أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الروايةُ والثورةُ (4 -4)














المزيد.....

بلزاك: الروايةُ والثورةُ (4 -4)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4010 - 2013 / 2 / 21 - 09:12
المحور: الادب والفن
    


كانت عودةُ المَلكية سنة 1815 وزوال عهد الجمهورية قد أرجعَ الارستقراطية الحاكمة السابقة، وأخذ هذا التناقضُ يشدلا رؤيةَ بلزاك كأكثر التناقضات حدة. فزمنُ المُثُل الثورية والتضحيات زال، وغدا الناس يتهافتون على المال والبضائع.
هذه هي المرحلة الثانية التي تشكلت فيها ملحمتهُ (الكوميديا الانسانية) ذروة إنتاجه الروائي، والتي لم ينقطع فيها عن عرض النماذج البشرية وهي تُشوى بين حقبتين في نادر الأعمال، وتشوى في المرحلة المَلكية العائدة بشكلٍ رئيسي.
في قصته (مرقص سو) يتابعُ التضادَ الذي انشغلَّ به بين المال والعواطف البشرية، ويكشفُ سيطرةَ مُثـُل النبالة المتهاوية في الواقع، فهذه المُثُل المتعارضة مع تصاعد الطبقة البرجوازية ما زالت تؤثر على بعض القطاعات الاجتماعية:
(فمرقص سو ليس فقط المكان الذي صادفت فيه أميلي دي فونتين لونغفيل لأول مرة، إنما هو خاصةً مكان لقاء رمز بين الماضي والمستقبل، بين الارستقراطية والشعب) مرقص سو، وزارة الثقافة السورية، دراسة حول القصة والمؤلف، ص.71
المرقصُ مكانٌ ريفي يسمحُ بالتقاء طبقات عديدة، وأميلي دي فونتين هي فتاةٌ من العامة، من البرجوازية الصغيرة المتذبذبة جسم بلزاك الأدبي، حيث تتردد بين واقعها وطموحها، فهي تريد أن تقفز دفعة واحدة إلى الارستقراطية وتتزوج أحد النبلاء العائدين للحكم، وهي ترفض رفضاً قاطعاً أي شاب من عامة الشعب حتى لو أثرى وتحول لبائع كبير!
وكعادتهِ فإن بلزاك يُضفّر بين البنية الاجتماعية والحدث القصصي، فدائماً لديه زمن الثورة، وزمن عودة المَلكية، وقد تبدلت أحوالُ النماذج بسبب هاتين الفترتين، فزمنُ القصة هو زمن عودة المَلكية وزمن لويس الثامن عشر الذي رأى أهميةَ تجديد المَلكية وتحديثها، لكن والد الفتاة أميلي هو شخصيةٌ محافظةٌ عاشتْ في زمن المَلكية السابقة وتدهورتْ مع مجيءِ الثورة، وخسرَ الكثيرَ من ماله، وراح مع عودة المَلكية يستعيدُ شيئاً من المجد الماضي ولم يؤيد الملكُ على هذا التحديث في البدء، لكن مع المزايا التقاعدية المتدفقة عليه غيّرَ آراءه.
الابنةُ الارستقراطية المغرورة لم تُصور وهي تنشأ في هذا العالم، بل ظهرتْ أخلاقُها مكتملةً مضادة لتدهور أحوال العائلة، وكأنها احتفظت في ذاتها بالنبالة وأرادت زوجاً يجمعُ كلَ خصائصها من الألقاب والشارات والأطيان.
لكن عالم المَلكية العائدةَ بدأ يتبرجز، والكثيرُ من المُلاك تدهورتْ أحوالُهم وتوجه بعضُهم للتجارة وإنشاء المصانع، لكن الثقافة الارستقراطية ومثُلَها لم تزل منتشرةً خاصة في الجماعات التي تحيطُ بالمَلكية، وتصيرُ الفتاةُ المحورية أميلي تجسيداً لهذا التضاد بين المثل المتدهورة وحقائق الحياة الجديدة.
فهي ترى شاباً وسيماً تنطبق عليه كل صفات (النبيل)، وتنشأ حركةٌ حدثيةٌ بينهما، تؤدي للتعارف المبهم وعدم انكشاف الأصول الأسرية والطبقية. لكن الفتاة مصرة بأنه نبيل وأنه صاحبُ ثروةٍ قادمة من نبالة مؤكدة.
وتغيرت أحوالُ الفتاة تغيراً كبيراً وغدت متفائلة لا تسخر من الناس ولا تجرحهم كما تفعل عادة، ويحاول أبوها أن يخفف من طبعها المتعالي وأن يجعلها واقعية تتماشى مع انتصار البرجوازية ومثُلِها، لا أن تحرنَ عند أطلال النبالة، لكنها ترفض ذلك وتؤكد أن حبيبها هو نبيل حقيقي.
وفي موقفٍ مفاجئ وهي في السوق ترى حبيبَها في متجرٍ ويمسكُ قماشاً ويبيعهُ فتُصاب بصدمة عاطفية شديدة!
فقامتْ بقطع علاقتها به بشكل نهائي، وارتمت في أحضان كهلٍ نبيل يملكُ ثروةً ولكنه بعمر أبيها وأكثر وعاشَ مجدَ المَلكية السابقة وكان يسخرُ منها!
كان هدف حياتها أن تلتصق بنبيل وترتعش بين جنبات شعاراته وخيوله وأملاكه، وتحقق هدفها والنبيل يلفظ أنفاسه.
في حين كان حبيبها الشاب هو من نبالة حقيقية مضحية، فقد ساعدَ أخاه وحصل على لقب النبل وتدفقت ثروته.
في وعي الكاتب بلزاك اهتمام رفيع بالأخلاق وكشف تناقضها مع التطرف المالي أو الطبقي، كشخصية من صغار البرجوازيين، المتحضرين، المواصلين تصعيد الرأسمالية التحديثية، وهو يرى أن قيم المالِ والبضاعة تنتشر وتكتسحُ المبادئَ (النبيلة)، وهو صاحبُ موقف نقدي اجتماعي مَلكي بونابرتي كما سنرى لاحقاً، فيمثل تشكيلة فكرية متناقضة، لكنه يقدمُ المشاهدَ ومواد الحياة التي تتفجر فيها تناقضات الطبقتين النبيلة والبرجوازية في هذه الحقبة. ومن هنا فهو يعرض الصراعات الاجتماعية المختلفة خاصة بين القطبين السائدين اللذين يمثلان الطبقة الحاكمة المشتركة في زمن عودة المَلكية بعد هزيمة نابليون، أما الطبقات الشعبية المكافحة فهي تأتي في الخلفية وكمواد خام مستغلة فلم تكن قد ترسخت في الحياة الاجتماعية في ذلك الحين. إن حضور الطبقة العاملة ومثلها المختلفة لم تظهر على المسرح البلزاكي.
وفي قصته الأخرى في نفس المجلد المسماة (المحفظة) هي عن نبيلين، أحدهما لا يزال بثروته، والآخر هو امرأةٌ كهلة افتقرتْ وتعيشُ في شقةٍ بائسة مع ابنتها، ويأتي ذلك النبيلُ ليلعبَ معها الورق، ونظراً لعطفه عليها ورغبته في مساعدتها وعدم جرحها يفتعلُ الخسارةَ المستمرة في اللعب، ويُرى هذا المشهد من خلال عين فنان تشكيلي هو جار للمرأتين، فيظنلا الفنانَ الحساسَ بأن المرأةَ وابنتَها تغشان ذلك العجوز الثري، خاصة أنه افتقدَ محفظته في المنزل وظنَّ أن المرأة الشابة التي أحبته سرقتها! ويسمعُ عن المرأتين كلاماً سيئاً فيصدقُ اتهامه الخاطئ، وحين يعود لهما يجد أن الفتاة جددت محفظته القديمة وما زالت نقودهُ فيها وما زال النبيل الشهم يخسر في اللعب!
هو عرضٌ هنا عن النبالة الإنسانية بغض النظر عن الموقع الطبقي، فالخصال الإنسانية تمتد بين شرائح متضادة.
النبالة المتعثرة والبرجوازية الصاعدة هي الملامح العريضة لمرحلة بلزاك الأولى ما قبل ثورة 1830 حيث ستؤكد البرجوازيةُ بعدها حضورَها الاقتصادي الكاسح ويختفي صراعُ النبالة والبرجوازية.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (3 - 4)
- الفاشيةُ الإيرانيةُ وذيولُها
- هل يمكنُ إصلاحُ رأسمالية الدولة؟!
- شكري بلعيد.. اغتيالٌ يكشفُ أزمة (2-2)
- شكري بلعيد اغتيالٌ يكشفُ أزمة (1-2)
- تركي الحمد والقراءةُ التقليديةُ
- مرحلةٌ جديدةٌ من التغيير
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (2- 2)
- بلزاك: الروايةُ والثورةُ (1-2)
- التوصيفُ الطبيعي للربيع العربي
- تسريحُ العمالِ ومسئوليةُ الانتهازيين السياسيين
- أسباب تمكن الحركات الطائفية من الاختراق
- تصادمُ المذاهبِ المُسيّسة
- مشكلاتُ عمالِ الريف
- ثورةٌ مع مَن وضد مَن؟
- الجمهوريةُ والمَلكيةُ عربياً
- الأشكالُ السياسيةُ والتطور الصناعي
- الجمهورية والرأسمالية
- إسحاق يعقوب الشيخ وحلمُ شعب (4-4)
- إسحاق يعقوب الشيخ وحلمُ شعبٍ (3)


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله خليفة - بلزاك: الروايةُ والثورةُ (4 -4)