أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حازم القصوري - محاكمة مجرمى حرب الكيان الغاصب















المزيد.....



محاكمة مجرمى حرب الكيان الغاصب


حازم القصوري

الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 18:13
المحور: القضية الفلسطينية
    


عرفت البشرية الحروب منذ البدء وفي البدء كانت الحروب، ، ذلك أن اﻹنسان قـد عرف الحرب والنزاع المسلح والعنف والقتل والتدمير عند حادثة قتل قابيل أخاه هابيل وكانت بذلك أول جريمة في تاريخ الإنساني ، وقد ظلت الحرب حتى نشأت عصبة الأمم هي الأساس بين الشعوب، ينظر إليها بوصفها عملاً مشروعًا، ولا ضابط لها من حيث وسائلها والأساليب العسكرية التي تتجرد من النزعة الإنسانية وتفتقد لأدنى المعايير الدنيا لحقوق الإنسان، ولا تخضع لقواعد ولا يحكمها قانون.

وفي ظل الحروب كان هناك جهود دولية لتقنين قواعد وأعراف الحرب وأولها دون شك اتفاقية جنيف لعام 1864 وبالرغم من إقرار القانون الدولي العام لمبدأ تحريم اللجـوء إلـى الحرب وشن العدوان ﻻ زال اللجوء إلى الحروب والنزاعات المسلحة يستخدم كثيرًا حتى بعد إبرام ميثاق اﻷمم المتحدة والتحريم الصريح لذلك، فإن هذا القانون الدولي نفسه قد وضع القواعد التي تنظم العمليات العسكرية وحقوق وواجبات المتحاربين وغير المتحاربين في وقت الحرب أو النزاع المـسلح وما بعد ذلك في حالة اﻻحتﻼل الحربي وذلك في إطار اتفاقيات جنيف لعام 1949، وكذا بروتوكولي 1977 الملحقين ﻻتفاقيات جنيف المذكورة.
وأعتبرت اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتي اعتمدت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2391 في 26 نوفمبر1968 دعمًا لكافة الجهود الدولية الهادفة لإقرار مبدأ المسئولية الفردية ، وقد نصت في مادتها الثانية على انطباق أحكام الاتفاقية على ممثلي سلطة الدولة والأفراد الذين يقومون بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة ، أو بتحريض الغير، أو الذين يتآمرون لارتكابها أو الذين يتسامحون في ارتكابها، ولا يسري التقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بوصفها من أخطر الجرائم في القانون الدولي.
وأعطت الاتفاقية اختصاصًا عالميًا للدول الأطراف في ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بل ورتبت عليهم التزامًا بتفعيله.
وأقرت الجمعية العامة مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم الأشخاص مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بقرارها رقم 3074 المؤرخ في 3ديسمبر1973، والذي أعتبر جرائم الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، أيًا كان المكان الذي ارتكبت فيه موضع تحقيق، ومرتكبيها بمن فيهم مواطنيها محل تعقب وتوقيف ومحاكمة.

وأسهمت اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار رقم 39/46 المؤرخ في 10ديسمبر 1984 في تأكيد مبدأ المسئولية الجنائية الفردية، وعدم جواز التذرع بالأوامر الصادرة عن موظفين أعلى مرتبة أو عن سلطة عامة كمبرر للتعذيب، وجاءت اتفاقية محكمة الجنائية الدولية التي دخلت حيز النفاذ في 2002 تتويجا لهذا الجهد الدولي لتعقب المجرمي الحرب ويقتصر اختصاص المحكمة على الأشخاص الطبيعيين بحيث يكون الشخص مسئولاً عن الجرائم بصفته الشخصية سواء ارتكبها بنفسه أو بالاشتراك مع غيره، وللمحكمة بموجب النظام الأساسي اختصاص النظر في جرائم محددة لا تسقط بالتقادم وهي جريمة الإبادة الجماعية ، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ، وجريمة العدوان.
من خلال ما تقدم يترئ لنا سبل تتبع مجرمي الحرب لقوات الإحتلال الإسرائيلي II على أساس المسؤولية الجنائية الدولية عن جرائم الحرب . I


I. المسؤولية الجنائية الدولية عن جرائم الحرب

لقد أرسى نظام روما الأساسي دعائم المسئولية الجنائية الفردية والتي اعتمد كأول نظام قضائي جنائي دائم على شكل معاهدة ملزمة للدول الأطراف. وقد أكدت في ديباجتها أن أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي بأسره يجب ألا تمر دون عقاب ومقاضاة مرتكبيها ، وقد عقدت العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب وعلى الإسهام بالتالي في منع الجرائم. وعلى هذا الأساس تكون الدولة مسؤولة عن أفعال قواتها وهذا ما ينطبق على ممارسات قوات الإحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

1. المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي الجرائم الدولية.

لم تكن آثار المسؤولية الجنائية في القانون الدولي التقليدي تقتضي أكثر من إصلاح الضرر، أي المسؤولية المدنية عن الجرائم التي تقع خلافًا لقوانين وأعراف الحرب ، إلا أن النتائج المؤلمة للحرب العالمية الأولى وما خلفته من آثار مدمرة على المجتمع الدولي ، غيرت المفاهيم الدولية، فأصبح نطاق المسؤولية الدولية يشمل المسئولية الجنائية الفردية عن الجرائم المرتكبة خلافًا لقوانين وأعراف الحرب بميلاد معاهدة فرساي عام 1919 وتقريرها المسؤولية الشخصية للإمبراطور الألماني غليوم الثاني _بنص المادة (227) من المعاهدة _عن إثارة الحرب وأقرت كذلك مبدأ المسئولية الجنائية الفردية (م/7) من لائحة محكمة نورمبرج العسكرية 1945 لمجرمي الحرب الألمان ، وكذلك (م/6) من لائحة محكمة طوكيو 1946 لمجرمي الحرب اليابانيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، والمبدأ الثالث من مبادئ نورمبرج التي صاغتها لجنة القانون الدولي في أعقاب محاكمات نورمبرج ، وأكدته اتفاقيات جنيف الأربعة بنص المواد المشتركة الخاصة بالعقوبات الجزائية ، و كذلك (م/7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، وكذلك (م/6) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا.

فالمسئولية الجنائية الفردية التي أقرتها المادة (227) من معاهدة فرساي لعام 1919، وأرستها كمبدأ من مبادئ القانون الدولي محكمتا نورمبرج وطوكيو وطبقتها عمليًا بحق مجرمي الحرب الألمان واليابانيين هي نفسها ما يّستند عليها كسوابق قضائية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع دوليًا لجرائمه المستمرة بحق الشعب الفلسطيني.

فجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي حوكم بموجبها مجرمو الحرب في نورمبرج وطوكيو هي نفس الجرائم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والتي تستوجب محاكمة مجرمي الكيان الغاصب لمسئوليتهم الجنائية الفردية عن الجرائم التي يمارسونها.

وكذلك ما أخذ به القانون البلجيكي الصادر في 16حزيران 1993 والذي يمنح المحاكم البلجيكية اختصاصًا عالميًا بمحاكمة مسئولين أجانب عن جرائم القانون الدولي ، بمحاكمة أربعة روانديين في العام 1994 بناء على قانون 1993 ، والذي تم تعديله ليمنع ملاحقة ومحاكمة القادة والمسئولين مادموا على رأس السلطة بعد الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية في أعقاب الدعوى المرفوعة ضد رئيس الوزراء الكيان المحتل ارئيل شارون لمسؤوليته عن مجزرة صبرا و شاتيلا ، والتي تقدم بها 23 فلسطينيًا من الناجين من المجزرة في العام 2001.

وكذلك تم رفع دعوى في العام 2002 ضد وزير الدفاع شاؤول موفاز أمام القضاء البريطاني لمسؤوليته الفردية عن ارتكاب مجزرة مخيم جنين خلال انتفاضة الأقصى أثناء عمله رئيسًا لأركان الجيش الإسرائيلي وإشرافه المباشر على المجزرة.

وحسم النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قضية المسؤولية حيث قرر عدم جواز إثارة المسؤولية الجنائية الدولية إلا في حق الأشخاص الطبيعيين بنص المادة (25) ، فالدولة كشخص معنوي لا تسأل مسؤولية جنائية ، بل تنحصر مسؤوليتها المدنية عن الأضرار التي تنتج عن الأعمال غير المشروعة التي يرتكبها ممثلوها.

وبثبوت مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية في الفقه والعمل الدولي لا تّعفى الدولة من مسؤوليتها، عن أفعال التابعين من رؤساء ومسئولين وأفراد القوات المسلحة باعتبارهم جهاز من أجهزتها تتحمل المسؤولية عن الأفعال التي يرتكبونها بالمخالفة لقواعد القانون الدولي، بالإضافة لمسؤوليتهم الجنائية الفردية وكذلك الأفراد العاديين ، فمسؤولية الدولة عن أعمال التابعين مدنية يترتب عليها جبر الأضرار التي تقع من جراء تلك الجرائم .

وينحصر الأثر العملي للمسؤولية الدولية للدول في التعويض، لا فرق في صدور الفعل الذي يثير المسؤولية المدنية عن السلطات التشريعية أو التنفيذية أو القضائية ، فالدولة مسؤولة بأن لا تكون تشريعاتها تتعارض مع الالتزامات الدولية إذ تسأل الدولة عن أفعال وممارسات الرئيس والموظفين في السلطة التنفيذية، وأفراد القوات المسلحة، وتمتد مسئولية الدولة لما يصدر عن القضاء من أحكام إذا تضمنت الإخلال بالالتزامات الدولية أو إنكار العدالة فيما يتعلق بالأجانب، وتشمل مسؤولية الدولة أفعال الأفراد العاديين في حال تقصيرها في منع ممارستهم غير المشروعة والعقاب عليها.
وبتحقق مسؤولية الدولة يترتب عليها وقف العمل غير المشروع بوقف كافة الانتهاكات ومن ثم التعويض العيني للدولة المتضررة نتيجة العمل غير المشروع بإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع الضرر الناجم عن الفعل غير المشروع، أو جبر الضرر بالتعويض المالي، ورتبت محكمة العدل الدولية التعويض كجزاء لخرق التزام دولي حيث قررت ولايتها الجبرية في نظر جميع المنازعات القانونية ومنها نوع ومدى التعويض المترتب في حالة خرق التزام دولي.

2. مسؤولية الدولية لقوات الإحتلال عن جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني

إن أفعال و ممارسات قوات الإحتلال الصهيوني بوصفها قوة احتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 مسؤولية بشقيها المدني بالتعويض عن كافة الأضرار الناجمة عن عدوانها المستمر.

فأساس المسؤولية الدولية لإسرائيل عدم التزامها بقرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر1947، والذي استندت إليه لإعلان استقلالها في 15 ماي 1948، بينما هو باطل في حق الشعب الفلسطيني لصدوره من طرف لا يملك الحق في السيادة على فلسطين وهى الأمم المتحدة، ولتناقضه الواضح مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة وخاصة (م/2-4) التي تمنع التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، ومع ذلك يبقى القرار سندًا أساسيًا لإقرار المسؤولية الدولية لكيان الإحتلال والتي قبلت القرار وأعلنت دولتها بموجبه.


وتنص المادة الثانية المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع على انطباق الاتفاقيات على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي حتى لو لم يواجه الاحتلال مقاومة مسلحة أو لم تكن إحدى دول النزاع طرفًا في الاتفاقيات، فالأراضي الفلسطينية تخضع لاحتلال كلي في جميع مدن الضفة الغربية وقطاع غزة منذ اندلاع انتفاضة الأقصى ، مما يؤكد انطباق اتفاقيات جنيف الأربع عليها حتى لو لم تكن فلسطين طرفًا فيها وخاصةً اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.

وأكدت العديد من قرارات مجلس الأمن على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية باعتبارها أراض محتلة ومنها القرار رقم 237 الصادر في 14يونيو1967، والقرار رقم 271 بتاريخ 15سبتمبر1969، القرار رقم 1322 الصادر في 7 أكتوبر2000.

ومن أكثر القرارات أهمية القرار رقم 43/58 بتاريخ 6 ديسمبر1988 والذي نص على أن " الجمعية العامة تدين استمرار إسرائيل وتماديها في انتهاك اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب وخاصةً الانتهاكات التي تصفها الاتفاقية بأنها حالات خرق خطيرة لأحكامها، وتعلن مرة أخر أن ما ترتكبه إسرائيل من حالات خرق خطيرة لأحكام تلك الاتفاقية، هي جرائم حرب و إهانة للإنسانية ".

وبثبوت انطباق اتفاقيتي لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، وجنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، وجميع المواثيق الدولية كالبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنطبق على كيان الكيان الإحتلال نظم المسؤولية الدولية باعتبارها المسؤولة عن جرائم الحرب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 والتي امتدت من دير ياسين مرورًا بصبرا ، و شاتيلا ومجزرة جنين التي قد لا تكون آخرها.


وقد نصت ديباجة اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة بقوانين وأعراف الحرب البرية على إلزام من يخل بأحكام الاتفاقية بالتعويض باعتباره مسئولاً عن جميع الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قوته المسلحة.

تقوم المسئولية الدولية للكيان الغاصب عن جرائمه بحق الشعب الفلسطيني بموجب العديد من المواثيق والاتفاقيات والقرارات الدولية ومن أهمها ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول، واتفاقية مع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، واتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ومبادئ نورمبرج التي صاغتها لجنة القانون الدولي، ومبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وكذلك العديد من قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، التي طالما انتهكتها إسرائيل في تحد سافر للشرعية الدولية ومن أهمها القرار (242) الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 (2)، والقرار (194) الخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا قسرًا عن أراضيهم في أعقاب حربي 1948 و 1967، وكذلك القرار (3314) الخاص بتعريف العدوان .

لقد حاولت إسرائيل أن تتهرب من المسؤولية بالزعم أن اتفاقية جنيف لا تنطبق على الضفة الغربية وغزة وبالتالي فإن المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي تؤكد على أن الانتهاكات الخطيرة لاتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة المدنيين في المناطق المحتلة تعتبر جرائم حرب، وبالتالي فإن الممارسات الإسرائيلية في الضفة وغزة هي خارج نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن ذلك لم يصمد أمام الجج والأسانيد القانونية القوية السابقة.

II. سبل تتبع مجرمي الحرب لقوات الإحتلال الإسرائيلي

إن تتبع مجرمي الحرب لقوات الإحتلال يثير العديد من الإشكاليات القانونية فهنالك من ينادي لتوجه للمحكمة العدل الدولية و أخر يطالب السلطة الفلسطينية للإنضمام إلى معاهدة روما و بتالي قبول ولاية المحكمة الجنائية الدولية.
حري بنا بيان أن محكمة العدل الدولي هي محكمة حقوقية لا إختصاص لها مطلق في مساءلة الجنائية لمجري الحرب و إنما تقتصر ولايتها على فصل النزاعات بين الدول و عليه لا يحق لغير الدول التوجه إليها كما أنها تمارس وظيفة إستشارية إلى جانب مهامها الأصلية.

إن ثبوت المسؤولية الدولية لكيان الإحتلال بشقيها المدني والجنائي يفتح الباب التتبع على أكثر من صعيد بموجب الاختصاص القضائي العالمي، والذي كفلته العديد من الاتفاقيات الدولية والتي من أهمها اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول (1) وأمام المحاكم الدولية الخاصة ، التي يقتصر حق تنظيمها على مجلس الأمن(2) ووفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، لما تمثل من السلطة القضائية الجنائية الدولية الدائمة التي يقتصر اختصاصها على الأفراد ، وذلك بالنسبة للجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسى حيز النفاذ(3).
1. الاختصاص القضائي العالمي
لقد نصت العديد من الاتفاقيات الدولية منها إتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول على أهمية الإختصاص القضائي العالمي، وبناء ذلك أصدرت بعض الدول قانونا يسمح لها بمحاكمة كل من ارتكب جريمة من الجرائم الدولية. وقد صدور قانون في بلجيكا عام 1993 يسمح بمحاكمة كل مشبوه بارتكاب جرائم حرب سواء ارتكبت في بلجيكا أو خارجها حتى لو لم يكن بلجيكيا، وبموجبه جرت محاكمة أربعة من كبار العسكريين السابقين في رواندا، ورفعت دعوى ضد رئيس ساحل العاج، وفي عام 2001 رفعت دعوى ضد شارون مجرم مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا سبتمبر 1982 أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان.
تقدم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان دعوى لدى القضاء البريطاني ضد الجنرال دورون ألموغ القائد السابق للمنطقة الجنوبية في جيش الإحتلال الإسرائيلي لارتكابه جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة، مستندة إلى دور ألموغ في المجزرة التي ارتكبها قوات الإحتلال في حي " الدرج " بمدينة غزة بتاريخ 15 جويلية 2002، والتي قتل فيها 15 فلسطينياً، من بينهم تسعة أطفال.
وحكمت "محكمة الضمير العالمية" بتاريخ 24 فيفري2008 ببروكسل )بلجيكا)، على كيان الإحتلال الإسرائيلي بارتكاب جرائم العدوان والحرب والإبادة وجرائم ضد الإنسانية، وهي المرة الأولى في تاريخ الصراع مع الكيان المحتل يتم إدانة بمبادرة من المجتمع المدني الدولي.
ويمكن للدول العربية مجتمعه تتبع مجرمي قوات الاحتلال الإسرائيلي علي جرائمهم في حق العرب طبقا لما سبق من اختصاص عالمي، كذلك منظمة المؤتمر الإسلامي أن تفعل ذلك، ويمكن للدول العربية والإسلامية فرادي أو جماعات أن تصدر قوانين تحاكم فيه مجرمي الاحتلال الإسرائيلي عما أرتكبه ويرتكبه من جرائم دولية في حقهم، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا توافرت الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لعمل ذلك.
كما رفعت دعوى ضد ليفني وزيرة خارجية إسرائيل السابقة أمام المحاكم البريطانية، وأيضا ضد وزير الدفاع براك أمام المحاكم البريطانية.
ورغم عدم تنفيذ أي من هذه القضايا عمليا؛ إلا ان الموضوع قد بدأ يأخذ صدى وجدية على صعيد المجتمع الدولي كما اصبحت فكرة محاكمة المسؤولين الاسرائيليين فكرة غير مرفوضة ومقبولة من المجتمع الدولي ما يقتضي ضرورة استغلال هذا الوضع والنضال للانتقال به من مرحلة العمل النظري الشكلي الى التطبيق الفعلي.
ويمكن لجميع قوى المجتمع المدني العالمي تشكيل تحالف دولي لقيادة جهد دولي من أجل تتبع مجرمي الإحتلال الإسرائيلي و المطالبة بإنشاء المحكمة.

2. المحاكم الدولية الخاصة
يمكن للأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن وهو المختص بذلك أن تنشئ محكمة جنائية دولية بقرار، كما في حالة المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، ولكن تحكم الولايات المتحدة في مجلس الأمن لن يسمح بصدور مثل هذا القرار العادل، ويمكن الوصول إلي هذا القرار عن طريقين هما :
الطريقة 1 : المادة(22) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص علي أن" للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها" فللجمعية العامة طبقا لهذه المادة إنشاء ما يمكنها من أداء دورها فيمكن إنشاء محكمة جنائية دولية، على صورة هيئة معاونة، ففي الجمعية العامة نفوذ الولايات المتحدة أقل، ومن ثم فرصة صدور القرار أكبر، ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة.
الطريقة 2 : في حالة استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للحيلولة دون إصدار قرار من مجلس الأمن بإنشاء محكمة جنائية لمحاكمة مجرمي الإحتلال السياسيين والعسكرية والأفراد، يمكن اللجوء إلي قرار"الاتحاد من أجل السلم"عـ 377ـدد الصادر في 3/11/1950، وقد أعطي هذا القرار للجمعية العامة سلطات تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، في حالة إخفاق مجلس الأمن في القيام بواجباته ومسئولياته الرئيسية بسبب عدم إجماع الدول الدائمة فيه يحق للجمعية العامة أن تنظر في الموضوع مباشرة وتصدر التوصيات اللازمة للحفاظ علي السلم والأمن الدوليين، وتحل محل مجلس الأمن ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة.
3. المحكمة الجنائية الدولية
جهة قضائية جنائية دولية دائمة يقتصر اختصاصها على الأفراد وتكون ولايتها على الجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ سنة 2002، ويمكن تتبع مجرمي الإحتلال السياسيين والعسكريين أمامها وذلك عن طريق انضمام الدول العربية للمحكمة لتحريك الدعوى ضدهم وكل من ارتكب جريمة من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني.
وقد بين النظام الأساسي للمحكمة في المادة(12) الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص فنصت علي:
1- الدولة التي تصبح طرفا في هذا النظام الأساسي تقبل بذلك اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة 5.
2- في حالة الفقرة أ أو ج من المادة 13، يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحد ة أو أكثر من الدول التالية طرفا في هذا النظام الأساسي أو قبلت باختصاص المحكمة وفقا للفقرة 3:
أ) الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث أو دولة تسجيل السفينة أو الطائرة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت على متن سفينة أو طائرة.
ب) الدولة التي يكون الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها.
3- إذا كان قبول دولة غير طرف في هذا النظام الأساسي لازما بموجب الفقرة 2، جاز لتلك الدولة، بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة، أن تقبل ممارسة المحكمة اختصاصها فيما بتعلق بالجريمة قيد البحث. وتتعاون الدولة القابلة مع المحكمة دون أي تأخير أو استثناء وفقا للباب 9.
ويمكن للدول العربية الانضمام إلي المحكمة واستخدام تلك المادة لمحاكمة المتهمين خاصة وأنه لم يصادق علي المحكمة إلا اليمن وجيبوتي وتونس فقط.
وقد نصت المادة(13) علي كيفية ممارسة الاختصاص أمام المحكمة فقالت :
للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقا للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة هن هذه الجرائم وفقا للمادة 15.
وأكدت المادة(14) من النظام الأساسي كيفية الإحالة من قبل دولة عضو فنصت علي أنه :
1 - يجوز لدولة طرف أن تحيل إلى المدعي العام أية حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة قد ارتكبت وأن تطلب إلى المدعي العام التحقيق في الحالة بغرض البت فيما إذا كان يتعين توجيه الاتهام لشخص معين أو أكثر بارتكاب تلك الجرائم.
2- تحدد الحالة، قدر المستطاع، الظروف ذات الصلة وتكون مشفوعة بما هو في متناول الدولة المحيلة من مستندات مؤيدة.
كما يمكن للمدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أن يباشر التحقيقات كما ورد في المادة(15) من النظام الأساسي فنصت :
1- للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.
2- يقوم المدعي العام بتحليل جدية المعلومات المتلقاة، ويجوز له، لهذا الغرض، التماس معلومات إضافية من الدول، أو أجهزة الأمم المتحدة، أو المنظمات الحكومية الدولية أو غير الحكومية، أو أية مصادر أخرى موثوق بها يراها ملائمة. ويجوز له تلقي الشهادة التحريرية أو الشفوية في مقر المحكمة.
3- إذا استنتج المدعي العام أن هناك أساس معقولا للشروع في إجراء تحقيق، يقدم إلى الدائرة التمهيدية طلبا للإذن بإجراء تحقيق، مشفوعا بأية مواد مؤيدة يجمعها، ويجوز للمجني عليهم إجراء مرافعات لدى الدائرة التمهيدية وفقا للقواعد الإجرائية وقواعد الإثبات.
4- إذا رأت الدائرة التمهيدية، بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة، أن هناك أساسا معقولا للشروع في إجراء تحقيق وأن الدعوى تقع على ما يبدو في إطار اختصاص المحكمة، كان عليها أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، وذلك دون المساس بما تقرره المحكمة فيما بعد بشأن الاختصاص ومقبولية الدعوى.
5- رفض الدائرة التمهيدية الإذن بإجراء التحقيق لا يحول دون قيام المدعي العام بتقديم طلب لاحق يستند إلى وقائع أو أدلة جديدة تتعلق بالحالة ذاتها.
6- إذا استنتج المدعي العام، بعد الدراسة الأولية المشار إليها في الفقرتين 1 و 2، أن المعلومات المقدمة لا تشكل أساسا معقولا لإجراء تحقيق، كان عليه أن يبلغ مقدمي المعلومات بذلك. وهذا لا يمنع المدعي العام من النظر في معلومات أخرى تقدم إليه عن الحالة ذاتها في ضوء وقائع أو أدلة جديدة.
هذه هي الآليات التي يمكن بها محاكمة قادة الإحتلال الإسرائيلي ) السياسيين والعسكرية وأفراد القوات العسكرية ) وكل من أرتكب جريمة من الجرائم، ولكن يبقي توافر الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لدي من يملكون هذا الحق لاستخدامه.

لم نقدم ترسانة القوانين الناظمة للمسؤولية الجنائية الدولية لمجرمي الكيان الصهيوني الغاصب كدرسا لكن لقناعتنا بأن مقاومة الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين يجب مقاومته بكل الوسائل الممكنة بدءا من الكفاح المسلح حتى إستعمال القوانين الدولية الناظمة وإن كنا نعرف أن دولة الكيان الصهوني لا تنصاع لشرعة القوانين الدولية.

العالم ليس على ما يرام وإن كان الحلم بـ" سلام دائم " لا يزال ممكنا ..في عالم" لا يفلت منه مجرمي الحرب من العقاب" ..

عاشت فلسطين حرة... حاضنة الأحرار الكونية قاصمة ظهور الغاصبين " باقتدار.
ووردة حمراء في لون دماء الشهيدات والشهداء لكل من يبذل أدنى مجهود للمساهمة في عدم إفلات المجرمين الكيان الإحتلال الصهيوني من العقاب.





#حازم_القصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلم الأهلي
- تحية شهيد الوطن شكري بلعيد
- بيان جمعية تونس الحرة : العالم ليس على ما يرام وإن كان الحلم ...
- الأمن الجمهوري ؟


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - حازم القصوري - محاكمة مجرمى حرب الكيان الغاصب