أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المعقد للإنسان















المزيد.....

ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المعقد للإنسان


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4002 - 2013 / 2 / 13 - 08:55
المحور: الادب والفن
    



انطلاقاً من رغبة كامنة ودائمة في التجديد وتجاوز التقاليد الجمالية يتجه مسرح ألفونصو باييخو نحو تجاوز الواقعية من خلال كتابة تتحلى بالاستبطان التحليلي والتحليل النفسي. ومن هذا المنطلق فإنه يغوص في أعماق النفس البشرية مسلحاً بفنه وكونه أستاذاً للطب، في محاولة لترجمة وحدة الإنسان على خشبة المسرح، من خلال بنية متعددة الألوان تعود في أساسها إلى كونه رساماً. وهذه الخواص التي تتمتع بها أعمال هذا الكاتب المسرحي والشاعر والمصور وإخصائي علم النفس وجراحة الأعصاب جعلتها تأخذ طريقها إلى خشبة المسرح في دول عدة، منها ألمانيا وإيطاليا وإنجلترا وبولندا والولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول أمريكا اللاتينية الناطقة بالإسبانية.
وقبل الولوج في دنيا هذا المسرحي الإسباني يجب الإشارة إلى أن مواهبه الفنية لا تقتصر على المسرح، كتابةً وإخراجاً، بل تمتد لتشمل كتابة الشعر والتصوير الزيتي وتدريس الطب، إذ يعمل أستاذاً لعلم الأمراض في جامعة مدريد كومبلوتنسي منذ أن حصل على الأطروحة عام 1966. حاز جوائز عدة عن أعماله، من بينها جائزة تيرسو دي موليناTirso de Molina ولوبي دي بيغاLope de Vega ومجمع اللغة الملكي. وكلها مواهب صبت في نهاية الأمر في أعماله المسرحية، إذا مكنته من سبر أغوار النفس البشرية والوقوف على نواقصها وانكساراتها، إضافة إلى كونه أندلسياً، من إقليم الأندلس، وهو الإقليم الذي تميز سكانه بالقدرة على التحليل وسعة المخيلة وذاكرة قوية. كل هذه الملاحظات يلتقطها متلقي هذا نتاجه المسرحي.
صدرت في القاهرة ترجمة لثلاث مسرحيات للكاتب الإسباني ألفونصو باييخو، Alfonso Vallejo، وهي: "مونولوج لستة أصوات صامتة"، "النغمات السفلى" و"على المكشوف". وهذه أول مرة يترجم فيها إلى اللغة العربية. وكانت أعماله قد ترجمت من قبل إلى الإنجليزية والألمانية والبولندية والمجرية.
واللغة، الكلمة، هي جوهر مسرح ألفونصو باييخو، أعني هنا الكلمة الشعرية والمباشرة، مختلطة بالفكاهة اللاذعة أحياناً، والصور التي تنم في أحيان أخرى عن مهنته كطبيب متخصص في تدريس علم الأمراض والنفس والأعصاب، إضافة إلى احترافه التصوير الزيتي والشعر. وأعماله في مجملها ينسج بينها خيط يشدها عبر رحلة إلى مكان غير محدد، لا يخرج هدفها عن كونها طريقة للهروب من المجتمع. وإلى جانب هذا هناك خط لوذعي يشد مسرحياته، يحمل المتلقي إلى غياهب المشكلات الإنسانية بشكل حديث وعصري في لغته المسرحية وفلسفته الجمالية.
إلا أن هذه الروح اللوذعية تسيطر على تصرفاته في المؤتمرات والندوات المسرحية، وهو ما لفت انتباهي لشخصيته عندما تعرفت إليه في ندوة عن المسرح على هامش معرض الكتاب المسرحي في مدريد، منذ سنوات، قبل عودتي الميمونة إلى أرض الكنانة. يومها شعرت بنبرة وحدانية وخروج على الجماعة، تحليق خارج السرب، الأمر الذي أدى إلى شعور لديه بالإهمال والتهميش. ويعترف الكاتب بأنه "وحداني ومستقل، لا ينتمي إلى أي مجموعة فنية أو أدبية" (1) .
ويؤكد الناقد والمعهدي المعروف ثيسار أوليبا على أن مسرح ألفونصو باييخو يدعو إلى تخطي الواقعية، دون أن يعني هذا أن أعماله تتصل بكتابات أخرى سابقة عليه، فهو "مؤلف-جزيرة"، الأمر الذي لا يقتصر في قلة علاقاته الإنسانية فقط بل يمتد ليشمل العلاقات الأسلوبية مع المسرح الإسباني المعاصر .
والمقترب من شخصه، وبالتالي مسرحه، يدرك أنه شخصية مصمتة، صامتة، متأملة، ويخيل إلى المتلقي أنه أمام طبيب يمسك بمبضع بصري ينفذ إلى روحه فيشخص ما بداخله عبر نظرة صارمة، صادرة عن إنسان من أهل الشمال، وليس من الجنوب. إنها الفردية الصامتة والمتأملة التي لا تنكسر أمام أي ظرف، فردية صلبة، تعلوها قسوة تنعكس على أعماله المسرحية، التي تتقاطعها الرؤية والرؤيا، بمعناهما المادي والفلسفي.
ورغم أن ألفونصو باييخو بدأ كتابة المسرح مبكراً، إذ نشر أول مسرحية له عام 1966، فإنه لم يشتهر سوى في النصف الثاني من السبعينات، أي مع بداية المرحلة الانتقالية في الحياة السياسية الإسبانية وعودة البلاد إلى المسيرة الديمقراطية على إثر وفاة طاغية إسبانيا، الجنرال فرانكو.
وكان قد اكتسب شهرة واسعة خارج إسبانيا قبل أن ينال هذه الشهرة في بلده، إسبانيا، إذ وصل إلى ذروتها مع فوزه بعدة جوائز، خاصة مع عرض مسرحية "الصفر الشفاف" سنة 1980. في هذه المسرحية يقوم الأبطال برحلة إلى كيو حيث ينتظرون أن يعثروا على السلام والسعادة، إلا أن كيو ليست سوى وهم. فالقطار الذي يتجه في الظاهر نحو جنة يتحول شيئاً فشيئاً إلى مستشفى مجانين لا يختلف كثيراً عن سجن. في هذا القطار، الشبح، هناك شخوص مرضى وتعساء، يجرون ماضياً مأساوياً بينما يضطرون إلى عيش لحظات في الحاضر قائمة على الغم والوحدة، ومواجهة عنف وقسوة الأطباء والعاملين في السكك الحديدية. وتنتهي الرحلة بكارثة تحيل إلى تقليد يعود إلى العصور الوسطى، هي سفينة المجانين. ولم ينجُ من الكارثة سوى شاعر ضرير وامرأة ترمز إلى الجمال والحب.
تتمثل أهم ميزة لمسرح ألفونصو باييخو في الشخص كحالة فردية، يتماثل مع الإنسان، الأمر الذي يوهم المتلقي بأنه أمام مسرح إكلينيكي، إلا أن هذا لا يحدث رغم الحضور الملحوظ للمجانين والمنتحرين في مسرح هذا الكاتب الإسباني، وهو ما نراه في مسرحية "مونولوج لستة أصوات صامتة"، إذ يعاني الشخوص من انفصام نفسي. والشخوص في مسرحه يشعرون بأنهم عاجزون وكثيرون منهم لا يجدون مخرجاً غير الانتحار.
ويضاف إلى هذا تميز مسرح ألفونصو باييخو بالعالمية في هوية شخوصه جغرافيته، إذ تتعايش أسماء تنتمي إلى ثقافات مختلفة: ألمانية، إسبانية، فرنسية، سلافية، بينما تجري الأحداث في مكان غير محدد جغرافياً، أي ينتمي إلى كافة أرجاء المعمورة دون إشارة إلى مكان محدد. وعليه فإن الواقع يتحول إلى كابوس، والرؤية الحلمية تصبح واقعاً.
ومع حلول الثمانينات تتعقد رؤية ألفونصو باييخو للعالم، ويظل الإنسان محوراً لأعماله، محور البحث والرصد في مسرحه. غير أن هذه الخاصية ميزت المسرح الإسباني بصفة عامة في الثمانينات مع بدء مرحلة جديدة من الحياة السياسية والاجتماعية في إسبانيا، بعد أربعين عاماً من الحكم الفردي على يد الجنرال المتسلط فرانكو. وكان قد ولد في عام 1943، أي أنه عاش مرحلة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) بشظفها ونظام جثم على أنفاس الشعب طوال أربعين عاماً. وأمام هذا الوضع السياسي الغريب شعر ألفونصو باييخو برغبة في الكتابة وهو لا يزال في سن المراهقة، فاستخدم دراسته للطب وموهبته في البحث في الواقع المعقد للإنسان.
غير أن وطنه، إسبانيا، تأخر في الاعتراف بهذا الكاتب الموهوب، إذ لم ينل شهرة واسعة حتى مطلع الثمانينات، بعد أن كان قد حقق نجاحات واسعة في الخارج، خاصة في لندن في منتصف السبعينات، بينما استعصت عليه مسارح إسبانيا، ولم تمنحه سوى مساحات متفرقة على خشباتها. وكان الكاتب قد لجأ في بداياته الفنية إلى أسلوب يكسب به جمهوراً خاصاً لمسرحياته، إذ كان يرسل أعماله إلى النقاد والعاملين في مجال المسرح، ولم يبخلوا بدورهم في تقديم المشورة له (3). ومن ناحية أخرى قرر ترجمة أعماله إلى الإنجليزية، الأمر الذي حمله إلى متلقي هذه اللغة وعرض بعض أعماله على مسارح لندن ونيويورك، قبل أن تعرضها مسارح مدريد أو برشلونة.
المتابع لمسرح ألفونصو باييخو يدرك أن المؤلف لم يقتصر في مجمل أعماله على صيغة واحدة، بل إنه في كل عمل يبدي رغبة جلية في البحث في لغة درامية مختلفة عن العمل السابق. وأمام الجمالية الواقعية التي سادت في فترة ما بعد الحرب لجأ الكاتب إلى الطليعية، وهو ما يتجلى في مسرحية "على المكشوف" إذ يجمع بين الحوار العبثي والفكاهة تحت ظلال الآخرة، إلى جانب التمرد الميتافيزيقي ما يذكرنا بألبير كامي وعالم الأحلام الخاص بالسريالية. ويرغب ألفونصو باييخو من وراء هذه التقنية أن يكون له صدى في روح المشاهدين. ويتجلى هذا في إرشادة في مسرحية "على المكشوف" مفادها أن الشخوص يعيشون في الجحيم دون أن يدركوا ذلك. كما يدرك المتلقي أن مسرح ألفونصو باييخو تتجلى فيه قناعة مرة لدى المؤلف بأننا نعيش في عالم سيء في بنائه، ينتفي الحياة، أي في واقع متناقض ومحزن. وهذا لا ينتقص شيئاً من مهارة المؤلف في التجريب والجمع بين عناصر متناقضة.
د. خالد سالم

(1) Lola Santa –Cruz, ¨ Alfonso Vallejo. Teatro para hambrientos¨, El Público, (9 de junio, 1984) 26.
(2) César Oliva, El teatro desde 1936, p. 450.
(3) Agustín Sánchez Aguilar, ¨El cero transparente de Alfonso Vallejo¨, en Teatro y democracia en España, p.89.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصر أبو زيد الغائب الحاضر وتجار الشنطة الجدد
- شعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورفائيل ألبرتي: إلتقاء وإل ...
- هوية مصر العربية بين أصالة الصفر واستلاب -الزيرو-
- إطلالة على الحضور العربي في شعر رفائيل ألبرتي
- قصة ابن السرّاج نموذج للأدب الموريسكي في إسبانيا
- حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السي ...
- مسرحية -رأس الشيطان- نموذجًا للتعايش في الأندلس العربية تأمل ...
- لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال ...
- كنت شاهدًا على التجربة الإسبانية في المرحلة الإنتقالية
- كان ياما كان


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المعقد للإنسان