أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد بولس - إليكَ أيّها الأشرف














المزيد.....

إليكَ أيّها الأشرف


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 3996 - 2013 / 2 / 7 - 17:25
المحور: القضية الفلسطينية
    



أصلُ ساحةَ سجن الرملة في ساعة صباحية. منذ تاريخ الظلمة، أتردَّد بوتيرة متعبّد على هذا المعقل. أهرول، أبلع ريقي بصعوبة وكأنني أغصّ في قضم سفرجلة، ومن برد يلسع وجهي. وجوه من قابلت، فيما خلا من أشهر، تتهافت كالرماح. أصواتهم في أذني وأعمق، تتدافع موجاتِ ألم وإصرارًا يردِّد: إن كان لا بدَّ من قبر فلا تدع سقوطنا أمامهم. أطلِقنا الى حيث الشوك روّى عريَ أقدامِنا. أعِدنا إلى فيء كرمة، حيث هصرنا غصون أحلامنا.
البعض يسمّي المكان مستشفى، وهو أوضع من أن يكون مجرّد عيادة بدائية غير مؤهلة لتوفير ما يحتاجه نزلاؤها من رعاية وإمدادات. وسائدُهم قلق، هواؤهم قلق وأحلامهم قلق، كلُّ واحد منهم موجة ودمعة. مرآة لوطن كسير وحطب لما كان ثورةً وصار ألعاب نار وفقاقيع بانتصارات متخيّلة. يُبكونني ولا يبكون ويعلمونني دومًا: "إذا كان رأس المال عمرك فاحترز/ عليه من الإنفاق في غير واجب".
أقابلهم فتصبح للأشياء معانيَ غيرَ التي يألفها بنو النعيم والكلام والبطر. هنا في هذا المكان كنت أقابل "زهير لبادة" و"أشرف أبو ذريع"من صارا نجمتين في سماء وطن وموتهما جريمة معلّقة في عنق سجانهم إلى أبد الآبدين والزمن. أقفز بخفّة شبح. أصل "غرفتي"، ذلك المكان الضيق كمصران أعور، يغلب طوله عرضه. أجلس كمصاب بنوبة "باسور".أنتظر مجيء سامر العيساوي وجعفر عزالدين وطارق قعدان. للحظة، أدرك أنني أضعت الكلام. أحاول أن أبعد وجه أشرف عن سطح الزجاج الذي أمامي لكنّه لاصق هناك. كان باسمًا، كما في آخر مرّة زرته، ولكن كانت بسمته هذه المرة أقرب للساخرة أو ربما للعتاب. وضعتُ يدي على الزجاج فكان باردًا. بعد تحديق انتبهت أن هذا الزجاج قبيح وأصم فعنه قد رحل وجه أشرف. ثوان، دقائق أو هي ساعات وأنا كالعاشق أتحرّق من لهفة وخوف فالأخبار نقلت أن سامرًا في حالة حرجة وخطر. كعادتي في مثل هذا الضيق حضرني ما أشغل به خاطري وكان القول لحماسي يعظ: "فلا وأبيك ما في العيش خير/ ولا الدنيا إذا ذهب الحياء". لم أكمل صراخي. مجرورًا على كرسي أدخل السجان، وقد ولد عربيًا، سامرًا وتركه قبالتي وترك هو الغرفة. شاحبًا كليمونة داره في العيساوية، نحيلًا كمصل سيف يماني، شاردًا كأروى الجبال، حاول أن يفي بوعده إلي. باعد شفتيه ليهديني، كما في كل لقاء، بسمة شعرتها تخترق ذلك الزجاج لتستقر في قلبي. طمأنني. فلقد تعلّم من ذلك العائد الى حيفا أن لا قيد باق ولا "خزان" قادر. "حرّيتي هي الثمن وهي الحياة وهي الكفن. لا ترهقوا الناس البسطاء الكادحين معنا ولكن اذكروا "جيراني" في هذه العيادة اللعينة. هم سادة العطاء والتضحيات، هم المرضى المعذبون الذين لا ينامون فأجسادهم خانت بعد حريق أحلامهم. عنهم تحدثوا ومن أجلهم اعملوا، فأنا والمضربون عابرون في هذا الهزيع وهم أبطال الليل والمعاناة والأسى".
طلبت منه فوقف بصعوبة ورفع ملابسه. صعقت. كانت أمامي بقايا من سامر، رفيق درب لزهير وأشرف ... بانَ الشوك في صدره أثرًا من يوم آدم وشاهدًا على زمن الخطايا. في ما كان صدرًا تراقص ذلك العصفور الذي لولا ذلك الزجاج اللعين كاد يطير ويحط في حضني.أخفيتُ خوفي وأفصحتُ عن قلقي.رجوتُه: نريدكَ، يا سامر، على الأكتاف عريسًا. عدنا أن تجيء عريسًا.وعدني وعاد إلى قلب المعركة/العرس.
تركتهم وعدت. تذكّرت أنني لم أخبرهم بما جئت لأخبرهم به. فلقد عدت من زيارة لمصر الشقيقة. هناك عَقَدت جامعة الأشقاء العرب جلسة خاصة ناقش بها مندوبو الدول العربية قضية أسرى فلسطين في سجون الاحتلال الاسرائيلي. (باستثناء سوريا الشقيقة التي جمّد الأشقاء عضويتها إلى أن تثبت أبوّة تصح للقربة والألفة والنسب). وافقت الدول على بياننا الختامي،لكنّهم تعاركوا على الديباجات، وما أدراكم ما الديباجات. "جزائر" تحتج، فكيف يشكر العراق بالتمييز وتغيب جزائر؟ وإن ذكرت جزائر فلمَ الاجحاف بحق تونس؟ وماذا عن المغرب واليمن وإن ننسى فلن ننسى جيبوتي وجزر القمر. تعثر صدور البيان لساعات، إلى أن تعبقرت الصياغة العربية فأرضت صمود جميع الدول الشقيقة ودعمها لأسرى فلسطين.
للحظة فكّرت بالعودة ثانية لأنقل لطارق ولجعفر مختصر ما حصل في ملتقى الجامعة العربية. لم أعد. بجانبي على المقعد ما زالت رسالة "عهر" وشهادة تخيفني وقد تخيف من تركت ورائي. مسكتها وغرقت بما كتبه "القائد العام لقوات جيش الدفاع في يهودا والسامرة" الذي أعلمني أنّه يرفض أن يفرج عن أشرف أبو ذريع قبل شهر واحد من انتهاء محكوميته الكاملة. هذا "القائد الهمام" يرفض طلبًا كنتُ قد تقدمتُ به باسم أشرف وبعد تردي حالته الصحية بشكل خطير جدًا. الموجع المبكي أن "القائد" علّل رفضه الإفراج عن أشرف قبل شهر من تاريخ الإفراج المقرر ليوم15/11/12 قائلًا بوقاحة "إن من شأن الإفراج عنه أن يشكل خطرًا على سلامة الجمهور وأمن المنطقة".
قرأتُ الرسالة وأشرف بوجهه الضاحك أمامي وأنا أحاول أن أخبئ دمعة. لم يسقط أمامهم. عاد "الخطير" من أسره للوطن، لغرفة العناية المكثفة. أمضى بها شهرين وارتقى بعدها نجمة تضيء سماء فلسطين. سلّم روحه إلى حبيبته ومضى "كالمسك تسحقه الأكفّ فيعبق". فهل من وعدٍ لرفاقِ أشرف؟!



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درس في الديماغوغية
- والدنيا لمن غلبا
- دَبّة صوت
- إنتخابات في اسرائيل
- تحطِّمُنا الأيامُ حتّى كأنّنا....
- عندما يكون العدل ورطة
- أما في الأرض من لبيب
- صوت صارخ في الصندوق
- تقاسيم على صبا تشرين
- شرعية على صفيح ساخن
- الضياع في غزة
- هل سنحبك يومًا أمريكا؟
- ونجّنا من الشرير
- في وحدتكم ضعفنا
- خسارتنا أمام -البارسا-
- عندما تصير أمريكا ملاذًا
- الزهايمر ... نسخة فلسطين
- سعاد
- الشيخ والمحكمة
- لا تطفئوا اللهب


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جواد بولس - إليكَ أيّها الأشرف