أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة عفيف - على المرقصْ















المزيد.....

على المرقصْ


سعيدة عفيف

الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 03:38
المحور: الادب والفن
    


يتعالى صوت الموسيقى و ينخفض آتيا من الصالة المقابلة للبهو الذي وُضعت بمدخله و بكل عناية أصص من الأزهار مختلفة الألوان و الرائحة، مما أكسب الجو أريجا ربيعيا فواحا تضافر و نفحاتِ الموسيقى التي تستحوذ أحيانا على صوت الهمسات المنفلتة من حديث يدور هنا و هناك بين مدعوين، كل ثلة منهم تتخذ لنفسها مجلسا بركن ما بالقاعة الكبيرة .. تلك الهمسات التي تعلو بدورها لتصحب نغمات الموسيقى التي تملأ المكان و تعطيه طابعا سحريا خاصا.
و بالقرب يتداعى الراقصان و ينسابان في روعة و عذوبة نادرة..لا شيء يأخذهما من عالمهما الساحر.. لا ينتبهان لأحد و لا يلتفتان كأن ليس غيرهما بالمكان.. حركاتهما المسترسلة بعفوية لا تترك مجالا للتفكير في أنها قد تكون مصقولة أو مدروسة.
يقترب الراقص أكثر من رفيقته و يهمس مبتسما:
- تَبدين ساحرة كالمعتاد عزيزتي..
تنظر إليه بامتنان و تكتفي بابتسامة خجولة و لا تنبس بشيء. تستمر في الرقص من غير توان أو توقف.. تقترب أحيانا لتبتعد من جديد منطلقة في حركات مستديرة تذهل المشاهد و تأسره .. و قد لا ترِفُّ له عين خشية أن يُفَوِّت عليه شيئا من بهاء اللحظة و خشوعها و رونقها. ثم تتشبث بأطراف أصابعه هذه المرة و تقفز في الفضاء في حركة راقصة فنية توقف الأنفاس من حدة جمالها.
تعود بالقرب منه و تتنفس الصعداء بشكل غير مرئي.. و تضع يدا حول عنقه و أخرى بيده بينما هو يحيط خصرها الناعم المنحوت بيده الأخرى..فتتوانى حركاتهما شيئا ما و تخف سرعة أنفاسهما و يرقصان في هدوء.
تطرق قليلا ثم ترفع وجهها إليه و تتطلَّع بحيرة في عينيه، و كأنها تبحث عن شيء ما. أحس بها فنظر بدوره إليها ثم بادر بسؤالها و كأنه يريد إخفاء إحساسه و امتصاص ما تشعر به من حيرة:
- أتعلمين سبب استمرارنا في الرقص هكذا؟
فتستفهم قائلة:
- ما السبب يا ترى؟
يجيبها قائلا:
- عشقنا الكبير للرقص، و عملنا الدءوب الشاق للتأليف بين حركاتنا من أجل شحذها و الإبداع فيها لَهُوَ أكبر دليل على هذه الاستمرارية.
تحرك رأسها بالإيجاب و هي تفكر بكلامه بينما تقفز أسئلة أخرى إلى شفتيها:
- لكننا لا نرقص دائما !؟ لِمَ نبقى كل تلك الفترة حبيسي ذلك الجمود و الانتظار البطيء المميت؟ لِمَ نبقى رهيني رغبة أخرى غيرِ رغبتنا في الرقص؟؟
أطال النظر إليها ساهما لا يَحِيرُ جوابا، و صار الصمت سيد الموقف فاستأنسا به لبعض الوقت، و ذابت كل حيرة و كل استفهام في الرقص المتواصل.. ينظران إلى بعضهما بإيحاء محفز ليستأثر تشكيل الجسد و تمحوره في كل حالاته و تجلياته بكل اهتمامهما.
سابقت رجلاها الريح و الأعين هذه المرة واضعة يدا على كتفه تاركة جسدها يهوى برقة فيتلقفه بخفة شديدة الإتقان في خط مستقيم مع سطح المكان الذي يرقصان عليه.. ثم يلف بجسده عدة مرات على نغمات الموسيقى و إيقاعها الذي أخذ شيئا ما في الإسراع، بعد ذلك يأخذها إليه في انسجام و يرجعها ثانية إلى وضعها الأول منتصبة أمامه جِدَّ قريبة من أنفاسه .. تتطلع في وجهه فتستقر عيناها على عينيه من جديد، يحذقان أكثر كأنهما يسبران غورهما الحائر و حيرتهما الغائرة.
يخاطبها بلهجة مشجعة قائلا:
-عزيزتي، اتركي روحك تنطلق و تنساب كجسدك هكذا كي تشعرين بعمق اللحظة و جمالها..
تجيب هي على الفور:
- أشعر بكل ذلك عزيزي، غير أن كل هذه الروعة لا تحول دون التفكير فيما يعتريني من قلق .. ثم تردف قائلة:
- أ تستطيع ألاَّ تفكر بشيء؟
- كيف لا أفكر و همُّنا واحد.. إنما أفضل أن أتفاعل مع ما نحن فيه الآن، عدا ذلك، فالرقص يستوجب منا كل التركيز..
- كلامك منطقي... و بعد لحظة تسترسل :
- أنا أوافقك في كل شيء، فقط، لست أدري كيف يسرقني التفكير..
- ارقصي إذن و تألقي كما تحبين و كما ينبغي، فالشحنة قد تنتهي في أية لحظة..
تتغير ملامحها و تقول في امتعاض:
- أجل.. قد تنتهي في أية لحظة.. قد تنتهي هذه الشحنة اللعينة في أية لحظة، ثم نَعْلَقُ.. و يَعْلَق كل شيء آخر.. في انتظار شحنة جديدة......
تصمت لبرهة و لا تنبس بشيء آخر، لكن سرعان ما يتحول امتعاضها إلى ضحكات مسموعة فتضيف بسخرية:
-.. أو في انتظار الذي لا يأتي.. انتظار العبث و ذاك المجهول.. و قد نُركًن على رف من الرفوف إن لم يُستغنَ عن رؤيانا، فنغدو من ضمن المتلاشيات؛ و من يدري قد نُكْنَس خارجا لتحل محلنا تحفة ذات قيمة كبيرة لا تستحق عناء الشحن.
يرمقها بإعجاب ثم يدفع خصرها برفق مكونا حركة دائرية على المرقص غير تارك يدها، فيتوالى تَمَوُّج حركاتهما في اتساق واضح و جميل؛ ثم يبتسم ابتسامة عريضة و في قرارة نفسه يرفض الاستسلام للتفكير في مثل هذه النهاية.
ثم لا يلبث أن يقول مبتسما دائما غير آبه بما سيأتي:
-لا تبالي، لنرقص مُمتعين مستمتعين برقصنا .. هكذا.. هكذا.. مبدعا بخفة جسمه و ليونته لوحات راقصة أخاذة.
تتأمله بعينيها الباسمتين ثم تباغته بنبرة متفائلة:
- أحب صمودك و أستمدُّ منه قوتي و إصراري أيضا.. و تستمر قائلة:
- الرقص حياه.. و الحياة رقص في كل أوجهها، و متى و حيثما عرفنا كيف نجيد الرقص فثمة جوهر الحياة و المغزى الحقيقي من وجودنا.
يرقبها مستوعبا عباراتها و باهتمام زائد يقول:
- تبهرينني حقا، هكذا أريدك قوية متبصرة.. بقناعتك هذه سوف تسعدين أكثر و لسوف تتعالين عن كل ما يمكنه أن يعكر صفوك.... انظري إلى الوردة، إنها لا تعمر طويلا، لكنها تسُرُّ الناظرين، تذكي أحاسيسهم بكل جميل، و تملأ الكون سعادة و رضى... فالعبرة ليست بكم سنقبع في الزاوية بدون حراك، أو بكم سنبقى من الوقت مستمرَّين في الرقص.. إنما الجدوى تكمن في ما سنفعله بالوقت متى أتيح لنا، و ما سنحققه لأنفسنا و للغير، و هذا سر كل عطاء هادف...
تنظر إليه بعمق ثم تغمض عينيها قليلا و تميل برأسها نحو كتفه كأن كل كلمة و كل معنى يعزف بروحها لشطحة تلو أخرى، و كأنها لا تدرك ذلك و لا تنتشي به إلا و هي مغمضة العينين ناظرة إلى أعماقها.. يحدو حدوها في ذلك و يرقصان بهدوء متقاربين للحظات.. يصغيان فيها إلى الموسيقى المنبعثة و المتفجرة من عالمهما الباطني ..
بعد ذلك بقليل، تعلو الموسيقى فيفتحان عينيهما، يهمسان شيئا، ثم تكتفي بأن تبتسم ابتسام المنتصر على الموقف بمكر و اطمئنان، و بعينيها وميض سعادة خاطف.
يستمران في رقصهما و يدندنان على غرار النغمات، يمد يده إليها ثم يرفعها عاليا متأملا انحراف جسمها في استدارات رائعة تضفي على الموسيقى وقعا أكثر سحرا و إلهاما من ذي قبل..
يتباعدان و يتدانيان في توافق تام ثم يهمسان لبعضهما بكلام غير مفهوم...
هنا فقط.. يتباطأ إيقاع الموسيقى و ينخفض صوتها تدريجيا إلى أدنى مستوياته، فتثقل حركات الراقصيْن شيئا فشيئا إلى أن يتوقفا تماما عن الرقص.. تنتهي الشحنة و يتعلق ما بقي من كلام هامس.. و تنغلق علبة الرقصْ..
مراكش غشت 2011



#سعيدة_عفيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارٌ سُفْلِيّ
- في عيد الحبّ
- رِهانْ
- رَيْثَما...


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيدة عفيف - على المرقصْ