أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - علي الأسدي - الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... (2)..















المزيد.....

الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... (2)..


علي الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 3999 - 2013 / 2 / 10 - 01:37
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... (2)..

علي الأسدي

صممت الصين منذ السنين الأولى من البناء الاشتراكي على تنفيذ خطتها لبناء الصناعة الثقيلة وحيازة السلاح النووي برغم معرفتها جيدا انها ستكلفها غاليا اقتصاديا واجتماعيا. وبالنسبة للصناعة الثقيلة فقد حاولت الصين منذ البدء تنويع شركائها التجاريين من موردي معدات تلك الصناعة الهامة. كانت تلك السياسة جزء من ستراتيجيتها الاقتصادية والأمنية ، وما ترديد مصطلح الاشتراكية وفق الظروف الصينية الا انعكاسا لتلك السياسة. وقد انتهجتها منذ ثورة 1949 في عهد الزعيم الراحل ماوتسي تونغ ، ويرددها الاصلاحيون الآن أيضا رغم تخليهم عن الاشتراكية. وكنت انا شاهدا على تطبيق تلك الستراتيجية الوطنية منذ البدء.

اثناء زيارتي لمجمع لصناعة السيارات والآلات الزراعية عام 1959 وكان ذلك بعد عشرة سنوات على ثورة عام 1949 ، كان المهندس الصيني المرشد لي ولزملائي داخل اقسام ذلك المصنع يرد على استفساراتنا التي كنا نطرحها عليه. استفسرت منه عن منشأ أحد الاجهزة التي كانت تعمل أمامنا ، رد قائلا وكان يشير لها باصبعه انها من المانيا الغربية ، واستمر في الحديث وهو يقودنا الى أجهزة أخرى يابانية وألمانية أيضا. وقد فوجئت عندما بادر هو للتعليق على ذلك قبل أن أسأله لماذا هذا التنوع في الموردين بينما تستطيعون استيرادها من بلد واحد ...؟ فقال :

اننا لا نعتمد على مصدر واحد ، لاننا لا نحصل عليها مجانا ، ولنا حق اختيار الجهة التي نتعاون ونستورد منها. كان توضيحه مفاجئة لي كما لزملائي ، لأننا كنا نعتقد خطأ بأن الاتحاد السوفييتي هو المجهز الوحيد للدول الاشتراكية جميعها بما تحتاجه وان التعاون مع دولة غربية هو آخر ما نفكر به بسبب موقف الغرب المعادي للاشتراكية. بعد سنوات من زيارتي تلك فوجئت بتردي العلاقات بين الدولتين الاشتراكيتين وبالمناوشات على الحدود السوفييتية الصينية وسقوط قتلى وجرحى ، وكانت تلك مفاجئة صادمة أخرى ، فلم أتوقع أبدا أن تصل الخلافات بين دولتين اشتراكيتين الى التراشق بالسلاح. عندها أدركت مغزى ما شرحه المهندس المرشد في قاعات مجمع صناعة السيارات القريب من بكين ، وازددت احتراما للحكمة التي تلتزم بها القيادة السياسية الصينية ، وهي عدم المساومة على استقلالية قراراتها السياسية والاقتصادية. كنا نعرف حينها أن الصين قد تزعمت جناحا معترضا على السياسة السوفييتية زمن نيكيتا خروشوف تجاه القائد السوفييتي الراحل جوزيف ستالين ، لكن لم نكن نشعر بعمق تلك الخلافات الفكرية التي قادت الى الأحوال التي انتهت اليها الحركة الشيوعية العالمية.

آخذين بنظر الاعتبار كل تلك العقبات فان الصين او أي دولة أخرى تحاول خوض غمار هذه الصناعة ينبغي لها أن تضحي كثيرا وتنتظر طويلا ، وان تكون مستعدة لتبرير تجويع شعبها من اجل الوصول الى تحقيق ذلك الهدف. ففي المرحلة الأولى من بناء الاشتراكية تكون المهمة الأكثر الحاحا هي تحسين مستويات معيشة الشعب ، أو تجبر شعبها على الجلوس ومراقبة الكتل العملاقة من منتجات الحديد والصلب وهي ترتفع في الفضاء لتأتي بالرفاهية التي كانوا ينتظرونها بافواه مفتوحة وبطون خاوية.

مما تقدم نصل الى خلاصة أن الصين باستنساخها ذلك " الخطأ " من السوفييت لم تخطأ ، والاتحاد السوفييتي لم يخطأ هو الآخر في تبني ذلك الخيار بالذات ، دون أن يعني هذا انه لم يخطأ في مجال آخر. لولا الصناعة الثقيلة لما تمكن الاتحاد السوفييتي ان يبني واحدة من أهم صناعاته الوطنية لانتاج السلاح بالجودة والكمية التي تطلبتها جبهات الحرب ضد النازيين واليابانيين في الحرب العالمية الثانية. والصين الشعبية ليست استثناء ، فهي تسير اليوم على ذات الطريق الذي قاد الاتحاد السوفييتي للنصر في الحرب العالمية الثانية. ليس تمجيدا بالصين أو بالاتحاد السوفييتي ولا بعسكرة الانتاج ، انما هو الواقع كما حدث وكما يحدث اللحظة الراهنة ، فدول الحلف الاطلسي تتسلح حتى الاسنان فلماذا الصين أو روسيا لا..؟

الصين الشعبية أشادت صناعتها الثقيلة ، تلك الصناعة التي مادتها الأولية الرئيسية هو ذلك الجزء الشهي من قوت شعبها الذي تستقطعه عنوة لتكون بالمستوى الذي يضعها الى جانب الدول الصناعية الكبرى. وبذلك فقط تحافظ على سلامة شعبها ومستقبل دولتها ومصالحها السياسية والاقتصادية في حال تطورت السياسة الدولية الى الوضع الذي تجبر فيه على استخدام السلاح. فهي تعرف أيضا أن هناك قوى كبرى مازالت تطمح لاعادة عجلة التاريخ الى الوراء ، عهد الهيمنة الاستعمارية لاستغلال خيرات الشعوب باساليب جديدة ناعمة وخشنة.

بعد وفاة زعيم الحزب الشيوعي ماوتسي تونغ منتصف السبعينيات ( 1976)، دخلت قياداته في صراع فكري داخلي تمخض عن ظهور جناحين متنافسين ، جناح الاصلاحيين الذي حبذ المرونة في الآليات السياسية والاقتصادية بقيادة دينغ أكسياوبنغ المعزول حينها من الحزب وكان الأكثر قبولا ، والجناح الآخر المتشدد الذي عرف بجماعة الأربعة الرافض اجراء التغيير في سياسة الحزب وتتزعمه زوجة الراحل ماو. انتصر التيار الاصلاحي وأعيد الاعتبار لعضو الحزب المعزول دينغ أوسياو بنغ بعد طرد مجموعة الأربعة من قيادة الحزب الشيوعي الصيني.

وبعد انتخابه لقيادة الحزب عام 1978 باشر بنغ حركة الاصلاح السياسي والاقتصادي في الصين الذي كان سلفه قد رفضها ، فأيد الانفتاح على النشاط الرأسمالي الصيني الخاص على رأس المال الأجنبي بهدف الانتقال الى " اقتصاد السوق " ، وهي الصيغة المخففة لمصطلح الرأسمالية. وحتى تكون أكثر قبولا من قبل أنصار الاشتراكية أطلقوا على برنامج الاصلاح " اشتراكية اقتصاد السوق وفق الظروف الصينية " لايهام من لايزال يعتقد ان الصين دولة اشتراكية بالمحتوى الذي كانت عليه ايام زعيمهم ماو تسي تونغ. وكان بنغ قد صرح قبل اختياره رئيسا للحزب ان الانتقال باقتصاد زراعي متخلف الى اقتصاد صناعي اشتراكي حديث ليس فقط صعبا ، بل مستحيلا ، ولابد من المرور بمرحلة التصنيع الرأسمالي. واعلن عن السياسة الجديدة للحزب والدولة التي لاقت قبولا من أكثرية قيادات الحزب الشيوعي الصيني.

مرت الاصلاحات بعدة مراحل قبل أن تصل الى ما هي عليه الآن ، حيث يزداد اندماج الاقتصاد الصيني في الاقتصاد الرأسمالي العالمي. ففي البداية اتخذت الاصلاحات ثلاثة مسارات باتجاه الرأسمالية ، الأول في الريف – حيث سمح للفلاحين بالنشاط المزرعي الخاص ، دون ان يتملكوا الأرض الزراعية ، حيث اعتبروا مستأجرين لها ، يستطيعون استخدامها لأي نشاط انتاجي زراعي باستثناء نقل ملكيتها الى آخرين. كما تم تفكيك نظام الكومونات المزرعية الذي كان قد طبق إبان المرحلة الأولى من بدء بناء الاشتراكية في الصين.
ثانيا – السماح للمواطنين من غير موظفي الدولة مزاولة النشاط الاقتصادي الربحي في المدن الصينية.
ثالثا – تخصيص مناطق صينية للنشاط الاقتصادي الرأسمالي الحر من أي ضوابط لتكون نافذة على الاقتصاد العالمي وفق المنظور الاصلاحي ، وتعمل خارج دائرة النشاط الاشتراكي ، وقد جرى التوسع في هذا النمط الاقتصادي الرأسمالي ليشمل مناطق أخرى على الشواطئ الجنوبية للصين.(2)

وحقيقة تلك النافذة انها ليست نافذة على الاقتصاد العالمي ، بل سوقا مفتوحة بدون نوافذ وأبواب لجذب الرأسمال الاجنبي ، وحيث لا توجد اية ضوابط فيها على سوق العمل والأجور وساعات العمل. فكل النشاطات تخضع لشروط عمل قوى السوق ، ولا تتدخل اتحادات العمال أو الدولة لضمان الحد الادنى لاجور أكثر من 30 مليونا من العمال المسحوقة كرامتهم بأجور الكفاف التي تعمل في تلك السوق. ويستثنى منهم بعض فئات العمال العالي التدريب التي تحصل على أجور أعلى من الكثير من العمال الآخرين. اليد العليا في الاقتصاد الراسمالي في هذه المناطق الاقتصادية المفتوحة هي لأرباب العمل الآجانب ، حيث يستطيعون فرض الأجر الذي يحقق لهم أعلى تراكم رأسمالي يحلمون به.

للاصلاحي دينغ أوسيايو بنغ مقولة برر فيها هذا الاستغلال الشنيع للعمال تقول " ان استغلال العمال يمكن التغاضي عنه بخاصة في المناطق الاقتصادية المفتوحة لتشجيع رأس المال الأجنبي وللانضباط والتنافسية بين القوى العاملة." (3)

المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي انعقد عام 1992 أكد على التزام الحزب والدولة على السير قدما بسياسة اشتراكية اقتصاد السوق وفق الظروف الصينية. وجرى في ذلك المؤتمر الغاء مبدأ الملكية العامة لوسائل الانتاج القاعدة الاساسية للاشتراكية ، وبناء على ذلك القرار جرى البدء بخصخصة آلاف الشركات المملوكة للدولة في المدن والأرياف بتحويلها الى شركات مساهمة خاصة ذات المسؤولية المحدودة. لم يجري خصخصة جميع المشاريع المملوكة للدولة مرة واحدة بسبب نقص الكفاءات الصينية ذات المعرفة بادارة تلك الشركات وفق النظم الادارية الراسمالية. ويفسر هذا السبب الذي يدفع الصينيين لتشجيع الشركات الرأسمالية ذات التقنية المتقدمة بالادارة والتنظيم والحسابات ليستفيد منها الصينيون في التعامل مع مشاريعهم الرأسمالية المستقبلية. في واقع مثل هذا لا يمكن التفكير بمنقذ حيث يكون الخيار هو اللاخيار ، وان أي خيار يمكن تصوره هو القبول بالرأسمالية لا الاطاحة بها. اشتراكية السوق هي بالضبط كذلك.
علي الأسدي - يتبع



#علي_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية ..(1)
- القرضاوي .. يتدخل بالسياسة العراقية ؛؛؛
- المحذور الذي كنا نخشاه ... قد وقع ؛؛؛
- التعامل الايجابي مع مطالب أهل الأنبار .. واجب وطني..
- لا تصبوا الزيت على النار... بل اخمدوها...؛؛؛
- التورط التركي في سوريا .. لمصلحة من ...؟؟
- لماذا يتدخل الغرب ... في الشأن الداخلي السوري...؟؟
- ملاحظات حول رسالة أينشتاين ..ردا على ابراهامي...
- لماذا رفض الفلسطينيون ... القرار الدولي رقم 181 ....(الأخير) ...
- لماذا رفض الفلسطينيون .. القرار الدولي رقم 181.....( 1 )...؟ ...
- الذكرى ...... التي تحمل آمالا جديدة...
- لماذا اغتالت اسرائيل ... أحمد الجابري .. ؟؟
- حوار ودي ... مع شيوعي أنارخي...
- قرارالأمم المتحدة حول فلسطين مدعاة للابتهاج... أم البكاء.... ...
- حوار ودي ... مع شيوعي كوموني . ..
- الرأي اليهودي الآخر...في الحرب على غزة ..
- رسالة طفل من غزة .. الى الجنرال ايهود براك ..،،
- هل بدأ الزحف .. يا ولدي..؟
- الحقائق الثابتة ... التي لا يريدون لنا التحدث عنها ...(3)..
- الحقائق التي ... لا يريدون لنا التحدث عنها.... (2)..


المزيد.....




- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...
- جامعة كولومبيا تعلق المحاضرات والشرطة تعتقل متظاهرين في ييل ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - علي الأسدي - الصين الشعبية ... والانتقال الى الرأسمالية... (2)..