أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي 1- البداية















المزيد.....

خرائب الوعي 1- البداية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4005 - 2013 / 2 / 16 - 17:36
المحور: الادب والفن
    


قطعة ارض محترقة مثبتة باربعة مساميرعلى جدار ابيض. الصورة الأولى، ويتبعها سؤال. ماذا يبقى إذا حين يختفي الشارع والمارة والسيارات والمقهى والرصيف وعلبة القمامة والقط الجائع، وتغوص المدينة بكاملها في فجوة عدم الوجود فجأة، هكذا، وتتلاشى الصورة، ويغنى الفراغ بصوت كوني أبيض أنشودة الإنطفاء ويتهجى العدم حرفا حرفا قصيدة الرماد؟ ماذا يبقى حين يختفي الكل في الكل، ويتبرعم العدم كالموت لحظة الموت؟ ماذا يبقى حينما يختفي الضوء؟ غير الرأس المنحنية على الطاولة الحديدة الباردة، ظلا يرتفع لحظة، يختفي ويعاود الظهور ويرتشف فنجانا من القهوة، وينظرمن خلال الزجاج المتسخ إلى الشارع، يميز المارة والسيارات والمباني الواهية والغبار والكلاب الجائعة وينتظر، ينتظر وينظرمن لحظة إلى اخرى إلى الساعة اليدوية المثبتة في مرفقه، يترقب حدوث فضيحة، زلزال، حريق، عاصفة رملية، فيضان، بركان أو كارثة، وربما الثورة ذاتها في لحظة صحو جنونية. يقاوم ثقل رأسه المستلقية على الطاولة الحديدية، يقاوم رغبته الملحة في الصراخ ويتردد في ان يشعل سيجارة، يرفض ان يتحرك، فقط يريد ان تبقى الأشياء كما هي للحظات أخرى بدون إهتزاز وأن لا يختفي العالم ويغيب فجأة من أمام عينيه كلهب عود الثقاب عندما ينطفئ، وان يواصل مراقبة هذه الآلات البشرية المتموجة، تشرب سوائل مختلفة في كؤوس زجاجية، وتبول من حين لآخر على الحائط المقابل، آلات بشرية تاكل وتشرب وتغني وتتكلم، تمشي وتجري وتتصادم، تحلم وتبني وتخرب، تفكر وتنام وتمارس الحب والحرب في لحظات الضجر. آلات تفكر وتفكر مرتين قبل ان تضع قدمها اليمنى وأحيانا القدم اليسرى على الإسفلت الساخن، قبل ان تجتاز عدة أمتار تفصلها عن الجهة الأخرى، تعبرالطريق باشارة ضوئية خضراء، تتوقف باشارة ضوئية حمراء، وتتردد أمام الإشارة الضوئية الصفراء.. ويقول في نفسه لاداعي لأن تخفي وجهك بين يديك، انت أيضا آلة بشرية فقدت جزءا من ميكانيكيتها الطبيعية، آلة مكسورة صدئة لم تعد تصلح إلا لمتحف الأشياء البالية، آلة فقدت روحها الآلي. لاداعي لأن تخفي وجهك بين يديك، لاداعي لأن تدفن نفسك اوتختفي خلف الجدران، فكل الجدران، وكل الاشياء تعكس وجهك مثل مرآة. المرآة- الشجرة- الماء- البحيرة - والكرسى وكذلك الطاولة الحديدية وزجاج نظاراتك السميكة، ورائحة الزيتون والتين والبلح، رائحة بول الحمار، ورائحة الله ولحيته في لحظات القيلولة، رائحة القهوة ورائحة الدخان يتصاعد من اصابعك المقرورة متأملا خيوط العنكبوت تلتف حول دودة مخضرة ملتصقة بورقة بدأت حوافها بالاحتراق. خيط دقيق من اللهب يكبر ويتصاعد من فنجان القهوة، يكبرمرتجفا بفعل تيار الهواء، يتحول سحابا ثم مطرا يغسل القلوب والشوارع والبيوت، قطرة مطرواحدة متلألئة سقطت في عينيه، اغلقها بميكانيكة واحس بحرقة خفيفة، قطرة مطرتبلورت في عينيه، فاحتضنها، واحتضن العالم المضيء بين اجفانه. قوة الانفجار داخل عينيه قذفته عدة خطوات إلى الوراء، ليسقط على فراش الأوراق الخريفية المبللة. اتته في البداية رائحة نفاذة محيرة، رائحة أسطورة أو كهف قديم في قعر الوادي أو بين دفتي كتاب، ثم ترائت له نبتة صغيرة متوهجة ترتجف تحت الاوراق المصفرة، تكاد لاترى. يمد يده، يعانق الحلم المستحيل، يغني له لحن الموت الابدي الوحيد، لحن الولوج لسراديب الذاكرة، اغنية ميلاد الموت لحظة التقاء الزمان والمكان في قعركأس ابتلع محتواه. وتتحول النبتة المتوهجة دخانا يخرج من اظافره المرتعشة المحتضنة عصفورا ميتا. انتظرني في زاوية الشارع، جاءه الصوت مغلفا برائحة الفطروالأوراق المبللة والتراب. سأختصرالمسافات، وابتلع الخطوات، وأسافر في الصحراء مثل "رجل" القرن الواحد والعشرين. سأغمض عيني وأتأمل على الشاشة الزجاجية حركة التاريخ والشعوب والبشر، سأشرب نخب الإنتصار والهزيمة. يبدوا جامدا، جامدا ومتخشبا مثل رجل سياسي تحول إلى تمثال من الملح، ترقص حوله عدة أجساد بيضاء منتفخة، تيوس وثيران وحمير وبغال، ضباع وكلاب وذئاب مختلفة الألوان والأحجام والأشكال وتحمل حقائب سوداء صغيرة، حيوانات خرافية سقطت من السماء لحظة تلاقي الزمان والمكان في نقطة واحدة، وعلى درجة السلم ذاتها، فحدث الإنفجار. تصاعدت ألسنة اللهب في أركان الأرض، ودفن الزمان في ساحة خضراء ابتلعت لونها في لحظة تاريخية غامضة غموض الخرافات الليلية. تقول أن التاريخ يحسب ويسجل عدد الجثث واحدة واحدة لتملأ الشوارع المتربة. الجثث المحترقة، الجثث الممزقة، الجثث المفقودة، الجثث المتعفنة، تنزلق من الشاشة الزجاجية إلى الشوارع، تدعو للمطالبة بالمزيد من الجثث لتملأ المدينة والشاشات الزجاجية التي تعكس صور الوجوه الرمادية المندهشة. وتقول أن التاريخ تصريح إداري ببدء المجزرة، ويقول لك الصوت القادم من أعماق البحيرة، المجزرة حساب سياسي، والسياسة حساب مصرفي، والمصرف مجرد مكتب في مبنى ولافتة كتب عليها كلمة "مصرف". والمجزرة لها لون وإسم وتاريخ وحساب، وإن لم يكن لها عقاب. ففي عينيه، عيني تمثال الملح، حقيقة واحدة محفورة على جلودنا، مطبوعة بالحديد الأحمرالمتوهج، خريطة لكل تواريخ الحاضر والمستقبل، كلمة واحدة يتيمة. وتشرب ما تبقى في كأسك وتواصل البكاء على أحلامك التي بعثرتها الريح وعلى نسيانك للكلمة المحفورة في شرايينك: كل أوهامي وجنوني ورغباتي الميتة والحية، تهرب كالكلمات وتمرق عبرثقوب الجلد، تتبخرتاركة إشارات صغيرة سوداء تتحرك على الورقة ببطء مثل نملة ثملة. صوت الريح يذكرني بغناء الحيوانات الوحشية التي تجري عبرالسهول والجبال والأودية المهجورة، وفي دماغي غابة تمتد، وتمتد، حتى تملأ أفق الصفحة وهوامشها، تملؤني بالألوان والأشكال والأصوات والأضواء والظلال. غابة تغني وحوشها مع أنكيدو، ومع الريح القادمة من أعماق صحراء التاريخ والفكروربما الذاكرة وأسمع تأوهات الثورة القادمة. رائحة الأوراق المتعفنة وسط الغابة تتصاعد بخارا ملونا يتشكل مخلوقات غيمية شفافة، تتراقص، تهيم على ظلال اللهب، وتمارس طقوس الموت لحظة الميلاد. صرخت مرة واحدة، ربما مرتين، وبلعت لساني. سقط صوتي وسط البحيرة القريبة وغاب في أعماق المياه الرصاصية الباردة. تتشقق الغابة أحيانا وترسل صفيرا مكتوما، آهة واهية بعيدة، ويتراءى شق مضيء في وسط القبرالمظلم، تتهافت الحيوانات البرية والوحوش والطيور والزواحف والانس والجن والجبال الأحجار والنباتات البرية والبحرية، تتهافت وتزدحم أمام الفتحة الوحيدة المضيئة. تريد الدخول أولاتريد. تقف في الطابور ولا تتساءل. تريد ولاتريد الدخول. مترددة تتنفس رائحة الأوراق الخريفية المتعفنة وتنتظر. تتردد في الولوج إلى عالم ما وراء الجدارالطيني القديم، شق الغابة المظلمة، وحفرة الرصاصة، تتردد في ملامسة جذور الغابة التي تحن للشمس دون أن تتحرك من موقعها، تتبعها من بعيد، وبلعابها تمسح الجرح المفتوح وتضع ضمادة. يطيرمربع الحديد في الفضاء الأملس، يدورمع الريح مثل جريدة قديمة حيث تدفعه دوامة هوائية بعيدا فوق رؤوس الأشجار المتموجة لولبا نحو السماء المثقوبة، يفتح فيضانا ومطرا من المسامير، فوق المظلات المغناطيسية وهوائيات التلفزيون فوق اسطح المنازل تحملها الريح طيورا مهاجرة نحو كواكب المجرة المجاورة المنسية وراء الجبال السوداء في شمال المدينة، تنزرع حقولا على امتداد البصر. بنادق الجنود ترتشق نخيلا حول آبار البترول والغاز المحترق، هواء الأرض الفاسد، وتتجمد مياه البحرالسوداء وتجف الأرض وتتشقق السماء وتتهاوى أشجار الغابة رمادا وتهرب المخلوقات مذعورة. فهربت، هربت كما هرب من قبلي ومن بعدي الانس والجن، حملت اوزاري على ظهري، وربطت خيط حذائي القديم، ثم فتحت خارطة الكون أمامي على الطاولة الحديدية بجانب فنجان القهوة، أشعلت عقب سيجارة، وفكرت، فكرت طويلا أين تكون البداية؟



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا .. الثورة القادمة
- محطة الكلمات المتصلة
- الفضيحة
- حوار مع الله .. الحلقة السابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة السادسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الخامسة
- لقاء مع الله .. الحلقة الثالثة
- لقاء مع الله .. الحلقة الرابعة
- لقاء مع الله .. الحلقة الأولى
- لقاء مع الله .. الحلقة الثانية
- ليبيا: الثورة المسروقة .. مرة ثانية
- ليبيا: الثورة المسروقة
- بوادر هزيمة الثورة اللبية
- العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثالثة
- العدمية وأسطورة الكينونة ... الحلقة الثانية
- العدمية وأسطورة الكينونة
- كوكا كولا... إشكالية المثقف
- سفر العدم والجنون
- الخيال
- الخطوة الأولى لفك الحصار... تسريح الجيوش


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعود سالم - خرائب الوعي 1- البداية