|
المسألة السورية: بين التكتيك والإستراتيجية
حسين عمر
الحوار المتمدن-العدد: 4010 - 2013 / 2 / 21 - 08:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المسألة السورية: بين التكتيك والإستراتيجية أطلق شرارة الثورة السورية أطفالٌ لا يحترفون السياسة ولا يمارسونها واستجابت لها ونزلت إلى الشوارع والساحات شرائح اجتماعية لا علاقة لها بالأجندات والاستراتيجيات والخطط السياسية، لا الإقليمية منها ولا الدولية، وإنّما هتفت بما يعتمل في صدورها من توقٍ إلى الكرامة والحرية. ولكن ما أن توسّعت رقعتها وامتدّت مساحتها حتى استنفر كلّ من له علاقة بالسياسة ومخططاتها وأجنداتها. والحقيقة لا عجب في ذلك لما لسوريا من موقع استثنائي وأهمية إستراتيجية تتعلّق بأهمّ ملفات الصراع الدولي والإقليمي المحتدَم. وكان واضحاً منذ البداية أنّ الثورة السورية وإن انطلقت من صميم شعبها سوف لن تُترَك لكي تمضي في طريقها الخاصّة بها، المفضية إلى حرية وكرامة هذا الشعب وذلك لنفس الأسباب التي ذكرناها. من أهمّ العناصر المفصلية في مسار الثورة السورية هو نجاح النظام – بمعزل عن شرح الأسباب والعوامل والأساليب التي اتّبعها لذلك- في إبقاء معاقل الثورة، في مرحلة اقتصارها على النشاط السلمي، بشكلٍ أساسي في المناطق الريفية وتمكّنه من منع امتدادها إلى قلب أهمّ مدينتين، أي العاصمة دمشق وحلب عاصمة الاقتصاد والخزين السكاني الضخم. ولو نجحت الثورة في أيامها الأولى في دفع الآلاف من المتظاهرين المدينيين (من المدينة) السلميين إلى الساحات الرئيسية في هاتين المدينتين لكان تأثير ذلك جوهرياً على مخططات النظام عموماً وعلى مساعيه في جرّ الحراك إلى التسلّح والمواجهة العسكرية خصوصاً. استعجل النظام جرّ الحراك إلى ردّ الفعل المسلّح ليحظى بفرصة سحقه واستعجلت المعارضة، التي تشكّلت على مبعدةٍ من الحراك السلمي الميداني، استجلاب النموذج الليبي في التدخّل العسكري الدولي لإسقاط النظام متجاهلة أو جاهلةً بأنّ معطيات ووقائع الجيوبوليتيك تختلف في سوريا عن ليبيا. في ظلّ هذه المعادلة، تسارعت وتيرة تغلغل نفوذ الخارج على الداخل. وبقدر تجذّر العمل العسكري وانحسار الحراك السلمي وتزايد مساحة الاقتتال واشتداد حدّة المعارك وتعاظم حاجة الطرفين لتأمين مستلزمات استمرار المجابهة العسكرية التي لم يعد من السهل، إن لم نقل من المستحيل، على أيّ من الطرفين العودة عنها، تقلّصت مساحة استقلالية القرار لدى كلِّ من النظام والمعارضة إلى درجة نستطيع القول معها بأنّ أقلّ الأطراف سلطة في عملية اتخاذ القرارات بالشأن السوري الاستراتيجي هما السلطة والمعارضة السوريتين، حيث لا يستطيع أيّ من الطرفين الانفصال بإرادته وقراره عن حلفائه الأساسيين. لم يستطع النظام، بحكم طبيعته الخاصّة، أن يستجيب لشروط الحلّ السياسي الذي لا يمكن تسميته بالحلّ إلا إذا تضمّن رحيله، فلجأ إلى تكتيك المراوغة تحت غطاء الإجراءات الإصلاحية والدعوات الحوارية ولم تستطع المعارضة أن تحسم المعركة فلجأت إلى تكتيك إحراج النظام من خلال رهن الحوار بشرط رحيله لتتشكّل العقدة التي يستطيع أيّ من الطرفين تعليق موقفه عليها. هذه الصورة هي حصيلة تحوّل المسألة السورية إلى قضية صراعٍ دولي وإقليمي تُرتَهنُ فيه المسائل الإستراتيجية لقرارات القوى المؤثّرة والنافذة ولذلك لم يعد أمام الطرفين المعنيين المباشرين سوى التحرّك في الهامش التكتيكي الذي لن يستطيع حسم المسألة. وكان التعبير الأبرز عن هذا المشهد مبادرة الخطيب الأخيرة وردّ النظام عليها حيث كان ملفتاً أنّها جاءت بعد أيامٍ من التراخي الدولي على جبهة مَنْ يوصفون بأصدقاء المعارضة وصدور العديد من المواقف والتصريحات المحبِطة لها والحديث العلني عن قطع إمدادها بالسلاح والتشكّي من التمنّع عن تمويلها فجاءت ما أُطلق عليها مبادرة الخطيب الشخصية كانعكاسٍ وصدى لموازين المواقف الدولية والإقليمية والتي ربّما كانت تستهدف في جانبٍ منها إظهار التذمّر من موقف أصدقاء المعارضة والتلويح لهم بإمكانية إحراجها مثلما يمكن إحراج حلفاء النظام. إنّ المسألة السورية قد أُقلِمَت ودُوّلت تماماً، وكان هذا أحد المطالب المبكّرة للمعارضة، ولكن ليس كما اشتهت وتشتهي سفنها. ولعلّ السبب الأبرز لذلك هو أنّ اللاعبين الدوليين المؤثّرين لم يقرروا بعد بأنّ اللحظة المطلوبة لحسم الملفّ السوري قد أزفت ولأنّ لهؤلاء الفاعلين قضايا أكثر أولوية على أجنداتهم ويستخدمون الوضع في سوريا مُسْتَنْزَفاً لخصومهم في تلك القضايا تحسيناً لشروطهم في حسمها (ملفّ إيران النووي نموذجاً) وكلّ ذلك على حساب أرواح وممتلكات ومصالح ومستقبل السوريين. حسين عمر: مترجم وكاتب سوري
#حسين_عمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة الحديث عن الحكومة الكوردية
-
القضية الكوردية في سوريا: التحوّل الدراماتيكي؟
-
العلاقة الجدلية بين حقوق الإنسان وحقوق الأقليات
-
عن وحدة الدولة ومركزيتها
-
ظاهرة الإرهاب وعلاقتها بالاستبداد
المزيد.....
-
مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه
...
-
-أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟
...
-
يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات
...
-
سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
-
سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
-
أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
-
البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
-
قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو
...
-
ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
-
رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|