أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - يوسف ابو شريف - ايام الرسائل الورقية 2 لطيفة ونادرة















المزيد.....

ايام الرسائل الورقية 2 لطيفة ونادرة


يوسف ابو شريف

الحوار المتمدن-العدد: 4005 - 2013 / 2 / 16 - 04:34
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


مرحبا لطيفة، بعد السلام دعيني أحزر ماذا يحدث معك الآن:ـ
مازلت مندهشة من أمر هذه الرسالة ، هرعت بأسرع ما يمكنك إلى مركزالبريد لاستلامها، فتحتها لتبحثي فيها عن وثائق رسمية مختومة فلم تجدي شيئا . ها أنت ذا الآن تقرأين على أمل أن تصلي إلى النقطة التي أفسر لك فيها سبب لجوئي إلى كتابة هذه الرسالة على طريقة الأوراق والمغلفات القديمة و(مع الشكر لساعي البريد) السخيفة .
مازلت تقرأين وتسألين نفسك :ـ هل هذه الرسالة حقا من نادرة !؟الكسولة التي كانت تشرف على الموت عطشا قبل ان تفكّر بالنهوض من أمام مدفأة الكيروسين لتشرب كوبا من الماء ، نادرة ـ التي كانت تطفيء الضوء بالحذاء المنزلي وتدعو(اللهم بلغني حاجتي واكفني شر النهوض) قبل أن تقذف بآخر طلقاتها على مفتاح المصباح الكهربائي ـ تلك الفتاة تتحمل اليوم كلفة الجلوس على الطاولة وكتابة رسالة ثم الذهاب إلى البريد وشراء طابع ولصقه ووضع الرسالة في الصندوق . وتفعل هذا بينما كل وسائل العصر المريحة متاحة لها وموجودة في بيتها، فلا تمد يدها الى لوحة مفاتيح حاسوبها، ولا تضغط على أزرار هاتفها المحمول لتجد الرقم المخزن في الذاكرة وتوفرعلى نفسها حتى عناء تذكره !!!!!
قبل قليل تذكرت ليلة ضحكنا فيها كثيرا أنا وأنت ، هل تذكرينها حبيبتي؟ تلك هي الليلة التي سبقت سفري بشهر، وكنت تتندرين فيها على كسلي. ليلتها ضحكنا حتى أيقظنا خالي وجاء يطرق باب حجرتك غاضبا لنتوقف عن الإزعاج.
قلت لي يومها:
ــ تصوري يا نادرة لو أن كل شيء في الحياة يتحول إلى ضغط على الأزرار ، زر للأكل وزر للشرب ، وزر للمشي ، وحتى دخول الحمام يمشي بزر أليس هذا هو العالم المثالي الذي تحلمين به؟؟
فأجبتك :
ـ ولما الأزرار يا عزيزتي أليس الضغط على الأزرار بمجهود متعب أيضا؟
حسنا لطيفة الموضوع باختصار أبسط وأقل خطرا مما تتصورين ، واليك التفاصيل قبل أن يقتلك الفضول وأخسرك.
أنا حاليا أرافق زوجي إلى معسكر إعلاني نظمته الشركة التي يعمل فيها بعنوان (منتوجاتنا والطبيعة) . المكان الذي يقام فيه الحدث هو أجمل من أن تستوعب هذه الصفحات كلمات وصفه. سحره يبتلع سحر بيان الجمل و يقعد قدرتها على صنع المعاني ، فيخدر اللسان عن النطق بأحرف تصف روعته ، وتصبح شهادة عباقرة الكلام في زينته باهتة فقيرة البلاغة.
هو معسكر من الأكواخ الخشبية رائعة الصنع، تصطف على سفح جبل من مجموعة جبال خضراء يكسو قممها الثلج ولا يصل نهايتها مد البصر، وفي أسفل الوادي بحيرة، تستطيعين السباحة فيها والشرب منها في آن واحد لشدة نقائها، تستلقي مسترخية لتدلكها نسمات الهواء العليل ،مطمئن شاطئها، هادئة مياهها، يحرسها أخوتها الشوامخ من حولها. ويحيط بها من الأزهار والأشجار والألوان ما ييقظ الأرواح الميتة ويزيل عنها الصدأ الذي كدسته المدن اللعينة في أنفسنا طوال سنين عمرنا.
كل شيء هنا كالحلم في جماله، حتى أني حين استيقظت من النوم في اليوم التالي لقدومنا ونظرت من نافذة الكوخ رأيت فتاة صغيرة تلاعب كلبها، وترتدي الزي التقليدي لسكان المنطقة، فصحت كالبلهاء هايدي ي ي ي ي، استيقظ يا بسام هايدي تلعب في الخارج .
لقد جرف سحر الطبيعة المحيط بي كل علامات الكسل التي استقرت في جسدي طوال تلك السنين التي جاورت فيها الصحراء وغبارها، وتحولت في لحظات إلى عاشقة لرياضة المشي وتسلق الجبال ، وعبور الجداول قفزا، بل والتجديف بالقوارب أيضا.
ليتك الأن معي يا حبيبتي لتري كم من الاطمئنان يسكن في هذه البقعة من العالم ، وكم هي كريمة هذه الأرض حين توزع جمالها وطمأنينتها على سكانها من جميع عناصر الطبيعة، فتمر قطعان الغزلان بسكينة كأنها تستمدها من جيرانها البشر من السكان المحليين من حولها،
هؤلاء الذين هدأت نفوسهم واستقرت كما تستقر الجبال من حولهم، ابتساماتهم في غاية النقاء متعلّقة على ثغورهم تعلّق الرضع على صدور أمهاتهم ، ابتسامات تشعرك وكأنك ترين هذه الظاهرة الأنسانية لأول مرة في حياتك، وأن كل ما كنت تحصلين عليه من ابتسامات من أفواه الناس قبل ذلك مصنوع في مصانع المدن، يقذفها الناس وكأنهم يقذفون البصاق من أفواههم.
هل رأيت نسرا حقيقيا في حياتك يا لطيفة؟ النسور هنا تحلق قريبة من رأسي وتشرب الجمال الذي يمتد على مدى بصرها بوعاء مطمئن من الحرية. والغيوم تجلس على قمم الجبال كأنها قبعات مكسيكية صنعتها السماء لتحمي شيبة تلك الجبال من ضربة شمس غاضبة. أماالأشجار فقد استوطنت جذورها في الصخور، فأمسكت بالتراب الشقي ومنعته من أن يتمادى في عبثه فينزلق إلى الوادي إذا تلهت أمه الطبيعة عن رعايته في يوم عاصف.
لم يكن مهما بالنسبة لي بأن الأكواخ التي نسكنها غير مجهزة بوسائل الترفيه العصرية التي اعتدتها في المدينة. فهنا علي أن أسخّن الماء على موقد الحطب بعد جلبه من الخارج، واستخراجه يتم بواسطة مضخة يدوية قديمة ، كما أني أكنس أرضية الكوخ بمقشة تشبه مقشات الساحرات في أفلام (الكرتون) ، أركبها أحيانا تندّرا، وأمثّل دور الساحرة الشريرة أمام بسام فينفجر ضحكا.
وقوانين المعسكر هنا تمنعنا من التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، لذلك سلّم الجميع بمحض إرادته أجهزة الحواسيب والهواتف المحمولة التي كانت بحوزته إلى مركز المعسكر عند الدخول، وترك لنا أن نستخدم هاتف المعسكر في حالات الطواريء فقط. ولهذا كنت أشعر بالملل بعض الشيء حين يكون بسام خارج المعسكر في مهمة للموظفين فقط ، وحين يخلو البرنامج لساعات من فقرات االترفيه المعتادة.
في سويعات الضجر تلك تعرفت إلى مديرة المعسكر (مهيدة ) ، وكنت محظوظة جدا بالتعرف الى تلك العجوز الشرقية الستينية التي حملت عني ثقل سويعات من الملل في الأرض التي نفثت فيها جنة السماء شيئا من أنفاسها.
لم تبد السيدة كباقي النساء الشرقيات في بلادنا من حيث هدوئها وحكمتها، فنحن يا عزيزتي لا نلبث أن نصل سن اليأس حتى نجلس في زاوية من زوايا البيت ننتظر قدوم عزرائيل ، أماهي فقد تخفت عن عزرائيلها بعباءة من الحيوية تلف أوصالها، وحب للحياة يهدر في دمها كما تهدر الشلالات من حولها، ورصيد من الحكمة جمعته من رفوف مكتبة الحياة
من حولها.
أشارت علي صديقتي الجديدة بكتابة رسالة ورقية إلى عزيزما حين يطبق الملل علي، ثم قدمت لي قلما و دفتر رسائل، وتعهدت بإيصال رسالتي بنفسها إلى مكتب بريد القرية القريبة . لقد نجحت تلك الحكيمة بسرعة بإقناعي بكتابة الرسالة بنفس السرعة التي نجحت فيها بالولوج إلى قلبي لأن لحديثها من سحر التعبير المتحالف مع منطق الإقناع ما أجهز على ما تبقى من كسلي ونظف نفسي من أعراضه
قالت لي (مهيدة):
ـ الرسائل الورقية يا نادرة هي صور لمشاعرنا؛ في حبرها قطرات من دموعنا، وعلى ورقها صور لابتساماتنا ، وهي تاريخ يدون لنا حياتنا ، نعود إليه حين تكسل ذاكرتنا، ويحزم زماننا حقائبه متوجها إلى مخرج حياتنا، ، نشتم فيها رائحة الأحبة حتى بعد أن يمضي دهرعلى مكوثها في صندوقنا، ذلك الصندوق السحري الذي تمكث فيه أغلى الأسرار وأقدم الأخبار، حين تفتحينه تحسين بأنك تفتحين مغارة علي بابا، فتشتمين في كنوزها شيئا من شبابك الثمين، وتعدين الرسائل التي فيه فيذكرك عددها بعدد السنين التي مضت والتي غفلت عن عدها في زحام الحياة .
وللرسائل الورقية ملمس لا يضاهيه ملمس من الأشياء وكأنه شيء له دفء الأحياء ونبضات قلوبهم، فيستيقظ أصحابها حتى من الموت حين نعاود فتحها ليبعثوا فيك فرحا أوحزنا يتحرك بهما قلبك، وكأنك تجلسين في حضرة القديم من جديد.
وطريقك إلى مكتب البريد أوالبقال حين ترسلين الرسالة أو تجلبينها يصبح مشهدا من مشاهد قصة جميلة، والانتظار يلهب فيك الشوق إلى جديد الأحبة ويزيد من عمق كلمات الرسائل كلما تأخرت. فتلمسين فيها سحرا صنعه الانتظار الطويل ولم يتعمده حتى كاتبو الرسائل أنفسهم.
ثم تدخلين الدكان لتسألي عن رسائل جديدة فيصبح السؤال فصل في قصة، والإجابة فصل آخر، وخيبة الأمل بعد كلمة (لا يوجد) فصل ، والفرحة باستلام المغلف نهاية سعيدة لها . وتدخل رائحة الدكان على القصة لتصبح جزءا منها ، ذلك هو الجزء الذي لا تستطيع أي رسالة حديثة ان توفره لك أو تعوضك عنه مهما بلغت تطورا.
وتعودين إلى البيت لتقرأي الرسالة مرة ثم أخرى ثم أخرى و تضمينها إلى صدرك في كل مرة تنهين بها القراءة . وقد تنام إلى جانبك في ليلة ما.
وتخرجين الرسالة مرات ومرات من الصندوق موهمة نفسك بأنك تبحثين في كل مرة عن معان ضائعة لم تجديها في عشرات المرات السابقة التي قرأت الرسالة فيها ليغفر لك عقلك ذلك الهوس بقراءة رسائل الأحبة . ثم تستعدين بعدها للرد، فتمسكين بالقلم وكأنه يرافقك في زيارة إلى من تحبين. تضعينه أحيانا في فمك لتهمسي له وتفشين له باسرار يكتبها ، ويرسم نبض قلبك على ورق الرسائل بالكلمات . وربما تحكين به رأسك لتنبشي به الأفكار، وعندما تجدينها تطلقين قلمك على الصفحة البيضاء ليرقص رقصة تشبه رقصة الباليه ، برشاقة لهفتك، وجمال مشاعرك، ولا تكترثين الى عدد الاوراق المتساقطة تحت الطاولة في محاولاتك للبحث عن أجمل التعابير إلاّ حين تنهين الكتابة، وتقررين بأن رسالتك في أجمل صورها. تختمينها بقبلة وترسلينها ، ثم تبدأ القصة من جديد بانتظار الرد.
حبيبتي لطيفة:
هل أشبعت فضولك وأزلت دهشتك أم مازلت تشكين بأن هذه هي أنا.
أنتظر ردك الورقي
نادرة



#يوسف_ابو_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تقضي على الإسلام في 5 أيام بدون أوهام
- عمى الوان
- حياة جديدة من رواية طين بلادي رواية لم تنشر بعد
- رائحة ابطي بين المشوي والمحشي
- أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - يوسف ابو شريف - ايام الرسائل الورقية 2 لطيفة ونادرة