فككت رموز لغته المهجورة، وأسرتني تحولاته الداخلية، وتعرفت على خارطة رحلته الأبدية عبر الأزمان والمسافات، تحولت تحت تأثير سحره إلى ملايين الذرات العاشقة، دخلت في أعماقه، تغلغلت في ثناياه، اتحدت به، حللت فيه، غزوت صميميته، تسربت إليه عبر الفراغات اللا متناهية، اللا مرئية، صرت حجرا مرميا خارج حدود الزمان والمكان، خارج حدود الحب والذاكرة، حجرا ساكنا في أعماق البحر، كنت منتشيا برائحة الكون. في رحم الصخرة ينبت قمر أبيض، وفي الفجر يصير اللون أبيض، أسود، وما بين اللونين تنمو شجرة ورد، والورد تحيط به الاشواك، والاشواك تنغرز في لحمه، فيصرخ، يصرخ، يصرخ، ويبكي، يتوسل. ولكن من يفهم لغة الأحجار في هذا الزمن الحجري ؟ ويعم الصمت.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرائب العقل .. 5- الحاشية
- خرائب الوعي .. 4 - مقبرة الضباع
- خرائب الوعي .. 3 - العمياء وقصر الغول
- خرائب العقل .. 2- وطني حقيبة وأنا مسافر
- خرائب الوعي 1- البداية
- ليبيا .. الثورة القادمة
- محطة الكلمات المتصلة
- الفضيحة
- حوار مع الله .. الحلقة السابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة السادسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الخامسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الثالثة
- لقاء مع الله .. الحلقة الرابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة الأولى
- لقاء مع الله .. الحلقة الثانية
- ليبيا: الثورة المسروقة .. مرة ثانية
- ليبيا: الثورة المسروقة
- بوادر هزيمة الثورة اللبية
- العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثالثة
- العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثانية


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي .. 6 - الصندوق