أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!















المزيد.....

في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1153 - 2005 / 3 / 31 - 10:15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كان عام 1976 عام التدخل السوري في لبنان وعام استشراء القمع في الداخل السوري. فهل يكون عام 2005 عام الانسحاب من لبنان وبدء تحرير الحياة السياسية السورية؟ ليس الجزم بذلك متاحا. لكن قد يرى يوما أن العام الحالي هو عام التغيير، وأن سوريا بعد انسحابها من لبنان أخذت تقلع عن مشابهة نفسها قبله.

نهاية الدور الإقليمي الهيمني
كان الدور الإقليمي الشهير لسوريا فائضا وظيفيا، خارجي المصدر وهيمني الشكل، يفوق إمكانياتها العسكرية والاقتصادية الذاتية. ذلك الفائض منح الدولة السورية استقلالية فائضة بدورها وغير مستحقة عن المجتمع المحلي، جعلت منها دولة خارجية عنه وخارجة عليه. وطوال ربع قرن كانت الدولة التي فرغت من مضمونها العمومي والوطني وتشربت مضامين أهلية وقمعية مصدر اللااستقرار الأول في المجتمع. العروبة كانت الإيديولوجية المناسبة لتقنيع كل من الدور الإقيلمي وتفريغ الدولة و"أهلنتها" ووضعهما معا في سياق "الصمود" في وجه التوسعية الإسرائيلية المسنودة أميركيا. نخطئ حين ننتقد الإيديولوجيا وحدها ونغفل بنى السلطة ونظم المصالح والتكوينات الاجتماعية المحتجبة وراءها.
نهاية الحرب الباردة دشنت عملية تراجع الفائض الخارجي. لكن الحرب على العراق عام 1991 وثمن المشاركة السورية فيها ومقتضيات عزل نظام صدام حسين مددت للدوزر الإقليمي المؤسس على ذلك الفائض. وكان لعملية مدريد تاثيرا متناقضا عليه تمثل في إفلات الطرف الفلسطيني وانضواء الطرف اللبناني. احتلال العراق أفضى إلى تغير في نظام الوكالات والأدوار الإقليمية، وهو ما لم يدركه الطرف السوري الذي حاول التمديد لدوره عبر مسألة ضبط الحدود. ويبدو أن المسار المؤدي من التمديد للرئيس لحود فالقرار 1559 وصولا إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري يقود الآن إلى انطواء صفحة الدور الإقليمي المكفول خارجيا. اضطرار سوريا للتخلي عن لبنان، جوهرة التاج البعثي، هو التتويج النهائي لعملية تآكل متسارعة تلت تسنم الولايات المتحدة سدة السيادة العليا في "الشرق الأوسط". انتهت الوكالة، وتحويلات القوة الخارجية التي أنتجت التمدد الإقليمي السوري نضبت. والاستقلالية والتضخم المفرطان للدولة مدعوان الآن بتقديم كشف حساب أمام القدرات السورية الذاتية. من حيث المبدأ هذا يدفع النظام السوري نحو السياسة في الداخل، اي الاعتراف السياسي بالمجتمع السوري وإعادة الاعتبار للمضمون العمومي للدولة. فمع انطواء صفحة الدور الإقليمي المكفول تدخل الدولة الخارجية طور أفول محتوم. هذا لا يلغي أن السير العياني نحو استعادة السياسة و"ضب" الدولة قد يكون محفوفا بمصاعب وتضحيات إضافية. لا يلغي أيضا أن دورا إقليميا دون كفالة خارجية وفي صيغة غير هيمنية ممكن ومرغوب.
وجملة القول أنه بقدر ما كان الدور الإقليمي الهيمني ركيزة أساسية لاستقرار نظام الهيمنة الداخلي (وليس بحال لضمان المصالح الوطنية السورية، دع عنك المصالح القومية العربية) فإن من شان انتهائه ان يفرض على النظام تجديد شروط استقراره الداخلية والخارجية معا. إن لم يستطع فسيلتحق بدوره الإقليمي.

تحول المشهد الإقليمي
حول سوريا، المشهد الإقليمي كله مختلف أو آخذ في الاختلاف: في العراق وفي فلسطين، وفي لبنان ومصر، وبدرجة ما حتى في الخليج. (الطرف الوحيد الذي لا يتغير ولا يستطيع ان يتغير هو إسرائيل، وليس غير الجمود والطغيان العربي غطيا كونها القوة الأشد محافظة ورجعية في المنطقة، وقادا إلى هزيمة الفكرة العربية).
لا تتوحد التغيرات الجارية تحت عنوان واحد، وليس لها فاعل واحد، ولا يمكن إطلاق حكم قيمة موحد عليها. وهي ليست حلولا جديدة لمشكلات قديمة بل مزيج من انحلال المشكلات القديمة ومن تغيرات مدفوعة بقوة ضغوط وتدخلات خارجية، تفضي بمجملها إلى تكون نظام جديد للمشكلات والحلول الممكنة. ثمة تحديات جديدة وصراعات جديدة وأشكال جديدة للتفاوت داخل المجتمعات وبين الدول، لكن ثمة ايضا فرص جديدة وحساسيات جديدة وملامح تفكير جديد وعناصر ثقافة جديدة. التغير مرحب به في كل حال رغم ما يحمله من مخاطر.
المرحلة القديمة تحتضر، والمشرق العربي على أبواب حقبة جديدة مختلفة بالكامل عما سبقها، ربما منذ خمسين عاما. والأرجح أن ملامح الحقبة القادمة تتلخص في نظم سياسية أقل انغلاقا، وقد تكون أكثر انفتاحا وفقا لدرجة الحضور الشعبي، وتسوية (غير عادلة بلا ريب) للصفحة السورية الباقية من النزاع العربي الإسرائيلي، واقتصاد غير دولاني دون أن يعني ذلك بالضرورة أنه اقتصاد سوق حرة تنافسي حقيقة، ونظام هيمنة أميركية إقليميا. ومع ترجيحنا لأن تشكل هذه الملامح صورة المرحلة الآتية، فإنه ليس ثمة ما يدفعنا للأسف لحظة واحدة على الحقبة المنقضية التي جمعت بين الدموية والجمود. فدينامية التغيير قد تفسح مجالا لدخول قوى جديدة ودماء جديدة في المجتمعات الأسيرة التي كتفها الطغيان طويلا.

شراكة من أجل التغيير
لا يحتاج المرء ان يكون معارضا سوريا كي يدرك أن التغيير بات محتوما وأن معاندته مستحيلة وخطرة. وهو مؤلم من اية زاوية نظرنا، لكن رفضه سيكون اشد إيلاما. اليوم، ترفض السلطات السورية اليوم المشاركة في النقاش حول التغيير مع اي شركاء داخليين او اقليميين. غدا، قد تبحث عن شركاء فلا تجد. إن امتناعها عن النقاش حول التغيير ومنعه في الداخل يحرمها هي بالذات من المساهمة في صنع المستقبل، ويهدد بترك مستقبل البلاد لفاعل وحيد هو "الخارج" الأميركي. ما يفوت على البلاد بفضل جمود نخبة السلطة السورية هو أنه كلما تأخرت في المشاركة الفعالة في التحولات الجارية، بما فيها فتح النظام السياسي، احتلت سوريا موقعا ثانويا ومنفعلا في الترتيب الإقليمي الجديد. ويعني ذلك أن فرصها في إسماع صوتها وطرح مطالبها في المرحلة المقبلة ستكون أضعف.
إن تكوين اوسع شراكة سورية ممكنة من أجل التغيير يضمن للبلاد انتقالا آمنا نحو المستقبل وموقعا أليق بها في نظام الاستقرار الإقليمي القادم.

بهجة الجديد؟
إنه عالم جديد هذا الذي يبدو إننا ندخل فيه. لكن يفسد بهجتنا المشروعة بتحولاته إيديولوجيات مصابة بالسوداوية والاكتئاب المزمن، أو هي معادية للتغيير صراحة. هذا بحد ذاته ليس جديدا. فلطالما تقدم الناس دون علم منهم ودون رضاهم وفي غفلة عن عقائدهم إن لم نقل عبر خيانتها، ولطالما ساروا إلى الأمام ووجوههم نحو الوراء، ولطالما تقدم التاريخ من جوانبه العفنة كما قال الشيخ كارل ماركس. لكن دوام انفصال عمليات التغير الواقعية عن التغير الثقافي والفكري يهدد بحرماننا من مفاهيم وادوات فكرية تضفي على التغيير الواقعي درجة من الاتساق وتمكن المجتمع من استيعابه وتوجيهه.
ثمة تغير على مستوى الحساسية والفكر حان وقته في الثقافة العربية المعاصرة: التصالح مع التغيير والاحتفاء به. فالتغيير الذي لا نتصالح معه لن يتصالح معنا وسيفرض ذاته على كره منا. ثم إن المشاركة في التغيير تتيح لنا فرصة المشاركة في صنع مستقبلنا، فيما لا يقود الانسحاب من الفاعلية التغييرية الراهنة إلى غير انعزالية سياسية واجتماعية منتهاها هو الخروج من التاريخ. أن لا يكون التغيير الجاري "على كيفنا"، ألا نكون محتكرو إحداثه، ألا يكون واعدا بالعدل والحرية، أشياء لا ينبغي أن تمنعنا من الانخراط في العمل الآن (ولا أن تحجب عنا أن جمود العقود الثلاث الماضية كان أشد استغناء عنا من حركة هذه الأيام).
يفسد بهجتنا بالتغيير أيضا إغراقه في إشكالية داخل/ خارج، يشغل التغيير منها موقع مناسبة إضافية لاجترار نقاشات عقيمة ماضية (حداثة وأصالة، غرب وشرق، خصوصية وعالمية..). أفسد ما في هذا النقاش هو تحوله السريع إلى مسألة عقيدية تتكون حولها معسكرات وجبهات ويضيع فيها موضوع النقاش: التحولات الكبيرة والخطيرة الجارية حولنا وعندنا. استيعاب التغيير يقتضي شيئان: الانفتاح النفسي والفكري على التغيرات الواقعية، والانفصال النفسي والفكري عن المواقف العقيدية المهتمة بإثبات مواقفها وتفضيلاتها لا بإنارة القضايا موضوع النقاش.
إن مواكبة التحولات الواقعية بتحولات الثقافية من شانه ان يعيد فتح ابواب المستقبل في وجه سوريا، وقد يكون بداية انتهاء كابوس العرب الطويل، كابوس إذلالنا وانحطاط معنانا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
- في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
- موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية
- نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة
- ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
- عشر أطروحات حول السلطة والندرة
- موقع الثقافة في مشروع الإسلاميين السوريين
- من يهين سوريا؟
- اصول تناقضات السياسة الخارجية السورية
- تعاقد سوري لتقاسم تبعات سلام مفروض


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!