أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - موتانا وموتاهم















المزيد.....

موتانا وموتاهم


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 3989 - 2013 / 1 / 31 - 23:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من سنن الكون ونواميس الطبيعة وقضاء الله وقدره إن يموت الإنسان ويفنى إذ إن لكل بداية نهاية ونهاية الإنسان الموت الذي يدركنا ولو كنا في بروج مشيدة الإنسان يموت ليعود إلى التراب (الطبيعة )التي خلق منها واليها يعود (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى ) مكرها مضطرا ليس له ادني إرادة في الخروج من الحياة كما لم تكن له ادني إرادة في دخولها من قبل والإنسان يموت في الغرب كما يموت في الشرق إلا إن تقاليد ما بعد الموت ومراسيم ما بعد الوفاة تختلف اختلافا جذريا كليا في بلاد الغرب عنها في بلاد الشرق باستثناء بعض البلدان العربية والإسلامية مثل الجزائر إيران وتركيا , فالمرء عندما يموت في بلاد الغرب الكافر كما يحب اغلب رجال الإسلام السياسي تسميته عندما يموت الإنسان في مثل تلك البلدان فانه يجد من الحفاوة والتكريم ما كان يتمتع به وهو على ذمة العيش وقيد الحياة هذا إذا لم يكن سيتمتع بمقدار اكبر من الإجلال والإكرام الذي كان يجده وهو حي يرزق , فالإنسان هو الإنسان سواء كان حيا أم ميتا وفي كلا الحالتين فهو محترم مقدس مبجل لا يتوقع من الآخرين سوى التفاني في إنزاله أكرم منزل وارفع مثوى فهو إنسان قد عمل وكد وكافح ونافح من اجل لقمة العيش الكريم وبناء أسرة كريمة , فأتم رسالته وادى أمانته بكل جد واجتهاد. في بلاد الغرب عندما يموت المرء فانه يغسل ويكفن بطريقة غاية في التكريم والتقدير ثم يوضع في صندوق خشبي فاخر مبطن بالقماش السميك والفراش الوثير وكأنه سرير الملوك أو العرسان , قد حسن صنعه واحكم عمله ورقت حواشيه تكريما لمن يثوى بداخله ويرقد يقعره ,حتى إذا ما شيع كانت هنالك احدث وسائط النقل وأفضلها خدمة وأكبرها سعة, لتقله إلى مقبرة أشبه بجنينه واقرب إلى المتنزهات العامة ليعود هو وصندوقه الفاخر الساحر إلى باطن الأرض (الطبيعة ) فيعود ترابا كما كان من قبل أما ذويه وأهل بيته فأنهم يذرفون الدموع ويوقدون الشموع, فيبكون ويحزنون وهم فوق ذلك كله يقومون بالاحتفاظ بكل مخلفات الفقيد ويعتزون بكافة مقتنياته ويدخرون جميع أدواته من أعظم الأمور إلى أتفهها وأصغرها شانا .فتراهم يقتفون أثاره ويطلبون أماكن تواجده كما لو كان حيا يرزق فهذه بدلته وهذه ربطة عنقه وهذه حذاؤه وكل ذلك قد يجمع في صندوق زجاجي محكم يبقى مرجعا لأهله ويظل موئلا لذويه يعبق بشذاه ويضج برائحته ويكتنز بذكرياته وقهقهاته ومشاكساته ,أنهم يقدسون الأموات كما يقدسون الإحياء أما ما يحصل عندنا لا سيما في العراق فان من يموت هنا لا يحظى بعشر معشار مايحظى به المتوفى في بلاد الغرب الكافر جملة وتفصيلا والسبب في ذلك يكمن في أن قيمة الإنسان هناك تعتمد معايير غير تلك المعتمدة لدينا فالإنسان هناك يتبوأ أعلى مرتبة ويبلغ ارفع منزلة فهو مركز الكون وهو صانع الحياة وواهب العطاء وسيد المخلوقات , أما نحن فما زلنا نحيا في ظل ثقافات تقلل من شان الإنسان وتنتقص من مكانته , فهي أطروحات تشكك في قدراته ومواهبه ومزاياه بل أنها تسحق آدميته فتصفه بأبشع الصفات وترميه بأقذع العبارات فهو عبارة عن نطفة مذرة وجيفة قذرة وهو في مواطن أخرى بالوعة تمشي فوق الأرض كما وصفه احد المشايخ قبل أيام في ا حد مجالس التعزية,وهو بعد ذلك مصدر الشرور وموطن الفسوق والفجور , فإذا كان الإنسان بهذه الصفات المتدنية وهو حي يمشي في الأسواق ويأكل في الطرقات فما بالك به إذا فارقت روحه جسده لا شك إن التعامل معه آنذاك سوف يأخذ منحا سلبيا أخرا حيث يتحول الإنسان آنذاك إلى جسدا لا يحق لك لمسه أو شمه أو تقبيله أو حتى الاقتراب منه فقد أصبح نجسا واضحى ضارا فما عليك إلا إن تبالغ في تجهيزه وتسارع في ترحيله ومن ثم وضعه في صندوق بائس حقير ,متهالك الإطراف لكثرة من حمل به وجملة من حشر بداخله يبعث في النفس الوحشة ويلقي في الفؤاد السأم والضجر والكآبة ذو ثقوب وشقوق كثيرا ما تخرج إطراف الموتى من جوانبه وتبصر جوارح الصرعى من زواياه , ثم يسار بالفقيد على سطح المركبة وظهر الواسطة التي لا تصلح إلا لنقل السلع والبضائع وكأنه حاجة حقيرة وغرض بال فيقطعون به الفيافي ويطوون به القفار وهو في ذلك كله تذروه الرياح وتلفحه أشعة الشمس حتى إذا ما جاءوا به إلى ارض يباب ونزلوا به واد غير ذي زرع أخرجوه من صندوقه البائس فادخلوه في حفرة أكثر بؤسا وحشروه في ملحودة أعظم وحشة فشقوا له شقا وحفروا له أخدودا, وما كان منهم لو أنهم انزلوه بخشبته وأودعوه بكامل ألته ففي ذلك لله رضا ولعباده قبول فانك عندما تقف على نهاية عزيز من أعزائك وقريب من أقربائك وقد اخذ التراب يغطي كامل وجهه وسائر جسده , والابتسامة لم تغادر بعد محياه ولم تفارق شفتيه فانك تقف موقف المتفجع المتوجع فتستقبح منهم ذلك الفعل وتستعظم منهم ذلك الصنيع لكنك لا تقوى على المعارضة ولا تستطع المحاججة لان القوم قد استلطفوا الخطب فاستحسنوا القبيح واستقبحوا الجميل ,ثم أودعوا فقيدهم بأيدي غير أمينة, وعقول غير رزينة, ووجوه غير مؤتمنة ونفوس غير سوية يستخدمون أيديهم وأرجلهم في مراسم الدفن وطقوس الطمر لا يستحون ولا يرعوون ولا يخشعون لا يهمهم شيء سوى الكسب ولا يشغلهم سوى الربح خلت وجوههم من نور الهداية وارتسمت فوق جباههم أمارات العماية ,يهيلون التراب مسرعين ويحثونه متسابقين ليتحولوا إلى قبر أخر ويتوجهوا إلى حفر جديد وأنت في ذلك كله تقف مستنكرا وتنتصب معترضا لكنك تؤثر السلامة وتقدم التقية وسط مجتمع لا يقبل النصيحة ولا يتقبل النقد والمراجعة .
لا شك إن منظومة طقوس ما بعد الموت ومراسم ما بعد الحتف عندنا يجب إن تخضع لسلسلة عمليات من المراجعة والنقد والتمحيص شانها في ذلك شان سائر ملفاتنا المركونة على الرفوف العالية وهي تنتظر من يتصدى لعملية نفض الغبار من على صفحاتها ويتطوع للعمل على تشذيبها وتهذيبها بما يتلائم ويتوافق مع الحس الإنساني القويم ويتوائم مع الذوق السليم.
إننا عندما نطلع على أفاعيل بعض الشعوب وتقاليد بعض المجتمعات بخصوص مراسم دفن الموتى والتي لا تتماشى مع ما درجنا عليه من عادات وتقاليد فإننا ننعت هؤلاء بالجنون ونصفهم بالخبل والخطل لكنهم بالطبع ليسوا كذلك فقد يكونوا اكبر عقولا منا وأغزر إنتاجا وأطول باعا لكنهم إنما الفوأ ما وجدوا عليه أجدادهم وما درج عليه إباؤهم فهم على أثارهم مقتدون ,ولا شك إن هؤلاء يستغربون من أفاعيلنا كما نستغرب نحن اتجاه ما يقومون به من عادات وتقاليد . لا نؤد المقارنة بين تقاليد هذا الشعب أو ذاك في مثل هذا المورد بكل تأكيد ولكننا نؤد أن نؤكد على ضرورة مراجعة ما ألفناه من تقاليد وطقوس وأفكار وعقائد فإنما تصلح الأمم بمراجعة ملفاتها وتدقيق متبنياتها وتصحيح مساراتها أما إذا بقيت تراوح في مكانها وتعتز بما عندها من غث وسمين وصالح وطالح فإنها لا شك سوف تشهد النكوص والقهقرى وتقترب من السقوط والهاوية .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النص والمرأة
- مطر السوء
- القوم الكافرون
- أضغاث أحلام
- الإنسان أم الأديان
- هل يمتلك العراقيون دينا خالصا
- طقوس كربلاء من منظار اخر
- ما هو المطلوب من رجال الدين تحديدا؟
- شيوخ العطب والهلاك


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد عبدول - موتانا وموتاهم