أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عدنان اللبان - علي خليفة وأبنائه الشهداءاحد معالم النضال الوطني















المزيد.....

علي خليفة وأبنائه الشهداءاحد معالم النضال الوطني


عدنان اللبان

الحوار المتمدن-العدد: 4001 - 2013 / 2 / 12 - 01:23
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    



كم يحتاج الشيوعيون وهم يتوجهون الى الانتخابات البرلمانية ان يستعيروا من التاريخ مكونات شخصية لقيادات شعبية ملئت قلوب الجماهير حبا , ونبلا , وإيمانا بمستقبل زاهر , يوم كان الانتماء للحزب الشيوعي يكلف الشخص حياته . فمن كان لا يعرف كاظم الجاسم ومعن جواد في الفرات الاوسط , وتوما توماس في الموصل , وعلي الشيخ حمود والشاعر زاهد محمد في الحي , وسعيد متروك في الكاظمية , وعبد الواحد كرم وفعل ضمد في العمارة , وابو سرباز في السليمانية , وجليل حسون في الشطرة والجبايش , وعلي خليفة في كركوك , وهندال جادر في البصرة , وعشرات غيرهم على امتداد ارض العراق , يوم كان الصراع على اشده بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي , ويوم كان الوفاء دين للرفقة . وبعد انهيار النظام الاشتراكي , بدأت الرأسمالية زحفها لاقتلاع كل القيم الانسانية الملازمة للفكر الاشتراكي , وما هي الا سنوات قلائل حتى اصبح الدولار الرب القادر على تسيير كل شئ , وفقد بعض الشيوعيين بوصلتهم وباتوا يحاكمون تاريخهم وتاريخ حزبهم بنفس منطق الربح والخسارة لقيم السوق , لا يفرقون بين مرحلة وأخرى , ولا يفرقون بين ( انتصار ) يزيد و( خسارة ) الحسين .

تملكتني هذه الكلمات وأنا اقرأ مذكرات الرفيق ابو سرباز ( احمد باني خيلاني ) , وقد تطرق لذكر احدى هذه القيادات الشعبية وهو مام علي خليفة , الذي نذر حياته وحياة عائلته لنبل المبادئ التي بشر بها الحزب الشيوعي . مام تعني باللغة الكردية العم , مام علي خليفة قصير مربوع , ويمتلك قوة جسدية يحسد عليها , كان قد تجاوز الخمسين من العمر عندما عرفته لأول مرة في مقر قاطع السليمانية وكركوك لأنصار الحزب الشيوعي عام 1982 . كان يرفض اي اعفاء له للمشاركة في الاعمال اليومية للأنصار , من حراسات , وبناء القاعات من الحجر , وجمع الحطب , وخفارات الخدمة الرفاقية , حاله حال جميع الانصار , ومنهم ابنائه الخمسة الذين توزعوا بين المفارز والمقرات والسرايا المقاتلة , وكان اكبرهم ( محي الدين ) الذي كان يعمل لاعادة تنظيمات الداخل في كَرميان , وهو السهل الممتد بين طوزخرماتو في كركوك الى جبال قرداغ في السليمانية .

علي خليفة كان يمتلك محل تجاري في طوزخرماتو , يتاجر بين الخالص او ( ديل تاوه ) كما يحب ان يسميها باسمها القديم , وبين طوزخرماتو وكركوك في الحبوب والتبغ والتمور . كان معروفا ليس لأبناء طوزخرماتو فقط بل لكل القرى والبلدات الممتدة بين الخالص وكركوك . يجيد الكردية والعربية والتركمانية وشئ من الكلدانية , لم يدخل المدرسة وتعلم القراءة والكتابة بجهود شخصية . شارك في اغلب نشاطات الحزب منذ خمسينات القرن الماضي , وتعرض عدة مرات للاعتقال . رغم مرحه وحبه للنكتة كان عصبي المزاج , وسرعان ما تتحول عصبيته الى شراسة عندما يتعلق الامر بالتجاوز على الحزب . كانت شرطة الامن في قضاء طوزخرماتو تتحاشاه , وعندما يقررون اعتقاله اما ان تذهب اليه مفرزة كبيرة او يستدرجوه الى كمين ينصبونه له .

يقول ابو سرباز في مذكراته صفحة 143 : "بعد ان نقل الشيوعيون بعد انقلاب شباط الاسود من السجن ( في كركوك ) الى محجر لوحدهم , حيث كان في المحجر اثنا عشر شيوعيا , وكانوا يأكلون في سفرة واحدة حتى مجئ الرفيق ابو سرباز ورفيق آخر معه , غير ان الرفاق الآخرين الذين نقلوا الى المحجر بعدنا لم يشاركوا الاكل على السفرة , بل كانوا يأكلون فرادي , وقد سألني عدد منهم عما اذ كان ممكنا ان يأكلوا لوحدهم , وقلت لهم : الامر يعود اليكم .
غير ان الرفيق علي خليفة حينما علم بالأمر جاءني قائلا : لماذا قلت لهم ان بإمكانهم ان يأكلوا لوحدهم ؟
قلت : يا عزيزي .. انهم يخافون ولا يرغبون ان يأكلوا معنا على نفس السفرة , ولكنهم جاءوا وسألوني عما اذا كان بإمكانهم ان يأكلوا لوحدهم وقد اجبتهم ان الامر يعود اليهم , ويستطيع ان يأكلوا كما يرغبون . وهذا كل ما في الامر !
ولكن الرفيق علي احتد , وقال بصوت عال : ان من يصبح شيوعيا يجب ان يضع امام عينيه بأنه يمكن ان يقتل تحت التعذيب او في المظاهرات او في الصدام مع العدو ! فلماذا هذا الخوف ؟! وسب حزب البعث , وقال : انا شيوعي .. وليأت البعثيون ليعدمونني !!
فهدأته وقلت له : يجب مراعاة وضع الرفاق وتقدير الوضع المأساوي الذي نحن فيه ".
ويؤكد ابو سرباز :" لقد كان لنا في المحجر رفاق لعبوا حقا دورا رائعا في تقوية معنويات الموقوفين , امثال علي خليفة , وحسن كبابجي ".

عند اشتداد الهجمة على الشيوعيين عام 1978 م ترك مام علي عمله وبيته وكل ما يملك , وصعد مع عائلته الى المناطق التي لا تستطيع السلطة الوصول اليها وأصبحت قواعد للأنصار الشيوعيين . وترك زوجته في منطقة "جباري " الممتدة الى يمين الطريق الذاهب من كركوك الى السليمانية عند عائلة صديقه ورفيقه علي جباري , الى ان استقر وضعها وأخذت تعمل مراسل بريد حزبي بين القيادة وكركوك .
وفي خضم اندفاع مام علي وعائلته في العمل الحزبي والأنصاري , وتفرقهم في اماكن مختلفة , وأصبح يعز عليهم اللقاء لفترات طويلة , وعندما كان هو متواجدا في مقر قاطع السليمانية جاءه خبر استشهاد ابنه الكبير ( محي الدين ). وقد اغتيل من قبل ابن عمه المندس ( صلاح ) في احدى قرى كَرميان , ثمنا لتسليم نفسه الى السلطة . ويقال انه التحق بالأنصار الشيوعيين لكي يغتال محي الدين نظرا لما يشكله الشهيد من خطورة على السلطة في المنطقة . في تلك الفترة دأبت سلطة البعث على اجبار اقرباء وأبناء الرفاق والشهداء للاندساس بقوات الانصار لكونهم مرحبا بهم , والتحقيق معهم يكاد ان يكون شكليا .

تحمل مام علي الصدمة بكل جلد , فالقاتل المدسوس ابن اخيه , والشهيد ابنه البكر , وكان مثلا في استيعاب الحالة المعقدة لتلك المرحلة . وعندما التقى بزوجته بعد فترة قصيرة على استشهاد محي الدين .. نظر الواحد بوجه الآخر لمدة – ربما كانت دقائق – دون ان يتفوه ايا منهما بكلمة واحدة ... لقد تجمد الزمن . كنا اكثر من عشرة رفاق ورفيقات , تجمدنا معهم , ولفتنا الرهبة الى قاع السكون , كنا نرى , ونسمع , كيف شيعا ولدهما , ودفناه , واتفقا في ذلك السكون على ان لا تنتحب , كان يخاف منها ان تصرخ وتوصل تماسكه الى نهايته . وهي , كانت احرص على ان تلوذ وتحتمي بذلك السكوت .... استمر وجودها لمدة اسبوع , ودعتنا , وكنا عندها كلنا ابنائها .

كان الحزب يساعد الانصار بخمسة دنانير شهريا , وأول شئ فعله مام علي هو تركه اتدخين , واقنع الكثير من الشباب على تركه ايضا , كون المساعدة لا تساعد على هذا البذخ ومن العار ان يستدين الرفيق كي يدخن . كان يستفز عندهم الرجولة للتحكم بالسلوك قبل نصيحة الاهتمام بالصحة التي يعتبرها تقليدية . كان معه اثنان من اصغر ابنائه , حسين في الخامسة عشرة , وحسن في الثالثة عشرة , ومن هذه المساعدة عليه ان يتدبر امر مصروفهما . كانت لديه بدلتين , وعندما اهترئت احداهما اراد الحزب ان يساعده في شراء بدلة جديدة , الا انه رفض , ومن المساعدة التي يحصل عليها مع ابنيه تدبر شراء هذه البدلات لثلاثتهم .

في الصفحة ( 140 ) يتحدث الرفيق ابو سرباز عن وجودهم في سجن كركوك عام 1962 م : " كان في السجن قاووش كبير ( قاعة كبيرة ) يشغله الفلاحون الفقراء , وكان رفيقنا علي خليفة وهو كادر معروف في منطقة كركوك مراقبا للقاووش , ويعامل الجميع بصورة متساوية وجيدة , ويراعي المسنين والمرضى , ويهتم بنظافة القاووش , ويوزع الاكل عليهم وخاصة اللحم بالتساوي , على خلاف ما كان يجري في الغرف الاخرى . فحاول قسم من كوادر حدك تبديله وتنسيب شخص آخر مكانه من جماعتهم , فأجروا انتخابات , غير ان الفلاحين الفقراء صوتوا بالأغلبية لرفيقنا علي خليفة رغم محاولات الجماعة لمنع الفلاحين من التصويت له لكونه شيوعيا دون جدوى , فقد انتخبه الفلاحون بأغلبية ساحقة رغم كون غالبيتهم من الموالين لحدك " .

الشهيد الثاني كان ابنه ( ابو فيان ), كان وسيما ونحيلا , ونسميه تحببا المسيح , لكثرة الشبه بينه وبين صورة المسيح وهو على صليبه . كان من الشيوعيين الذين يجمعون بين ثقافة عالية وبين امكانيات ميدانية تعرف كيف تتعامل مع الجميع . ابو فيان استشهد في كلار بعد الوشاية المعروفة من قبل المندس ( خبات ) وهو من الدوز ايضا , ابو فيان لم يزكيه لمدة عامين على التحاقه في الانصار , كان شديد الحذر منه الى فترات طويلة . الا ان بقاء خبات فترة طويلة في الانصار , وإخلاصه في العمل , وعدم تردده عندما يكلف بالخروج مع أخطر المفارز , مما دفع البعض لتزكيته بمن فيهم صديقه البطل الشهيد احمد بازوكا , وهو ما اثر على موقف ابو فيان منه , حتى تم له استدراج ابو فيان الى منطقة قريبة من كلار ليغدر به خبات ويلتحق الى السلطة عام 1987 م .

كان مام علي خليفة يفتتن بالتفاصيل الاخلاقية للإنسان المبدئي , ويمتلئ بالفخر والامتنان للرفيق الذي يكون ضميره كحد السيف في استقامته . كان يعمل في تجارة التبغ والتمر والحبوب , وفي احدى المرات , باع خمسين حلانة تمر الى شخص يعرفه وبالاتفاق فقط , على ان يأتيه في اليوم الثاني . والحلانه اسطوانة تتم حياكتها من خوص سعف النخيل ويكبس فيها التمر , وتزن عشرين او خمسة وعشرين كيلوغرام للكبيرة منها . كان سعر الحلانة مائتي وخمسين فلسا , وجاء مشتري آخر ودفع له ثلثمائة وخمسين فلسا في الواحدة , الا ان مام علي رفض ان يبيع رغم انه سيربح خمسة دنانير اضافية وفي فترة الستينات من القرن الماضي . وانتظر المشتري الاول الى اليوم الثالث حيث استلم المبلغ وسلمه البضاعة .
سأله ابنه ماجد الذي اصبح الكبير بين ابنائه بعد استشهاد ابو فيان : لماذا لم تبع الثاني ولا احراج عليك , فهذه هي التجارة ؟!
اجابه مام علي : ان اتفاقه الاول اهم من الربح , والصدق هو رأسماله الحقيقي في التعامل مع الآخرين .
يقول ماجد : انها احد الافكار التي نبتت في داخلي , وأخذت توجه حياتي .

استشهد ماجد في معارك الانفال الشرسة التي شنها النظام الصدامي المقبور على كردستان بعد انتهاء حربه مع ايران . واختفى ايضا ابنه الآخر حسين الذي يصغر ماجد في ذات المعارك , وسمعت من احد الرفاق انه لايزال حيا , والشئ المؤكد هو ان اصغرهم حسن بقى على قيد الحياة . مات مام علي وهو فخور بالحياة التي عاشها , كما يؤكد رفاقه الذين لازموه الى نهاية رحلته . لقد كانت حياته وحياة عائلته احد الروافد التي امدت التاريخ الوطني بخيرة ابنائها , ويبقى مام علي وعائلته احد المشاعل الوهاجة في تاريخ الشيوعيين العراقيين كونهم المدافعين الحقيقيين عن حرية العراق .



#عدنان_اللبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات لها رائحة الورد( يحيى عزيز الحميدي )
- في قلب الحدث
- احتفال انصاري
- عندما سمعنا ان النظام آيل للسقوط
- بين سنوات الجمر ونابليون بونابرت
- كان شهيدا وهو في عز الشباب
- بعد ربع قرن-رأي في حركة الانصار الشيوعيين( 2 )
- بعد ربع قرن - رأي في حركة الأنصار الشيوعيين


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عدنان اللبان - علي خليفة وأبنائه الشهداءاحد معالم النضال الوطني