أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان بكير - - رهائن الخطيئة- ذاكرة في لوح محفوظ















المزيد.....

- رهائن الخطيئة- ذاكرة في لوح محفوظ


حنان بكير

الحوار المتمدن-العدد: 4004 - 2013 / 2 / 15 - 00:34
المحور: الادب والفن
    


"رهائن الخطيئة"، رواية الناقد والروائي السوري، هيثم حسين، رواية تحكي الوجع الكردي. وتصوّر معاناة المواطن في تنقلاته، في حلّه وترحاله، وفي كل تفاصيل حياته اليومية. إنها محنة وطن وأزمة مواطن.
" يخطىء من يظن أن في هذه الرواية شيئا من الخيال".. بهذه العبارة يقدّم الكاتب روايته. هي، اذن، حكاية ذاكرة وعذابات ما زالت تتناسخ.
تدور أحداث الرواية في مرحلة الستينات، وتبدأ بفترة انفصال الوحدة بين مصر وسورية. حيث تتناقض المواقف ما بين مؤيد يضع الرئيس جمال عبد الناصر في ندّية مع الله، واخر يقول" .. لو كنت هنا لأعدم عنزتك الصغيرة امام عينيك... تصوري انه لم يستثن من ظلمه حتى الحيوانات" ص5. المكان الذي تدور فيه الاحداث، هو جغرافية مهمّشة معزولة بين الحدود التركية والسورية.

بطلة الحكاية، هي الجدّة خاتونة المعروفة ب" خاتونة جياي" اي الجبلية. وهي امرأة جبلية، عنيدة، صابرة وغامضة. أكثرت الترحال والهجرة، الى أن استقر بها المقام في مدينة " عامودا" مع طفليها أحمد وعلي اللذين عرفا بأحمى وعلو. تتحاشى الاجابة عن اي سؤال يتعلق بحياتها الخاصة او ماضيها او المكان الذي جاءت منه. وتكتفي بالإجابة : من فوق الخط. عملت ولاّدة لنساء الحي، وكانت توصف بقسوة القلب اثناء توليدهن لأنها لا تلتفت الى صرخاتهن وهي تقوم بعملها، حتى كأنها لم تلد طفليها ولم تذق شيئا من آلام الولادة. كانت تكسر الخبز اليابس، وتجمعه في اكياس الخيش وتبيعه في القرى.
عمل أحمى وعلو عتالين في السوق بعد ان شبّا. ثم افتتحا دكانا واصابا بعض الحظ. لكن سرعان ما اصاب علو بعض الجشع فاحتكر تجارة البصل وقام بتخزينه ليبيعه بالسعر الأعلى. لكن الحريق الذي شبّ في الدكان أتي على كل شيء وعرفت وقتها ب" محرقة البصل". كان احمى اكثر تديّنا من علو، الذي كان يبرر أعماله بأنها التجارة وان الرسول بجلالة قدره كان تاجرا. تزوج علو من صبية وانجب ابنه هوار.
بعد " محرقة البصل"، غادر احمى تهريبا الى تركية، واستقر في قرية قراشيكى من قرى ماردين حيث تزوج من ابنة أحد الأئمة. علو الذي انعزل فترة من الزمن، عاد الى عمله في العتالة. وسرعان ما لقي حتفه بعد ان سقط من فوق اكياس القمح.
تعلم الجدة خاتونة بمكان وجود ابنها حمي، تسافر اليه مع "هوار" لإقناعه بالعودة الى الديار!! لكنها تفشل في مهمتها. وتشاء الصدف ان تلتقي بحبها الأول. بعد زيارة صديقتها، تقرر زيارة مقام الشيخ لتانة، لتقديم النذور. ثم تغادر عائدة الى ديارها مجتازة الحدود التركية/ السورية مجددا. لكنها تقتل برصاص حرس الحدود الذي أراد تحذيرها، ولكنه لم يفهم لغتها الكردية، فأطلق رصاصة التحذير وأصابها.
في لحظات الاحتضار.. وقد أمهلها الموت بعض لحظات حتى تبوح لحفيدها هوار بالسر الذي حملته طيلة حياتها! وهي هنا حبكة الرواية. فقد كان جده ثائرا. شارك في ثورة 1925. بعد اخماد الثورة، صدر عفو عام وكان حينها من المعفوّ عنهم. شاركت تركية في الحرب الكورية التي امتدت بين عامي 1950/1953. حيث توّجب عليها ارسال عدد كبير من جنودها لقتال الكوريين الكفار، وكان جده من المشاركين في تلك الحرب وقد أثبت شجاعة فائقة، نال على اثرها مكافأة سخية. وبعد عودته تناقلت الألسن وبالغت في مقدار الثروة التي جاء بها الجد. فاغتيل بعملية سطو، نجا منها والد هوار وعمه بعد ان أخفتهما العمة خاتونة! التي لم يعرفها الا جدته لأبيه!
ليس من السهل قراءة " رهائن الخطيئة" التي تقع في مئة وخمسين صفحة، دون أن تترك ثقلا في النفس، فتضطر لآستراحة تلتقط فيها أنفاسك. وأن تعيد قراءة بعض الفقرات أكثر من مرة. إذ حشد الكاتب كمّا هائلا من المعلومات التاريخية، بأسلوب شيّق، ومشاعر انسانية. فقد رسم بالكلمات لوحة متكاملة لبيئة، بكل ما تحويه من تفاصيل حياة يومية، بتقاليدها وطقوسها الاجتماعية والدينية، عمليات الختان، الزواج المدبّر، البيوت بما تحويه، الى الرعاة الذين يسرقون النذور من المزارات الدينية، مدّعين انهم المكلّفون بخدمة المزار. قال الكاتب كل شيء، كل شيء تقريبا، ولكنه لم يقل شيئا. فالأحداث عبّرت عن نفسها وعما يودّ الكاتب قوله، ويترك للمتلقي قراءة الأحداث.
بيئة الأحداث متواضعة، و البيوت الفقيرة، بأسلوب عيش أصحابها وتنقلاتهم بالباص المزدحم ابدا، والمتخلف عن مواعيده دوما. لطريقة تزويج البنات. ووضع المرأة فيها.. " .. فالمرأة هي آخر من ينام، أول من يفيق، آخر من يأكل، أول من يضحي، هي القائد بالفطرة.. تأكد بأن هذا دأب النساء اليومي." ص 134. ولد لعلو بنتا، ما لبثت أن ماتت. لم يحزن علو لموتها، ولم يجرؤ على البوح بذلك، بل تظاهر بالحزن، وتكلف حزنا كما ينبغي لأب فقد ابنته.
زوجة علو، أيضا، فقدت سمعها وراحت ضحية سوء ظن ابيها بها. فقد سمع والدها في السوق أن البنت تتذرع بأنها تريد ان تكنس امام باب الدار في موعد محدد تتفق عليه مع عشيقها. وعندما كانت الابنة تكنس امام الدار فوجئت بعودة ابيها باكرا وهو يسبها ويلعنها، ثم صفعها صفعة أوقعتها أرضا، وضربت رأسها بالحائط القريب منها..
شخصية الأستاذ، التي مرّت سريعا، قد أدّت دورها في إطلاق صرخة، أستطيع أن أسمّيها صرخة العلمانية! فهو " ..لم يكن من مرتادي الجامع، أو من مريدي أيّ شيخ، ولا من منتسبي أيّة طريقة، لكن سلوكه كان مثاليا، وأخلاقه محمودة من الجميع.. بل كان يساعد المحتاجين، ولا يبخل بالنصيحة على من يستنصحه"..." لذا كان علو متفائلا أن يقترح الاستاذ اسما من قائمة الاسماء المحببة دينيا، لكن الاستاذ خيّب ظنه في ذلك، عندما اقترح عليه اسم هوار، وقال انه الأنسب والأجمل، كما قال: أتمنى ان يجسّد اسمه، ويكون صرخة رفض لما عاناه أجداده، ويشعل ثورة ونارا على من شرّد أهله.. وخلقوا منه مهاجرا لاجئا في كل مكان يلتجىء اليه..." وهوار تعني الصرخة!!
وانتهى الاستاذ بطريقة غامضة، بعد حادثة، رفض فيها الاستاذ إهانة رجل أمن له، فكال له الصاع صاعين. ما دفع الناس الى الظن".... غير متناسين أن يحوقلوا ويتعوذوا بالله من الشيطان الرجيم الذي تلبّس الاستاذ في تلك اللحظة ومنعه من رؤية الواقع .. والحقيقة" ص71. إنه الظلم والقمع والتسلط بأبشع أشكاله.. وعلى يد هذا الاستاذ تربى هوار.".. كان يسترجع أحاديثه كلها، كأنها آلة تسجيل تعيد ما سجّلته.. لم يستطع التخلص من شعور اليتم الذي سيظل ملازما له.." كان حديث الأستاذ عن الحق والحرية، ورفض الظلم والعبودية والقهر والذل!
" رهائن الخطيئة" هي رواية الذاكرة بامتياز! ذاكرة المكان وروائحه وناسه. ".. مع عودتهم شعر أحمى بغصة في قلبه، ومرارة مضاعفة في حلقه، أحسّ أنّ رائحة بيته تعود معهم، وضحكة هوار تبتعد بابتعادهم..." . أحاديث الشجون عن الماضي، كان محور احاديث الشخصيات.".. استفاضا في الكلام عن الماضي، كان كل شيء بالنسبة لهما منصبّا على الماضي." ص51.
صورة الجدة خاتونة، حين تقرر العودة الى الجهة الأخرى من الأسلاك.. الى "عاموداها" وحيدة دون ان تفلح بإقناع ابنها بالعودة، فترحل وهوار وحيدين ."... هوار يحاول استكشاف المكان... الجدة ترفض مرافقة ابنها لها، فهي تريد أن تحزن وتنشج وحيدة، وفي حالة تشبه الهذيان، تتساءل الجدة " هل سيعود الى الديار؟ ثم تصيح بأعلى صوتها " أي ديار أيّتها التعيسة"!! وتسقط على الأرض غارقة في موجة من البكاء.
للأمكنة تنويعاتها في الرواية. بؤر الفقر وذل الحاجة. طرق التهريب على الحدود التركية /السورية. ومصاعبها ومخاطرها في أغلب الأحيان. الأسلاك الشائكة التي تقف حائلا بين افراد العائلة الواحدة، وتباعد الأحبة.. حديث الشجون للجدة، تقول لحفيدها: " هواري العزيز... روح قلبي. أتذكر عندما كنت قد سألتني:" ماذا تقصدين بقولك: أيّ ديار يا خاتونة..؟! ص 142.
ليست كل الأمكنة كئية حزينة، ففي رحلة " هوار" لقراشيكى.. يتقافز الفرح أمام تراكض الأطفال في القرى. يسردون تاريخ الأمكنة، ولغات أصحابها، والقصص الشعبية التي ارتبطت بها، حيث يتداخل التاريخ مع الذاكرة.. تاريخ ماردين وأصل التسمية. التغيير الديمغرافي للأمكنة وتعاقب أصحاب الديانات والطوائف المختلفة عليها. تلك الأحاديث التي يسمعها الصغار في حلقات الكبار، فتختزن ذاكرتهم تلك القصص دون وعي بالتسجيل أو الحفظ. وهوار الذي سرقت الظروف طفولته مبكرا، يستزيد من الحديث عن تلك الأمكنة وتواريخها.
تستدرج الرواية القارىء، بحثا عن الغموض في حياة تلك المرأة الغامضة، والسر الذي دفنته طويلا في صدرها، ثم باحت به في آخر لحظاتها/ لحفيدها الذي لم تكن سوى عمّة لوالده وعمّه، اللذين فرّت من ديارها، خوفا عليهما، وكرّست حياتها لهما.
عنوان الرواية، يستوقفنا حتى ما بعد قراءتها. أي خطيئة هي المقصودة؟ ومن هم رهائنها الذين لم يفلتوا من أسرها بعد؟ هل خطيئة تقسيم المنطقة؟ والكرد هم رهائنها؟ هي خطيئة الظلم والاستعباد الذي يقود الى الفقر و التخلف؟ أم هي خطيئة السكوت على الظلم والعبودية والقهر والذل، كما تشي بها صرخة ذلك الأستاذ؟
في " ما يشبه إهداء متأخرا..." يكتب هيثم حسين.." الإهداء يكون دوما الى الساعين لكسر الحدود.. المتمردين على التزوير.. الجابرين كسور الخرائط.. الماحين خطوط الطول والعرض، ليكون لهم أطلسهم المحقّ حقّهم، والفاضح عري التاريخ وجرمه أما صمود الجغرافية، رغم مداومة الطعن فيها، ومضاعفة النزف البشري منها...".
هو خروج عن النص، لو تكلمنا الان عن التشابه بين ادب الذاكرة الفلسطيني ورواية " رهائن الخطيئة" ولا عجب في ذلك، فالتجربتين متماثلتين بكل تفاصيلهما وفي عذابات أصحابها!
لكن المؤكّد أن الرواية ستضيف مبدعا كرديا فجّر ابداعه في فضاء اللغة العربية. ولا غرابة في ذلك وهو الانساني الذي أراد تمزيق كلا الأسلاك ومحو كل الحدود، وصناعة أطلس إنساني للعالم!



#حنان_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دولتنا الاسلامية/ هلّت بشائرها
- اوروبا وجمع شمل الشعوب السامية
- مواطنون في عزلة/ صورة عن أوضاع فلسطينيي 48
- فلسطينيو ال 48 وفتاوى عزلهم
- مفارقة
- تاريخ الفكر الغربي/ غونار شيربك
- حيرة الغريب/ في ذكرى النكبة واليوم الوطني النرويجي
- -دموع غزة- وثيقة إدانة للضمير العالمي
- يوم المرأة العالمي والربيع العربي
- الشعب -المفبرك- في كتاب العهد القديم
- مقولات سادت ثم بادت
- حاضنة الامم المتحدة..بين تاريخين
- الربيع العربي والخريف الفلسطيني
- وداعا للعلمانية.. فقد أعلنت ارتدادي
- أوسلو لا تغيّر عادتها
- حق العودة .. مرة أخرى
- حق العودة أم ترحيل من تبقى في أرضه؟
- مجنون العرب في رائعته- عرفة ينهض من قبره-
- رجال دين شبّيحة وبلطجية
- الحق عالطليان


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان بكير - - رهائن الخطيئة- ذاكرة في لوح محفوظ