أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - تشيخوف في الثورة السورية














المزيد.....

تشيخوف في الثورة السورية


خالد قنوت

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 12:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم أكن اتمكن من السيطرة على نفسي و أمنعها من الضحك بصوت عال مثيراً استياء البعض و تفهم الآخر عندما يلحظوني أقرأ كتاب لأنطون تشيخوف. كانت أفضل الكتب و أحبها إلي عندما أسافر بحافلة الكرنك أيام عزها. كنت أرى في كل شخصية من شخصيات قصصه ما يشبهها في واقعنا بكل تفاصيلها و ممارساتها مطلقاً الضحكة صادقة حقيقية و هذا ما يفسر عظمة أدب و فكر أنطون تشيخوف.
لكن تأثيرتشيخوف علي لم يكن خلال رحلاتي في الكرنك فقط و إنما كان يدعوني للتمعن بالناس العاديين في غمرة حياتهم اليومية فكثيراً ما كنت أجلس إلى مقعد حجري في منطقة جسر فيكتوريا حيث كان موقف سرافيس و باصات المزة و دمر و الهامة. كان يستهويني النظر إلى المارة و متابعتهم الواحد تلو الآخر لأخمن ما يفكرون به في تلك اللحظة. موظفين و عمال و طلاب كل واحد منهم مشغول بهمه مما يجعله منحني الظهر و عيونه للأسفل لكن الأكثر حزناً ذلك البؤس و الاستسلام لذلك البؤس الذي يظهر جلياً على الوجوه.
في مقلب آخر كان يثير الغثيان عندي شخصيات تشيخوفية حقيقية متسلقة و انتهازية تراها من موظف لمدير أو من مدير لوزير أو من مواطن عادي لعنصر مخابرات تافه أو أمين فرقة حزبية يعمل لدى أجهزة الأمن, يتذللون و يمسحون الجوخ لنيل الرضا.

في بلاد الغربة, لم يختلف المشهد كثيراً طبعاً لدى البعض من السوريين المغتربين. فقد وقفت بعيداً أتمعن بالحاضرين لحفلة جمع تبرعات للمتضررين من أهلنا في الوطن, كان معظم الحاضرين سوريين و بدافع وطني شريف قدموا و ساهموا في تقديم المساعدات لأطفال سوريين ضحايا حرب النظام على الشعب السوري.
لكن شخصيات تشيخوف وجدتها هنا أيضاً. متسلقون و مدعي نضال و قيادات ثورية لا تعرف تضاريس اساسية في سورية.
عندما يدخلون فعلى الجميع أن يعرف أنهم دخلوا القاعة بأن تعلو أصواتهم مقبلين كل من كانوا بطريقهم, من سوء حظي كنت ممن تلقى قبلة سورية قوية من دون أحم أو دستور. تعارف سريع و أصوات الاشتياقات التي لا تستغرق سوى ثواني لينتقل إلى شخص آخر و تعاد التمثيلية الهزلية. أذكر أني في أول لقاء لي معه, أنكر علاقاته السابقة بأجهزة الأمن و قيادات حزب البعث في سورية دون مقدمات و دون أن أعرف هذه المعلومة بالأصل.
عاد إلي و سألني عن ما أكتب هذه الأيام, فبدأت بالحديث عن مبادرة الشيخ معاذ الخطيب و تداعياتها حيث كان الجميع يسمعون كلماتي, و عندما بدأت بشرح موقفي بأن الشيخ معاذ يتعرض لضغوط شديدة, علا صوته مجلجلاً: لا ..لا تقلي عن الضغوط التي يتعرض لها الشيخ معاذ!!. بلهجة من كان قبل قليل مع الشيخ معاذ و من دون مقدمات بدأ يتحدث عن رحلته الأخيرة لمخيمات اللاجئين السوريين في تركيا و دعانا لكي نشاهد صوره هناك مع الأهالي و مع ناشطين صاروا نجوم الثورة في الفضائيات العربية.
انسحبت دون أن يشعر بي, فقد كان ينظر إلى سقف الصالة و لم يكن يوجه نظره لأحد معين من الحاضرين.
كان معه سيدة جميلة لا تخلع علم الثورة السورية عن كتفيها و لو على قطع رقبتها و لا تكل و لا تمل من إظهار أساورها البلاستيكية التي رسم عليها علم الاستقلال المصنوع في معامل الصين الشعبية صديقة النظام الاستبدادي.
أحد الحاضرين سألني هل تعرف هذا المناضل الثوري شخصياً, قلت له: و لماذا؟ قال: ياليت لو تعرفني عليه. قلت: أبداً لا أعرفه. قال لي: هناك شخصيات مهمة أخرى قادمة للحفل و هو عضو في الائتلاف الوطني و آخر عضو في المجلس الوطني و لكنهما لن يحضرا بسبب تراكم الثلوج. فحمدت الله على الرأفة بعباده. اندس الرجل بين الجمع المستمعين لتفاهات المناضل المجلجل, منحني الرأس مبتسماً ابتسامة الحبيب, مستعيداً بذلك شخصيات تشيخوف الرخيصة سيئة السمعة و المضحكة أيضاً.
في ذات الحفلة كان هناك طبيب شاب سمعت عنه الكثير, يسافر كل شهر ليعمل في المشافي الميدانية في داخل سورية و على الحدود. كانت المرة الأولى التي أقابله فيها. صوته أقرب للصمت و تواضعه أقرب للأنبياء. قال لي: هذا أقل ما يمكن أن نقدمه للبلد.
و غاب بين الحضور دون ضجة.

نعم, مازالت شخصيات تشيخوف تعيش بيننا و في كل الظروف و الأوقات, تراها مع النظام المقاوم الممانع و بعد حين تراها مع الثورة و الثوار و قادة المعارضات.
لقد حولنا نظام حافظ الأسد جميعاً إلى شخصيات تشيخوفية بالحديد و النار و الإرهاب, حتى نفسي أشعر أني شخصية تشيخوفية في بعض الأوقات, كأن أنحني (هنا) لمدير أو نائب برلمان أو شخصية مهمة أوعندما أعبر بجانب سيارة شرطة فأحس بالذنب و التوتر.
هذه ثقافة الرعب التي أسس لها نظام الاستبداد الأسدي و عششت في كياناتنا و لا أظن أن جيلاً أو جيلين من عصور الظلام الذي عشناه يمكن لنا أن ننتزعها في أعماقنا بسهولة حتى في بلد نحن فيه نعيش حرية محمية بالدساتير و القوانين و الأعراف. من المنطقي أن يكون المتسلقين و الانتهازيين ليسوا سوى إفرازات طبيعية لتلك الثقافة و ما من وسيلة لانقراض هذه الشخصيات سوى أن نبني ثقافة حرة بعيدة عن العنف و الاستبداد و الإرهاب.

لا نغفل أن هناك حقيقة ساطعة اليوم,أن في الوطن نفسه من استطاع أن ينتزع عنه هذه المذلة و يرميها بوجه الطغيان و قد دفع الثمن غالياً و يستمر بذلك دون تردد.
اليوم هناك سوريون يعملون بصمت و تواضع و في يدهم كل الإيمان و نصف الحقيقة و بقي عليهم امتلاك النصف الثاني بتحقيق حرية الوطن كاملاً, و هذا مصدر ثقتنا بانتصار الثورة.



#خالد_قنوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نهاية العام الثاني للثورة...ما العمل؟ أيضاً
- الممكن, في الوصول لأهداف الثورة
- كم كنت وحدك؟
- السوريون الأحرار ضمانة لأهداف الثورة
- الثورة السورية اليتيمة بين حصارها و عنادها
- لدينا خادمات سوريات..
- العيد يأتي قريباً
- لافروف و عودة الابن الضال
- طلاب الولاية لا يولون
- بين خبزنا و دمنا, رسائل
- الانتلجنسيا السورية و سراب الحل السياسي
- سيناريو وطني يوم تحرير الوطن
- أين ذهبت أموال الإغاثة و التبرعات؟؟
- إلى ما قبل قبل العصور الحجرية
- الأكراد السوريون..سوريون أكراد
- ثلاثة مشاهد في اسبوع واحد
- لماذا جرمانا؟
- قصة من مطار مرج السلطان
- سورية الجديدة تحت المظلة الديمقراطية
- نكسة أم انتكاسة؟


المزيد.....




- الصحة في غزة ترفع عدد القتلى بالقطاع منذ 7 أكتوبر.. إليكم كم ...
- آخر تحديث بالصور.. وضع دبي وإمارات مجاورة بعد الفيضانات
- قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة ...
- بوريل من اجتماع مجموعة السبع: نحن على حافة حرب إقليمية في ال ...
- الجيش السوداني يرد على أنباء عن احتجاز مصر سفينة متجهة إلى ا ...
- زاخاروفا تتهم الدول الغربية بممارسة الابتزاز النووي
- برلين ترفض مشاركة السفارة الروسية في إحياء ذكرى تحرير سجناء ...
- الخارجية الروسية تعلق على -السيادة الفرنسية- بعد نقل باريس ح ...
- فيديو لمصرفي مصري ينقذ عائلة إماراتية من الغرق والبنك يكرمه ...
- راجمات Uragan الروسية المعدّلة تظهر خلال العملية العسكرية ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد قنوت - تشيخوف في الثورة السورية