أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمّد نجيب وهيبي - حول اغتيال شكري بالعيد وانعكاساته السياسيّة على تونس















المزيد.....


حول اغتيال شكري بالعيد وانعكاساته السياسيّة على تونس


محمّد نجيب وهيبي

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 15:22
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


حول اغتيال شكري بالعيد وانعكاساته السياسيّة على تونس

لان تظلّ عمليّة اغتيال شكري بالعيد غامضة ، الّا انّ الواضح انّ كل الطيف السياسي التونسي صدمته العمليّة وهي الولى من نوعها في تاريخ تونس الحديث ، حيث يستعمل الرصّاص وبشكل منسّق وبعد عمليّات متابعة ومراقبة (كما "صرّح محمّد جمور" نقلا عن شكري بالعيد الذي اعلمه قبل يوم بانّه تحت المراقبة التي اعتقدها امنيّة ) وتربّص لاغتيال زعيم سياسي تونسي . فجاءت كلّ التصريحات محمّلة بالغضب والدهشة واشتركت كلّها في اعتبار العمليّة ارهابا يهدّد كلّ تونس ومن ضمن تلك التصريحات الكلمات الاولى لرئيس الحكومة حمّادي الجبالي .

ويبدو انّ اغتيال شكري بالعيد ياتي في ظلّ ازمة سياسيّة اطلّت على الحكومة التونسيّة ، وحتى على حركة النهضة ، حيث احتدم الصّراع بين شقيّها المتزمّت(مجلس الشورى) والمعتدل ( الحكومة ) .

كما تصاعدت وتيرة التهديدات بالاعتداء وبالعنف السياسي من قبل رابطات حماية الثورة بتركيبتها الخليطة بين ميليشيّات النهضة والسلفيّة المتشدّدة أمام صمت مريب من قبل وزارة الداخليّة ومساندة سياسية من قبل حركة النهضة وخاصّة شقّها المتطرّف ( مجلس الشورى بقيادة راشد الغنوشي) .

كما تأتي هذه العمليّة في موقف اقليمي ساخن على الحدود الجزائريّة الماليّة ، الى جانب دخول مجموعات من الارهابيين والاسلحة الى تونس من الحدود الجزائريّة ، وهو ما يجعل أمر تحدي من وراء العمليّة صعبا وتتداخل فيه العديد من المعطيات ولكنّ الواضح ومن خلال طريقة الاغتيال انّها محاولة لدفع الاوضاع في تونس الى الانفجار والى الدخول في دوّامة من العنف بهدف ضرب الاستقرار النسبي في تونس واعادة خلط الاوراق ، ومن المرجّح ان تتقابل أكثر من جهة للمشاركة في هذه العمليّة بشكل مباشر او غير مباشر ، قد تكون للقاعدة ببلاد المغرب اليد الطولى فيها ، تحت صمت جزائري ونهضوي .

ويبدوا من الواضح انّ الخاسر الاكبر من هذه العمليّة هو حكومة السيّد الجبالي داخليّا وهو الذي يسعى الى ايجاد الاستقرار وتجميع الساسة حول حكومته التي يسعى الى تغيير عناصرها المحسوبة على التيّار المتشدّد في حركته ، وفرنسا خارجيّا وهي التي لا تريد تفجير الاوضاع في تونس خاصّة وهي مورّطة في المستنقع المالي ، ورغم كلّ هذا وذاك تظلّ تونس وثورتها أكبر الخاسرين في هذا الاغتيال
المسؤولين المفترضين عن اغتيال شكري بالعيد :

1- احد المتطرّفين : تحرّك بشكل فردي

لقد نشطت العديد من المجموعات السلفيّة ومشائخها في الفترة الأخيرة عبر الدعوة الصريحة إلى إهدار دم شكري بالعيد اعتمادا على قاعدة كونه ملحد شيوعي ومرتدّ ، وقد صدرت فتاوى تضعه ضمن قائمة أعداء الإسلام وتطالب برأسه وقد وهو ما يمكنان يدفع أحد المغامرين الى تنفيذ إحدى الفتاوي طلبا للنجاة في الأخيرة ،و نشط في المقابل شكري بالعيد بوصفه مناهضا شرسا لهذه المجموعات وذلك في كلّ تصريحاته .
ولكنّ التخطيط الدقيق للعمليّة والاحترافيّة العالية في تنفيذها تفنّدان نظرية المغامرة وتسقطان هذا الرأي الاوّل .


2- السلفيّة الوهابيّة والقوى المتطرّفة : لماذا هذه الفرضيّة ؟
ترتكز هذه الفرضيّة على قاعدة كون منفذي العمليّة ينتمون للتيّار الاسلامي المتشدّد و لنفس الاسباب المذكورة سابقا ، تظهر هذه الفرضيّة بقوّة ، خاصّة وانّ شكري بالعيد في الآونة الأخير نشط بشدّة ضد التطرّف الاسلامي ، وضدّ رابطات حماية الثورة وهو الرجل الثاني في الجبهة الشعبيّة بعد حمّة الهمّامي ، وقدّ صرّح مرارا عن تملّكه لمعلومات تؤكّد وجود مخطّطات للاغتيال السياسي بتونس .
ولكنّها تظلّ فرضيّة ضعيفة لسببين : الاوّل انّ قوى الاسلام السياسي لا تتحرّك عشوائيّا خاصّة في دولة تحكمها قوّة اسلاميّة والثاني انّ القوى الاسلاميّة المتطرّفة لا يمكن لها ان تتحرّك بحريّة في دولة تعتبر جهازها الأمني ومخابراتها الداخليّة من أقوى الأجهزة الأمنيّة في المنطقة بالاضافة الى تركيز العديد من المخابرات الأجنبيّة أنظارها على تونس في المرحلة الرّاهنة ، ونظرا لرمزيّة ومكانة شكري بالعيد في السّاحة السياسيّة الوطنيّة يكون من الصّعب تنفيذ منثل هذه العمليّة الاجراميّة بكلّ بساطة .


3- من له المصلحة في عمليّة الاغتيال ؟

انّ تنفيذ عمليّة بهذا الحجم وبهذه الدقّة يفترض تظافر جهود عدّة جهات ، بما يعنيه ذلك من التقاء مصالحها ولو ظرفيّا ن ويمكن بهذا الصّدد الجزم بانّّ للعمليّة بعدا مخابراتيّا دوليّا واقليميّا ومحليّا لا يمكن اغفاله .
ولئن كانت فرنسا وهي اللّاعب الاستخبراتي الأساسي في تونس تسعى منذ مدّة ، وخاصّة مع الرفض الصريح للخارجيّة التونسيّة لتدخّلها في مالي ، الى اعاقة حركة النهضة ووضعها في الزاوية ومحاصرتها سياسيّا ، ألا انّ سياستها العامّة ترفض شكل الاغتيال السياسي وتخيّّر عليه التغيير الهادئ والضغط المرن ، وخاصّة لمّا يتعلّق الأمر بشخصيّة علمانيّة صريحة مثل شكري بالعيد ،هذا الى جانب كون فرنسا تخوض حربا مفتوحة في مالي تشبه المستنقع الافغاني وهي في هاذا بحاجة الى قواعد جيوستراتيجيّة مستقّرة في المنطقة يمكنها ان تركن اليها واهمّها تونس وذلك بهدف تحقيق هدفين : يتمثّل الاوّل في توفير الدعم اللوجستي لتحرّكها العسكري ، والثاني يتمثّل في الضغط على الجزائر او على الأقلّ اسقاط حجّتها المتثّلة في خطر الارهاب الداخلي عبر دعم تأمين حدودها الشرقيّة مع تونس من قبل جيش وحكومة تونسيّة مستقرّة .
ومن هذا يتّضح انّ مصلحة فرنسا المباشرة لا تلتقي مع مصلحة قتلة بالعيد ، او بشكل اوضح لا مصلحة للمخابرات الفرنسيّة في التخطيط لقتله ، ولكنّ احتمال صمت فرنسا او سوء تقديرها للموقف او استغلالها لمعلومات استخبراتيّة بشأنه يظلّّ واردا وهذا ما سنتطرّق له في الخلاصة .
ويكون اللّاعب الإقليمي الاستراتيجي الثّاني في تونس هو دولة الجزائر ،التي وان ظهرت محايدة فانّها تعادي ومنذ البداية وبشكل كبير حكومة حركة النهضة الاسلاميّة ، بوصفها عميلا متقدّما للمخابرات الأمريكيّة والفرنسيّة اللتان تستهدفان النظام الجزائري من ناحية ، ومن ناحية اخرى لموقف حكومة النهضة المعادي لبشّار الاسد .



لماذا هذا العداء ؟

انّ الجزائر تسعى منذ مدّة للعب دور الريادة الاقليميّة في المنطقة وهي في هذا تفرض شروطها على علقوى الغربيّة ولكن مع سقوط الأنظمة الصديقة لها في المنطقة وجدت نفسها في مواجهة لا قبل لها ، وفرض عليها المستنقع المالي في حدوها الجنوبيّة لتكون حليفا مع فرنسا وهي العدوّ الوّل لحلفائها الخلفيين في تنظيم القاعدة الذين تستغلّهم لتامين موقعها الدولي ، كما انّ للجزائر مصلحة في زعزعة الاستقرار في تونس لتتملّص من التزاماتها تجاه فرنسا من حرب مالي ، ولتجد لنفسها متنفّسا جيوستراتيجيا في ما يتعلّق بالجماعات الارهابيّة مثل أنصار الشريعة والقاعدة خارج حدودها عبر دفعهم الى تونس ، كما انّ الجزائر تعتقد انّ تونس خانتها وخانت خيار دول المغرب العربي لمّا دعت الى اسقاط نظام الأسد ودعمت الجيش الحرّ .
ولكنّ واقع الحال يقول بانّ الجزائر لا يمكن لها ان تتّخذ موقف سياسيّا اقليميّا بهذه الخطورة ، لما يمكن ان ينعكس عليها بوبال فيما يتعلّّق بحدودها الشرقيّة ، ولكنّ وجودها الاستخبراتي الواسع ف تونس يضعها في موقف العالم بالامور قبل حدوثها .
امّا محليّا فيمكن القول انّ حركة النهضة ومن خلفها حركة الاخوان المسلمين هي اللّاعب الأساسي وبامتياز في كلذ المسار السياسي التونسي .
وحركة النهضة تنقسم منذ ما قبل التحوير الوزاري المزعوم الى شقيّن معلومين للجميع وهما : شق المتطرّفين بقيادة راشد الغنوشي والّصادق شورو ، وشق المعتدلين او الشقّ الحكومي بقيادة حمّّادي الجبالي وعبد الفتاح مورو وسمير ديلو ، وقد بدأت الخلافات بين الشقّين بالظهور منذ ما يقارب السنة الى ان توّجت بقرار الجبالي اجراء تحوير وزاري واقالة مستشار الحكومة وهو محسوب على الغنّوشي ووزير الخارجيّة وهو صهر الغنّوشي ، كما يتوجّه الجبالي الى فرض حلّ رابطات حماية الثورة " ميليشّات حركة النهضة " ... الخ وعموما فانّ الجبالي يسعى الى الايفاء بتعهّداته الدوليّة تجاه الأمريكان خاصّة في الحفاظ على السلم الأهلية وحماية الحرّيات العامّة بينما يسعى الغنّوشي وشقّه الى فرض الأمر الواقع وانتهاج سياسة الازدواج في الخطاب الى جانب استمالة التيّارات السلفيّة والمتطرّفة خدمة لمشروعه ( وقد قال يوما على الشباب السلفي بانّهم ضمير الثورة وانّهم يذكّرونه بشبابه ) وكان الغنوشي اليوم 06 فيفري 2013 اوّل من تحدّث على قناة الجزيرة عن السياسة بعد فجيعة الجريمة الفضيعة التي تعرّض لها بالعيد وطالب بالغاء التغيير الوزاير .
كلّ الأحداث التي مرّت بها حركة في الحكومة وداخليّا وخاصّة بعد انبا عن استقالة اوّل عضو من كتلتها النيابيّة بالتأسيسي وهي قد اتّهمت الغنّوشي بعدم الوضوح ، تشير انّ الشقّ المتطرّف في حركة النهضة كانت له اليد الطولى في عمليّة اغتيال شكري بالعيد او تسهيلها او اغماض العين عنها على اقلّ تقدير ، بهدف القضاء على عدوّ سياسي شرس من ناحية ، واحراج حكومة الجبالي من ناحية أخرى وادخال البلد في حلة من الارباك تستحيل معها اجراء التغيير الوزاري .

4- تلاقي المصالح

وللخلاصة يمكن القول انّ عمليّة اغتيال شكري بالعيد يلزمها الكثير من البحث والتحقيق لمعرفة خفاياها ، فهي كما يبدو عمليّة استخبراتيّة بامتياز تقاطعت فيها العديد من المصالح و تقابلت فيها العديد من الجهات المحليّة والإقليمية والدوليّة ، ويمكن القول انّ المخابرات الفرنسّيّة ومخابرات غربيّة اخرى كانت على العلم بالامر رغم تحفّظها عليه ربما ، وهذا ما يؤكّده سرعة خطاب فرنسوا هولند ( نسف ساعة بعد الحادثة ) والتغطية المستمرة لحظة بلحظة ومنذ الدقائق الأولى لقناة فرنسا 24 ، هذا الى جانب معرفة القتيل بكونه مراقبا وحديثه عن عصر الاغتيالات السياسيّة الذي سيفتح في حواره التلفزي قبل ليلة مقتله ، الى جانب التسريبات الأمنية السّابقة بوجود قائمات اعدّت للاغتيالات ... وغيرها من المؤشّرات ، ولكن يبدوا ان المخابرات الفرنسيّة أخفقت في تقدير الموقف ، او ربّما قد تكون قد نجحت في اختيار الصمت الايجابي تجاه مصالحه .
امّا بالنسبة لحركة النهضة بشقيّها فيبدوا أنها الخاسر الأساسي في هذه العمليّة ،ففي حين كانت خيارات الشقّ السلفي بقيادة راشد الغنوّشي الداعمة للسلفيّة الجهاديّة لتضعها هي الأقرب لتكون العارفة بخفايا عمليّة الاغتيال او على اقلّ تقدير للقائمين بها او لاعتزامهم القيام بها وهو ما تؤكده شراسة رموز حركة النهضة تجاه شكري بالعيد ، وتصريحاته ، ولهاذا يمكن الاستنتاج أن راشد الغنوشي قد قام بعمليّة صمت سلبي تجاه عمليّة اغتيال بالعيد ، وذلك بهدف الضغط على حكومة الجبالي وإحراجها من اجل التراجع على التغير الوزاري الذي يستهدف أصهار الغنوشي وجماعته ، ولكن يبدوا انّ خيارهم كان خاطئا خاصّة بعد ان قرّر الجبالي بشكل مفاجئ حرق كلّ ألمراكب واغراق الجميع بمن فيهم هو في شخصه وحيث قرّر في خطابه إقالة الحكومة كاملة ، وتعويضها بحكومة تكنوقراط مستقلّة وهو ردّ قاسي من الجبالي على راشد الغنّوشي . ولئن كانت خيارات الجبالي رافضة لمثل هذا العنف السياسي الذي يصل الى حدّ الاغتيال ولكن يبدوا انّ الجبالي ووزارته صدموا بالحدث وفهموا انّهم المستهدفون المباشرون من التوابع السياسية لعمليّة الاغتيال ، وهو ما دفعهم الى سرعة إعلان الدعوة إلى تشكيل حكومة تكونقراط مستقلّّة وقد اكّد الجبالي في خطابه بشكل متعمّد على انّه لم يستشر أحدا في خياره حتى من أحزاب الترويكا والحزب الحاكم في إشارة للغنّوشي
ومن خلال المؤشّرات الاوليّة يبدوا ناّ الجبش لا يريد التدخّل بشكل مباشر في الأوضاع الداخليّة وهي طبيعة لصيقة بالمؤسّسة العسكريّة التونسيّة منذ عقود وخاصّة بعد أن أضعفها بن علي من ناحية ، ومن الناحية الاخرى تبدوا القوى الأخرى الفاعلة في السّاحة السياسيّة غير قادرة على ، إدارة الدولة بمفردها وهذه الاحتماليّة ترجّح بشدّة امكانيّة استقرار الأوضاع بتونس بعد تصريح الجبالي الداعي الى تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلّة وهو ما يستجيب لمقترحات أغلب الاحزاب المعارضة بتونس ، ويبدوا انّ هذا الطرّح يمكن ان بعتبر خارطة طريق لانقاذ الانتقال الديمقراطي بما يضمن تقزيم حركة النهضة ( خاصّة شقّها المتشدّد برئاسة الغنّوشي ) ويعطي للجبالي ( أمين عام الحركة ) دور البطولة التاريخيّة ويومكذنه من الايفاء بتعهّداته الدوليّة ازاء أمريكا اساسا في آن واحد ، شريطة ان لا يتعرَّ ض لسوء او لمحاولة اغتيال سياسي من قبل حركته او حقيقي من قبل أي كان في الأثناء .


التداعيات السياسية لاغتيال شكري بالعيد

بعد حادثة اغتيال شكري بالعيد ،وما صاحبها من حملة احتجاجات واستياء دولي ورسمي من مختلف الأحزاب والتيارات حتى الإسلامية منها ،مثلما رافقتها حملة من المظاهرات والمواجهات بين قوّات الأمن والشباب التونسي الغاضب ،وصلت أحيانا الى حرق مقرّات حركة النهضة واقتحام مقار امنية ورسمية في عدّة مناطق من الجمهوريّة التونسيّة ، وذلك على خلفيّة توجيه اصبع الاتّهام الأساسي لحركة النهضة والسلطة في السّماح بعمليّة اغتيال شكري بالعيد مثلما ذكرنا سابقا .
بعد كلّ هذه الأحداث يظلّ الأبرز بينها تصريح السيّد حمّادي الجبالي رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة باعتزامه تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلّة عن كلّ الاحزاب بما فيها حزبه ،وهو الامر الذي مثّل مفاجئة سياسيّة لكلّ الطيف الحزبي التونسي ،خاصّة وانّ امين عام حركة النهضة لم يتشاور مع حزبه ومع رئيس الحركة السيّد راشد الغنّوشي ضاربا بكلّ رمزيته عرض الحائط .
حركة النهضة تصدّعت أخيرا
ظهرت التورتّرات داخل حركة النهضة بين شقيّها المتطرّف بقيادة راشد الغنّوشي والمعتدل بقيادة حمّأدي الجبالي منذ مدّة وتصاعد في فترة رفض راشد الغنوشي للمشاركة في الحوار الوطني الذي دعى له اتّحاد الشغل بالاضافة الى تدخّله المباشر في عمليّة التعيينات الحكوميّة ،وتمسّكه بوجود أصهاره في مواقع القرار رغم أخطائهم السياسيّة وفضائحهم الماليّة والأخلاقية ( خاصّة وزير الخارجيّة رفيق عبد السّلام) ، ولكنّ البنية العقديّة الثابتة لحركة الاخوان عموما ولحركة النهضة بصفة خاصّة الى جانب الرمزيّة التاريخيّة والدينية للشيخ راشد مكذنت الحركة من المحافظة على وحدتها في عدّة أزمات وذلك رغم رواج أخبار عن صراعات حادّ ةداخل مجلس الشورى بين الامانة العامّة ورئاسة الحركة .
وقد جائت فاجعة اغتيال شكري بالعيد بما حملته من رسائل تهدذد بتفجير الاوضاع بشدة في تونس ، لتحرّر حمّادي الجبالي من رمزيّة شيخ الحركة وخطه المتشدّد ليعلن صراحة عن انقسام حركة النهضة وانهيار وحدتها العقدية الثابتة وذلك اعلانه عن اعتزامه تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلّة ،ممّأ أربك الحركة فكانت تصريحات قياداتها الوسطى والعليا غير واضحة ومتذبذبة بين رافض لهذا التمشّي وبين مساند له خاصّة ان الغنوشي عبّر صراحة عن عدم قبول الحركة بهذا القرار .
ولقد سعت حركة النهضة ممثذلة في شقّها المتشدّد الى حشد انصارها في شارع الحبيب بورقيبة لرفض القرار والردّ على مليونيّة تشييع جثمان الشهيد شكري بالعيد فكانت مسيرتها بتاريخ السبت 09/02/2013 محتشمة العدد رغم استنجادهم بالسلفيين وبمختلف التيّارات الاسلاميّة الاخرى ، ممّا يؤكّد انّ لحمّاد الجبالي رمزيته داخل الحركة وانصاره الذين يساندون قراره
وممّا يبدو ان هياكل حركة النهضة خاصّة الوسطى وتلك التي في الجهات تتّجه الى مساندة قرار رئيس الحكومة تجنّبا لما يمكن ان يصيب تونس من احتقان قد يؤدّي بنا الى أوضاع دمويّة ، خاصّة وانّ شعبيّة الحركة تدنّت كثيرا في الجهات الداخليّة حيث اصبح النّاس يعبّرون صراحة عن كرههم للنهضة ،كما قاموا بحرق مقرّاتها وتهديد القائمين عليها بالقصاص منهم .
وهذا الوضع يسهّل مهمّة الجبالي وهو ما دفعه الى التأكيد على التمسّك بقراره في خطاب يوم الجمعة 08/02/2013 وفي حواره التلفزي الحصري مع قناة فرنسا 24 لليلة السبت 09/02/2013.

اجهزة الدولة تساند قرار الجبالي .

المقصود باجهزة الدولة هو تلك الاجهزة البيروقراطية التي تنفّذ القرارا السياسيّة للحكومة واهمّها الادارة والشرطة والجيش .
ولئن كان الجيش التونسي ومنذ الانطلاقة محايدا ولا يتدخّل الا فيم ندر ، فانّه كان دائما الى جانب السلطة الرسميّة بحذر والى جانب الاستقرار وتطبيق القانون وهو نفس الموقف الذي عبرّ عنه هذه المرّة الا وهو استعداده لمساندة رئاسة الحكومة من اجل ضمان الاستقرار وحفظ الارواح والمنشآت الخاصّة والعامّة دون ان يتدخّل بشكل مباشر في الشأن السياسي ، ولكنّ هذا لا ينفي ان المؤسّسة العسكريّة التونسيّة وجّهت تحذيرا رسميّا وضمنيّا لبعض القيادات الأمنيّة وللتيّار السلفي ولميليشيات الحركة الاسلاميّة بانّها ستتدخّل كلّما لزم الأمر لردعهم ضمانا لاستقرار سلطة الدولة .
امّا الجهاز الأمني فانّه ورغم التعيينات الأخيرة التي قام بها رئيس حركة النهضة على راسه ورغم حملة الاقالات لبعض القيادات الأمنيّة القديمة ، الا انّه في عمومه لا يزال محافظا على وحدته وتماسكه وانضباطيّته العاليّة رغم بعض الانفلاتات هنا وهناك ، وهو على ما بدوا ومن خلال تصريحات نقابات الامن ينحى منحى الاستقلاليّة مع رفضه المعلن لتحزيب وزارات السيادة ومنها وزاة الداخليّة وهم في هذا مساندون لقرار السيّد رئيس الوزراء .

الترويكا تنهار

رفض حزب المؤتمر المقترح اساسا وتمسّك بوزاراته ، ولكنّ ضعف السياسي وانعزاله لن يمكّنه من الثّبات والمواجهة ، وقد خرج علينا امينه العام يوم السبت 09/02/2013 وبعد ارتباك ،بقرار مفاده انّ المؤتمر سيحب وزرائه ان لم يتراجع الجبالي ،وهم في هذا يخدمون مقترح الجبالي ويسهّلون مهمّته في حلّ الحكومة من الزاوية القانونيّة .
وامّا التكتّل فانّه وفي النهاية قد قبل بالمقترح على مضض .

احزاب المعارضة الديمقراطيّة تسعى الى تحسين شروط التفاوض

لقد أربك قرار الجبالي أحزاب المعارضة الديمقراطيّة في البداية ، ولكنّها في مرحلة ثانية رحّبت به جميعها وعبرّت عن قبولها به بشكل مبداي مع السعي الى فرض شروطها وتعديله كلّ بما يخدم مصلحته وتصوّره .
فالبنسبة للحزب الجمهوري عبّرت قياداته عن ترحيبها بمبادرة الجبالي دون تحفّظات كبرى الا في ما يتعلٌّق بضرورة الاتّفاق حول برنامج عمل هذه الحكومة وتوسيع النّقاش حولها من خلال العودة للحوار الوطني وهو نفس الموقف تقريبا للاتّحاد العام التونسي للشغل ولحزب المسار ، وهم يرون انّ لحمّادي الجبالي القدرة على النهوض بالمرحلة الانتقاليّة الثانيّة ولجم سطوة راشد الغنّوشي شقّ النهضة المتشدّد .
وامّا نداء تونس فانّه وان ثمّن المبادرة من حيث المبدا ، فانّه يرفع سقف المطالب الى ضرورة حلّ المجلس التأسيسي وهي خطوة يسعى من خلالها الى اسقاط كلّ غطاء الشرعيّة عن احزاب الترويكا وحتى عن بقيّة الأحزاب الاخرى ليعيد نفسه الى التنافس السياسي والنضالي من الباب الواسع وذلك عبر خلط كلّ الأوراق من اجل اسقاط مسالة بقايا النظام والأزلام التي لصقت به .
وفيما يتعلّق بأحزاب الجبهة وهي أحزاب اليسار الأكثر راديكاليّة فانّها ثمّنت المبادرة وقبلت بها بشروط من بينها الاتّفاق على تصوّر واضح ومفصّل لعمل حكومة التكنوقراط ، ولكلّ المرحلة المقبلة تحت عنون برنامج مواجهة الأزمة ، وفي هذا الصّدد يسعى حزب العمّال ( المكوّن الأساسي للجبهة ) الى فرض شراكة سياسيّة تضمن لهم موقعا متقدّما في العمليّة السياسيّة ، وذك من خلال إضعاف حمّادي الجبالي وعزله أكثر فأكثر عن حركة النهضة ودفعه الى خوض معركة حاسمة مع رئيسها ولما لا ان ينفصل عنها كليّا بأن يستقيل من الامانة العامّة للحركة .

الخلاصة : فرصة تاريخيّة لانقاذ الانتقال الديمقراطي بتونس

ومهما يكن من أمر كلّ هذه النقاشات ومن الجدا القانوني يبدوا انّ الجميع ورغم تحفّضاتهم مجمعون على أهميّة قرار الجبالي وعلى كونه المسمار الأخير الذي دقّ في نعش الترويكا الحاكمة وانهى وحدتها وتمسّكها بالسلطة ، كما يبدوا انّ الجميع وان لم تكن لهم رؤية واضح لمرحلة ما بعد الترويكا الاّ انّهم ينضرون الى مبادرة الجبالي بشيئ من الاحترام والأمل في تغيير الأوضاع وانجاح العليّة الديمقراطيّة ، وهو ما يعطي دفعة قويّة للجبالي ومقترحه ويجعله أقرب الى التنفيذي ، ولئن تظلّ كلّ الاحتمالات مفتوحة ومنها تعيين رئاسة الجمهوريّة لشخصيّة وطنيّة أخرى يعهد لها بتشكيل الحكومة ، فانّ الأقرب هو بقاء السيّد الجبالي ، وستحمل لنا الأيّام القليلة القادمة العديد من المستجدّات التي ستمكّننا من معرفة أي الخيارين أقرب للتحقيق ، خاصّة وانّ جميع الهيئات القياديّة للاحزاب والتنيقيّات في حالات اجتماعات مفتوحة ومتاصلة منذ الجمعة دون اي قرارات واضحة وقاطعة










#محمّد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياسين براهيم يُفقد الجمهوري بوصلته
- الاضراب العام في تونس أسبابه وانعكاساته
- اتّحاد الشغل والنهضة معركة وجود : فإما تونس تنتصر او مشروع ا ...


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمّد نجيب وهيبي - حول اغتيال شكري بالعيد وانعكاساته السياسيّة على تونس