أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال الدين أحمد عزام - العقاب















المزيد.....

العقاب


جمال الدين أحمد عزام

الحوار المتمدن-العدد: 4004 - 2013 / 2 / 15 - 00:46
المحور: الادب والفن
    


العقاب

مازلت منتظرا داخل سيارتي، الليلة ساكنة و مناسبة تماما، لا أحد في الشارع تقريبا، لم يخرج الهدف بعد، بل لم تخرج بعد. لكم أحب أن يكون امرأة، كلما فجرت دماغ إحداهن انتابتني نشوة لا أشعر بها عندما يكون الهدف رجلا، ذلك أنني أتخيل أنه دماغها الجميل. و لكن ذلك لا يشفي غليلي، سأظل أحلم بهذا اليوم حين أجدها تلك السافلة. لن أقتلها بلصق فوهة المسدس الكاتم للصوت في مؤخرة رأسها كما أفعل دائما. سأمزقها بالرصاص و عيني في عينيها.
اقترب وقت نزول الهدف، أنظر في ساعتي، يديّ في قفازيهما الأسودين ممسكتان بالمقود و عيناي على باب البناية. مازالت هناك خمس دقائق تقريبا، مددت يدي، فتحت الصندوق، أخرجت المسدس، ركبت كاتم الصوت، دسست السلاح في جيب سترتي الداخلي، واصلت النظر في ساعتي.
كنت حينها أنظر في ساعتي و أنا أراقبها. كنت قد لاحظت تغير سلوكها و نفورها مني. أخذت إجازة من عملي لأراقبها. تأكدت ظنوني، لا أعلم كيف انخدعت بوجهها البريء و جمالها الرقيق. اقتحمتُ الغرفة عليهما، صرخَت، قفز مبتعدا عنها، أطلقتُ طلقة أصابت كتفه، لفت نفسها في الملاءة، حاول أن يصل إلى مسدسه على الكومودينو، انشغلتُ به بينما هربَت. حولتُ جسده إلى مصفاة. انطلقتُ في جنون ناهبا درجات السلم نزولا. لم أجدها، و فجأة أظلمت الدنيا.
كانت الغمامة محكمة على عيني و يدي مربوطتان خلف ظهر الكرسي الذي أجلس عليه. سمعت أحدهم يقول..فكوا الغمامة! وجدتني في مخزن كبير هواؤه مكتوم. رأيت اثنين أمامي و سمعت وقع أقدام يأتي من خلفي. اقترب، انحنى و همس في أذني همسا كفحيح الأفعى..مرحبا يا عزيزي. صحتُ..من أنت؟! من أنتم؟! ماذا تريدون مني؟! وضع كفه على كتفي..كلا، لا تتعجل الأحداث، فالمطلوب منك كثير. حاولت التملص من قيدي صارخا..دعوني! قال بهدوئه المستفز..لا تخف ستنال عقابك و تمضي. حاولت تبين وجهه فلم أستطع رغم أنه وقف أمامي..أي عقاب؟! اقترب أكثر فظهر وجهه في شعاع ضوء منسرب من نافذة جانبية طويلة..لا تخف، عقاب بسيط لقتلك واحدا من أكفأ رجالنا. سكت لحظة ثم أردف..في ظروف أخرى، كان من المفترض أن نقتلك مباشرة و لكنك أسديت لنا خدمة خففت عقابك، فقد كاد يصبح ورقة لعب مكشوفة، لقد ترهل مهنيا و أوشك على أن يُمسَك به، هذا بالإضافة إلى طمعه و أجره المتزايد باستمرار..لا أفهم شيئا، دعوني! انحنى رابتا على كتفي و ضغط حروفه..ليس لدي وقت أضيعه معك. ثم ابتعد مردفا..اشحذ عقلك قليلا و حاول أن تستوعب، كنا نريد التخلص منه و لكنك سبقتنا. سكت هنيهة ثم لمعت عيناه و هو يقول..قل لي بالمناسبة، كيف قتلت قاتلا محترفا مثله. قاطعته..قاتلا محترفا؟! واصل دونما تعقيب..هل أعطتك الخيانة قوة غير عادية؟ أم هو الذي فقد براعته؟ على فكرة، زوجتك جميلة فعلا، و لو كنت مكانك لفعلتُ مثلما فعلتَ. أصابتني حالة هياج و أخذت أصيح محاولا التملص من قيودي..أين هي؟! هل وجدتموها؟! إياكم أن تكونوا قد قتلتموها..ما هذا! هل مازلت تعشقها؟! صرخت..كلا! لا بد أن أقتلها أنا. اقترب مرة أخرى ثم ابتسم في وجهي قائلا..اهدأ، لا تقلق، لم نعثر عليها..دعوني! لا دخل لي برجلكم و لا أسراركم. أولاني ظهره قائلا..أتعلم يا عزيزي، ربما أنت محق، و لكن ماذا أفعل في قانون العقاب!..اقتلوني و لكن بعد أن أجدها و أمزقها بأسناني. أخذ يضحك ثم قال..كلا لن نقتلك، فما العقاب في قتلك؟! ماذا سنستفيد؟! لا بد أن تفيدنا معقابتك، و لا تنسى أنك قدمت خدمة لنا و نحن نقدر من يخدمنا..ماذا تريدون مني؟..لا شيء، ستعمل لدينا..و ماذا سأعمل؟ و كيف سأعمل؟ الشرطة ستجدني بالتأكيد..و ما دخل الشرطة؟! أنت هنا معنا في حمايتنا، لم نكن نتركك لتقبض عليك الشرطة، فأنت عزيز علينا يا رجل، أنت من قتل أمهر رجالنا. أمال رأسه إلى الوراء ثم عاود النظر إلي مردفا..و بالتالي، ينقصنا قاتل محترف..ماذا تقصد؟!..عقابك، أن تحل محله..كلا اتركوني أنا لست... ..لستَ ماذا! لستَ قاتلا. ثم ضحك مردفا بجدية لمعت لها عينيه المخيفتين..انتهى وقت اللعب، هذا سلاحك. و أخرج من جيبه مسدس كاتم للصوت مواصلا..ستكلَف بقتل أحدهم، سنخبرك أين و متى تجده فتترصده و تقتله..هذا ليس عقابا إذن، أنتم تبتزونني لأكون معكم..ربما أنت محق، رغم أنك بذلك تنال من تقاليد المنظمة العريقة..و إن لم أوافق؟..لست في موقف يسمح لك بالاختيار..و إن لم أستطع؟ إن أفلت مني من تريدون قتله؟ إن أمسكت بي الشرطة؟ إن سلمت نفسي لهم و أوشيت بكم؟ ضحك ثم قال..رائع، اختصرت علي الأمر، إن حدث أي من ذلك سنقتلك نحن، فإما الهدف و إما أنت، لا أظن أنك ستقول: اقتلوني فلا أبالي، فعيناك فيهما رجلا موتورا مطعونا في شرفه، فهل ستفرط في حياتك قبل أن تقتلها؟! وضع كفيه على كتفي..صدقني يا عزيزي، نحن قدرك، تعاون معنا فلديك مقومات الوظيفة، و قد اجتزتَ أعظم اختباراتها و قتلتَ من لا يمكن قتله، و الآن أنت على أعتاب مجد عظيم و ثروة طائلة.
مازالت هناك حوالي ثلاث دقائق على نزول الهدف. الليلة باردة كأول ليلة قتلتُ فيها. مشيتُ خلفه بهدوء كاتما خطوي المتسارع و أنفاسي اللاهثة، و لأنه لا مجال للفشل، لم أجد حلا سوى أن تكون الإصابة مؤكدة، ألصقت فوهة المسدس الكاتم للصوت في رأسه من الخلف و ضغطت الزناد و مضيت في الطريق دونما التفات و أنا أدس السلاح في جيب سترتي الداخلي و كأن شيئا لم يكن. كان صوت الرصاصة المكتوم و هي تدمر المخ مقززا في البداية إلا أنني تعودت.
بعد عدة عمليات، لم أعد خائفا من تهديد المنظمة، بل أصبح هذا عملي و دخلت سوق القتلة من أوسع أبوابه، أصبحت أشهر قاتل دولي. أسموني "مفجر الأدمغة" و أصبحت حرا في السوق؛ من يريدني يتصل بي و يكلفني؛ يحدد الشخص و الثمن و يترك لي الباقي. لا أسأل، أراقب و أنفذ فقط، القصة بالنسبة لي رأس ينتظر التفجير. أصبحت لي عشرات الهويات و جوازات السفر، أصبحتُ من عظماء التنكر و انتحال الشخصيات، لي في عدة دول في العالم منازل أسكنها و أعمال أديرها بشخوص مختلفة، لم يشك في أحد و كل المنظمات تعرفني و تعرف كيف تجدني لتلجأ إلي. جمعت ثروة طائلة، الأموال تحول بعد كل العملية إلى أرصدتي في بنوك سويسرا و الكاريبي. ذقتُ طعم الحياة المرفهة، و لكني لم أستمرئها و لم تنسيني، مازال هدفي الذي أحيا من أجله ماثلا أمام عيني، أن أجدها و أقتلها تلك الخائنة التي حولتني إلى مجرم دولي و بعثرتني في العالم كله و أنستني من أنا و من كنت. مازلت أتذكر المشهد و هي تحته تنظر إلي في رعب. لم يتبقى في ذاكرتي سوى هذا المشهد الذي أثبت لي كم كنت مغفلا. لم أكن لأقتل و لكنها علمتني القتل، حولتني إلى آلة تفجير رؤوس. سيأتي وقت العقاب لأقتلها عيانا بيانا، لن أفلتها حينها، و لكني بعد طول بحث لم أجدها و مازلت أسأل نفسي، أين هي؟!
كلا، لا بد من التركيز، لقد حان موعد نزولها، ها هي! خرجت من سيارتي بهدوء ثم مشيت بخطى واسعة مكتومة حتى أصبحت خلفها و قبل أن تلتفت كان قعر جمجمتها ملتصق بفوهة الكاتم. دسست المسدس في جيبي و مضيت دونما التفات كالعادة و كأن شيئا لم يكن.
كان صباحا مشرقا. فتحتُ الصحيفة لأرى ماذا كتبوا عني هذه المرة. وجدت عنوانا، "مفجر الأدمغة يقوم بعملية جديدة" و أسفله صورتين متلاصقتين، ما معنى هذا؟ مستحيل! صرخت و أن أمزق الصحيفة..كلا! لا يمكن أن تكون هي! عملية تجميل؟! لا يمكن أن تكون قد أفلتت مني السافلة الملعونة، هل يعقل هذا؟! بعد كل سنين الانتظار و البحث ينتهي الأمر هكذا؟! عاودت الصراخ و أنا أحطم الأكواب و الطاولة الزجاجية أمامي..كلا! كلا!
رن الهاتف الخليوي و أنا جاث على ركبتي مذهولا، أجبت..عملية جديدة، سيأتيك ملف الهدف غدا. سألت بآليتي المعتادة و دمعة تسيل على خدي..كم ستدفعون؟
تمت



#جمال_الدين_أحمد_عزام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كان لي صديق
- رائحة الليل
- المأوى
- تي
- الجلاد
- فستان الزفاف
- العصفور الأحمر
- ثورة يناير و نظرية الفوضى 1
- ثورة يناير و نظرية الفوضى 2
- وفاء
- رؤية
- زاد الرحلة
- الفنار
- الثورة و الثورية و الثوار


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال الدين أحمد عزام - العقاب