أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - الخطاب السياسي لدى الطفل الفلسطيني: أطفال مخيم الدهيشة بين روح التحدي وألم المعاناة*















المزيد.....



الخطاب السياسي لدى الطفل الفلسطيني: أطفال مخيم الدهيشة بين روح التحدي وألم المعاناة*


بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 4008 - 2013 / 2 / 19 - 00:35
المحور: القضية الفلسطينية
    


توطئة:
الشهيد والجريح والأسير فكرة تفضي إلى أخرى ، والأفكار تتجمد في عالمنا ، ولا يوقظها سوى خبر عاجل عن حدث ما ، فقد قيل في القدم بأن الشعوب لا تولد ولديها الوعي ، وانما تقترب من وعي لن تصله ، عن طريق إدراك الفكرة وعلاقتها بالوجود ، يأتي الشهداء ويذهبون بصمت كما جاءوا ، يذهبون إلى عالم الأفكار ، ويتركون عالم الاضطراب ، يدهشون العقول النائمة من التخمة، والحزينة أيضا . يلوذ قلق الخواء والوحدة بأصدقاء الشهداء ويتركهم لوحدهم يجابهون الحقيقة، ويذهب بهم شعورهم هذا إلى عالم النكران للمشاعر و الأحاسيس ، عالم الانطواء والانكفاء على الذات .. فمن يذكر هؤلاء ، ومن يتغنى بهؤلاء ..

من يذكر الشهداء : و من يذكر الأم التي استشهدت بشارع الفواغرة ببيت لحم ، وأطفالها مكثوا بجانبها ثلاثة أيام ، من يذكر عيسى زكري حينما قتل بدم بارد في بيته وابنته التي لم تتجاوز السنتين تداعبه وتلعب بدمه ، ومن يذكر الطفلة ماريا أبو سريس(10 سنوات ) التي قتلت برصاص الاحتلال وهي تلهو في غرفة بيتها ، وأيضا رهام ورد"12عاما " عندما قتلت بغرفة صفها بمدينة جنين ، ومن سمع كلمات الإستشهادي محمد درا غمة - "16 عام من مخيم الدهيشة "- : نورا (1) كانت طفلة متفوقة، وجميلة، ومرهفة الإحساس، وربما لأنها كانت كذلك، فعلت ما فعلته، ورحلت)(2) ومن عرف كفاح عبيد ومعتز ومحمود سكر ، أطفالا لم يعرفوا التقاعس يوما ، ماتوا في خط المواجه الأول ،ماتوا وشكلوا من موتهم انتصار ، أطفالاً عرفتهم معرفة جيدة ، ضحوا بالذات من أجل حماية ذاتهم ، فمن يذكر هؤلاء ..وآخرون .

يذهبون جميعا إلى عالم الإحساس المتجذر بالأرض غصباً ، وتبقى ملامحهم، ذكراهم ، ابتسامتهم ، مداعبتهم لأصدقائهم ، في ذاكرة الذاكرة والمعاناة ، في مجمل وتفاصيل وحياة أصدقاءهم الذين جعلوا من أكتافهم نعشاً لهم ، حينما الطلقة قد استقرت بأجسادهم ، وتناثرت عظامهم أشلاء .

الشهداء يعتقون ذاتهم من أجلها ، ويذهبوا ، وتبقى كتلة المشاعر والمعاناة ممزوجة بألم الفراق وروح التحدي فيمن تركوهم ، بالأحياء : بأهلهم ، واقاربهم …. و تتجلى مظاهر الألم و الوحدة بأصدقائهم الذين هم شاهدي الجريمة في المشهد الأخير من مسرحية الدم ، فمنهم من يصاب بالانهيار ، ومنهم من ينكر حقيقة ذلك ، مع أنه هو الشخص الأخير الذي رأى عيناه تغمض ، ومنهم من يتمرد ويقرر الثأر ، ومنهم من يعبر عن ذاته المسلوبة ، ومنهم من يقمعها . منهم من يؤيد الانتفاضة ومنهم من يتحفظ أو يعارض على وجودها ، منهم من يصاب بالصدمة ومنهم من يشفى منها : مشهد درامي واحد ، وردود فعل مختلفة .

وتنبع أهمية الدراسة كونها تتناول موضوعة الطفولة ، وما تمثله من اعقد نقطة حرجة من المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته ، هذا على الصيد العام ، أما على الصعيد الفلسطيني فتكمن أهمية الدراسة كونها تتطرق لموضوع جديد في حقل العلوم الإنسانية وهو كيفية انعكاس العروض السياسية والعسكرية من الاحتلال في حالة شبه يومية من الاشتباك في وعي الطفل الفلسطيني ، يعني الحديث كيف نسج الطفل الفلسطيني الحقائق والأحداث وتشكل الوعي لديه نظراً للظروف المحيطة به .

أثر الحرب على الأطفال :
لعل أنجع مثل لمعالجة هذا الباب ، هو ذلك الفعل السيكولوجي الذي قاله فرويد في الأربعينيات ، حينما قال :" إذا أردت احتمال الحياة ، فلتكن مستعدا للموت (فرويد ، 1997) ، والذي حاكى فيه المثل القديم " إذا رغبت في السلام ، فاستعد للحرب " وكأن هنالك دعوة ضمنية يدعو إليها فرويد بأن السلام لا يتأتى عبر المحاكاة والتفاوض والعقلانية والإنسانية ، بل و يتساءل أيضا : لماذا لم تحقق الحضارة السلم والأمان لشعوبها والشعوب الأخرى ، إذن : هنالك طريقة أخرى عبر عنها من خلال دعوته للاستعداد للحرب ، والثمن النفسي والمادي المترتبين على ذلك .

إذن ما يهمنا هنا ، الثمن النفسي لهذه الحرب ، وبما أن بحثنا يركز على قطاع الأطفال ، فإننا سننصب جاهدين للتنقيب على الملامح التي تصب في هذا المضمار : و هي الجوانب ،النفسية لهذه الأعراض : من صدمات نفسية ، و أعراض اكتئابية ، وعدوانية ، و ازدياد العنف لدى الأطفال .

وفي بحث لها ، أكدت آنا فرويد لأثر الصدمة النفسية في الحروب على مسلكيات الأطفال ونموهم العقلي و النفسي السليم (Ana Freud ,1943) ،وبالرغم من هذا التأكيد ، إلا أنه ما زال هنالك اختلاف حول الحدث الواحد وما يؤديه من فعل . وهذا ما وصلت اليه الدراسات العالمية حول أثر الحرب على الوضع النفسي للطفل .

فتعرض الأطفال لتأثيرات مشابهة ، قد يقود إلى ردود فعل مختلفة لدى الأطفال (Teer,1991) وبكلام مختصر ، نجد أن الإنسان الذي يقع تحت ضغوط نفسية فرضتها أعباء الحرب يتأثر حسبا لظروفه المحيطة ووسطه الاجتماعي ، وتأكيدا لدراسة Teer فقد خلص ِ((Abdulbaghi إلى أن مقياسPTSD مشكوك فيه وردود الفعل تختلف من شخص إلى آخر ، وتجلى ذلك في دراسته للناجين من أعراض هذه الصدمة ، ويرجع ذلك إلى الثقافة الاجتماعية والسياسية للبلد ، والتي تلعب دوراً كبيراً في ردود الفعل تلك ، وقد يتبين لنا ذلك من خلال عنوان دراسته ( Survivors Of Trauma and Terror ) ، والتي عنت بالشريحة التي نجت من آثار الصدمة( Jamshid, 2000).
وبالرغم من ذلك ، لا بد لنا من تحديد أبرز الاضطرابات والمشاكل النفسية الاجتماعية والتعليمية للأطفال الذين اختبروا الحرب ، وقد تتجلى في :

الجانب التعليمي الجانب السياسي الجانب الاجتماعي
تدني المستوى التعليمي عدم الثقة بالقادة التمرد فقدان القيم الاجتماعية
عدم الاهتمام بالتعليم الاضطراب في الرؤية السياسية فقدان الترابط الأسري
التمرد على القيم السلطوية والطاعة

اضطراب
كوابيس / أحلام يقظة
الخوف
القلق
العنف
التوتر
إحباط
تشاؤم
التمركز حول الذات

ولا ندعي أن تلك الجوانب شاملة أو كاملة ، إلا أنها تساعدنا في تركيز البحث ومحاولة معالجة تلك الجوانب (3) .

وبهذا نستطيع القول :"عندما يقوم البشر بحرب ، فإن نتائجها ستكون أضعاف الكارثة الطبيعية " ، وموت أو جرح أحد الأقارب أو الأصدقاء يحمل صاحبها أعباء وضغوط نفسية أكبر بكثير من خسارته المادية ، وهذا ما عناه المثل العربي الدارج بالقول " في المال ولا في العيال " فالخسارة في الجانب الأول يتحمل الجزء الأكبر من ثمنها الجسم المادي ، أما الثاني فيدفع ضريبتها الجانب المعنوي .

وكخلاصة أولية للدراسات السابقة الذكر فنرى : أنه لا يمكن تعميم الأثر السلبي للحروب ، فردة الفعل للأطفال ستعتمد على متغيرات كثيرة والتي تتداخل في وشائج اجتماعية وثقافية وسياسية وحتى نفسية كعوامل وسيطية لمواجهة صدمة الحرب ، إضافة إلى البعد التاريخي للصراع ، فالتالي تكون استجابة الأطفال مرهونة لعوامل وسيطية والتي تؤثر على ردود الفعل للأطفال :


الحرب"مستقل" >>>>>> الثقافة الاجتماعية والسياسية >>>>>>>>> ردود الفعل" أثر الصدمة"


فنستطيع القول حسب هذه المعادلة : أن الحروب هي العامل المستقل والذي يؤثر بدوره على الصحة النفسية للطفل ، وتلعب الثقافة الاجتماعية " من أسرة ، التدين ، وبعض القيم المرتبطة بالتكافل الاجتماعي "_ دوراً حيوياً ومؤثراً في عمليات التكييف وردود الفعل ، ويتوقف ذلك على الفروق الفردية للأطفال .

فكل شعب من الشعوب المقهورة استطاع أن يشكل على مدى تطور مراحل الصراع التاريخي جدار نفسي واقي يخفف من حدة ووتيرة القهر والضغط النفسي والقمع السياسي المتوالد بشكل
عضوي لوجود الاحتلال ، فاستطاع بفعل الخبرات التاريخية أن يصنع مناعة ، وإلا فما يفسر استمرار الثورات العالمية لعقود عدة ، وهذا ما ينطبق على الحالة الفلسطينية، ولهذا سننتقل إلى باب آخر وهو الآثار النفسية والاجتماعية والتي يختبرها الطفل الفلسطيني :


أُثر العنف المنظم للكيان الصهيوني على أطفال فلسطين :
منذ نصف قرن ونيف ، والشعب العربي الفلسطيني يقبع تحت وطأة وآلات الهيمنة الصهيونية، السياسية والعسكرية ، فالثاني قوة أجنبية تملك تكنولوجيا هيمنة وإمكانية الوصول إليها ، أما الفلسطينيين، رغم استخدامهم للسلاح في الانتفاضة الأخيرة ، إلا أنهم تميزوا تاريخياً ، بالهجوم والدفاع بإشهارهم الحجارة كأقدم سلاح بدائي عرفتها البشرية ، وقد تصدر هذا الجانب الطفل الفلسطيني .

وبدأت سلطة الاحتلال باستخدام العنف المنظم وقمع المقاومة منذ اللحظة الأولى التي وطـأت فيها أرض فلسطين ، فلسطين الدم ، دفء القلب وأرض الشهداء ، لتذكير الفلسطينيين بعدمية استقلالهم ، ورغم مرور عقود عدة ، لم تتمكن إسرائيل من تدجين أو تطبيع علاقتها مع السكان الأصليين لفلسطين"رغم استطاعتها إعادة صياغة آليات هيمنتها من خلال اتفاقية أوسلو، ولكن سرعان ما هدم هذا الجدار ، ليثبت فشل نظريتها " ، و فشله هذا يعني اللجوء دائما إلى العنف الجسدي ، فضلا عن العنف البنيوي .
فما القتل ، الاغتيال ، الإعدام ، التعذيب ، السجن، النفي ،العقاب الجماعي ،وانتهاك حقوق الإنسان والطفل (4)، والإغلاق ، منع التجوال ، نقاط التفتيش ، هدم المنازل ، قصف البيوت والمصانع ، ومصادرة الأراضي والبيوت (5) إلا ممارسات هادفة إلى تطويع الشعب وإرضاخه ، وفرض الأمر الواقع عليه ، الواقع الذي يعني المعاناة والقهر والألم .

وكـأن التحدي والصمود قائما على مبدأ المقاومة السلبية إن جاز لنا التعبير ، وهو مقدار تحمل المقهور الخسائر المعنوية والمادية ، والكشف عن الوجه البشع للاحتلال ، والتحدي أيضا المقاومة الإيجابية والتي تعني التمرد على كل شكل احتلالي ، وحفظ توازنه الانفعالي والعاطفي في وجهه آليات الهيمنة الهادفة إلى إخلال توازنه .

وبما إن الطفل الفلسطيني عنوان التحدي والصمود ، فأنه الهدف الرئيسي للعنف المنظم الهادف إلى إخضاعه وقمعه وردعه ، وهذا يعني هم الشريحة المستهدفة ، فاستخدم ضدهم أشرس أدوات القمع والقتل والسجن، و كثيرا ما استخدمت إسرائيل ذرائع تسوغ لها فعلتها "مثل تعرض حياة الجنود للخطر ـ أو الأم الفلسطينية هي التي تبعث أبناءها ليموتوا . وقد تعدى الأمر إلى ابعد من ذلك ، إلى استخدام مصطلح يجرد الطفل الفلسطيني من طفولته ، ويتجلى ذلك من خلال ما نسمعه في نشرات الأخبار الإسرائيلية ،كأن يقولوا : مصرع شاب أو فتى فلسطيني في الثالثة عشر من عمره "، وبهذا نستطيع إدراك الحملة الشرسة التي تخوضها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وأطفاله العزل .

فما سبب استخدام أدوات القمع المنظم وآلياته : من الطائرات الحربية ،"الأباتشي والأف 16 ، والمجنزرات والدبابات ، ... الخ ، إلا بث الرعب والخوف في صفوف المدنيين وتطويعهم بالقوة ، وخصوصا الأطفال ، تلك الفئة المهمشة والفاعلة بنفس الوقت ، فمهمشة من ناحية أنها فئة مستضعفة ، وفاعلة في آن ، من حيث أنها تصدرت المقاومة وسطرت بدمائها أروع آيات من العطاء والتضحية ، وهذا ما تؤكده وسائل الإعلام والتلفزة من إحصائيات مؤشرة إلى النسب العالية التي وقعت بصفوف الأطفال ، علما أن هذا الحجم الهائل من الخسارة المادية والمعنوية لم يردعهم وانما زودهم بدافعيه وحماس شديدين .

وما يهمنا في هذا المضمار هو الجانب النفسي الذي جرح وتضرر كنتيجة مباشرة لهذه الحرب الشرسة والتي طالت مجمل وتفاصيل الحياة اليومية للطفل الفلسطيني ، تاركة وراءها كارثة إنسانية ستحمل المجتمع الفلسطيني عبأ ثقيل ، وخصوصا أن الآثار النفسية تدوم إلى فترات طويلة ، وقد تتنقل العدوى إلى الأجيال القادمة (Raija,2000)، فمن هنا تأتي الأهمية الكبرى للدراسة والتي تسعى إلى تشخيص والكشف عن بعض الأعراض النفسية والجانبية عن الآثار التي يختبرها الطفل الفلسطيني ومحاولة تفسير السلوكيات التي تبدر عنه حتى في التعارض الوجداني فهو من جهة يفرح عندما يختبأ من الرصاصة ، وهو الذي يبكي إذا ما استشهد له قريب أو صديق (6). وبعد الوصول إلى الهدف المنشود من الدراسة ، سنقوم بتحليل النتائج ووضع الرؤى ، والتي تساعد في تقديم آليات تساعد الطفل على التكييف الإيجابي والشفاء، حيث إن من بعض ملامح التصدي تخلق واقعا من التحدي المفرط والعدوانية والتي قد ترتد بصورة عكسية على المجتمع الفلسطيني .


فقدان الطاعة في مقابل التمسك بصورة الأب :
ولو أردنا أن نستدرج الأفكار المتعلقة لإشكالية البحث والتي نعدها بدورنا رأس خيط الأفكار جميعا ، فإننا نذكر افظع مشهد هز المجتمع الفلسطيني على وجه الخصوص والعالم بشكل اعم ، هو ذلك المشهد الذي رأيناه على شاشات التلفزة ، محمد الدرة وأبيه ، مشهد كذبه الكثيرين للحظة ومن بينهم أنا لفظاعته ، لقد أنكرنا نحن الكبار ذلك ، لأن واقعة وهول المشهد اكبر من أن نصدقه ، فما بالك الأطفال ، فما زالت كلمات الطفلة الصغيرة (سبع سنوات) تتردد في أذني حينما قالت لي معلقة على المشهد " الحق على أبوه ، لو حط الولد كدامه ، لو ما مات الولد " ولم تكتفي بتلك الكلمات وإنما مثلث الآلية التي كان على الأب أن يتخذها ، فتلك الكلمات ورغم براءتها إلا أنها هزتني وفاجأتني في آن ، فمن حيث صرامة الحسم عند الطفلة وقوة جوابها من جانب ، وفاجأتني من حيث طبيعة إجابتها ومنطقها في تقييم الأمور ، وهذا ما شدني إلى الاستمرار بالنقاش ، حيث أردت اختبار الشخصية المثالية للطفل ، وهي عادة ما تكون الأب وبالفعل كانت إجابتها : " أبوي أقوى واحد في الدنيا " ، ومع تكرار هذا الحوار علي عينة ، آخذا بالاعتبار التقارب في العمر ذكورا وإناثا( من 7 سنوات إلى 10) ، وجدت نفس مضمون الإجابات .

فحاولت الإطلاع على الجانب الآخر من المشهد ، أقصد هنا : رأي أطفال من نفس السن ،ولكن اختبروا عملية إذلال و امتهان لأبيهم بحضورهم ، فبالرغم من الحقد التي أبدته الطفلة(6سنوات ) على الجنود ، إلا وأنها تكيفت مع الموقف وخلقت لنفسها ميكانزم دفاعي عن الأب بقولها : " لو كان مع أبوي برودة ، لطخ كل الجيش " فنلاحظ أن الطفلة تعيش في حالة نكران للحقيقة كي تحافظ على الصورة التي رسمتها لأبيها .

فنرى أن هذه النتيجة ، تتعارض مع دراسات نظرية كثيرة : من بينها دراسة (Raija, 2000) حينما علقت على وصف الشاب لحادثة قريبة حصلت معه ووالده ، عندما كان عمره 6 سنوات ، حيث تعرض الأب إلى الامتهان والإذلال من قبل الجنود ، وفي ذلك الوقت توقف الطفل بالإعجاب بوالده. وهذا ما لا اتفق وإياها .

وإذا راجعنا النقطة المركزية في أطروحتها ، فنراها ، اعتمدت على حادثة حصلت مع فرويد حينما كان يبلغ 12 سنة ، فحينما كان يمشي في فينا مع والده ، ارتطم شخص بكتف الأب فأوقع طاقية الأب ، وقام ذلك لشخص بشتم الأب وتلفظ بكلمات ضد السامية ، وفي ذلك الوقت حقد فرويد على أعداء السامية وأراد الثأر للأب . إذ نرى بدورنا أن السن عامل أساسي وكذلك العامل الثقافي أيضا مهمان لردة الفعل لدى الطفل ، فابن السادسة ليس ابن الثانية عشر ، وأيضا نرى أن هذه النظرية لا تجيب على استمرار الأطفال (بين 5 إلى 10 سنوات ) بالإعجاب بآبائهم . ومع ذلك فإنها أجادت في تحليلها لانضمام المراهقين "Adolescent" إلى صفوف المقاومة ، وهذا ما يتوافق مع تحليل القصة التي حدثت مع فرويد، ومحاولة محاكاتها الواقع الفلسطيني ، فالمراهقة ليست الطفولة حتى وإن تقاطعت من حيث أن الطفل والمراهق لم يكتمل لديه النضوج العقلي ولا العاطفي .


تعميم صورة الأب على المجتمع :
اعتقد من خبرتي الميدانية ان الأطفال في الفئة الواقعة ما بين (10 _ 13سنة ) هي التي تأثرت بمشهد محمد الدرة ، وقد نستطيع إقحام مثل صغير يعطي دلالة على ما سبق ، والذي يتمثل برد طفل يبلغ الحادية عشر من عمره على أبيه ، حينما دخلت دبابات الاحتلال على إحدى الحارات في مخيم الدهيشة ، وأراد الأب أن يدخل ابنه إلى المنزل خوفا عليه ، فقال الطفل لأبيه : " روح انت ، متخافش علي ،إذا انت خايف روح " فبالتالي نرى إن قيمة الطاعة قد فقدت ، حتى طبيعة اللهجة قد تغيرت ، هذا التمرد لا نشهده في سنوات ما قبل العاشرة ، وإنما نجده ما بعد هذا السن . وهنا نعود مجددا إلى الفكرة التي انطلقنا منها وهي استشهاد محمد الدرة مع والده ، أو حسب تعبير الطفلة : وراه " خلفه"، فموت الابن بهذه الصورة أو بأخرى " وجود الأب في موقف محرج أو مسيء له أمام أطفاله" قد افقد للأبناء ثقتهم بالأباء .

فإذا أردنا تحليل بعد المشهد سالف الذكر وإيقاعه على الواقع النفسي والاجتماعي، فنرى أن الأب هو رمز السلطة في المنزل و شرعيته ، وهو قانون البنية المجتمعية والتي تترجم عن نفسها من خلال جملة من النظم والقوانين المركزية الناظمة للمجتمع ، وتمرر من خلال الأب ، فبالتالي يمثل الأب صورة لسلطة المجتمع ، وسقوط هذه الصورة من خلال الأب يعني بالضرورة سقوط شرعية السلطات أجمع ومركزيتها ، فتطال سقوط الهيبة هذه كل المؤسسات المجتمعية ، يعني سقوط القيم التي تنظم المجتمع ، وهذا ما يفسر تراجع قيم الطاعة والاحترام لمن هم أكبر سنا من الأطفال .

ويكون عدمية امتلاك أسلوب تربوي ناجح للإجابة على أسئلة الأبناء في ضوء الخلل الحاصل في البينة النفسية و الاجتماعية معززا سلبيا ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، كنت يوما في زيارة صديق لي أثناء رفع التجوال وفي ذلك الحين دخل أبن صديقي علينا ، قائلا لأباه : "روح تانطلع على بيت لحم " فرد الأب قائلا :"شو انت مجنون يابا … ولك مليان جيش في البلد " ، جواب كهذا ليس شافي للطفل وإنما يشكل لديه صورة للأب بموقف الجبان أو الخائف ، فكان على الأب أن يمهد الجواب على الطفل ، كأن يشرح له عن الحالة العامة التي يختبرها شعبنا ..الخ حتى يوصله إلى الاستنتاج العام ، والذي مفاده خطورة الموقف .


أصدقاء الشهيد :
رغم قراءتنا المتواضعة لدراسات عنت بالأطفال والسلوكيات المصاحبة لهم :كأثر لتعرضهم للعنف السياسي " الجسدي والنفسي " ، فلم نجد دراسة واحدة للمجتمع الفلسطيني اختصت بأثر الشهادة على نفسية وسلوك الأطفال (7) ، أو بالأحرى أثر استشهاد طفل على سلوك ومشاعر أصدقائهم ، كيف كان أثر الحاثة وهول الواقعة على مسلكياتهم وخصوصا إذا رافقوه لحظة

الاستشهاد ، نظرتهم للشهادة و الاستشهاد ، و الانتفاضة ووجودها ، الاستمرار بالانخراط في نشاطات وفعاليات الانتفاضة على إثر استشهاد صديقهم ، …. الخ

من الأسئلة الهادفة إلى معرفة الآلية التي خلقوها من أجل التكييف على الصعيدين الإيجابي والسلبي.

ففي دراسة مشابهة لهذه النقطة من موضوع دراستنا ، لكنها تختلف من حيث المضمون و وحدة التحليل ، والتي أجراها الدكتور Bahaman Najarianأجريت على عينة من أبناء االشهداء الإيرانيين ، بمدرسة يطلق عليها "مدرسة الشهيد " ، حيث خلص إلى انتشار العدوانية داخل المدرسة ، إضافة إلى ظاهرة التسرب ، ومع كل ذلك كشف النقاب عن بعض الحالات التي شفيت ، نتيجة التكييف الإيجابي لهم ، وعزا ذلك إلى دور الدين في العلاج والتكييف (Najarian , 2000).


الدراسات السابقة :
تعد مرحلة الطفولة من أهم المراحل المهمة في حياة الإنسان إن لم تكن أهمها نظراً لحساسيتها وتأثيرها على مجريات وتفاصيل حياة الطفل الحالية والمستقبلة ، وبهذا لا يستغرب اهتمام الباحثين والعلماء في حقول العلوم الإنسانية كافة بموضوعة الطفولة والظروف الاجتماعية-الثقافية والسياسية التي تحيط به وأثرهم في صقل وتشكيل شخصية الطفل ، ومن هنا سنقوم بالتطرق لمجموعة من الدراسات التي اهتمت بالأطفال :

دراسة Punamaki :
حيث قامت الباحثة بدراسة مجموعة من الأطفال والشباب الفلسطينيين - في الضفة وقطاع غزة - بأعمار مختلفة تحت عنوان الصراع بين البطولة والرعب ، وخلصت الدراسة الى الكيفية التي يعالج الأطفال أنفسهم عن طريق اللعب ، إضافة إلى تأثر القيم الاجتماعية " مثل الطاعة والاحترام " للفقدان نتيجة العنف المباشر الذي يمارسه الاحتلال ، ومن جانب آخر كيفية انتقال الأعراض والمشاكل النفسية والاجتماعية الى الجيل التالي (Punamaki ,2000).

دراسة غسان يعقوب :
استهدفت الدراسة التي قام بها الدكتور غسان عينة عشوائية من اللبنانيين ، تتراوح أعمارهم في الفئة ما بين (7 –11 ) ، حيث استخدمت الاستمارة كأداة للبحث ، وقد خلصت الدراسة الى أن 80% من الأطفال الذين شملتهم العينة يعتقدون أن العالم الخارجي عدائي ومهدد ، 66% منهم أعطوا قصتي حرب في اختبار T.A.T )) ، ووجد أن 25% يعانون من سوء التكييف والعدوانية ( يعقوب ، 1994) .

دراسة هاروت أرمينان :
وفي دراسة آخرى عن المجتمع اللبناني قامت بها الدكتورة هاروت على عينة عشوائية من الأطفال ما بين (3-9) سنوات ، حيث خلصت الى أن الحرب أثرت على كافة النواحي الصحية والأسرية والاجتماعية في المجتمع اللبناني ، فوجدت 20% عانوا من الأمراض والوعكات ، 58% عانوا من أمراض نفسية " قلق ، اكتئاب ، أعراض سيكوماتية " ( رضا ،1986 ) .

دراسة عبلة الدجاني :
هدفت دراسة الدكتورة عبلة الدجاني الى التعرف واقع الأطفال الفلسطينيين وحياتهم : وكذلك دور الطفل الفلسطيني في الانتفاضة وما أحدثه هذا الدور من آثار نفسية واجتماعية ، وكيفية اجتياز حاجز الخوف والرهبة من الجنود ، واقبح لديهم قوة معنوية لمواجهة الاحتلال (الدجاني ، 1992) .

دراسة Punamaki :
وفي دراسة آخرى ل Punamaki على الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين وجدت أن الأطفال الفلسطينيين يعانون من الخوف والقلق بدرجة أكبر من الأطفال الإسرائيليين كونهم يكافحون من أجل هويتهم الوطنية ، وأن الإحباط والعدوانية مرتفعة لدى الفلسطينيين بدرجة أكبر نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة (يعقوب ، 1990) .

فنرى من خلال الدراسات السابقة والتي تناولت موضوع الأطفال والحرب ، أنها ركزت على الجوانب النفسية والصحية والسياسية التي يختبرها الطفل ، ولم تولي تلك الدراسات أهمية للجانب المعرفي وكيفية إدراك الطفل الواقع والظروف السياسية المحيطة به .

فكما نعلم أن الإنسان يمر بمراحل مختلفة في تاريخ حياته التطورية ، وهذا يعني حالة تغيير وتطور في الجوانب العقلية والبيئية والمعرفية والبدنية والوجدانية ، فالطفل الذي ينمو في بيئة فيها مقاومة شديدة للاحتلال ، يكتسبها الطفل ويدمجها الطفل في سلوكه وإدراكه حسباً لقانون التأثر بالبيئة والظروف المحيطة به (قطامي ، 1990) ,

فالطفل حسب بياجيه يمر بمراحل مختلفة ، وسنهتم بدورنا بمرحلتين ، الأولى مرحلة العمليات الحسية التي تمتد بين (7-11) سنوات ، ومرحلة العمليات الشكلية والتي تمتد ما بين سن 12 سنة وما فوق ، وما يهمنا هنا ما يميز المرحلة المحسوسة للأطفال وما يمارسه من عمليات تفكير ، والذي يكون مقصوراً على ما يدركه من الحواس ، وكما ان قدرة الطفل من التفكير بشكل استقرائي واستنباطي تبدأ في الازدياد والتطور ، ومن ثم يبدأ الطفل بالتخلي عن التفكير التحولي " غير المترابط " ويبدأ في التفكير الديمومي ، أيضا يبدأ الطفل تدريجياً بالتعامل مع الأحداث الواقعية (عطيفة ، 1997) .

وكخلاصة يتبين لنا من خلال العرض السابق للدراسات : أن العديد من الدراسات ركزت على أثر العنف على الأطفال ، وقد هدفت الدراسات لمعرفة درجة شيوع الظاهرة ظاهرة العنف لدى الأطفال ، إضافة إلى فحص المتغيرات المستقلة :الجنس ، والدخل ، والحالة الاجتماعية على ظاهرة العنف من منطلق كمي .

وبهذا سيكون البحث الحالي امتدادا واستكمالاً للدراسات السابقة وما نادت به من توصيات، لكن باتباع المنهج الكيفي والذي أغفلته الدراسات السابقة ، والذي يدرس الظاهرة ويحللها ضمن أجوائها الطبيعية ، كما سنقوم بدراسة الخطاب السياسي عند الطفل الفلسطيني حسباً لما يدركه الأطفال في واقع العنف السياسي اليومي والذي يختبره الأطفال .

فرضيات الدراسة :

فإذا أردنا أن نقوم برسم العملية السيكولوجية والمعرفية للأطفال الذين تعرضوا للعنف الإسرائيلي و لسلوك أصدقاء الشهداء وعملية تأثرهم بالحدث فإننا نرى أن العملية تسير كالتالي : لكن في البداية لا بد من ترقيم بعض العبارات والتي ستساعدنا على فهم الموضوع وديناميته :

:A عنف منظم للاحتلال
:B استشهاد الطفل
:X ردة الفعل للأطفال ولأصدقاء الشهيد نتيجة العنف الإسرائيلي
:J الأسرة
:F الثقافة الاجتماعية والسياسية


فإننا نستوضح من خلال المعادلة والتي توضح تنامي وظهور العوامل المؤثرة على سلوك الطفل ، فالاحتلال يستخدم أدوات القمع المنظم ، فتقوم بالتأثير على مجمل وتفاصيل حياة الطفل الدقيقة " نقصد X " ، ويكون " B " وهو استشهاد الطفل كنتيجة لاستخدام القوة المفرطة لردعه ، فيكون هنالك عاملين مؤثرين على الوضع النفسي والمعرفي للأطفال وهما A لوحدها او " A +B " معاً

تلقي " B " بثقلها على أكتاف أصدقاء الشهيد فتشكل لديهم عبء و أرق نفسي ، تتدخل الأسرة لتخفيف هول الواقعة على أطفالهم " X " ، وتلعب أيضا الثقافة الاجتماعية والسياسية في المجتمع ذاته دورا أساسيا في استيعاب ظاهرة الشهادة ، وتعتمد عملية التكييف (بشكل إيجابي أو سلبي)هذه على الأطفال أنفسهم ، فإما تستطيع أن تعيد لهم توازنهم المفقود ، وإما تفشل في ذلك. وهذا الفشل يستدعي التدخل لمساعدتهم حتى يعيدوا توازنهم . ومن هنا سننطلق بفرضيات الدراسة :
• يدرك الأطفال المتأثرين- بصورة مباشرة أو غير مباشرة – الأحداث والخطاب السياسي بصورة تختلف عن أطفال لم يتأثروا .
• البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي ينتمي لها الطفل لها أثر على إدراكه للصراع.
• تختلف آراء الأطفال تجاه الانتفاضة والمقاومة والحلول ووجهة نظرهم تجاه قضايا سياسية حسب العمر/الجنس/تعليم الوالدين /الدخل /اعتقال أو استشهاد أحد أفراد الأسرة أو أصدقاء الشهيد.
• هل تأثرت صورة الأب لدى الأطفال نتيجة مشاهدتهم عملية استشهاد محمد الدرة على التلفاز.

سؤال الدراسة :

كيف يدرك أطفال فلسطين المقيمين في مخيم الدهيشة الواقع السياسي والاجتماعي في غضون الانتفاضة ؟ وهل لديهم الوعي السياسي تجاه القضايا العالقة من حلول آفاق للصراع .


تعريف المصطلحات :
سوف نقوم بتقديم تعريفاً إجرائيا للمفاهيم التي سيتم استخدامها للدراسة ، وبهذا فإننا نرى أن :
الانتفاضة :- لغويا تعني الاستيقاظ أو الابتعاد عن شيء مزعج .وسياسيا تعني التخلص من المحتل ، وسيكولوجيا تعني الولادة من جديد .
الطفل : تمتد الطفولة من سن الولادة حتى الثانية عشرة .


المنهجية و أدوات البحث :

استكمالا لما تم عرضه في الجانب الأول من ورقة العمل والتي بحثنا فيها مشكلة البحث وفرضيتنا ، والتي تنقسم إلى ثلاث متغيرات الأول : العنف المنظم ،الثاني فقدان صديق ، اجتماع المتغيران و تأثيرهما على أصدقاء الشهيد ، والثقافة الاجتماعية والسياسية كعوامل وسيطة تلعب دورا في تشكيل ردات الفعل لدى الأطفال ولدى أصدقاء الشهيد " الأطفال " .

و قد لاحظنا من خلال الإطلاع العام على الجانب العملي والنظري ، والذي يصب مباشرة في حقل دراستنا فوجدنا صعوبة المفاهيم وتداخلها مع بعضها البعض ، بحيث يتعذر علينا الفصل القسري للعوامل ، وهذا ما تتميز به البحوث الإمبريقية والتي تستخدم المنهج الكمي في تقييمها ودراستها للظواهر الاجتماعية وربط المتغيرات ، فالقضية المركزية في هذا البحث لا تركز على طبيعة العلاقات وارتباطاتها ، كأن عامل س يؤدي إلى ص ، والعكس صحيح ، وإنما تتداخل جميع العوامل في وشائج اجتماعية ونظم سياسية ، نفسية واجتماعية ثقافية ، من أجل أن نفهم الحدث ، وانطلاقا من فهم الطفل ذاته، والاعتماد على الخلفية الاجتماعية والثقافية لمجتمع الدراسة من وجهة نظرتهم وتفسيرهم لحجم الظاهرة ، وهذا ما استطعنا أن نلمسه نحن من مجتمع الدراسة نظراً لإطلاعنا الواسع على الحراك السياسي والاجتماعي الحاصلتين فيه .

وبناء على ما ذكر آنفا ، فإننا لا نريد اختزال ظاهرة العنف الإسرائيلي و أثرها النفسي على الأطفال بمجموعة أرقام ونسب عاجزة عن تفسير حدوث الآثار ومعانيها ، بل واختزالها في أرقام بعلاقة ميكانيكية بحتة ، وهذا ما يفرضه طبيعة البحث ، والذي يهدف إلى التعرف العام للمعاني التي يعطيها الطفل للظواهر وتقييمه لها ، حيث ينقل من خلال الكلمات والجمل ، جملة من المشاعر والأحاسيس والتي تنقل حجم المأساة والمعاناة التي يعيشها ، في حين أن الأرقام تختزل تلك المشاعر والأحاسيس والرؤى .

ففكرة الدراسة قائما على مبدأ " دع المبحوث يتحدث " ، حتى نرسم مساحة من الحرية للتعبير عن المشاعر والأحاسيس ، وكيفية اختباره للأحداث ، وردود فعله المختلفة نتيجة العنف ، والذي عاصره ، وهذا يتأتى من خلال المنهج الكيفي القادر على نقل الحقيقة بدون تزييفها أو اختزالها .

فبالتالي لا بد وأن يكون الميدان البحثي للدراسة شاملا تلك الأبعاد الرئيسة للعوامل المؤثرة ، حنى نستطيع فهم عمل وأثر تلك المتغيرات على ضوء اعتمادنا على الثقافة المحلية ، وبهذا فقد تم اختيار مخيم الدهيشة كميدان ملائم لموضوع بحثنا ، وخلافا لأهمية ومكانة هذا المخيم على صعيد المنطقة ، فإن الباحث من سكان المخيم ، ويحظى بعلاقات جيدة مع السكان ، إضافة إلى الإلمام الكامل والإطلاع على قضايا اجتماعية وسياسية والتي تحدث في ميدان البحث .

ويعود اختيارنا لمخيم الدهيشة كميدان للبحث إلى عدة جوانب وقضايا أخرى عن التي ذكرناها آنفا والتي تلعب دورا مهما في عملية الاختيار هذه ، وهي :
• معظم السكان في مخيم الدهيشة لاجئون ، أصولهم تمتد إلى 48 قرية فلسطينية هجروا منها عام 1948 . وهنا يظهر عامل آخر يساعدنا في الدراسة " حالة اللجوء ".
• الكثافة السكانية في المخيم ، حيث يبلغ عدد السكان فيه حوالي 11 ألف ، يقطنون على مساحة صغير لا تتجاوز " 53 دونم " ، ويعتبر أكبر تجمع للاجئين في منطقة بين لحم .
• الخبرة الطويلة في التاريخ السياسي والاجتماعي ، ودوره في الصراع العربي الفلسطيني / الإسرائيلي ، إضافة إلى احتواءه التلوينات السياسية المختلفة وهذا ما يميزه عن باقي المخيمات في المنطقة .
• مركز القوة السياسي والاجتماعي الذي يلعبه المخيم .

أما فيما يتعلق بموضوعة اختيارنا للعينة ، فنرى أنه لا بد من اجتماع مواصفات عدة في العينة التي سيتم اختيارها ، وبهذا ستكون تلك الجوانب المعيار الأساسي في اختيار العينة ، والتي نراها كما يلي :

أن يكون /تكون من أصل لاجئ .
أن يكون/تكون عمره/ها في الفئة العمرية التي تمتد ما بين السابعة والثالثة عشر.
أن يكون /تكون قد فقد/ت أحد أصدقاءه/ا في الانتفاضة الحالية .
أن يكون /تكون قد تعرض لعنف مباشر أو غير مباشر من الاحتلال الإسرائيلي .

وبناءً على تلك المعايير سيتم اختيار عينة عشوائية تنطبق عليها الشروط سابقة الذكر ، وفي مرحلة لاحقة سيتم الاكتفاء ب سبعة عشر طفلاً وطفلة ، آخذين بعين الاعتبار تمثيل مجتمع الدراسة .

الأدوات والوسائل العلمية التي ستتبع في البحث:


المقابلة :
سيتم استخدام المقابلة المنظمة في إجراءات البحث ، والتي تعطي المبحوث الحرية في الإجابة تاركة له المجال الواسع في الإجابة ، إضافة أنها تعطي الطفل التعبير عن مشاعره وأحاسيسه بصورة أوضح .

وستتمحور المقابلة على جوانب عدة ، أهمها التركيز الخلفية الاجتماعية والثقافية للأسرة كمتغيرات مستقلة ، إدراك الطفل للصراع ، كيف ولماذا الانتفاضة ؟ مواقفه واتجاهاته ، تجاه الانتفاضة واستمرارها أو توقفها ،مشهد محمد الدرة وتفسير الأطفال له ، مفهوم الشهادة .


العوامل المستقلة :
الاسم :
العمر :
عدد الاخوة والأخوات :
الوضع الاقتصادي :
تعليم الأب : تعليم الأم :
التدين :
هل تشترك/ي في ضرب الحجارة :
هل يحضر والدك الأخبار ؟ وهل تحضر/ين معه أنت ؟
هل الأب فاعل سياسيا :
هل استشهد أحد أقاربك أو أصدقاؤك ؟
هل اعتقل الأب في الانتفاضة الحالية ؟


المتغيرات التابعة :

القسم الأول :
ماذا تعني انتفاضة ؟.
بين من ومن الانتفاضة ؟.
هل كانوا موجودين بالاصل في فلسطين" قبل ما يحتلونا " ؟
من أين جاءوا اليهود ؟
ماذا يريدوا من الشعب الفلسطيني ؟.
ماذا نريد منهم ؟.
ما هي المشكلة بيننا وبين اليهود ؟.
هل يحبونا ؟ لماذا ؟
ماهي الأشياء السيئة التي يعملوها ضدنا ؟.
هل يمنعوا منع التجول ؟
لماذا يمنعوا منع التجول ؟
ماذا يستفيدوا من ذلك ؟

القسم الثاني :
ماهي فائدة الانتفاضة ؟
هل أنت مع استمرار الانتفاضة ؟ لماذا ؟

القسم الثالث :
هل رأيت جندي إسرائيلي ؟ أين ؟
ماذا شعرت اتجاهه ؟ هل خفت ؟
شكله .. صفاته ؟
هل هو جيد أم سيئ ؟
هل الجندي الإسرائيلي قوي أم ضعيف ؟
من أقوى أبوك أم الجندي ؟


القسم الرابع :
هل تعتقد أن اليهود رايحيين يظلوا هان .. في فلسطين ؟
كيف ممكن نطلعهم ؟
ممكن أن ننتصر على اليهود ؟ كيف ؟

القسم الخامس :
من يريد سلام نحن أم هم ؟ لماذا ؟
كيف يصبح الوضع لو في سلام ؟
ماذا يعني سلام بالنسبة لك ؟
ممكن يصير سلام بيننا وبين اليهود ؟

مفاهيم :
ما الفرق في أن نقول فلان مات ، أو فلان استشهد ؟
ماالفرق بين الاستشهادي والشهيد ماذا نعني الكلمات ؟
أين يذهب الشهيد ؟ والميت ؟
ماذا يعني وطن ؟
هل الوطن كبير أم صغير ؟

توجهات :
أي من الأحزاب الفلسطينية تحبها أو تريد أن تصبح واحد من أعضاءها ؟ فتح .. الجبهة الشعبية/الديموقراطية ..حماس .. الجهاد ..ألخ؟
هل تعرف أبو عمار ؟ من هو ؟
هل هو جيد أم سيئ ؟لماذا ؟
عل سمعت بأبو مازن ؟هل هو جيد أم سيئ ؟

العراق :
ما هو رأيك بالحرب على العراق ؟
بين من الحرب ؟
هل ممكن أن تطلع أمريكا من العراق ؟
هل صدام جيد أم سيئ ؟لماذا ؟

مشهد محمد الدرة :
هل شاهدت مشهد محمد الدرة على التلفاز ؟
ماذا شعرت ؟
هل كان أبو محمد الدرة خايف ؟ لماذا ؟
هل الاب يخاف ؟
هل الأباء الفلسطينيين يخافون ؟
هل الأباء الفلسطينيون أقوياء أم ضعفاء ؟
ماذا المطلوب من أبو محمد الدرة أن يفعل حتى يتفادى موت ابنه ؟
تخيل لو كان أبوك مكان أبو محمد الدرة ، وأنت مكان محمد الدرة ماذا يفعل والدك ؟
العاب :
هل تلعب لعبة يهود وعرب ؟ أي الأدوار تحب أن تلعب ؟لماذا ؟


صدق الدراسة :

قام الباحث بالتحقق من صدق مقياس الدراسة وذلك من خلال النقاش البناء في حلقة البحث الكيفي ، وقام الدكتور المشرف بوضع ملاحظاته على المقياس ، إضافة إلى مجموعة الآراء ووجهات النظر المستمدة من طلاب مساق البحث الكيفي .

صعوبات الدراسة :
تتعلق صعوبات الدراسة بقلة الدراسات والأبحاث الكيفية حول الأطفال الفلسطينيين وخصوصاً الدراسات العربية منها ، وهذا ما جعل من فكرة البحث تقدم من خلاله إلماعة أو إضاءة شمعة في الظلام خير من أن نلعنه .

إضافة إلى أن الشعب الفلسطيني لديه حساسية شديدة من الأوراق والأبحاث والذي دائماً يتشكك في هدفها والجهات التي وراءها ، وهذا يخلق حاجزاً نفسياً لدى الأفراد لعدم التعاطي مع الأبحاث بصورة جدية أو علمية نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالمجتمع الفلسطيني .

أما فيما يتعلق بالصعوبات التي واجهتها في ميدان البحث ، نتيجة الاحتكاك المباشر مع الأطفال فقد تمثلت بما يلي :
• عدم معرفة الأهل بهذا النوع من الأبحاث من الدراسات الكيفية ، فالجميع معتاد على الاستبانة كأداة لجمع المعلومات ، وهذا الجانب قد أخذ وقتاً كبيراً مني في توضيح الصورة لديهم وخصوصاً الأهل ذو التعليم العالي .
• عدم استعداد بعض الأطفال للتعاطي في أغلب الزيارات للمقابلات ، ويرجع ذلك إلى الامتحانات لديهم .
• تدخل الأهل في بعض الحالات وهذا أخل بمصداقية المقابلة لدى الأبناء ، فاضطررت إلى إلغاء عدد منها ، إضافة أنني عدلت عن مقابلة الأطفال في منازلهم ، وعملت على تهيئة مكان مناسب في منزلي لإجراء المقابلات ، وهذا الجانب خلق جواً مناسباً ومريحاً للطفل للإجابة وعدم إحساسه أنه مراقب من قبل الأهل .
• عدم فهم الأطفال لبعض من الأسئلة ، الأمر الذي تطلب الوقت والجهد الإضافي لإنجاز المقابلات.


تحليل المقابلات الميدانية:

الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بين القومجة والأسلمة :

قبل الولوج في تحليل إدراك الطفل للهوية الوطنية/القومية أو الإسلامية وأبعادها في الصراع الدائر على الساحة الفلسطينية، لا بد لنا التنويه بنقطتين أساسيتين : الأولى هي أن أبعاد وملامح الهوية الفلسطينية يشوبها التعقيد والغموض ، بل الخلط الميكانيكي فيما بينها فهي تتأرجح حيناً ما بين القومية والإسلامية، وحيناً آخر ما بين القطرية والإسلامية . فلا يستغرب مثلاً الخلط بأن كل عربي هو مسلم والعكس صحيح ، وهذه الواقعة لا نجدها فقط لدى الأطفال فحسب وإنما الكبار أيضاً رغم وضوحها أكثر لدى الأطفال ، وهذا هو تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية على بعد من أبعاد الشخصية ومفاهيمها .

أما النقطة الثانية، والتي نود الإشارة إليها: أنه في معالجتنا لموضوعة الهوية العامة منها والخاصة لدى الطفل الفلسطيني ، حبذنا معالجتها بالاستناد إلى القسم الأول والذي يتعلق بالشان الفلسطيني وخلفيات الصراع ومسبباته ، والقسم الذي تعلق للحرب التي وقعت على العراق، نظراً لترابط الموضوع من جهة ، وربط الأطفال له من جهة أخرى في الحكم والمقارنة .

فبشكل عام نرى أن استخدام الأطفال في العينة لمصطلحات في وصف الآخر " العدو" تتابين وتتأثر بالخلفية الأسرية وبالأخص البعد الديني " فنرى أن الأطفال الذين ينحدرون من أسر متدينة (بدرحة كبيرة ومتوسطة) قد فضلت استخدام البعد الديني في الصراع : أي أن الصراع بين اليهود - والعرب أو المسلمين حسب قول الطفلة ، وقد تجلى ذلك في الفئة العمرية الممتدة ما بين (6 سنوات الى 9 سنوات ) أما الفئة الثانية (من 10 الى 13 سنة ) فقد فضلت استخدام مصطلحين آخرين ،كما يلي " أن الصراع بين الفلسطينيين والشعب الإسرائيلي ، وهنا نرى أن الهوية القطرية قد عبر عنها في سنوات ما بعد التسع سنوات(بغض النظر عن الخلفية الثقافية والدينية للأسرة) .

وفيما يتعلق بأبعاد الصراع وتداعياته فقد اتفقت العينة "الجزء الأكبر منها" على أن الاحتلال يريد أن :"يوخذ أرضنا ويحتلونا" ، ونحن نريد أن "… نحرر فلسطين"(طفل 10 سنوات) ، إذاً نرى هنا البعد الوطني واضح في عملية النضال ، أما عملية إدراك البعد الديني في أبعاد الصراع وتوظيفه في خطاب الطفل الفلسطيني كأن يقول " اليهود بدهم يهدموا الأقصى ويبنوا الهيكل اللهم "(طفلة 9 سنوات) وذلك لتفسير اندلاع الانتفاضة ، فإننا نرى طبيعة الثقافة العامة في المجتمع الفلسطيني هي إسلامية، تم توظيف العامل الديني في الصراع من أجل استنفار المشاعر الدينية وصبها في مواجهة الاحتلال وهذا مأخذ سلبي في الثقافة السياسية للمجتمع الفلسطيني ، لأن ذلك يخلق جواً من أن الصراع قائم على عنصر ديني وليس على العوامل السياسية /الاقتصادية/الثقافية والاجتماعية فتجعل من الثورة الفلسطينية حركة عنصرية ، ومن جانب آخر تربي نزعات استسلامية لدى بعض أفراد المجتمع كأن يقال : أن الأقصى تخص المسلمين وليس الفلسطينيين فقط وعليهم أن يناضلوا .صحيح أن من أبعاد الصراع البعد الديني ولكن يجب إلا يطغي على كل الأبعاد الأخرى .

ومن جانب آخر ، والذي يتجلى فيه العامل القومي أن بعض الأطفال الذين أجابوا على تساؤل "بين ومين الحرب /الانتفاضة ؟بين العرب واليهود /الاسرائيليين" قد قالوا أن العرب هم العراقيين والفلسطينيين ، ويرجع ذلك باعتقادي إلى سببين :الاول : أن الأطفال في السن السادسة والسابعة يقوموا بتعميم الخبرة الحسية التي يعيشونها على حدث مماثل إذا تشابهت الظروف السياسية ، ولهذا اعتقد الكثير من الأطفال أن الحرب في العراق هي بين العراقيين واليهود ، والسبب الثاني : والذي دفع الأطفال إلى القول بذلك هو موقف العراق من القضية الفلسطينية ومن الاحتلال الإسرائيلي ، فبالتالي كانت الحرب على العراق .

وهنالك قضيتين مركزيتين أثارتا لدي التساؤل في إجابات بعض الأطفال : الأولى : في إجابة الأسئلة التالية " شو بدهم من الشعب الفلسطيني ؟ وشو بدهم من الشعب العراقي ؟ بين مين الحرب في العراق ، كانت إجابات بعض الأطفال كالتالي :
"بين شارون والشعب الفلسطيني".."بين شارون وصدام ".."بدهم صدام والبواريد" (طفلة 10 سنوات).
" بدهم أبو عمار وصدام "…"بين بوش وصدام "…"بدهم صدام حسين "(طفل 11 سنة).
"…بين صدام وامريكا" (طفلة 11 سنة).
بين أمريكا وصدام " بدهم يزقطوا صدام " (طفل 12 سنة) .
وحول تفسير سبب الإجابة لدى الأطفال نرى أن العامل الاقتصادي قد لعب دوراً هنا ، حيث أن الأطفال الذين ينحدرون من بيئة اقتصادية سيئة كانت لديهم الإجابات تلك حيث تم اختزال المقاومة إن كان على الصعيد المحلي أو العراقي في شخصية القائد وعتبار أن المستهدف ليس الشعب ومقدراته الوطنية ، وإنما القيادة وهذا يرجع إلى البيئة المتخلفة اقتصادياً ومن ثم ثقافياُ " وهذا ما يعكس سمة من سمات ثقافة الإنسان المقهور الذي يبحث عن القائد والمنقذ والمخلص .
أما فيما يتعلق بالقضية الثانية : وهي فيما يتعلق بالإجابة عن التساؤل التالي:" شو بدهم الاحتلال (اليهود) منا ؟؟ فكانت هنالك إجابتين مميزتين الأولى لطفلة 8 سنوات " بدهم أرضنا الحلوة وبدهم يوخذوا الأقصى ويقتلونا ويحتلونا ويدمروا بيوتنا زي ما أخذوها من زمان (تقصد قريتها سطاف التي احتلت عام 48 ) .. انا ما كنتش مولودة " والأخرى 12 سنة " بدهم يقتلونا ويبنوا مستوطنات ويحتلونا زي ما احتلوا ارضنا في 48 يو ما لجأ أبوي وسيدي " فنرى أن الحالتين تتصف بترابط فكري/تاريخي وسياسي لوجود الاحتلال وسياسته ما بين الماضي والحاضر ، وهذا يرجع أن عمر الأب لدى الطفلين في السبعينيات وقد اختبروا التشريد والنكبة ، ونقلوها لأبنائهم لتعبر عن الذاكرة الفلسطينية وكيف تمرر إلى الأجيال التالية.


ماذا تعني الانتفاضة حسب مفهوم الطفل الفلسطيني؟؟ :
الانتفاضة : لغويا: تعني الاستيقاظ أو الابتعاد عن شيء مزعج .وسياسيا: تعني التخلص من المحتل ، وسيكولوجيا: تعني الولادة من جديد. هذا هو التعريف الإجرائي الذي ارتأيناه والذي يحدد المفهوم من جوانب عدة لغوياً، سياسياً، ونفسياً ، فماذا عرف أفراد العينة الانتفاضة ؟ وما مدى اقترابهم أو ابتعادهم عن التعريف الذي وضعناه : هذا ما سنحاول معرفته .

من خلال النظرة إلى مجموعة الإجابات التي حصلنا عليها من القسم الأول لورقة البحث ،والتي تعالج مجموعة من القضايا أهمها تعريف الطفل للانتفاضة ، فقد وجدنا العينة تنقسم إلى ثلاثة مجموعات حسب العمر تتميز بما يلي :-
أ.الصدمة والخوف "مشاعر سلبية":
وهذا الجانب يحوي أفراد العينة التي تقع أعمارهم ما دون الست سنوات، والتي تميزت إجاباتهم بالتركيز على الجانب السلبي من الانتفاضة وإدراكهم المفاهيم حسب الأدلة المحسوسة للطفل أو الخبرة الذاتية له ، فقد كانت إجاباتهم تركز على "حرب، طخ ،اسعاف" وحجم الخسائر في الجانب الفلسطيني (طفلة 6سنوات) تقول:" بستشهد اطفال …وبيضربونا صواريخ"، وطفلُ آخر يضيف ".. يهود بطخوا فينا ويعتقلونا.. وهم بطخوا في الناس " ، وبهذه الكلمات نستنتج أن الأطفال في هذه الفئة يعيشون في خوف ورعب نتيجة إدراكهم المفاهيم السلبية من الانتفاضة ، وهذا يعكس جانباً نفسياً سيئاً لديهم .

ب.الفعل ورد الفعل :
وبهذه المرحلة يبدأ الأطفال ما بين (7-10 سنوات) بالتركيز على الجانبين(الفعل السلبي والإيجابي) في معادلة الصراع ، وأهم ما في الأمر هو إبراز الاعتداء على الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال ومن ثم تكون ردة الفعل لدى الفلسطينيين ، أي أن الاحتلال هو الذي اعتدى/قتل/دمر/سجن، ومن ثم بدأ الشعب بالنضال والثورة ، نسرد هنا مجموعة من التعاريف للأطفال التي تدعم وجهة نظرنا:
(طفل سبع سنوات) يقول :" اليهود بطخوا فينا واحنا بنطخ على اليهود علشان ترجع النا بلادنا".
(طفلة ثمانية سنوات) تقول:"حرب وقتال،…،يقتلوا الأطفال ويهدموا الدور ويطردوا الناس واحنا بنهاجمهم عشان هيك".
(طفلة تسع سنوات) :"دخول الاسرائيليين الى فلسطين ويحتلوا دورنا ويقتلوا في الناس ويعتقلوا في الشباب ويغتالوهم عشان هيذ بنحاربهم وبدنا نحرر فلسطين ".
(طفل عشر سنوات) يعرف الانتفاضة:"ثورة، إذا الشعب محتل بدافع عن أرضه".

وفي هذه المرحلة من التكوين المفاهيمي للطفل تعكس الإدراك السياسي للجانب الآخر والإيجابي لمعادلة للصراع وهو التمرد والثورة بوجه الاحتلال ، وليس الاكتفاء بترديد نتائج الاحتلال علينا وإنما أيضاً خسائر الاحتلال وهذا ما يعكس بعداً من التوازن من الخوف والتحدي ، ومن هنا ننتقل إلى مرحلة أخرى هي:



ج.الجاهزية للثورة:
تمتاز هذه المرحلة(10-13 سنة) بالثقة بالذات والاعتداد بالنفس والقدرة على التأثير والفعل، وتُعكس هذه النفسية من خلال الخطاب السياسي لديهم ، والتركيز على هدف واحد في الفعل الانتفاضي وهو التخلص من الاحتلال وتحرير فلسطين ، بل تستشعر المرارة في أفواه الأطفال تحمل بداخلها تمرداً على الواقع والرفض المطلق للانصياع له ، طفل في الثانية عشر من عمره يعرف الانتفاضة على أنها " قسوة على الناس وبتظلم الناس والناس بترفض الظلم والاحتلال وبثوروا عليهم " وطفلٌ آخر يعرفها كما يلي " انتفاضة على المحتل بتقاوم حتى تسترجع أرضك".

ولا شك، كما نعلم أن هذه المرحلة من حياة الطفل يختبر فيها شخصيته من حيث التشكل والتبلور وفقاً للواقع الذي يرتأيه الطفل ، إضافة الى سهولة التأثر بالآخرين من حيث التماهي بمواقف من هم أكبر سناً منهم وخصوصاً تجاه الانتفاضة ، والثورة والتمرد .


تأييد الانتفاضة واستمرارها :
في حين إجراء المقابلات ، كانت تدور الأجواء السياسية حول التهدئة وإجراء الهدنة ما بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية حول تطبيق خارطة الطريق ، هذه الحالة حملت معها حالة من الجدل العميق خصوصاً في الساحة الفلسطينية ما بين الفصائل الفلسطينية ، وعليه أردنا اختبار مدى انعكاس تلك العروض السياسية وحالة الجدل على صعيد إدراك الطفل الفلسطيني للحالة التي وصلت إليها مرحلة الصراع .

فقد تبين من خلال نتائج المقابلات للقسم الثاني من ورقة البحث " والتي تتطرق حول تأييد الانتفاضة وفوائدها حسب منظور الأطفال"، فوجدنا أن أفراد العينة قد انقسمت إلى عدة فئات حسب عامل الجنس والعمر ، فالفئة الأولى من 6-9 سنوات ( ذكوراً واناثاً ): والتي تمحورت إجاباتهم بعدم وجود جدوى أو فائدة تجنى من الانتفاضة وتمحورت الإجابات حول " ولا اشي ، و بنستفيدش منها اشي "(طفلة في التاسعة) في حين وجدت حالة واحدة (طفل في السابعة) تختلف عن البقية ، حيث أجاب:" عشان ترجع النا القدس ، ونحرر الاسرى " وحسب تفسير هذا الاختلاف فلم نجد عامل مستقل نعزو اليه سبب هذا الاختلاف إلا فعالية الأب السياسية ، إضافة إلى أن الأب قد اعتقل من قبل الاحتلال وهذا ما يفسر قول الطفل " ونحرر الأسرى " .

أما الجانب الثاني من السؤال ، حول استمرار الانتفاضة ، فقد اجتمعت آراء الأطفال 6-9 سنوات ( ذكوراً واناثاً ) حول موقفين، الموقف الأول : وهو القسم الأكبر والذي تتمحور إجابتهم حول " لأ . بدي اياها تخلص ، عشان بطخوا الشباب ويعتقلونا ويقاتلونا ويقصفوا دورنا"(9 سنوات أنثى)، أما الموقف الثاني : " عشان نروح عرحل " رحلة " زي ما بدنا " ومع أن مثل هذه الإجابة لم تدرج لوحدها في أي إجابة –وإنما تضمنت الخوف من القتل والقصف- إلا وأننا نرى أن الأطفال كانوا صريحين في التعبير عن ذواتهم بمدى الضيق النفسي والاجتماعي والذي يلف حول حياة الأطفال اليومية (ذكر، 7 سنوات) .

أما الفئة الثانية : فئة 10-12 سنة ، وهذه الفئة قد اختبرت مفارقة كبيرة بداخلها حسب العمر والانتماء الرغبوي السياسي للطفل والفاعلية السياسية للأب أو الأم ، نبدأ أولاً بالموقف الجامع للذكور ، وهو أن فائدة الانتفاضة حسب الطفل(11سنة) هي: " ندافع عن أرضنا" وطفلٌ آخر(10سنوات) بقوله: " الإنسان يوم ما بنتفض بجوز يقدر انه يؤثر على الشعب الإسرائيلي ، ويزيد عزيمة الشعب الفلسطيني عشان نحرر فلسطين " أما الجانب الثاني حول استمرار الانتفاضة، فنرى من خلال الإجابة التالية لطفل"10 سنوات" تلخيص لكل الإجابات من الذكور، بموقفه " آه ، كل ما استمرت الانتفاضة كل ما خاف الجيش الاسرائيلي اكثر، وهم بعتقدوا ان الشعب الفلسطيني يوم ما بقتلوا واحد منه بخاف الشعب ، بس العكس الشعب بزيد اصرار" ، والحالة الشاذة من الذكور(طفل 11 سنة) قال: " مش مع انه الانتفاضة تستمر عشان نبني دور ونشتري سيارات " والتي نعزوها الى سببين ، الأول : انتماء الطفل السياسي " فتح" لاقترانها بمشروع التهدئة،والسبب الثاني : أن عائلة الطفل من العائدين ، ووالده من أفراد الأمن الوطني وهذا ما نميل إلى تبرير الإجابة بصورة أقرب إلى الواقع أكثر من السبب الأول.

أما فيما يتعلق بالأناث "10-12 " ، فقد صنفناهما إلى قسمين حسب الفاعلية السياسية للأب أو الأم ، فقد عارضت الطفلتان "10و11" سنة ، استمرار الانتفاضة بقول إحداهن "بديش اياها تستمر عشان ما يظلوا يطخوا فينا ويقتلونا" حيث لم يكن أحد من الأسرة نشيط سياسياً ، أما الطفلة (12سنة) فقد كان تأييدها لإستمرار الانتفاضة كما يلي " آه معها(الانتفاضة)، إذا بتستمر بجوز نحرر فلسطين" وهنا نجد تأثير التماهي بمن هم أكبر سنأ ، حيث أن الأم ناشطة سياسياً، والطفلة تشترك مع والدتها في المناسبات الوطنية،إضافة إلى أن الطفلة تؤيد حركة حماس .

وفيما يتعلق بالفئة الثالثة: (فئة 13 سنة) ، حيث وجدنا ثلاث إجابات حول فائدة الانتفاضة، رغبنا في اختزالها بإجابتين: الأولى " تساعد على تحرير فلسطين "، حيث "حققنا اشياء ايجابية مثل قتل المستوطنين " والإجابة الثانية " ما حققت اشي بس رايحة تظل" / وتتسم هذه المجموعة بسمة جامعة وهي استشهاد صديق لهم ، فنرى أن اثنين منهم مع استمرار الانتفاضة حسب قول أحدهم " طبعاً ، رايحيين ننتقم منهم عشان شهدائنا ونرجع أراضينا " أما الآخر ، والذي عارض استمرار الانتفاضة بقوله " بكفي شهداء وجرحى ومعاناة " ، ونفسر هذه الإجابة الى عاملين ، الأول اختلاف الانتماء "أو التأييد " السياسي لديهم ، فاللذان أيدا استمرار الانتفاضة واحد منهم يؤيد فتح والجبهة معاً ، والثاني الجهاد الإسلامي ، في حين لم يؤيد استمرار الانتفاضة الذي ينتمي إلى حركة فتح وهنا نرى انسجام مع الفصيل السياسي في الموقف ، أما العامل الثاني : وهو تعرض الأخير(المعارض لاستمرار الانتفاضة) للإصابة المباشرة من قبل الاحتلال ، حيث تبين أن الذي يرفض استمرار الانتفاضة قد تعرض إلى إصابة رصاصة في يده اليمنى . ونحن بدورنا نميل إلى ترجيح الكفة ، أقصد -أعزو التفسير الى العاملين معاً-.
وبهذا، نرى بشكل عام تجانساً ولو بسيطاً بين الخطاب السياسي للفصائل السياسية وموقف الأطفال ، وقد تجلى ذلك في الفئة العمرية (10 الى 13 ) سنة .


مفهوم الشهيد في ثقافة الطفل الفلسطيني :

الشهادة هي أن تموت من أجل الله ، والشهيد هو ذلك الشخص الذي يقدم روحه في حرب مقدسة في سبيل الله وفي سبيل تحقيق إرادة الله على الأرض ، هذا التعريف الذي ينسجم مع العقلية الإسلامية ومفهومها حول الشهيد ، فقد تنسجم بهذا الشكل أو ذاك والعقلية الفلسطينية وطبيعة الثقافة السياسية التي أنشأها المجتمع الفلسطيني، بما أن الثقافة السائدة في المجتمع الفلسطيني هي إسلامية الطابع .

فتعود أصول هذه الكلمة إلى بداية الإسلام والفتوحات الإسلامية ، ووسم الشهيد بالصبغة الإسلامية ، أي أن من شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وقاتل في سبيل الله فهو شهيد، وبهذا احتكر مفهوم الشهادة للمسلمين فقط من الناحية الدينية ، إلا ومع التطورات التاريخية استطاعت المجتمعات العربية أن تدخل صبغة قومية على مفهوم الشهادة ، أي ان مفهوم الشهادة تعرض لعملية قومجة، فبالتالي اتسعت دائرة من تشمله سمة الشهادة لتطال كل شخص ضحى بنفسه في سبيل الوطن بغض النظر عن دينه أو مستوى تدينه- بالرغم أن المقياس الإسلامي ما زال مستخدم لدى فئات كبيرة من المجتمع وخصوصاً الأطفال-، فأصبحت الشهادة قيمة ومكانة اجتماعية تستدعي التقدير والاحترام لمن يحملون هذه الصفة .

فالشهيد حسب قول الطفلة (8 سنوات) " بروح عالجنة والله بزيد حسناته " في حين أن الميت بشكل عام "بروح على القبر"(طفلة 6سنين)، " وحسب أعماله بيدخل الجنة أو لأ (طفلة 12 )" إذن نرى أن عملية الحساب الإلهي عند الأطفال لا تطال الشهداء . والشهداء لغة مقدسة لا يجرأ أحد التطاول عليها ويبقى سرها عند الله ، أي أن هذا الموضوع، الله وحده الكفيل باحتساب هذا الشهيد شهيداً أو لا ، بل أن بعض الأطفال يقولون (13 سنة) " اول ما بستشهد الواحد بينغفرله كل ذنوبه والله بقعده في الجنة". في حين أن الله يحب الشهداء ويقدرهم، وهذا ما رآه (أ.13) في قوله " الشهيد احسن واحد في الدنيا وبسوى "يساوي" كل الناس ، وبعض الناس بتمنوا انهم يصيروا شهداء وانا واحد منهم لان الله بنقي احسن الناس عشان يصير شهيد " أي أن الشهيد حسن السيرة والسلوك يذكر بالخير وهذا ما يعبر عنه من خلال المثل القائل " اذكروا محاسن موتاكم" .

وبهذا فقد رأينا من خلال النتائج التي توصلنا إليها : أنه لا توجد اختلافات بين العينة حسب العمر أو الجنس حول مفهوم الشهادة والشهيد ، إلا إنني وجدت هنالك حالة شاذة في المجموعة(غيداء 6 سنوات) ، والتي لم تفرق بين الشهيد والميت " الشهيد بروح على المستشفى وبعدها على القبر، والميت على القبر" ، واعتقد هنا أن سبب ذلك يعود إلى الخلفية الأسرية التي نشأت فيها الطفلة ومستوى التدين المنخفض لدى الأسرة .

ومن جانب إدراكهم لمفهوم الشهادة وأن كان هنالك فرق بين الشهيد والاستشهادي ، فقد كان هنالك تفريق واضح بينهما ، فقد تلاقت اجابتهم حول "الاستشهادي اللي بفجر نفسه وبقتل اسرائيليين معه ، الشهيد : بطخوه برصاص وبستشهد " في حين وجدت هنالك حالة شاذة في المجموعة وهي (محمد 11 سنة ) "تفخخ حالك وتستشهد ، وتزهك الحياة والعيشة ، والشهيد بطخوه الجيش" واعتقد أن السبب وراء هذه الإجابة هو كون هذا الطفل ينحدر من أسرة عائدة الى الوطن ، ومع ان هنالك طفلة (10 سنوات) هي الأخرى من (العائدين) إلا أنها لم تتشابه معه في هذه الإجابة ، وبهذا قد يكون السبب الذي رأيناه ليس كافياً إلا وأن وجهة نظرنا هذه انطلقت من أرضية الاختلاف الشبه تامة في الإجابات لديه عن باقي أفراد العينة والتي تشابهت مع الطفلة في إجابات أخرى .
أثر استشهاد محمد الدرة على صورة الأب الفلسطيني أمام أطفاله :
تعتبر الحماية وتوفير الأمن للأطفال من المهام الضرورية والملحة في المجتمعات ، لأنها فئة مستضعفة غير قادرة عن الدفاع عن نفسها أمام الآخرين والمواقف المحرجة لهم ، وتلقى هذه المهمة على عاتق الأباء والأمهات ،وبالتحديد على عاتق الأباء، خصوصاً في المجتمعات البطريركية ، وهذا حال المجتمع الفلسطيني.

درجت الأدبيات والأبحاث الاجتماعية، خصوصاً تلك التي تستند إلى المدرسة التحليلية على دراسة العلاقة بين الأهل والأبناء في الظروف الطبيعية، فما بالك درجة التعقيد التي تصل إليه العلاقة بينهما في ظرف الحرب والثورات والانتفاضة الشعبية كما هو الحال على صعيد القضية الفلسطينية، حيث يتم التركيز على مشهد يومي يختبره الطفل الفلسطيني، وهو: دخول الجنود الإسرائيليين داخل المنازل والعبث بمحتوياته أو اعتقال أحد أفراد الأسرة أمام الأطفال بوجود أهلهم ، الأباء بوجه تحديد ، يقفون بموقف " لا حول لهم ولا قوة " وهذا ينعكس على نفسية الأبناء مما يهدد صورة الأب، بل أن الأمر قد يتعدى ذلك ، أقصد ضرب الأب أمام أطفاله (أنظر/ي المادة النظرية تحت عنوان فقدان الطاعة مقابل التمسك بصورة الأب )،هذا ما سأحاول مناقشته من خلال النتائج التي توصلت إليها الدراسة.

بهذا الباب سنقوم بالتعرف على مواقف الأطفال حول عدة قضايا أهمها: 1. وجهة نظر الأطفال حول قوة الجندي أولاً ، وقوة آباءهم في مقابل قوة الجندي 2. موقفهم من الأباء الفلسطينيين بشكل عام 3. موقفهم من أبو محمد الدرة وكيف يتخيل الأطفال أنفسهم مكان محمد الدرة وآباءهم مكان أبو محمد الدرة؟ .


قوة الجندي مقابل قوة الأب :
يتبين لنا من خلال تحليل القسم الثالث والذي يتعلق بمقارنة قوة الجندي مقابل قوة الأب أن مفهوم القوة لدى الأطفال يرتبط بـ: الرصاص، سلاح،المدرعة،الطيارات والقنابل لدى فئة (6-10 سنوات)، والتدريب والسلاح لدى فئة(11-12سنة)، السلاح والإيمان والإرادة لدى فئة(13)سنة باعتبار أنها رائدة النضال، وبشكل عام نرى أن الطفل يدرك القوة ويرجح كفتها لصالح من يملك السلاح "البرودة ، والبندقية، وأم 16 " حسب تعبير الأطفال ، ومن هنا نتفهم ظاهرة اللعب باستخدام العاب عسكرية (طيارات، بنادق، مسدسات) إضافة لذلك لعب "لعبة اليهود/جيش والعرب"، وتلعب هذه اللعبة دوراً مهما في الشفاء الذاتي من الصدمات النفسية لدى الأطفال من حيث التماهي بالأدوار والإحساس بالواقع المعاش وإدراكه عن طريق حواسه وجوارحه لا بشكل مجرد بعيداً عن حواسه (خصوصاً حاسة اللمس)،حيث أن الدور الذي يلعبه الطفل يحدد الجوانب المكبوتة لديه ويعبر عنها من خلال الشخصية التي يلعبها بغض النظر عن أنه جندي (كرمز للقوة والتماهي فيه لشعوره بالنقص) أو عربي (كرمز للمقاومة والتحدي لتعبيره عن الكبت والتفريغ) وبشكل عام تعد هذه اللعبة لفئة(6-10) مرحلة تدريب مسرحي وتأهيله للانضمام إلى صفوف أطفال الحجارة .

في حين أن الإرادة والإيمان مقابل السلاح وهذا ما فهمناه من قول أحد الأطفال(13سنة): " الجندي قوي بسلاحه وابوي قوي بإرادته " ويتمثل ذلك من خلال مواجهة الجندي بحجر ، الأمر الذي يستدعي وجود الإرادة في غياب القوة لديه وردة الفعل مقابل الفعل / ومن هنا نجد انضمام فئة (12 سنة وما فوق) إلى صفوف المقاومة الجماعية/الشللية ، وحتى إلى خلايا سرية أو علنية ، وأبرز مثال على هذا الحديث هو تشكيل مجموعة "أصدقاء الشهيد" لشهداء أطفال في المخيم، يقوم مؤسسيها(الأطفال) ببعض النشاطات وتتبناها المجموعة( كتابة شعارات، إلصاق بوسترات للشهيد، ضرب الحجارة)، وجدير بالذكر أن مثل هكذا مجموعات لا تنتمي إلى فصيل محدد ، إنما ينحدر أفرادها إلى فصائل متعددة (فتح ،جبهة شعبية، الجهاد الإسلامي(مجموعة أصدقاء الشهيد كفاح عبيد) ،ومن هنا نرى التمرد قد طال حتى الفصائل الفلسطينية كما ذكرنا في الجانب النظري .

ومن حيث توزيع الإجابات حول "هل الجندي الإسرائيلي قوي أو ضعيف؟ " وجدنا أن ثمانية منهم قد بدأوا حديثهم بقولهم: " قوي لأنه معه سلاح أو بتزعرن/بتشاطر عشان معه سلاح " وفي مقابل ذلك أجاب 9 منهم " لأ ضعيف أو مش قوي بس معه سلاح" ، وبهذا نرى أن الجندي الإسرائيلي ضعيف إذا ما جرد من سلاحه من وجهة نظر الأطفال.

أما فيما يتعلق بقوة الأب في مقابل الجندي الإسرائيلي فقد كانت إجابات الأطفال حسب الكلمة الأولى بالإجابة كما يلي : ستة منهم أجابوا بـ "ابوي قوي بس معش سلاح"، وعشرة منهم أجمعوا على أن " الجندي قوي عشان معه برودة "، "ولو فش معه برودة/سلاح ابوي بقدرله "، وفيما يتعلق بالحالة(13سنة) التي بقيت من العدد الكلي فإننا ندرجها مع من تتشابه معها، حيث أجاب الأربعة (طفل7 سنوات ،طفلة 7سنوات، طفل10 سنوات، طفل 13 سنة) بـ "الله أقوى واحد في الدنيا " "الله قوي "و " الله سبحانه وتعالى اقوى " و " ولا واحد فيهم، ربنا " ومن أجل تفسير هذا الاختلاف وجدنا أن الأربعة ينحدرون من أسر مستوى تدينها بشكل متوسط أو كبير، وأثنين منهم(7ذكر، ذكر10 سنوات) الأب لديهم فاعل سياسياً ، والأربعة يؤيدون حركات إسلامية " الجهاد الإسلامي وحماس " ومن خلال التسلسل معهم قال الثلاثة : (7 ذكر، 7أنثى ،10 سنوات ذكر ) أن الأب أقوى من الجندي ، في حين أصر الرابع (13سنة) على موقفه، وبهذا نستشف أن التربية الدينية قد وجدت حلاً لإشكالية القوة ومفهومها وإدراجها في الجانب اللاشعوري لدى الفرد، باعتبار أن القوة لله وحده ، والقوي هو: قوي الإيمان (طفل 13 سنة) يقول:"ابوي قوي بإيمانه"، وبهذا الإدراك يصاغ الفكر والسلوك والممارسة بأن ليس كل من حمل بندقية قوي وليس كل من ضرب حجر ضعيف وإنما لا بد من توفر الإرادة، والإيمان ، أو الاثنتان معاً، لتُتوج بها القوة فالصراع الفلسطيني قائمٌ على مبدأ صراع الإرادات .

الآباء الفلسطينيون من وجهة نظر الأطفال :
بشكل عام نرى أن الأطفال قد انقسموا إلى فئتين حسب العمر، الأولى: فئة (6-11) والذين أجابوا بالنفي على سؤال : هل الأباء الفلسطينيون يخافون؟ بقولهم:" لأ بخافوش ، ومن جهة أخرى، ظهر لدينا ثلاثة حالات مختلفة ، الأولى(طفلة 6 سنوات ) والتي لم تجيب علي السؤال ، والثانية: طفلة (8 سنوات) بقولها " آه بخاف عشان ما يطخهوش اليهود" ، والثالثة : طفل (10 سنوات) بقوله " في بخافوا علشانهم مش حاملين سلاح" ، وبإعتقادي أن الطفلين (8،10 سنوات) ينتميان إلى الفئة الثانية لتميزهما بالذكاء اللامع والقدرة على الحكم بمنظور متوازن ، وليس أحادي كما تميزت به الفئة الأولى .

الفئة الثانية: (12-13 سنة) فقد تميزت بالإجابة " في هيذ وفي هيذ" أي " من هو متدرب ومعه سلاح بخافش" والعكس صحيح.

أما فيما يتعلق بوجهة نظر الأطفال حول " هل الأباء الفلسطينيون أقوياء أم ضعاف ؟" ، فقد تميز الجميع ما عدا (الطفلة 6 سنوات والتي لم تجيب على السؤال) بقولهم " نصهم قوي ونصهم ضعيف" أو "في هيذ وفي هيذ"، ويرتبط من منهم أقوياء بمن يملك السلاح (كما ذكرنا آنفاً حول مفهوم القوة).


هل كان بمقدور أبو محمد الدرة أن ينقذ ابنه ؟:
شو كان مطلوب من أبو محمد الدرة انه يعمل عشان ينقذ ابنه؟ تخيل انه ابوك محل أبو محمد الدرة ، وأنت محل محمد الدرة ، شو كان عمل أبوك؟ هذه الأسئلة التي حاولت من خلالها معرفة الطريقة التي يفكر بها الأطفال، والتي هي بالضرورة تستثير الطفل من أجل الإجابة والتفكير ، وكما أنها تتيح مجالاً من الإسقاط الذاتي من قبل الأطفال وذلك من خلال السؤال الثاني، وهذا ما حققت جانباً منه ، إلا أن النتائج لا تشير إلى أن بعض من أفراد العينة (10-13 سنة ) بشكل عام لم يستجيبوا لهذا المؤثر أو بالأحرى تهربوا من الإجابة عليه .

فنرى أن أفراد الفئة من (6-9 سنوات) أجابوا على سؤال: شو كان مطلوب من أبو محمد الدرة انه يعمل عشان ينقذ ابنه؟ فكانت الإجابات مجموعة من الاقتراحات إليكم بعضها : " هو بدا يحمي ابنه بس اليهود بدهم يقتلوه" ، و " كان يصرخ علشان ما يطخوه بس ما سمعوه ومات"، أيضاً "يظله متخبي"، بل كان عليه أن " يخبي ابنه في مكان مليح كدامه عشان يضحي بنفسه عشان ابنه" ، أو" يخبيه ورا البرميل "، أما الأطفال في فئة (9-13) فكانت الإجابة تحوم حول " بعرفش" أو " ما كان بيده اشي " أو " ما بقدر يعمل اشي" .

أما فيما يتعلق بعملية التخيل للعملية وكيفية تصرف أب الطفل (أفراد العينة) فقد كانت إجابات الأطفال (6-9) تتمركز حول " يخبيني مليح " وراه أو ورا البرميل ، وأطفال الفئة (9-13 سنة) كانت إجاباتهم تتمحور حول "كان حاول أنه ينقذني " أو " بعرفش" أو" حاول يحميني قد المستطاع".

وقد لفت انتباهي إجابتين الأولى لـ (طفلة 8 سنوات ) كانت إجابتها كالتالي :
جواب الطفلة :" يخبي ابنه في مكان مليح كدامه عشان يضحي بنفسه عشان ابنه، هو عاش كثير".
سؤال :هل يضحي أبوك بنفسه علشانك؟.
جواب الطفلة: "آه علشان هو عاش كثير وأنا في الصف الثالث ماعشتش وما بنيت حياتي"،

أما الإجابة الثانية لـ (طفل 13 سنة ) كانت إجابته كما يلي :" المطلوب منه أنه يحمي ابنه هو يستشهد ولا ابنه" .
سؤال: ليش؟.
جواب الطفل: "الأبو حنون لازم يضحي عشان إبنه".
سؤال: طيب أبوك بضحي بنفسه علشانك ؟.
جواب الطفل: "بضحي بنفسه ولا يصيبني إشي "، فوجدت أن الحالتين تشترك في عاملين : الأول أن الأخوة لديهم فاعلين سياسياً وهذا ما لا أميل إليه والعامل الثاني : أن آباءهم الاثنين في السبعينات من العمر ومن المفروض على الأب أن يكون إيثاري وتضحوي أمام أبناءه ، وهذا العامل(الثاني) ما أميل إلى عزو النتيجة إليه ،رغم أنه توجد حالة ثالثة طفل (12 سنة) الأب لديه في السبعينات أيضاً، إلا أنه لم يجب كما الآخرين .


استنتاج عام :
أن الشعب الفلسطيني استطاع من خلال فعله النضالي خلق آليات حياته وميكانيزماته الدفاعية الهادفة إلى الصمود بوجه قوة عسكرية لا تقهرها إلا تكنولوجيا عسكرية متطورة مثلها وإرادة شعبية ، فالشعب الفلسطيني لديه الإرادة والفعل ، ولكن لا يوجد لديه تلك التكنولوجيا .
وما يهمنا في هذا الباب هو صورة الأب، وعلاقة ما سبق بحديثنا، فإننا نرى أن طبيعة الثقافة تلعب دوراً في الصراع (سلبياً وإيجابياً) ، فثقافة المقاومة الفلسطينية مثلاً تعتبر من يسجن، يقتل، يضرب أو يهان من قبل جنود الاحتلال ليس عيباً اجتماعياً إذا كان الفاعل هو الاحتلال وإنما بطلاً ، يتفاخر من مر بهذه التجربة أمام الآخرين عن تجربته دون حرج، بل يحولها في كثير من الأحيان إلى انتصار معنوي على قاهره، بل واستخفاف به من خلال الطريقة التي يروي بها قصته ، ومن هنا نجد أن صورة الأب ما زالت صامدة حتى عند اللذين رأوا آباءهم يتعرضون للضرب والسجن بأم عينهم أنظر.


الهوامش
__________________________________________________________
* مجلة الإعلام والديموقراطية في المجتمع المحلي، 2006، ع 6، ص.ص 11-48. نشرة غير دورية تصدر عن المركز الفلسطيني للإعلام والبحوث والتنمية عبر مشروع ميديا الخليل.
(1) يقصد نورا شلهوب ، طفلة في الخامسة عشر، استشهدت عند حاجز عسكري بطولكم ، عند محاولتها طعن جندي .
(2) للمزيد حول هذا الموضوع أنظر إلى مقالة الدكتور جمال شلهوب " الانعكاسات النفسية للعنف الإسرائيلي على الطفل الفلسطيني " على الصفحة الإلكترونية (http://www.amin.org).
(3) للمزيد أنظر إلى (Last,1989 /Gay,1988/Freud.A,1943 ) ، وبالعربية (بكر، أحمد وآخرون .الطفل الفلسطيني في غزة والضفة ،القدس: مؤسسة التعاون ،1991 )
(4) يمكن التزود بمعلومات إحصائية ونسب دقيقة من (http://www.dci-pal.org )
5 للإطلاع على تقارير و مقالات حول الاستيطان ومصادرة الأراضي
(http://www.jerusalem.indymedia.org)
(6) أنظر: the impact of Israeli violence “" http://www.pnic.gove.ps/arabic/quds_trro15.html
(7)هنالك بعض المقابلات لأبناء الشهداء والتي تطرقت للوضع النفسي والاجتماعي لهم ،أنظر
http://www.islamic-online.org


المراجع باللغة العربية
الدجاني ، عبلة(1991) .المرأة الفلسطينية والطفل الفلسطيني في مواجهة الغزوة الصهيونية: القاهرة دار المستقبل العربي.
رضا ، محمد جواد(1986) .الأطفال وحروب شتى في العالم العربي .الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية ، الكتاب السنوي الثالث 1986/85 .(الحرب والأطفال في العالم العربي ،ل هاروت أرميتان، ص129 _170 ) .
عطيفة،حمدي وعايدة سرور(1997).تطورالأطفال العلمية والرياضية لدى أطفال المرحلة الابتدائية وما قبلها. الكويت:مكتبة الفلاح.
فرويد ، سيجموند(1977).أفكارلأزمنة الحرب والموت ، ت : سمير كرم. بيروت: دار الطليعة.
بكر، أحمد(محرر).(1991). الطفل الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة . القدس: مؤسسة التعاون .
يعقوب ، غسان(1994) .تطور الطفل عند بياجيه .ط2 .بيروت: الشركة العربية للكتاب.
المراجع بالإنجليزية :


Freud .A. and Burligham, D.T(1943)War and Children.London :Medical War Books.
Gay,D.(1988).Freud A Life to outline. The acclaimed new biography.Worcester:Billing&Sons .
Last,U.(1989). The Transgenerational impact of Holocaust trauma : Current state of the evidence . International Journal of Mental Health .
Najarian,B”(2000). Children of Martyers: The Impact of Iraqi Military Aggression On Iranian Children ““.Child Suffering In The World .USA.Sexual Trauma Center Publication .
Punamaki,l (2000). “The Conflict Between Horror And Heroism “.Child Suffering In The World .USA.Sexual Trauma Center Publication .
Teer,L(1991).Childhood & Trauma .American Journal Psychiatry ,148,10-9



#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)       Bilal_Awad_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة المدن، مرآتها سكانها: دراسة مقارنة ما بين الخليل وبيت ...
- المرأة والمشاركة السياسية
- محاولة بحثية لموقع ومكانة المرأة في المؤسسات الاسلامية في فل ...
- ملاحظات عامة في قضايا مرتبطة بالمدن العربية
- القهر الاجتماعي والفراغ السياسي وأزمة الشباب: مخيم الدهيشة ا ...
- قراءة نقدية للاعلام الفلسطيني: تشخيص ورؤية مستقبلية للإعلام ...
- تكاد تتحول العمليات الاستشهادية إلى ايدلوجية فلسطينية1
- لاجئو مخيم الدهيشة : حق العودة لا يسقط بالتقادم
- اريتريا الافريقية : درس للفلسطينيين
- ثقافة الغالب والمغلوب في فكر ابن خلدون: قراءة فلسطينية
- العدوان على غزة : انها لحظة تصحيح الاعوجاج في سبيل الفعل الم ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - بلال عوض سلامة - الخطاب السياسي لدى الطفل الفلسطيني: أطفال مخيم الدهيشة بين روح التحدي وألم المعاناة*